أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - حين ينهش القناع مَن يلبسه














المزيد.....

حين ينهش القناع مَن يلبسه


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 00:19
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في عمق هذا العالم، الذي يبدو كأنه مشهد مسرحي بلا نهاية، لا يمكن للمرء أن يميّز بسهولة بين ذئبٍ يبتسم وإنسانٍ ينهش. لقد غدت الأقنعة أكثر من مجرد تمثيل أو تصنّع؛ صارت بنيةً من بنى الحياة ذاتها، حيث تتلبّس الذئاب ثياب البشر، لا لتخدع الآخرين فحسب، بل لتقنع نفسها أن ما تفعله ليس افتراساً بل «ضرورة». أيّ مأساة هذه التي تجعل من الرحمة شعاراً للضباع، ومن العدل نشيداً للثعالب؟! إننا لا نعيش في غابة الأشجار، بل في غابة الوجوه، الوجوه التي كلما اقتربتَ منها، أدركتَ أن الأقنعةَ أصدق من ملامحها.

لم يعد الزئير يعلو ولا العواء يُخيف، فقد صار الكذب أكثر تهذيباً، والمخالب أكثر أناقة. تُصاغ الخيانات في قوالب وعود، وتُلبس الخيبات أردية الحكمة. أترى منتهى الذكاء في أن يكون افتراسك مشفوعاً بكلماتٍ منمّقة؟ أم أن هذه هي قمة السقوط الأخلاقي حين تتخفّى الوحشية خلف مرآة العقل والضمير؟ في هذه الغابة، تتنقّل الكلمات كالفخاخ، لا تبني جسوراً بل تنصب الكمائن، بينما تتهادى الذئاب على خشبة السلطة بأقنعة من ضوء، تخدع العيون وتخدر القلوب.

كأنما هذه الأرض لم تُخلق لتُزرع، بل لتُفترَس. لا قانون يعلو فيها إلا من سَلّ سيفَه أو زيّن لسانَه. تُنشد المبادئ، وتُعلَّق الشعارات، لكن تحتها تُذبح الأرواح باسم النظام، وتُسرق العدالة باسم القانون. أصبح الخير واجب اللباس، لا واجب الفعل؛ وتحوّل الإنسان إلى «كائن محتمل»، يتأرجح بين هيئة ملاك ونزعة وحش، بلا يقين في أيٍّ منهما.

وفي ظل هذه الانقسامات المريعة، لم نعد نعرف: من هو الإنسان؟ أهو من يتألم؟ أم من يتصنّع الألم ليرتكب الجريمة باسم العاطفة؟ من هو الوحش؟ أهو مَن ينهش لحماً؟ أم مَن ينهش وعداً، وينقض عهداً، ويغدر بأقرب الناس إليه وهو يبتسم؟ إن اختلاط المظهر بالجوهر لم يعد مجرد لبسٍ في الرؤية، بل صار لبساً في الهوية. لم تعد الأنياب تُعرَض، بل تُخفى في قُطن الكلام، حتى لا نفيق إلا ونحن نصافح القاتل، ونبكي على أعتابه، كما لو كان هو الضحية.

يا لها من مفارقة: أن يُصبح الجمال ستاراً للقبح، والصدق عباءةً للكذب، والرحمة واجهةً لقسوةٍ لا حدود لها. كم من قناعٍ مضيءٍ يخفي خلفه ظلاماً دامساً! وكم من يدٍ امتدت للمصافحة، وهي تحمل خنجراً في كُمّها! لقد غابت البراءة لا لأن الذئب افترسها، بل لأن الضحية استمرأت البقاء في قفصها.

وفي النهاية، لا يُطلب من الإنسان أن يكون ذئباً لئلا يُفترَس، ولا أن يكون حملًا يُقدَّم على المذبح باسم النقاء. بل المطلوب أن يستيقظ من سباته الأخلاقي، أن يخلع ثياب الزيف، ويعيد تعريف الإنسانية. فليس كل مَن تكلّم بالحكمة حكيمًا، وليس كل مَن ابتسم صديقًا، وليس كل مَن لامس قلبَك جديرًا بالبقاء فيه. فلا تغترّ بمَن يهمس لك بالحب، فقد يكون ذلك الهمس آخر صوتٍ تسمعه قبل أن تنهشك الحقيقة.

استعادة الإنسان من غابته لا تكون بالشعارات، بل بالمواجهة الصادقة مع الذات. حين لا نعود نخشى الحقيقة، سنعرف كم خُدعنا، وكم خدعنا أنفسنا. فافتح عين قلبك قبل عينك، وانظر حولك لا بعين المظاهر، بل بعين الوعي: هل من حولك بشرٌ حقاً، أم أن الذئاب قد أتقنت التمثيل؟



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا بين رُكام الشرق وحُمى الغرب: عن الأويغور، إسرائيل، وخر ...
- تركيا والكورد في مفترق الطرق
- انفصال المعنى عن الفعل الإنساني: المأساة الصامتة للمجتمع الح ...
- رحلة الكُرد نحو الذات السياسية
- بين سُحب التقسيم ووهج الاتفاق: رقصة الأضداد في ظل الشرق المض ...
- أقنعة الاستبداد: سوريا بين مطرقة التقديس وسندان التماثل الخف ...
- لعبة التوازن بين الحوار والقمع في الملف الكوردي التركي
- انفتاح الغرب... نافذة خلاص أم قيد ناعم؟
- شاطئ الخوف: تأملات في ظل صمت البنادق
- حين تتكلم الجبال ويسكت العالم
- على درب السلام، أين تقف الوعود؟
- رمادٌ لم يُدفن: كيف يُعاد تدوير الجريمة في ذاكرة الأمم؟
- تأمل في مشهدٍ يتدحرج من السلة إلى السلطة
- حين تتهامس الجغرافيا بالعقل: التأمل في مصير وطن تحكمه الأطيا ...
- تحت ظلال قامشلو: أنشودة الكورد في خريف العصور
- أغاني التراب: حين تسافر الأمم في ليلها الطويل
- المتاهة السورية: بين سراب السيادة وظلال الأطياف الإقليمية
- نسيج الأقطار: سيمفونية الصراع ورنين الأمل
- أردوغان في متاهة السياسة: بين سندان الداخل ومطرقة الخارج.. ه ...
- العاصفة الصامتة: كيف حوّلت الصين ساحة الحرب الاقتصادية إلى ر ...


المزيد.....




- طريقة جلوسها وإطلالتها.. أول ظهور لزوجة أحمد الشرع لطيفة الد ...
- تحديث مباشر.. مظاهرات لوس انجلوس وترامب ينشر الحرس الوطني
- السعودية.. محمد بن سلمان يشعل تفاعلا بما قاله عن -إخوتنا في ...
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات قرب موسكو خلال ساعتين ...
- -ليس من مصر ولا قطر-.. تقرير إسرائيلي عن حل لأزمة الرهائن في ...
- ترامب ينشر الحرس الوطني الأمريكي بعد اشتباكات في لوس أنجلوس ...
- البرازيل تواجه انتكاسة بيئية حادة في الأمازون
- ترامب يهدد ماسك بـ-دفع ثمن باهظ-!
- العلماء يستبعدون وجود -الكوكب إكس- في 75% من مواقعه المحتملة ...
- آلاف الأوكرانيين يراسلون روسيا بحثا عن أقاربهم من الجنود الم ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - حين ينهش القناع مَن يلبسه