أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب كاظم محمد - قصة قصيرة : السادس عشر من مارس














المزيد.....

قصة قصيرة : السادس عشر من مارس


طالب كاظم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 07:49
المحور: الادب والفن
    


لا يمكن نسيان يوم السادس عشر من مارس. أشياء عديدة حدثت وتزامنت مع الوقائع التي مرت في ساعات ما قبل ظهيرة ذلك اليوم:
كانت هناك فتاة مراهقة في مقتبل الحب، يبدو أنها كانت تنتظر أحدًا ما عند بوابة الزوراء، تتطلع بصبر ينفد إلى الموبايل، بينما السيارات المسرعة تختطف الطريق إلى وجهتها. هناك دراجة نارية ضخمة كانت متوقفة بالقرب من حافة الرصيف المعبّد بالبلاط الخرساني، وفيما رجل مرور يضع على عينيه نظارة "راي بان" بعدسات سوداء، بدت لي إلى حد ما نظارة مقلدة، إلا أنها انسجمت وشكل وجه الرجل الذي اعتمر خوذة بيضاء بواقية وجه معتمة. كان جادًا ومتزمتًا إلى حد ما، بسبب تقاطيع وجهه الحادة، وينتعل حذاءً جلديًا لامعًا بعنق طويل. كان منهمكًا في تدوين الملاحظات في دفتر صغير. في الجانب الآخر من الشارع، هناك رجل في الأربعين يحمل بيده اليسرى مفرشًا خاصًا بالمتنزهات وصندوقا بلاستيكيًا خاصًا بالرحلات، وباليد الأخرى أمسك بيد زوجته الحامل التي أسندت بطنها براحة يدها، وهي تضع قدمها على الشارع وأسندت كتفها إلى ذراع زوجها، الذي لوّح بيده منبهًا السيارات التي مرقت أمامهما كالبرق. سيارات عديدة امتثلت لإشارته فتوقفت، بينما المرأة الحامل تعبر الطريق بحذر تتقدمها بطن كبيرة. قلت لنفسي: ثمة روح آمنة تنمو في التجويف المليء بالماء.
ما إن وصلا الرصيف الآخر، أسرع الرجل بالتخلص من الصندوق البلاستيكي والمفرش، كما حرر يد زوجته من قبضته، وأسرع لملاقاة أطفاله الثلاثة الذين هبطوا سلم جسر عبور المشاة. في تلك اللحظة، ضغط رجل المرور دواسة الدراجة النارية بقدمه فانطلقت به حتى تلاشت صورته حين عبر تقاطع المحطة العالمية.
هناك سيارة تكسي توقفت بينما السائق الثلاثيني يتلفت حوله لعله ينال صيدًا ما تلقيه سيارات الأجرة الأخرى التي توقفت للحظات قصيرة قبل أن يلاحقها غبار ناعم وهي تغادر المكان. هناك بائع العلكة العجوز السبعيني، وهو نصف مخبول أو يدّعي ذلك ، لينال عطف الفتيات المراهقات. غالبًا أمضي وقت الانتظار بالتجسس عليه لعلي أصيده في موقف يبدي فيه نذالة ذكوريته البائدة.
هناك سيدة أنيقة في نهاية عقدها الخامس، أمسكت بيد صبية صغيرة في الثانية عشرة، حملت على كتفها آلة التشيللو الموسيقية كبيرة الحجم. الأمر لا يتطلب ذكاءً أو حدسًا خارقًا لكي أعرف، إذ قلت لنفسي بأنها تلميذة في مدرسة الموسيقى والباليه. مبنى المدرسة القديم يطل امامي بطرازه السبعيني في الجانب الاخر من الشارع

