أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - قوة الأخلاق في زمن التشظي: الدولة المسلمة بين الواجب والرسالة














المزيد.....

قوة الأخلاق في زمن التشظي: الدولة المسلمة بين الواجب والرسالة


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8396 - 2025 / 7 / 7 - 12:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
تلعب الدولة المسلمة دورًا محوريًا في حماية الأخلاق العامة، بوصفها الحارس الشرعي والقانوني للقيم التي تُمثّل جوهر الشريعة الإسلامية، والضامن للمقاصد العليا التي أنزلت من أجلها الرسالات. فليست الدولة في المنظور الإسلامي مجرد آلية للسلطة أو وسيلة لضبط الحياة المدنية، بل هي كيان متكامل وظيفته الأساس تحقيق العدل، وصيانة الكرامة الإنسانية، وتثبيت الفضائل الأخلاقية التي تُبنى عليها الحضارات وتُصان بها النفوس. فكل نظام حكم لا يتأسس على منظومة أخلاقية واضحة وضابطة، معرض لأن يتحول إلى أداة للقهر أو الفساد أو تفكيك القيم الجماعية، مهما بلغ من التقدم المادي أو الرفاه الظاهري.

لقد جعل الإسلام من الأخلاق عصبًا مركزيًا في بناء الإنسان والمجتمع، وربط بين صلاح الأمة واستقامة سلوك أفرادها وجماعاتها، فكانت وظيفة الدولة في الإسلام أن تسهر على حفظ هذا التوازن، من خلال مؤسسات قانونية وتربوية وإعلامية تسعى لترسيخ منظومة الأخلاق في الحياة اليومية. فحماية الأخلاق ليست ترفًا تشريعيًا أو شأنًا ثقافيًا محضًا، بل هي من صلب الوظيفة السيادية للدولة، لأنها تتعلق بصحة الضمير الجمعي، وتماسك البنية الاجتماعية، وفاعلية الأمة في مواجهة التحديات. وقد أشار النبي محمد ﷺ إلى مركزية هذا البُعد بقوله: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، في دلالة واضحة على أن غاية الرسالة لا تنفصل عن بناء منظومة القيم، وأن الدولة التي تنبثق من هذا الدين ملزمة بتجسيد هذه القيم في كل مفاصلها.

إن غياب الدور الأخلاقي للدولة يؤدي إلى شيوع الفوضى القيمية، وتآكل الحس الجمعي بالمسؤولية، وتفكك روابط الانتماء، وهو ما نراه في كثير من المجتمعات المعاصرة التي تخلت عن المرجعيات الدينية والأخلاقية لصالح النزعات الفردية المفرطة أو النفعية المجردة. أما الدولة المسلمة، حين تؤدي وظيفتها الأخلاقية، فإنها لا تمارس وصاية قمعية، بل تقوم على تهيئة بيئة صالحة لنمو الفضائل، وخلق توازن بين الحرية والانضباط، وبين الحق والواجب. فهي لا تفرض القيم بالإكراه، ولكنها تسعى لترسيخها من خلال التربية، والتشريع، والإعلام، والسياسات الاجتماعية.

وإذا كانت الأخلاق العامة تمثل المعيار الأساس في تقييم المجتمعات، فإن انعكاس التزام الدولة المسلمة بحمايتها يتجلى في جودة حياة الإنسان، ونضج وعيه، وسمو سلوكه، وازدهار ثقافته، وعمق تماسكه المجتمعي. فالمجتمع الذي تحفظ فيه القيم يُصبح أكثر قدرة على تجاوز الأزمات، وأكثر مناعة أمام الاختراقات الثقافية، وأكثر إنتاجًا للمعرفة والتنمية. أما المستقبل، فإنما يُبنى اليوم على أساس متين من الالتزام بالقيم، وكل مشروع حضاري لا يأخذ هذا البعد في الحسبان، يظل مهددًا بالانهيار مهما بلغ من التقدم التكنولوجي أو العمراني.

