أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بوتان زيباري - صوت المثقّف في مواجهة دوّامة التفاهة والانقياد














المزيد.....

صوت المثقّف في مواجهة دوّامة التفاهة والانقياد


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 09:17
المحور: قضايا ثقافية
    


في هذا الزمن الذي يفتقد فيه الناس إلى منابر حقيقية للفكر المستقل، نجد أن المجتمعات التي تتجاهل مثقّفيها تسقط تدريجيًا في شَبر التفاهة الفكرية والانقياد غير الواعي. فحين يغيب صوت النقد، تتحوّل الأصوات إلى تراتيل ترديد آليّة مُسلَّمة، تُروّج بها السلطة والسوق، كذلك يُسيّس القول العام ليصبح جلادًا لمضامين العمق. المثقف، بطبيعته، لا يُسلَّم لريح الوقت ولا لتقلبات السلطة والشهرة؛ بل هو الصوت النقدي الذي لا يُسوّق له، ولا يطبع حسب الطلب، بل يُعلن صراحة: «أنا لا أُخضع فكري للسلطة، ولا ألتزم بقوالب الجاهز والمُسلَّم».

هذا الصوت الحرّ، كما نقرأ عند إدوارد سعيد في محاضراته عام 1993، واجه الاستسلام والتسويف، ورفض أن يكون جزءًا من «السوق السلطاني»، بل أصر أن يكون صُنعته الفكر المستقل، وأن يُخاطب الواقع عن طريقه، لا عن طريق نفوذ السلطة أو ضجيج الرأي العام . فهو يرى أن المثقّف الحقّ هو ذلك الذي لا يملّ طرح الفكرة حتى وإن لم تلقَ استحسان الحاكم أو الجمهور.

والأعجب من ذلك أن بعض الكتب المهمّة، رغم عدم حصول أصحابها على جوائز أدبية أو أكاديمية، مع ذلك قد أثارت نقاشًا محمومًا في الأوساط الثقافية. فالتقدير الحقيقي لا يكون بالجوائز، بل بتأثير الكتاب على العقل الجمعي. وقد يكون ذلك محقّقًا في حال ضحّى الكاتب بجذب المنظمات الكبيرة أو ترك العمل الشكلي ليقدّم فكراً لا يزاهم به السوق أو السلطة، بل يكشف الحقيقة الفعلية للمجتمع بتفاصيلها الدامية والخافتة أيضًا، دون تلوين أو تلين.

وتمامًا كما يشدد سعيد، فإن المثقّف لا يمكن أن يكون أداة تابع، وهو مَن يمتلك القدرة على التعرّض لسلطات مزدوجة؛ سلطة الأفكار المتوحّدة، وسلطة المال والنفوذ. عليه أن يقف في مشرحة الفكر، ويقول الحق بغض النظر عن انعكاسات الأمر عليه، فمهمته هي فضح الزيف والعبث، لا تلميع الواقع والتلطيف عليه

إن تراجع المثقّف عن الحياة العامة تحويله إلى «خبير» يصدّر سياسات المؤسسات، بدلاً من أن يكون العقل النبيل الذي يواجه التصدعات في صلب المجتمع. فحين يخضع المثقف لضغوط المؤسسات، ينزلق دوره من صوت منارة مستنيرة، إلى صوت يُستخدم فقط لإضفاء المشروعية على قرارات السلطة. والمجتمع الذي يفتقد المثقف النقدي المستقل يشرّد فكره في اتجاه واحد، ويصبح عاجزًا عن التفكير الذاتي والحقيقة الجذرية.

لكن الأمل يوجد حين يدرك الناس أن الاعتراف بالجوائز لا يعكس قيمة الفكر. إنما التأثير الحقيقي ينبثق من النقاش المشتعل الذي يلطّخ صحف الفكر ومجلاته. هذه المناقشات هي التي تبني أسس النهضة الحقيقية؛ لأنها تنزع عن المثقف عباءة الخادم وتعلّمه الاستقلال، وتعلّمه أن دوره ليس في تزيين الواقع، بل في تمزيق الأقنعة عنه، وإعادة بنائه من جديد بالعدل والصدق والجرأة.

