أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب كاظم محمد - في الطريق الى المخلّص














المزيد.....

في الطريق الى المخلّص


طالب كاظم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 8296 - 2025 / 3 / 29 - 23:36
المحور: الادب والفن
    


تلفعنا بأرديتنا الصوفية الخشنة، حينما تلقتنا ظلال بوابات الازقة المعتمة الضيقة، بخطواتنا المتثاقلة نقتطع الممر بأحذيتنا الجلدية السميكة، التي انتزعت من جلود جواميس سلخت قبل ان تحرق في جرن مذبح معبد المدينة، كتقدمات تضرع وخوف، لنكسب ود الهة الرذيلة والحرب والموت والجذام وشرورها التي لا تصد، نتفادى بمعاطفنا الطويلة وابل المطر الكثيف، الذي انزلق عبر الغيوم المذعورة في تلك الليلة، تطلعنا بخوف الى سياط الالهة وهي تجلد الفضاءات الغاضبة، ببريق ساطع وشرر تمدد مثلما صدوع هائلة شققت السماء المكفهرة.
كان يريق الخمر في جوفه حينما لمحته فجأة، حين اضاء البرق الخاطف، للحظات قصيرة، تلك العتمة التي احتوته، كان يعصب راسه بخرقة بالية ابتلت بالمطر، قال:
-الرب غاضب !!
تساءلت انا الاخر اردد كلماته :
-الرب غاضب ؟
لم يلتفت الي او ان يبال بالرد على تساؤلي، فيما هو يتطلع بحدقتين غائمتين، الى الشق الضيق الذي تمدد في عتمة سماء سوداء مذعورة، تمتم بكلمات لم استطع فهمها بسبب الصخب العنيف الذي احاطنا، كنت انصت اليه احاول ان اعرف ما الذي كان يقوله في تلك اللحظة، بينما دوي الرعد يبدد صوته ، الا اني سمعته يردد بهمس خافت كما لو انه يحذر احدهم :
هو الطوفان الذي توعد به المدينة الفاجرة!
-ماذا ؟ قلت له .
رد بنبرات غاضبة:
-الم تقرأ السفر الذي يتحدث عن الملاك الذي اخبر الكهل نوح، بما اضمره الرب لمخلوقاته الكسيحة الضالة المنافقة المجدّفة المدنسة؟
تطلعت الى السيل الممزوج بالوحل، الذي انحدر من سماء اطلقت عويلا مفجعا، تردد صداه في الفضاءات التي اختنقت بالخوف.
قلت له :
- لا لم اقرا ذلك ، اين اجد هذا السفر؟
كما لو كان يعنفني قال لي:
-لا تشغل نفسك بالبحث، فانت على أي حال، لست بأكثر من اسخريوطي خائن مدنس بإثم الوشاية، انظر الى تلك القمة، انظر الى جبل الجلجلة، انظر الى هناك، انظر الى الصليب الملطخ بالدماء والاسمال بعد انتزاع جثة المخلص، الم تشعر بالسفح الوعر يهتز تحت قدميك؟!
وانا اتطلع في عينيه الحمراوين الجاحظتين قلت له بخوف:
- انا اسخريوطي اثم وجبل الجلجلة والصليب والاسمال أي توليفة هذه ! يبدو انك قد فقدت عقلك ؟
استرد وعيه بعد ان استعاد يقظته التي خسرها بسبب الاعياء والاجهاد الذي لحق بهيكله الذي ينوء بأعوامه الستين التي حملها على كتفه، عجوزا، يتعثر بذكرياته الموبوءة بالطاعون والحمى.
دس اظفاره المتسخة تحت ابطه، يهرش عش البراغيث الذي تسلل الى جلده المتغضن قال:
انا تفوهت بهذا الكلام؟
قلت له:
-لا احد سوانا هنا .
وهو يحملق في السماء فيما وابل المطر يرتطم بجبهته الحاسرة قال :
- انها الرؤيا انظر الى هناك! ها هو الملاك يشرع اجنحته المديدة وهو يحلق بين الغيوم تحيط وجهه هالات النور، يخبرني أن الرب اختارني مخلصا كيما انقذ الخليقة الضالة من آثامها!
لم اعد ارى سوى وابل المطر العنيف الذي صفع وجهي واثقل جفوني بالطمى ، بسخرية مريرة قلت له:
-اختارك الرب لتكون نبيا ؟! ذلك لأنك اسرفت بالشراب، انظر كدنا نصل وجهتنا .
