أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - إياد هديش - المرأة ما بين الحرية وهشاشة الهوية الذاتية














المزيد.....

المرأة ما بين الحرية وهشاشة الهوية الذاتية


إياد هديش

الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 00:14
المحور: قضايا ثقافية
    


التمييز بين المرأة الحرة ومن تدّعي الحرية لا يُقاس بالمظهر أو الشعارات، بل بعمق النضج النفسي، واتساق السلوك مع القيم الذاتية. فالمرأة الحرة لا تحتاج إلى إثبات وجودها من خلال الضجيج أو ردود الفعل، بل تعرف نفسها من الداخل، وتثق بخياراتها، وتُمارس حريتها بوعي ومسؤولية، دون أن تتعدّى على أحد، أو تُلغي وجود الآخر.

في المقابل، من تدّعي الحرية قد ترفع شعارات براقة وتتبنى مواقف صاخبة، لكنها في العمق تعاني من ارتباك داخلي وصراع بين ما ترغب أن تكونه، وما تعجز عن تحقيقه فعليًا. قد تُظهر استقلالية ظاهرية، لكنها في الحقيقة تعتمد على نظرات الإعجاب والتأييد الخارجي لتثبيت صورتها أمام نفسها. هذا النوع من "التحرر" ليس سوى قناع هشّ يُخفي خلفه هشاشة في الهوية الذاتية، وقلقًا مستمرًا من الرفض أو التلاشي.

ومن أكثر السلوكيات دلالة على هذه الهشاشة النفسية هو انتهاك خصوصية الآخرين والتعدي على مساحتهم الشخصية، تحت غطاء "الحرية" أو "الصراحة". من المنظور النفسي، فإن انتهاك الخصوصية لا ينبع من وعي أو جرأة، بل من اضطراب داخلي في الحدود النفسية بين الذات والغير. المرأة التي تُفشي أسرار الآخرين، تتدخل فيما لا يعنيها، أو تتجاوز في نقدها وحُكمها، قد تظن أنها حرة، بينما هي في الواقع تمارس نوعًا من السيطرة القسرية لتعويض شعور دفين بعدم الأمان أو عدم الاكتفاء الذاتي.

هذه الرغبة في "احتلال المساحات" لا تأتي من قوة، بل من شعور خفي بالهشاشة. فكلما ضعفت علاقة الإنسان بذاته، زادت حاجته إلى إثبات وجوده على حساب الآخرين. ولذلك، فإن التعدي على الخصوصية لا يكون فقط فعلًا اجتماعيًا خاطئًا، بل تعبيرًا نفسيًا عن غياب التمايز الداخلي، أي عن شخص لا يشعر بحدوده النفسية إلا عندما يتجاوز حدود غيره.

المرأة الحرة بحق، تدرك تمامًا أن الخصوصية ليست رفاهية، بل كرامة. لا تتجسس، لا تقتحم، ولا تفتعل الجدل لتكون محور الحديث. حضورها واضح دون استفزاز، ورأيها مسموع دون جرح. لأنها تعرف أن الحرية الحقيقية تنبع من احترام الذات، وامتدادها الطبيعي هو احترام الآخر.

أما من تمارس الحرية كشكل لا كمضمون، فتسقط سريعًا في فخ الأنانية المقنّعة، وتُبرر تجاوزاتها بأنها "رأي" أو "حياة شخصية"، بينما تنشر الفوضى، وتخسر الاحترام، دون أن تشعر بأنها فقدت بوصلة الذات.

الحرية الحقيقية ليست أن أفعل ما أشاء، بل أن أعي ما أفعل. أن أختار بصمت، وأتحمل نتائج اختياراتي. أن أتحدث دون أن أجرح، وأن أعيش دون أن أُلغِي. أن أكون حرة، دون أن أكون جارحة. وذاك هو الفارق العميق بين امرأة تعرف من تكون، وامرأة لا تزال تبحث عنها في عيون الآخرين.



#إياد_هديش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ادعاء التحرر والعودة إلى السجون القديمة: بين الصخب الظاهري و ...
- حين تُقمع المشاعر تتهاوى المواقف
- المرأة واختيار شريك عمرها: بين قسوة التحريم وفطرة الحب
- الحجاب والتمييز الطبقي: كشف العلاقة بين الستر والعبودية في ا ...
- قراءة في كتاب النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي لهش ...
- هل يعود اليمن سعيداً؟
- الأيام السبعة ورمزية الرقم (7)


المزيد.....




- مصر.. أغنية جزائرية يستشهد بها علاء مبارك ويعلق مثيرا تفاعلا ...
- كوخ إسكتلندي -سرّي- من الحرب العالمية الثانية يُعرض للبيع.. ...
- شاهد لحظة سقوط صاروخ قرب منشأة عسكرية إسرائيلية رئيسية في تل ...
- تقرير: فكرة ترامب حول فتح حسابات مصرفية استثمارية للأطفال لي ...
- مراسلتنا: موجة جديدة من الهجمات الآن تنطلق من إسرائيل باتجاه ...
- هل تغيّر الضربة الإسرائيلية لإيران معادلة الحرب في غزة؟
- ما هي الصواريخ البالستية وفرط الصوتية؟
- إسرائيل تحشد قواتها في الشمال على الحدود مع سوريا ولبنان
- الجيش الإيراني: إطلاقنا الصاروخي القادم سيكون بنحو ألفي صارو ...
- طيران -الشرق الأوسط- اللبنانية تعلق الرحلات من وإلى بيروت


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - إياد هديش - المرأة ما بين الحرية وهشاشة الهوية الذاتية