تمرّ مجتمعات بأزمات كبيرة حين يستبد صوت التطبيل بصوت الحقيقة، وحين يصبح الرأي العام صدىً لآلة متسلطة. المثقف الحقّ لا يبيع ضميره، ولا يهرول وراء الريح لحساب السلطة أو السوق. تبقى مهمّته أن يطرح السؤال المحرِّض، وأن يقف عند مأزق الإنسان في اللحظة، وأن يجعل قراءه يعيدون التفكير في الواقع، لا أن يبقوا متلقين ساكنين.

في نهاية المطاف، لا تحتاج المجتمعات جوائز تشجيع للكتاب النقديين؛ بل تحتاج أن تستمع لهم، أن تحميهم، وتُعطِي صوتهم مساحات حقيقية في الحياة العامة. فهذا هو الطريق الوحيد للخروج من دوامة التفاهة الفكرية والانقياد. فالمثقف، عندما تركن كلمته إلى السكون، يموت المجتمع، وتُزهر سطوحة السياسة والسوق شجر الخزعبلات على أرضه.

ولكي لا نفقد الصوت الأصيل، فإن واجبنا الجماعي هو أن نُنتج ثقافة تُثمن فكر الكتاب والباحثين الذين يقفون في وجه السطحية، لا أن نطبع الجميع بطابعٍ واحد: عظّمي السلطة، يبرع السوق، وأقيد الفكر بلا حرية. الفكر حين يُحجز عن الكلمة الحرة، ينطفئ، ويخمد فجر المجتمعات.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين ينهش القناع مَن يلبسه
- سوريا بين رُكام الشرق وحُمى الغرب: عن الأويغور، إسرائيل، وخر ...
- تركيا والكورد في مفترق الطرق
- انفصال المعنى عن الفعل الإنساني: المأساة الصامتة للمجتمع الح ...
- رحلة الكُرد نحو الذات السياسية
- بين سُحب التقسيم ووهج الاتفاق: رقصة الأضداد في ظل الشرق المض ...
- أقنعة الاستبداد: سوريا بين مطرقة التقديس وسندان التماثل الخف ...
- لعبة التوازن بين الحوار والقمع في الملف الكوردي التركي
- انفتاح الغرب... نافذة خلاص أم قيد ناعم؟
- شاطئ الخوف: تأملات في ظل صمت البنادق
- حين تتكلم الجبال ويسكت العالم
- على درب السلام، أين تقف الوعود؟
- رمادٌ لم يُدفن: كيف يُعاد تدوير الجريمة في ذاكرة الأمم؟
- تأمل في مشهدٍ يتدحرج من السلة إلى السلطة
- حين تتهامس الجغرافيا بالعقل: التأمل في مصير وطن تحكمه الأطيا ...
- تحت ظلال قامشلو: أنشودة الكورد في خريف العصور
- أغاني التراب: حين تسافر الأمم في ليلها الطويل
- المتاهة السورية: بين سراب السيادة وظلال الأطياف الإقليمية
- نسيج الأقطار: سيمفونية الصراع ورنين الأمل
- أردوغان في متاهة السياسة: بين سندان الداخل ومطرقة الخارج.. ه ...


المزيد.....




- -عاشت معي في مغارات وتنقلنا في 49 بيتا-.. أحمد الشرع يشعل تف ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يُهدّد أسطول الحرية المتجه نحو غزة: ع ...
- إيران تكشف عن تفاصيل جديدة حول وثائق إسرائيل النووية: كنز اس ...
- برلين تتجهز تحت الأرض لمواجهة قد تندلع في 4 سنوات.. هل اقترب ...
- بعد اتهامه بتعاطي المخدرات.. والد لامين يامال يفجر مفاجأة حو ...
- دميترييف يصف حوار بوتين وترامب بأنه فرصة لوقف التصعيد
- السوداني يؤكد ثبات العراق على موقفه تجاه قضايا المنطقة ومسان ...
- لحظة إطلاق النار على المرشح الرئاسي الكولومبي
- إسبانيا: مظاهرة في مدريد ضد حكومة بيدرو سانشيز التي تتهمها ا ...
- القسام تعلن مقتل جنديين إسرائيليين وحماس تتحدث عن حرب استنزا ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بوتان زيباري - صوت المثقّف في مواجهة دوّامة التفاهة والانقياد