أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مظهر محمد صالح - كربلاء: فلسفة التضحية ومنهج الإصلاح في مواجهة الاستبداد














المزيد.....

كربلاء: فلسفة التضحية ومنهج الإصلاح في مواجهة الاستبداد


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 17:46
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في لحظات التاريخ المفصلية، لا تُقاس الأحداث بكثافة الدم المسفوك ولا بعدد الضحايا، بل بقدرتها على إعادة تشكيل الوعي الإنساني وإثارة الأسئلة الكبرى حول معنى الحياة، والعدل، والحرية، والتضحية.
ومن بين تلك اللحظات، كربلاء لا تقف مجرد حادثة مأساوية في التاريخ الإسلامي، بل تتحول إلى مرآة كونية يتأمل فيها الإنسان معنى الكرامة، وحدود الطغيان، وجدوى الصمت أمام الظلم.
لم تكن كربلاء نزاعًا سياسيًا ولا خلافًا مذهبيًا، بل كانت صرخة وجودية أطلقها الحسين عليه السلام في وجه كل سلطة تفقد مشروعيتها حين تتحول إلى عبودية.
هكذا تخرج كربلاء من كونها ذكرى حزينة لتصبح نظرية متكاملة في الإصلاح، وفلسفة متوهجة في فهم طبيعة السلطة، ومشروعًا أخلاقيًا لتجديد الإنسان.
أدهشني الفيلسوف اليوناني سقراط حين تحدث عن التضحية في أضيق دوائرها: الصداقة، إذ قال: “ليس من الصعب أن تضحي من أجل صديق، لكن من الصعب أن تجد الصديق الذي يستحق التضحية.”
عبارة بسيطة لكنها فتحت في داخلي جراحًا فكرية عميقة، وشكّلت صراعًا داخليًا مع صداقات انهارت تحت وطأة الأنانية والتسلط، فتحولت الزمالة إلى مواجهة صامتة، وساحة خاوية من المعنى، نشأ فيها أول شكل من أشكال الاغتراب الإنساني.
وما زاد دهشتي عمقًا ما خطّه المفكر العراقي حسين العادلي في سياق فلسفة التضحية، وهو يقترب من واقعة الطف ودماء سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، ليصوغ رؤية أخلاقية–فكرية عن معنى الشهادة، حيث قال:
• الشهادة: تضحية طوعية بموتٍ رائع.
• المجد دون تضحية: لصوصية.
• المُضحّي يسع الكون، والأناني لا يسع إلا نفسه.
• على قدر التضحية تكون الشجاعة؛ فامتحن المواقف بها.
• إذا لم يُضحِّ القائد، أصبح الشعب هو الضحية.
• القائد يضحي من أجلك، والحاكم يضحي بك.
• أذكى الناس هو المضحي، لأنه يُحوّل ذاته إلى قضية.
• التضحية كالعطر؛ لا يُخفى ولا يُذم.
وبين فلسفة سقراط ومنهج العادلي، يبرز المفكر السياسي إبراهيم العبادي، الذي سبر أغوار فقه الحرية والسلطة، باحثًا عن خريطة طريق لإصلاح واقعٍ مأزوم.
ففي مقاله الموسوم: “الحسين صانع التواريخ ومؤسس فقه الاعتراض والإصلاح”، كتب ابراهيم العبادي:
“ومع كل تجربة تخفق، تُستعاد كربلاء برسالتها السياسية وفكرها الإصلاحي، في وجه أولئك الذين ‘اتخذوا عباد الله خَوَلًا ومالَه دُولًا’. يدور التاريخ بين معارضة وسلطة، كلاهما يدّعي الصواب، لكن معيار الحق كان دومًا ملازمًا للعدل والمشورة والمشاركة.
وعندما غاب فقه المقاصد وغُلِّبت حقوق الحاكم على حقوق الناس، تخلّق المواطن العربي بأخلاق المتهرب من كل سلطة، والمتمرد على كل قانون.
فأصبحت بعض شعوبنا كالبراكين: تهدأ لتثور من جديد، ودوماً بشعار العدل، لكنه ما يلبث أن يُختطف بشعارات سطحية مثل ‘لا حكم إلا لله’ دون منظومة دولة عادلة تحفظ معاش الناس وأمنهم.”

