أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - مَن هم القرآنيون؟














المزيد.....

مَن هم القرآنيون؟


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 00:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لما يتحوًل النص المقدّس إلى مادة للصراع، وحين تُصبح مصادر الدين محلّ نزاع أكثر مما هي منبع للهداية، تنشأ تياراتٌ تسعى لتجريد الإسلام من أثقال التاريخ، وإعادته إلى "صفائه الأول" كما تتخيله. ومن بين هذه التيارات – التي هي كثيرة - برز منها ما يُعرف بـ "القرآنيين"، وهم جماعة فكرية تتبنّى فكرة محورية: أن القرآن وحده يكفي، وأن كل ما عداه، بما في ذلك السنة النبوية، يُعد بشريًا قابلًا للنقد أو حتى للإلغاء.
ظهر هذا التيار في شبه القارة الهندية خلال القرن التاسع عشر، في زمن كانت فيه الأمة الإسلامية مُمزقة بين الاحتلال من جهة، والجمود المذهبي من جهة أخرى. ومن رحم هذا التوتر، وُلد صوت عبد الله جكرالوي، ومن بعده غلام أحمد برويز، اللذَين رأيا أن الخروج من التخلف لا يكون إلا عبر تحرير العقل من سلطة الحديث، والعودة إلى القرآن، الذي هو الأم والمصدر الأول للدين، باعتباره النص الوحيد الذي لم تطله يد التحريف أو الوضع. وفي السياق العربي، لاحقًا، برز الدكتور أحمد صبحي منصور، والذي هو علم من أعلام شيوخ الأزهر، حيث ذهب بعيدًا في نقد الحديث، ما كلّفه فصله من الأزهر ونفيه الفكري تقريبًا من المشهد الديني الرسمي.
وعلى كل حال، يؤمن القرآنيون أن كثيرًا مما يُنسب إلى النبي لا يمكن قبوله عقلًا أو أخلاقيًا أو منطقيًا، ويعتبرون أن القرآن حسم المسألة حين قال: ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء..﴾ (الأنعام: 38)، وهي آية تُتلى لكنها غالبًا لا تُؤخذ بجدّيتها الكاملة في النقاش الديني. بالنسبة لهم، كل ما نحتاجه للهداية، للعبادة، للتشريع، قد وُضع فيه بجلاء، وأن النبي كان يُبلّغ الرسالة ولا يشرّع من عنده. لذلك، فالسنة – في نظرهم – ليست وحيًا، بل سيرة، وتجربة، وفهم شخصي، لا يمكن أن تُجعل مساوية للكتاب المنزل.
ومع ذلك، أن التيار القرآني، برغم طروحاته التبسيطية الجاذبة، يفتح الباب لسؤال أعقد: كيف نطبّق القرآن دون السنة؟ كيف نُصلّي ونزكّي ونحكم، دون تفاصيل عملية وردت في حديث؟ ألا يحتاج النص إلى بيان؟ وما الذي يضبط التأويل حين نفتقد سلطة التفسير النبوي؟ هنا تبرز الإشكالية: فإذا كان القرآن صالحًا لكل زمان ومكان، فإن تنزيله الواقعي يظل بحاجة إلى أدوات تأويل وضبط، وهي أدوات لطالما وفرتها السنة، ولو بدرجات متفاوتة.
كل هذه الأسئلة، تُرد على القرآنيين، في سبيل أبطال ما يعتقدون، وما يرون، لكن كل هذا لم يقف حائلا ما بينهم، وبين فكرتهم هذه، والتي آمنوا بها، وأصروا على السير بها.
لذا يرى جمهور الفقهاء أن في موقف القرآنيين تفكيكًا خطيرًا لبنية التشريع الإسلامي، وتجاوزًا للإجماع، كما يدعون، بل تقويضًا لأحد مصادر الوحي كما في قوله الآية: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه...﴾ - الحشر: 7. بل إنهم يرون في هذا المنهج طريقًا إلى فوضى تأويلية تبرر كل شيء باسم القرآن، بينما يُصبح كل قارئ نبيًّا صغيرًا، يُنتج إسلامه الخاص، ويسيّر الأمور على هواه.
مع ذلك، فإن التيار القرآني يعبّر عن قلق فكري حقيقي، لا يمكن دفنه بالرفض وحده. فهناك، بالفعل، إرث هائل من الأحاديث الموضوعة، والمتناقضة، والمسيئة في بعض الأحيان لصورة النبي، وهذه كانت وما زالت تُستخدم كأداة للقمع أو التبرير أو التكفير. ومن هنا، فإن الدعوة إلى التمييز بين الوحي والرواية ليست بالضرورة خروجًا عن الدين، بقدر ما هي محاولة يائسة – أحيانًا – لحمايته من بعض قرّائه.