إن الدولة المسلمة، حين تنطلق من مرجعية أخلاقية راسخة، تستطيع أن تبني نموذجًا حضاريًا متوازنًا يزاوج بين الروح والمادة، ويُعيد الاعتبار للإنسان في زمن الاستلاب الرقمي والانهيار القيمي. وهذا الدور الأخلاقي، حين يُمارس بوعي وشمول وتكامل، لا يكون حنينًا إلى الماضي بل استشرافًا لمستقبل أكثر عدالة ورحمة وإنسانية، حيث تستعيد المجتمعات قدرتها على تمييز الحق من الباطل، والجمال من القبح، والصالح من الطالح، في ظل دولة لا تكتفي بحفظ الأمن، بل تسعى لصون الضمير العام وتحقيق المصلحة العامة بمنطق القيم، لا بمنطق الغلبة أو السوق.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة والفلسفة: من بناء المفاهيم إلى صناعة المجتمعات
- سردية المقاومة: حصن الأمة الأخير في زمن الهيمنة والتطبيع
- المعتزلة واحتدام العقل والعقيدة: رحلة في قلب الخلافات الكلام ...
- فلسفة المعرفة العلمية: تفكيك اليقين وبناء المعنى في عالم متغ ...
- القرآن الناطق بالعقل: الجذور التأسيسية لعلم الكلام الإسلامي
- غرس الانقسام : كيف أعاق الكيان الصهيوني وحدة الأمة العربية
- في رحاب الوعي: من ديكارت إلى هايدغر، ومن سبينوزا إلى هوسرل
- من ميادين المعارك إلى خوارزميات السيطرة: كيف يعيد الذكاء الا ...
- العقل الأداتي في الفكر المعاصر: قراءة نقدية في أطروحة يورغن ...
- برمجة الضمير: حين تعاد صياغة الأخلاق في زمن الخوارزميات
- العقل في مواجهة المادة: رؤية كانط الأخلاقية في زمن النزعة ال ...
- الظلال النووية : الصراع الأمريكي الإسرائيلي ضد طموحات إيران ...
- الاقتصاد الخوارزمي : حين يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل قوانين ...
- تحوّلات الدولة الفاشلة: عندما يفقد القلم والعنف والسلطة معنا ...
- الرقابة الذكية والأمن العام: بين الحماية والهيمنة
- الدولة الإسلامية بوصفها دولة الوقت: نحو تخييل سياسي يتجاوز ا ...
- اللعب بالنار: التحالف الأمريكي الإسرائيلي يفتح أبواب الجحيم ...
- باكستان وإيران تحالف المواقف في زمن الانهيارات الطائفية
- التحالفات المرتبكة: الحرب الإسرائيلية الإيرانية تحت مجهر الس ...
- جذور الحكمة ونُظُم الحياة: أديان شرق آسيا وصناعة الوعي الجمع ...


المزيد.....




- إدارة ترامب تنشر سجلات متعلقة باغتيال مارتن لوثر كينغ
- عراقجي يؤكد تمسك إيران بتخصيب اليورانيوم رغم الأضرار الجسيمة ...
- جامعة هارفارد تطالب القضاء بإجبار إدارة ترامب على إعادة منح ...
- عاجل | ترامب: سنعيد ضرب المنشآت النووية الإيرانية إذا كان ذل ...
- شيخ عقل دروز لبنان: على الهجري -التجاوب- وإبداء -مرونة-
- فيديو متداول لـ-اشتباكات عشائر بدوية ومسلحين دروز- بالسويداء ...
- مصر: محكمة جنايات القاهرة تشطب اسم علاء عبد الفتاح من قائمة ...
- الكشف عن تفاصيل الجولة الثالثة من المفاوضات بين موسكو وكييف ...
- فيديو أثار غضبا.. إجبار شبان دروز على القفز من الطابق الرابع ...
- أزمة مياه في تونس العاصمة تزامنا مع الحر الشديد


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - قوة الأخلاق في زمن التشظي: الدولة المسلمة بين الواجب والرسالة