أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - إياد هديش - الدين والأفيون الحديث والمعاصر














المزيد.....

الدين والأفيون الحديث والمعاصر


إياد هديش

الحوار المتمدن-العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 19:45
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


لم يعد الدين اليوم مجرد "أفيون للشعوب" كما وصفه ماركس مجازًا، بل تحوّل في كثير من السياقات إلى مادة مخدّرة حرفيًا، تُستخدم بوعي كامل من قبل أنظمة وجماعات لا تهدف إلى الإيمان، بل إلى السيطرة.

لطالما اُستخدم الدين تاريخيًا كأداة لإخضاع الوعي الجماعي، وصرف الشعوب عن مقاومة الظلم الاجتماعي والسياسي. لكن في واقعنا الحديث، تجاوز الدين وظيفته الكلاسيكية كوسيلة "تخدير معنوي"، ليغدو وقودًا للعنف، وذريعة لتصفية الآخر، ومسرحًا واسعًا لتبرير القمع والموت، خاصة حين يُنزَع من مجاله الروحي الخاص، ويُزج به في خطاب مغلق، دوغمائي، ومناهض للعقل.

في المجتمعات التي يُهيمن عليها الخطاب الديني المتشدد، يُقمع التفكير النقدي، وتُستبدل الحرية الفردية بالإذعان للجماعة، ويُختزل الإنسان إلى "أداة تنفيذ" تُشحن بالنصوص وتُفرغ في الجريمة. المفارقة المرّة أن كثيرًا من هذه الجماعات، التي ترفع شعارات الطهارة والعفّة، تلجأ إلى المخدرات والمنشّطات الكيميائية لتجنيد الأتباع، وتسهيل ارتكاب أعمال القتل والتفجير والانتحار، حينما تعجز عن إقناع العقول المترددة.

في اللحظة التي يكون فيها العقل يقظًا، تمارس هذه الجماعات إغراقًا نصيًا، وجدالًا لاهوتيًا، ودعاية أخلاقية مزيّفة. أما حين تُخدّر العقول - سواء بالكبتاغون أو بالترامادول أو بجرعة كثيفة من غسل الدماغ - فإن التنفيذ يصبح أكثر سرعة، والعنف أكثر برودة.

ليست هذه حوادث فردية، بل نمط منهجي يظهر في أكثر من منطقة: من العراق وسوريا، إلى نيجيريا واليمن وأفغانستان، تتكرر مشاهد "الاستشهادي" المُجهّز بمادة مخدرة، يُدفَع نحو الهدف كما تُدفع الآلة، بلا تردد، بلا وعي، وبلا أي إحساس إنساني.

المخدر هنا ليس فقط وسيلة لإزالة الخوف، بل أداة لإلغاء الإرادة، وتفريغ الإنسان من أي حس نقدي أو عاطفة حقيقية. إنها وسيلة لتجاوز العقل وتحييده قسرًا، لصالح ما يُسمّى بالعقيدة، التي لا تمتّ بصلة لا للروحانية ولا للإيمان، بل هي مشروع عنف مُغلّف بقداسة زائفة.

إن أخطر ما تكشفه هذه الوقائع هو أن العنف الديني لم يعد نتيجة انفعال أعمى أو تديّن مفرط، بل أصبح مشروعًا هندسيًا يتقاطع فيه النص المحرّف مع المخدرات الكيميائية، والسلطة العقائدية مع تفكيك إنسانية الفرد. نحن أمام "عقيدة تخدير"، لا تلغي حرية التفكير فقط، بل تعيد تشكيل الدماغ نفسه ليخدم سلطة لا تقبل المراجعة، ولا تعترف بالحياة كقيمة.

هذا التواطؤ بين "الإيمان الزائف" و"المخدر" يكشف عن أخطر أنواع الاستعباد العقائدي، حيث لا يصبح الإنسان مجرد تابعٍ فكري، بل رهينة بيولوجية لمزيج من النص المحرّف والمادة السامة. وفي لحظة انعدام الوعي، لا يُطلق الرصاص فقط على الآخرين، بل يُطلق على جوهر الإنسان نفسه: العقل، الإرادة، والكرامة.

وهكذا، يتكشّف أن "الدين أفيون الشعوب" ليس فقط مجازًا ماركسيًا، بل حقيقة دامغة حين يُختطف الدين، وتُحقن الروح، ويُغتال العقل.

وفي هذا السياق، لا تعود عبارة "الدين أفيون الشعوب" مجرد توصيف نقدي قديم، بل تصبح تشخيصًا دقيقًا لعصرٍ يُغتال فيه العقل مرتين: مرة باسم النص، ومرة بالمادة الكيميائية.

ولذلك، فإن مشروع العقل اليوم ليس ترفًا فلسفيًا، بل ضرورة أخلاقية وسياسية. فالدفاع عن العقلانية، والتعليم، والحرية، ليس خصومة مع الإيمان، بل هو مقاومة ضد استغلاله وتحويله إلى أداة قمع وعنف.



#إياد_هديش (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوة الحب أقوى من حب القوة
- الإقصاء الممنهج: التشهير كأداة للهيمنة على المرأة اليمنية
- وجوه العار: تفكك الحماية الأسرية تحت وطأة التشهير
- الجريمة النفسية التي لا تترك أثرًا على الجلد: تشريح نفسي لضح ...
- التشهير الرقمي: حين تُصبح الكلمة أداة قتل باردة
- بين شاشة وهشاشة: قمع النساء عبر التكنولوجيا في مجتمع يجرّم ا ...
- العودة إلى هوية العشاق: رسالة امرأة غادرت عالم الحرية باسم ا ...
- باسم الهوية.. ذهبت
- حين تُختطف الحرية: المرأة ما بين التمكين والتحريض
- المرأة ما بين الحرية وهشاشة الهوية الذاتية
- ادعاء التحرر والعودة إلى السجون القديمة: بين الصخب الظاهري و ...
- حين تُقمع المشاعر تتهاوى المواقف
- المرأة واختيار شريك عمرها: بين قسوة التحريم وفطرة الحب
- الحجاب والتمييز الطبقي: كشف العلاقة بين الستر والعبودية في ا ...
- قراءة في كتاب النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي لهش ...
- هل يعود اليمن سعيداً؟
- الأيام السبعة ورمزية الرقم (7)


المزيد.....




- حرب غزة: لماذا يتعرض الفلسطينيون من طالبي المساعدات الإنساني ...
- -ما قمنا به في إيران كان رائعًا-.. ترامب: إذا نجحت سوريا في ...
- الاتحاد الدولي للسلة: إعلان هزيمة منتخب الأردن تحت 19 سنة أم ...
- ألمانيا... داء البيروقراطية حاجز بوجه العمالة من أفريقيا
- طهران تبدي -شكوكا جدية- بشأن احترام إسرائيل لوقف إطلاق النار ...
- الحكومة الفرنسية أمام اختبار سحب الثقة
- الموفد الأمريكي إلى سوريا: اتفاقات سلام مع إسرائيل أصبحت ضرو ...
- خبير عسكري: فقدان جيش الاحتلال قوات اختصاصية خسارة لا تعوض
- 40 عاما من الحكم.. الرئيس الأوغندي يترشح مجدّدا للرئاسة
- 47 شهيدا بغزة وعمليات نزوح كبيرة شمال القطاع


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - إياد هديش - الدين والأفيون الحديث والمعاصر