أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - إياد هديش - ادعاء التحرر والعودة إلى السجون القديمة: بين الصخب الظاهري وعمق الهوية














المزيد.....

ادعاء التحرر والعودة إلى السجون القديمة: بين الصخب الظاهري وعمق الهوية


إياد هديش

الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 22:43
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


الحرية الحقيقية ليست شعارًا يُرفع، ولا صوتًا يُصرخ به، بل هي هدوء داخلي ينبع من وعي ناضج بالذات، وانسجامها مع الآخرين. المرأة الحرة لا تحتاج إلى أن تثبت شيئًا لأحد، ولا تعيش حالة صراع دائم مع المجتمع، بل تمارس حريتها بهدوء، عبر سلوكيات نابعة من قناعتها، واستقلاليتها، ومسؤوليتها عن خياراتها. إنها تدرك أن الحرية لا تعني الانفلات، ولا تعني العدوان، بل تعني النضج والاحترام والتوازن.

في المقابل، تبرز نماذج من النساء اللواتي يدّعين التحرر، بينما يحملن داخليًا تناقضات حادة بين ما يرفعن من شعارات وما يمارسن من سلوك. قد يبدو مظهرهن متحديًا، وخطابهن صاخبًا، لكن الجوهر يبقى مشوشًا، والقرار الداخلي مرهونًا بنظرة الآخر أو بردّة فعل المجتمع.

من هذه التناقضات يظهر ما يُعرف في علم النفس بـ"الاستقلال الزائف"؛ حيث تتبنى المرأة خطابًا تحرريًا، لكنها في الحقيقة تعيش رهينة لصور ذهنية قديمة، وتستبدل قيدًا بآخر. فلا هي متصالحة مع الموروث، ولا هي مفككة له على مستوى عميق، بل تقف عند حدود رفضه اللفظي، بينما ترتد إليه لا شعوريًا عند أول اختبار حقيقي.

تتجلى هذه المعضلة في مواقف متعددة، من أبرزها ازدراء مشاعر الآخرين وعدم القدرة على خوض علاقة حب بريئة ناضجة مع الرجل. كم من امرأة تدّعي الاستقلال العاطفي، ثم تدخل علاقة بوعي مرتَبك، تارة تُظهر الحماسة، وتارة تنسحب بلا تفسير، تارة ترفع شعارات "الحرية"، ثم تستخدمها كذريعة لتبرير قسوة أو تنكّر لمشاعر الطرف الآخر. وفي العمق، تعاني من عدم قدرتها على تجاوز الخوف المتأصل من فقدان السيطرة، أو من نظرة المجتمع، أو من أحكام نساء أخريات يحملن ذات القوالب الذهنية التي هربت منها يومًا.

علم النفس التحليلي يفسر هذه التذبذبات كسلوك دفاعي ناتج عن صراع داخلي بين "الهو" (الرغبات الطبيعية) و"الأنا الأعلى" (الضوابط المجتمعية المترسبة)، فتبدو المرأة في صراع دائم مع ذاتها: تحب وتخاف، تنجذب وتبتعد، تعطي وتتراجع. تعيش ما يُعرف بـ"التنافر المعرفي"، حيث تنقسم بين قناعاتها النظرية وسلوكها الواقعي.

بل إن بعض هؤلاء النساء، رغم رفضهن المعلن للصور التقليدية، يُظهرن في لحظات الشك أو المواجهة انحيازًا مفاجئًا إلى أعراف المجتمع. فحين تُعرض عليهن علاقة عاطفية نزيهة، متوازنة، يُخضِعنها لمنظار الشك، وينسحبن منها بحجة الحفاظ على استقلاليتهن، رغم أنهن لم يُدركن بعد أن الحرية لا تتناقض مع الحب، بل تُزهر فيه إذا كان حبًا يقوم على الاحترام والاختيار الناضج.

في كثير من هذه الحالات، يتحول الرجل إلى ضحية لحرب لم يخُضها، حيث يُساء فهم مبادرته، وتُفسر ملامح حنانه كتهديد، ومشاعره الصادقة كقيود. ويُقابل حبه بالاستخفاف أو الإهمال العاطفي، ليس لأنه لا يستحق، بل لأن الطرف الآخر لم يتحرر بعد من صورة الرجل في وعيها الجمعي، تلك الصورة التي صاغها الخوف، والقهر، والخطاب المعبّأ، لا تجربة الفرد الحقيقية.

وهنا يكون العلاج الحقيقي نفسيًا ومعرفيًا، ويقوم على:

1. الاعتراف بالصراع الداخلي بين الرغبة في الحب والخوف من نتائجه، بين الحاجة للتقارب والرغبة في الهروب.

2. إعادة تعريف العلاقة العاطفية بوصفها شراكة، لا تهديدًا. إنها مساحة للنمو المشترك، لا ميدانًا لفقدان الذات.

3. التحرر من الذنب المرتبط بالحب، ذلك الذنب الذي زرعه المجتمع في اللاوعي الأنثوي.

4. تصحيح صورة الرجل، بعيدًا عن التعميم أو التحصن خلف تجارب مؤذية أو سرديات جماعية مشوهة.

5. بناء ثقة داخلية لا تُستمد من المواجهة أو التحدي، بل من القبول الحقيقي للذات والآخر.

إن المرأة الحرة ليست تلك التي ترفض العلاقات، بل التي تدخلها حين تختار، وتخرج منها حين تستوجب، دون أن تُنكر أو تُهين أو تُسقِط صراعاتها على غيرها. هي التي تحترم مشاعر الآخر، كما تحترم ذاتها، وتدرك أن العلاقة لا تسلب الحرية، بل تختبر نضجها.

وهكذا، فإن التحرر الحقيقي لا يكون برفع الشعارات، بل بإعادة بناء الداخل. فالمرأة التي لم تتصالح مع ماضيها، ولم تحسم صراعها الداخلي، ستبقى تكرر ذات الأخطاء، حتى وهي تلبس ثوبًا جديدًا. ستصرخ بالحرية، ثم تهرول عند أول منعطف إلى نفس السجون التي خرجت منها، ولكن هذه المرة بصوت أعلى وثقة أقل.



#إياد_هديش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تُقمع المشاعر تتهاوى المواقف
- المرأة واختيار شريك عمرها: بين قسوة التحريم وفطرة الحب
- الحجاب والتمييز الطبقي: كشف العلاقة بين الستر والعبودية في ا ...
- قراءة في كتاب النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي لهش ...
- هل يعود اليمن سعيداً؟
- الأيام السبعة ورمزية الرقم (7)


المزيد.....




- فوق السلطة: طقوس اغتصاب أطفال تهز إسرائيل ونتنياهو متهم برعا ...
- أيهما أقوى ذاكرة: النساء أم الرجال؟ ولماذا؟
- ” سجلي فورًا متترديش” خطوات التسجيل في دعم ساند للنساء 1446 ...
- دور المرأة المقدسية في إدارة الجمعيات الخيرية -حين يصبح الع ...
- ليبيا..أمر بالقبض على -أحمد الدباشي – العمو- في صبراتة بعد ت ...
- الولايات المتحدة: إعلان بطلان محاكمة هارفي واينستين بتهمة ال ...
- شاهد.. لحظة مساعدة سائقين في إنقاذ امرأة من سيارة مشتعلة
- شروط التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت بالجزائر وخطوات ط ...
- أحمر الشفاه..لماذا تعشقه النساء؟
- ابسطهالك راجع تاني!


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - إياد هديش - ادعاء التحرر والعودة إلى السجون القديمة: بين الصخب الظاهري وعمق الهوية