هناك شاب عشريني يرتدي بنطالًا ضيقًا وينتعل حذاءً بلا جورب، صفف شعره بطريقة غريبة. لأني مدمن مشاهدة الأفلام الخيالية، نطّت إلى مخيلتي صورة الديناصور، كان الشاب يشبهها إلى حد كبير؛ فشعره المدهون كان يتمتع ببريق مذهل، يبدو كحرشف متقرن انتصب على قمة رأسه. في الحقيقة يبدو كما لو كان يضع طربوشًا ضيقًا فوق رأسه، بينما حفت جوانبه حتى بان جلده الأبيض الرقيق. كان يتحدث إلى فتاة أصغر منه سنًا ترتدي بلوفرًا زهريًا وتنتعل حذاء "نايكي سبورت". ذلك اليوم، أعني اليوم السادس عشر من مارس، شهد العديد من المواليد الجدد الذين افتتحوا حياتهم بسمفونيات بكائية، مع لطمات الطبيبات على ظهورهم المزرقة. ليس من المستبعد أنه أيضًا شهد حالات إجهاض وموتى. هناك حادث مروع فوق سريع محمد القاسم تحطمت فيه عدة سيارات بسبب انشغال أحدهم بمكالمة. هناك طائرة هليكوبتر عسكرية هبطت في مطار المثنى طراز "مي 8"، في اللحظة التي مر بها باص حي البياع باب المعظم، بطابقيه ولونه الأحمر. سيارات عديدة مرت وناس أكثر ذهبوا إلى وجهاتهم، ولكن كل تلك الذكريات والصور الفوتوغرافية التي تسجلها عيناي ستمحى لاحقًا من ذاكرة مرهقة؛ فالنسيان واحدة من الهبات العظيمة التي أغدقها الله عليّ، طبعًا باستثنائك أنت: في ذلك اليوم، وهو على أي حال كان يومًا عاديًا جدًا، إلا أن السادس عشر من مارس لم يكن يومًا عاديًا، لأنك كنت أحد أعمدته السامقة. حينما لمحتك فجأة ببنطالك الكاكي وقميصك الذي لم يستطع إخفاء معالم أنوثتك رغم عقدك الخامس، كنت تلوحين بيدك لسيارة الأجرة المسرعة، بقوامك الجميل المتناسق، كنت كحمل وديع. لو تعرفين! تلك "لو" المستحيلة التي سببت لي الكثير من التعاسة غير المبررة. كنت أرغب باحتضانك بين ذراعي، أن أحملك فحسب لا أكثر، وأن أتحسس بشرتك التي بملمس المخمل. لا يمكن نسيانك، الأمر لا يتعلق بك أبدًا كما أحاول أن أخدع نفسي. هناك افتتان روحي أشعر به يتسلل إلي كما النبيذ، كلما أرى جمالًا نقيًا يشع أمامي. أنتِ كنتِ الجمال في ذلك اليوم الذي لا يُنسى.



#طالب_كاظم_محمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حياة في ساعة واحدة
- نصف قديسة
- الخزاف الاول
- المدينة الضالة
- سرد شفاهي من النمط الثالث
- ميزان الرذيلة
- اعادة كتابة نص
- اليباب
- نصوص
- انوثتك
- الموت
- حب مابعد منتصف الليل
- المشهد الاول
- فوتوغراف
- قلبك برتقالة بحجم الخليقة
- مذكرات شيوعي صغير
- في الطريق الى المخلّص
- الكتابة في ادب الاطفال بين المغامرة والتجربة
- القبو
- في الطريق من كاني ماسي الى بيبو


المزيد.....




- من بنغلاديش إلى فلسطين.. جائزة الآغا خان للعمارة تحتفي بمشار ...
- ملتقى الشارقة للراوي يقتفي أثر -الرحالة- في يوبيله الفضي
- بعد عامين من الحرب في السودان.. صعوبة تقفّي مصير قطع أثرية م ...
- أبرز إطلالات النجمات في مهرجان البندقية السينمائي 2025
- أبو حنيحن: الوقفة الجماهيرية في الخليل حملت رسالة الالتزام ب ...
- ميغان تشوريتز فنانة جنوب أفريقية عاشت الأبارتايد ونبذت الصهي ...
- السنوار في الأدب العالمي.. -الشوك والقرنفل- من زنازين الاحتل ...
- شعوذة.. طموح.. حب.. موسيقى وإثارة.. 9 أفلام تعرض في سبتمبر
- قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي
- كيف أصبح مشروب شوكولاتة للأطفال رمزا للاستعمار الفرنسي؟


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب كاظم محمد - قصة قصيرة : السادس عشر من مارس