أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - الطفولة: بذور الصراع النفسي وأثرها في تشكيل الهوية الشخصية














المزيد.....

الطفولة: بذور الصراع النفسي وأثرها في تشكيل الهوية الشخصية


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8362 - 2025 / 6 / 3 - 07:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


منذُ نعومة أظفاره، يبدأ الإنسان في تشكيل رؤيته للعالم عبر تفاعلاته الأولى مع أقرانه وتعامله مع اترابه ، حيث تُشكِّلُ تلك اللحظاتُ البريئةُ بذورَ تجاربه الوجودية مع المجتمع... ؛ ففي أحضان اللعب الجماعي تَنْبُتُ أولى خيوط العلاقات الإنسانية، وتُطْبَعُ في أعماق النفس سِماتٌ قد تَظلُّ كامنةً في اللاوعي، لتكونَ المحرِّكَ الخفيَّ لسلوكياته المستقبلية... ؛ فالطفلُ هنا ليس مجردَ كائنٍ يلهو، بل هو كيانٌ يَبنِي عوالمَه من خلال احتكاكه بالآخر، تُشرَبُ روحُه دفءَ الانتماء إلى الهوية الجمعية، أو تُخْنَقُ بِوَخْزَةِ العزلة والاغتراب.
الطفولة : بين التآلف والتنافر
في المرحلة الأولى، يَغْمُرُ الطفلَ شعورٌ بالسعادة حين يجد رفاقًا يَتقاسَمون معه لحظاتِ الفرح : هذا يُهديه حلوى، وذاك يُشاركه لعبةً، وثالثٌ يُعبِّرُ عن حنانه بِقُبلةٍ دافئة... ؛ هنا تُولَدُ فطرةُ التَّوق إلى "الجماعة"، ويَتَشَكَّلُ الإدراكُ الغريزيُّ لـ"ضرورة الانتماء"... ؛ لكنَّ هذه الصورةَ الورديةَ لا تَخلو من شوائب ؛ فسرعان ما يَصطدمُ الطفلُ بوجوهٍ أخرى للتفاعل الاجتماعي: أقرانٌ مُشاكِسون يَتَفنَّنون في إثارة الخصومات، أو توجيه الإهانات، أو استغلال الفروقات الجسدية (كالقصر أو الطول او غيرهما من السمات الجسدية والشخصية ) للتنمر و لِنَبْذِ مَن يختلف عنهم... ؛ وهكذا تَتحوَّلُ ساحةُ اللعب إلى ميدانٍ لـ"الحروب المصغَّرة"، حيث تُستَخدمُ الكلماتُ النابيةُ سهامًا، وتُصبحُ السخريةُ سلاحًا لترسيخ التراتُبيات الاجتماعية!
صراخٌ في وجه الصَّمَم : عجزُ الكبار عن فكِّ الشفرات
عندما يَلْجَأُ الطفلُ الضحيةُ إلى الكبار (والديه، مُعلِّميه، جيرانه)، مُحاولًا ترجمةَ ألمه إلى شكوى ملموسة، يُصادفُ -غالبًا- ردودَ فعلٍ مُحبِطةً تَختزلُ معاناتَه في مقولاتٍ جاهزة: "هذه لَعِبَةُ أطفال"، أو "ستكبرون وتنسَون!"... ؛ لكنَّ المُفارقةَ الساخرةَ هنا أن الكبارَ أنفسَهم يَعجزون عن نسيان خلافاتهم أو تجاوز أحقادهم، فكيف يَطلبون من الطفلِ أن يَمحوَ ندوبَ روحه بكلمةٍ عابرة؟!
إنها "المُفارقةُ الوجودية" التي تُعمِّقُ جرحَ الوحدة : فالمجتمعُ يَفرضُ على الصغيرِ قواعدَ لا يَستطيعُ الكبارُ تطبيقَها، وكأنَّ الطفولةَ مُجرَّدُ مرحلةٍ انتقاليةٍ لا تستحقُّ التَّأهيلَ النفسيَّ!
المأزقُ الوجوديُّ: بين سندان العزلة ومطرقة الاضطرار
يُواجَهُ الطفلُ هنا بِمُعضلةٍ فلسفيةٍ مُبكِّرة: إمَّا أن يَختارَ العزلةَ هربًا من الإيذاء، فيُحاصَرُ بِوَصْمَةِ "المنعزل الغريب"، وإمَّا أن يَستسلمَ لعلاقاتٍ سامَّةٍ تحت ذريعة "الضرورة الاجتماعية"... ؛ لكنَّ الهروبَ ذاته ليس حلًّا؛ فالمُتنمِّرون يَطاردونه في فضاءات الحياة كافَّةً (المدرسة، الحي، الأسواق , الشارع )، وكأنَّ المجتمعَ يُعيدُ إنتاجَ صراعاته بطريقةٍ دائريةٍ لا مَفرَّ منها... ؛ و هكذا تَتشابكُ خيوطُ الأزمة ... ؛ مُشكِّلةً نواةَ صراعاتٍ نفسيةٍ تَستقرُّ في الأعماق، كألغامٍ قابلة للانفجار في أيِّ مرحلةٍ لاحقة.