وهكذا في مناخ التضحية وفقه الاعتراض والإصلاح، تتعالى منهجية الإمام الحسين، منبرًا خالدًا للحرية والثورة، في مواجهة دائمة لدورة الطغيان والاستبداد.
إنها ثورة دائمة لا تذوي، مهما اختلفت أقنعة الظلم ومسمياته عبر العصور، إذ تبقى كربلاء هي المعسكر الأخلاقي–الإنساني الذي ينضوي تحته أحرار العالم، ويتصادم مع معسكر الطغاة المتحد، رغم اختلاف أديانهم ومذاهبهم.
فمنهج الحسين في التصدي للطغيان، لم يكن يومًا مجرد فعل سياسي، بل نظرية تحرر شاملة تتحدى الزيف والخداع وتُمهّد لخريطة طريق لا يتبعها إلا الأحرار.
ومن هنا يمكن أن نرى تلاقي رموز الحرية في العالم — من تشي غيفارا إلى نيلسون مانديلا إلى الثورة الجزائرية حتى اطفال غزة — مع خط الحسين، في معركة واحدة: الدفاع عن الكرامة الإنسانية، ومحاربة الاستبداد والفصل العنصري والاستغلال.
ختامًا، إن ثورة الإمام الحسين عليه السلام ليست حدثًا في الماضي، بل هي وعيٌ دائم، وإرث أخلاقي عالمي يتحدى الظلم في كل زمان ومكان.
لقد علّم الحسين الإنسان كيف يموت من أجل العدل، ولكن ما زال على الإنسان أن يتعلم كيف يعيش من أجل العدل، وكيف يصون الحرية، ويُبقي جذوة الإصلاح متقدة.
فهي ثورة مستمرة، لا تنطفئ، ومعسكرها هو كل من يرفض الخضوع لسلطة بلا عدالة، ويؤمن بأن الإنسان لا يُباع ولا يُشترى، لأن الكرامة لا تقبل المساومة.
انتهى



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في تظافر العلوم… تنهض الأمم
- سيدة الجنوب الاولى ومحراب الحسين: دموع لا تموت…!
- في بلد نفطي : أمة تغفو… وسحلية تستيقظ
- الجغرافيا السياسية تحسم الانتصار: من حروب الأرض إلى معركة ال ...
- حوار الطالب وعامل النظافة : كرامة تلامس البحر
- الحي 798: ركيزة العاصمة بكين في الاقتصاد البنفسجي
- وضعت الحرب أوزارها على سجادةٍ إيرانيةٍ شديدةِ التوهج : سردية ...
- شلالات فكتوريا… ليس هديرها استعمارًا، بل إفريقياً سردية ثقاف ...
- حيدر آباد: رفاه الحُكم وتواضع الرحيل
- الولايات المتحدة في الشرق الاوسط: حربٌ بلا حرب
- سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل
- سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة
- اطفال الآيس كريم في قاعة صندوق النقد الدولي: تربية ناعمة في ...
- رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس ...
- هل بقي للحياة من طَعم؟
- في سنغافورة: الألماس خلف الزجاج، و الفقراء خلف الأمل
- مصافحة دبلوماسية ناعمة بلا عناء ولكن…؟
- لماذا يرتفع الدينار العراقي في السوق الموازي ؟.
- بين العقل والمال : رحلة في دهاليز التفكير الطبقي…!!
- بين انحناء العامل واستواء السوق:قراءة في وهم التكافؤ


المزيد.....




- اعتقال متظاهرين مؤيدين لـ-بالستاين أكشن- في بريطانيا بعد تصن ...
- آيت بوكماز: دفاعا عن حق رئيس الجماعة المنتَخب في قيادة الاحت ...
- لماذا لا تحتج نساء الريف على قانون الأحوال الشخصية؟
- بين الحصانة والمطاردة: كيف تُشرعن السلطة الذكورية القمع وتكم ...
- م.م.ن.ص// فلسطين-غزة تحت الذبح: جريمة العصر تُواصل مسيرتها ...
- -رايتس ووتش- تتهم شرطة أنغولا باستخدام القوة المفرطة ضد متظا ...
- بيان حزب النهج الديمقراطي العمالي فرع صفرو
- العدد 613 من جريدة النهج الديمقراطي
- يوم عالمي لنيلسون مانديلا الذي قال -حريتنا منقوصة بدون حرية ...
- أعياد دينية وأحزاب يسارية


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مظهر محمد صالح - كربلاء: فلسفة التضحية ومنهج الإصلاح في مواجهة الاستبداد