طالب كاظم محمد
الحوار المتمدن-العدد: 8388 - 2025 / 6 / 29 - 21:39
المحور:
الادب والفن
عند نهاية الممر الضيق ستواجهك عليته السرية ، غرفته المستأجرة ببدل رمزي من صاحبة العقار القديم ، المسنة المحسنة ، التي وهبت عقارها وقفا للعجائز والمقعدين، هناك ستتحسس تغضنات الصمت والسكون ستشعر بالضيق والاختناق كلما توغلت في الممر ، الذي يشعرك كما لو ان مستنقعا راكدا يحيط المكان سيء الاضاءة ، لم يخطر على بال نزلاء غرف الطابق الاسفل ، النساء الارامل في منتصف عقدهن السابع ، نساء الاخوية التي فككتها الحرب وقطع جذورها العجز ، العزاب الذين انهكتهم الفاقة والخمر الرخيص ومسافرين تقطعت بهم الطرق والجنود الذين تسللوا عبر المنافذ السرية لجدران ثكناتهم لمضاجعه عاهرة ما ، موهت اصابتها بالسفلس برش عطر رخيص تحت ابطها ، والسماسرة الذين يروجون للخطيئة في بيوتات الازقة الخلفية المهجورة ، ادرك ان لا احد منهم سيجرؤ و يغامر بخطوات ثابته لكي يصعد درجات السلم الحلزوني ، ولكن لا منفذ ، فالقلق يفتك بهم حينما تنتابهم الحيرة والتساؤلات ، كلما انصتوا الى ازيز الصمت الذي يحيط به ، لا احد منهم يعرف على وجه اليقين ان كان نزيل العلية ميتا ام حيا في غرفته ؟! فلا ضوضاء ولا حتى صدى سعال خافت يتحشرج في صدره ، لكي يتلقوا اجوبة تساؤلاتهم ، فهو ، طوال الوقت هناك، لا يغادر صومعته المحصنة بالأسرار والاسئلة .
انه يمضغ ببطء طعام العشاء في صومعته !!
يردد احدهم وهو يتطلع الى سقف المبنى ، بالأحرى لا احد يجرؤ على طرق بوابته المغلقة ، كما ان الامر لم يكن مثيرا ، فما الذي سيجدونه هناك غير حقائب محشوة بملابس بالية ، معاطف متهرئة وفساتين بلون الغبار واطباق محطمة وملاعق ، بقايا لعائلات هجرت المبنى الى غير رجعة، فطواها النسيان .
يبدو الممر نفقا معتما اكثر منه رواقا تحيط به بوابات الغرف المهجورة ، ممرا معتما يقطنه قط هرم يمضي وقته نائما ، وبقايا جرذان نفقت منذ امد بعيد وعناكب جففها الموت تحت السلالم الحلزونية التي تصعد الى العلية كثعبان هائل ، لا احد يفكر بعبور متاهة الخيوط اللزجة التي تدلت في زوايا سقف المبني القديم . تلك هي علية الخزاف الاول المحصنة بالأسرار المصفدة بالتساؤلات والقلق.
#طالب_كاظم_محمد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