الطفولةُ كمختبرٍ لتشكيل الهُويَّة : مِنَ الجُرح إلى المأساة
لا تَختفي التجاربُ المؤلمةُ مع مرور الزمن، بل تَتحوَّلُ إلى "نصوصٍ تأسيسيةٍ" تُرافِقُ الإنسانَ حتى النهاية... ؛ فما يَمرُّ به الطفلُ مِن تنمُّرٍ أو إهمالٍ لا يَبقى حبيسَ الذاكرة فحسب، بل يَتحوَّلُ إلى بُنيةٍ تحتيةٍ لشخصيته : خوفٌ مِن الانفتاح، صعوبةٌ في الثقة، أو نزوعٌ إلى العدوانية كآليةٍ دفاعية... ؛ والأخطرُ أنَّ هذه الجروحَ تَظلُّ تُنتجُ سِيالاتِها الأليمةَ حتى عند الكِبَر، فالكثيرُ مِن صراعات البالغين ليست سوى امتدادٍ لصراعاتٍ طفوليةٍ لم تُحلَّ، أو جروحٍ لم تُداوْ!
الطفولةُ ليست مُجرَّدَ ذكريات
الدرسُ الأعمقُ هنا أنَّ الطفولةَ ليست مرحلةً عابرةً في حياة الإنسان، بل هي اللَّبنةُ الأولى في صرحِ هُويته النفسية والاجتماعية... ؛ فكلُّ موقفٍ، وكلُّ كلمةٍ، وكلُّ نظرةٍ يَتلقاها الصغيرُ تَحمِلُ في طياتها قوةَ البناءِ أو الهدم... ؛ ومن هنا تبرزُ أهميةُ إعادة النظر في كيفية تعاملنا مع الصراعات الطفولية ؛ فما يُعامَلُ على أنَّه "سخافةُ أطفال" قد يَتحوَّلُ إلى مأساةٍ إنسانيةٍ تُرسمُ ملامحُها على جدارِ الزمن.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتب ...
- عقد في جَوْفِ الجحيم البيروقراطي والدهاليز الورقية المتعفنة
- الحريات المنفلتة والتدخلات الخارجية : تحديات المرحلة الانتقا ...
- حَفْريَّاتُ الوَهْمِ في صَحْراءِ الوَعْي المُعَلَّب: سُريالي ...
- اعداد ضحايا الارهاب والعمليات العسكرية بين المبالغة والتضليل
- طفولة تحت الأنقاض.. جراح الطفولة تُلقي بظلالها على مراحل الع ...
- تحليل ظاهرة -الزَّعْل- في المجتمع العراقي: جذورها، تجلياتها، ...
- لقاء العيون في زمن متشظٍّ : سردية سريالية للالتقاء العابر وا ...
- التنكر للطائفية : إشكالية الإنكار وتضليل الممارسات الطائفية
- الأصدقاء: عائلة الروح ومرآة الذات
- الابتسامة المزيَّفة: قناعٌ من ذهب وحقدٌ من نار
- التشويه الديموغرافي وصراع الهوية: جرائم الاحتلال العثماني وا ...
- النزاعات العائلية والعشائرية في العراق: جذور التمزق الاجتماع ...
- العراق العلوي يدفع الجزية للحكومة الاموية في سوريا ؟!
- العراق وتنازلات السياسة الخارجية... بين الواقع والمأمول


المزيد.....




- ترامب مازحا عن إيلون ماسك: أمريكا تستطيع البقاء بدون أي شخص ...
- واشنطن تفرض عقوبات جديدة تستهدف إيران وتشمل كيانات في الإمار ...
- بضربة شاملة.. قصف روسي لمواقع بأوكرانيا
- ماكرون ولولا دا سيلفا يحضران فعالية ثقافية في باريس
- عروض نارية مبهرة تضيء سماء أبوظبي في أولى ليالي عيد الأضحى ا ...
- أولمرت: إسرائيل مسؤولة عن تلبية حاجة سكان غزة
- أمريكا.. تحويل الطائرة القطرية إلى -رئاسية- يثير انتقادات في ...
- استمرار التصعيد بين موسكو وكييف... وروسيا تعلن قتل شخص كان ي ...
- مقتل أربعة جنود إسرائيليين في غزة وسط نقص كبير في عديد الجيش ...
- حريق هائل يلتهم صهاريج في أوكلاهوما الأمريكية


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - الطفولة: بذور الصراع النفسي وأثرها في تشكيل الهوية الشخصية