ولا ننسى، أن هناك آلاف الأحاديث عند أهل السنة، ومثلها عند الشيعة، وما يثير الاستغراب، ما يرويه السنة، من حديث، لا يقبله الشيعة، والعكس أيضا صحيح.
وفي النهاية، لعل المعضلة الكبرى ليست في "إنكار الحديث" أو "التمسك به"، بل في نوعية العقل الذي يقرأ، وفي آليات التعامل مع النص، قرآنًا كان أم سنة. فبين من يجعل القرآن مطيّة لأهوائه، ومن يجعل الحديث سلطةً على النص نفسه، يضيع جوهر الرسالة. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يكفي القرآن وحده؟ أم أننا – قبل أن نسأل هذا السؤال – بحاجة إلى وعيٍ جديد لا يُقدّس، ولا يُقصي، بل يُبصر؟.
وفي مقال سابق نشر من على هذا المنبر، بينّا فيه: كيف سُرق الاسلام الأصيل، وحلّ محله المذاهب، وهو ما اسميناه بـ "دين الفقهاء".
مصادر المقال:
1. غلام أحمد برويز، نظام رباني، طلوع الإسلام، باكستان.
2. أحمد صبحي منصور، القرآن وكفى، موقع أهل القرآن، 2002. وموقع الحوار المتمدن.
3. محمد الغزالي، السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث، دار الشروق، 1989.
4. يوسف القرضاوي، كيف نتعامل مع السنة النبوية؟، مكتبة وهبة، 1990.
5. صلاح الصاوي، القرآنيون: قراءة نقدية، دار الأندلس الخضراء، جدة، 2015.
6. القرآن الكريم، سور: الأنعام، النحل، الحشر، الأعراف.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التديّن المذهبي ضد الإسلام المُحمديّ
- لماذا تأخرنا وتقدّم غيرنا؟
- خطورة الجماعات الإسلامية: تهديد مستمر للسلم المجتمعي
- نظام الحكم في الاسلام: ثلاث نظريات
- من قداسة النص إلى عصمة الفقيه: سيرة الاستيلاء على الدين
- الفساد في العراق.. بنية مستدامة لا مجرد خلل طارئ
- الاسلام السياسي: صعود الايديولوجيا الدينية
- مزايا الانكسار في نص (لا تقتلوا الأحلام) للشاعرة اللبنانية س ...
- الأخلاق بين كانت وماركس: صراع المبادئ والمادة
- المشكلة ليست في الدين انما في رجال الدين
- الإرهاصات الدامية في قضية (حسبي من الشعر الشهيّ) للشاعر وليد ...
- البُعد العاطفي والنفسي في قصيدة (أوراق مُعادن) للشاعر علي ال ...
- الأسى وسطوة الفقد في نص (قشعريرة نبض) للشاعرة سوسن يحيى
- الذات والهوية في نص (ليسَ غريباً عني) للشاعرة رجاء الغانمي
- المُسحة الجمالية في (ارهاصات أنثى) للشاعرة ورود الدليمي
- الاغتراب النفسي في أغنية (مرينة بيكم حمد) للكبير ياس خضر
- رواية العمى: فلسفة انهيار المبادئ والقيّم
- الترابط والموضوعية في مجموعة (تاتو) للقاصة تماضر كريم
- النسق وبناء النص عند الشاعرة فراقد السعد
- عشرة كتب غيّرت قناعاتي الفكرية والمعرفية1/ 10


المزيد.....




- -نشاط مالي غير مشروع-.. السلطات الأردنية: كشفنا شبكة تمويل س ...
- إبقاء ثلاثة من فقهاء مجلس صيانة الدستور بقرار من قائد الثورة ...
- ساكو يوجّه نداء استغاثة للسوداني: أنقذوا مقابرنا المسيحية ال ...
- اتهامات للمستوطنين الإسرائيليين باستهداف مواقع دينية مقدسة و ...
- قائد الأمن الداخلي في السويداء: دخلنا المدينة بالتنسيق مع ال ...
- مشروع قانون أميركي لتصنيف -الإخوان- منظمة إرهابية
- سوريا: قوات الجيش تدخل السويداء وفرض حظر تجول والطائفة الدرز ...
- قادة الكنائس ودبلوماسيون يدينون عنف المستوطنين بالضفة
- النظام العربي والإسلام السياسي.. أدوار وليس مواقف
- حظر تجوال في السويداء والسلطات تطالب بتعاون المرجعيات الديني ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - مَن هم القرآنيون؟