قال :
-نصل وجهتنا؟
تفادى المطر الشديد بباطن يده، متطلعا الى نهاية الزقاق الضيق، حيث اعترضت طريقنا المتعثر امرأة ضخمة اسرعت بمد كفها الضخم، كما لو كانت تتسول، الا انها اسرعت لتمسك بياقة قميصي المبتل وهي تصرخ بصوت عال:
- ادخل المنزل وعاشرني بشيقل واحد لا اكثر، يمكنك مساومتي وسأقبل بالقليل ان شئت ذلك.
بصعوبة افلت ذراعي من قبضتها القوية، وهو يخوض في المستنقعات الضحلة، التي تلقت مياه الميازيب، التي مدت اعناقها كثعابين ضخمة، تتقيأ الطين والعصافير النافقة ، هناك ثمة افاع عمياء انزلقت تتلوى، كديدان المجارير، في الوحل.
لوح بيده ككاهن يتوعد رعيته، بأرديته التي التصقت بهيكله، صرخ بصوت مدوي:
- الم اخبرك بانها النهاية!
وانا اسحبه معي، حين دلفت عبر ضلفتي الباب الضيق الى داخل المنزل، بينما المرأة الضخمة، تبتسم بمكر واشتهاء كبيرين، ابتسامتها المصطنعة كشفت عن صفين من الاسنان البنية التي برزت عبر شفاه ملطخة بلون احمر، وهي تشير بيدها بغنج مبتذل، قالت:
-انت الاول بعدها اشارت الى رفيقي : وسيكون الاخير.
كان الموقد الحجري متقدا، بينما حرارة الخشب المحترق والدخان الكثيف ينسل تحت بطانية الصوف المشبعة برائحة العفن، نيران الموقد امتصت البرد، الذي تسلل الى عظامنا الرفيعة الكسيحة. لم يمض وقت طويل ونحن نتلقى عطف المرأة التي اغدقت علينا بحنانها الفائض،
حين كفت السماء عن العويل المفزع، بينما الريح الغربية الهادئة اخذت تقشط الغيوم الهزيلة الممزقة، التي كشفت عن سماء رصاصية، كما داهمت الصمت الذي يلف المنزل، الصيحات التي تعالت في الجوار، اصوات ابواق السيارات وزعيق البائع الجوال، وايقاع صوت خطوات المارة، وهم يقفلون مظلاتهم المطرية ويسرعون بخطواتهم، للحاق بالباص الذاهب الى قلب مدينة، عبر شارع الرشيد، هناك تطل كشاهد ابدي على تاريخ الرذيلة، عمارة المفتي بطابقها الثالث المدنس بالأجنة الميتة واللوحات الزيتية، التي خلدت جسد ايقونة بغاء شارع النهر الفاتنة الصبية ح م ، وجهتنا الاخيرة، علّنا ننال الصفح هناك، وهي تباركنا بمسح جباهنا بأطراف اصابعها، علّنا ننال غفرانها وتزيل بتراتيلها خطايانا القديمة، لعلنا في نهاية الامر، نمضي الى نهاية الطريق بآلام اقل وطأة.



#طالب_كاظم_محمد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة في ادب الاطفال بين المغامرة والتجربة
- القبو
- في الطريق من كاني ماسي الى بيبو
- ترانيم
- خوف الحلزون
- قداس لنورس
- انت سيدة مواسم الحصاد والترانيم
- قصة قصيرة سيرة الاخت جولييت
- الهرطقي
- ترانيم مجوسية
- هجرة طائر السنونو الاخيرة
- ادب الطفل ليس حقلا لتجارب غير ناضجة .
- قصص الحرب . المتاهة . القسم الثامن
- قصص الحرب. المتاهة . القسم السابع
- قصص الحرب . المتاهة . القسم الخامس
- قصص الحرب. المتاهة .القسم الرابع
- الصوفي
- المتاهة. قصص الحرب
- الكاهن
- تلاميذ الاسخريوطي


المزيد.....




- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...
- كتاب -رخصة بالقتل-.. الإبادة الجماعية والإنكار الغربي تحت مج ...
- ضربة معلم من هواوي Huawei Pura 80 Pro.. موبايل أنيق بكاميرات ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب كاظم محمد - في الطريق الى المخلّص