أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال محمود الطيارة - -شاهد ما شفش حاجة- أو شرُّ البليّة ما يُضحِكُ (موتُ النّخْوَة)















المزيد.....

-شاهد ما شفش حاجة- أو شرُّ البليّة ما يُضحِكُ (موتُ النّخْوَة)


كمال محمود الطيارة

الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 12:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"شاهد ما شفش حاجة" أو شرُّ البليّة ما يُضحك
(موت النَّخْوَة)


يوم الأحد في الخامس والعشرين من شهر شباط من سنة أربعة وعشرين وألفين وقف شابّ أمريكيٌّ يافع لا يجاوز خمسة وعشرين ربيعاً قُبالة مبنى سفارة إسرائيل في الولايات المتحدة وصبّ نفطاً (قد يكون عربيّاً) على جسده وأضرم النّار فاشتعل من قِمّة رأسه إلى أخمص قدميه وتساقطتْ أجزاؤه وهو يصرخ "لتعشْ فِلسطين حُرّة" وهكذا قدّمَ "آرون بوشنيل" نفسه قربانا بشريا من أجل فلسطين على طريقة "الهولوكوست" التي يعشقها بنو إسرائيل ومنذ أيّامٍ قليلة قام أمريكيٌّ آخر في مقتبل العمر اسمه إلياس رودريغز بإطلاق النار على موظَّفين في السّفارة الإسرائيليّة في واشنطن فأصابهما في مقتل ثمّ ألقى سلاحه وجلس قرب مبنى السّفارة ينتظر بهدوء وصول رجال الشّرطة للقبض عليه وكان ما زال يُردّد الشّعار عينه "لتعشْ فِلسطين حُرّة" وقد قامت قناة "فوكس نيوز" الأميركيّة بمقابلة "واين فراي" الجار السّبعينيّ لإلياس رودريغز وسألته الصّحفيّة عن رأيه بجاره المتّهم بقتل شخصين في واشنطن فذكّرها الرجل العجوز ببساطة بأنّه "لدينا الآن في غزّة خمسون ألف قتيل وألاف الأطفال يموتون جوعاً" لم يكن آرون وإلياس فاشلَين في الحياة فأرادا أن يضعا حدّا لفشلهما بعمل متهوّر بل كانا على العكس من ذلك ناجحين ينتظرهما مستقبل واعد فأوّلهما خدم في سلاح الجو الأمريكي وكان يستعدُّ لنيل مؤهّلات أرفع في مجال عمله والثاني كان أكاديميّاً باحثاً وناشطاً سياسيّاً معروفاً

إلى هذين الحدثين يُضافُ بالطّبع ما تحمله لنا الأخبار والصّور يوميّاً منذ ما يقرب من السّنتين عن تظاهرات وفعاليّات شعبيّة وتصريحات سياسيين وأكاديميين وفنّانين وغيرهم في العديد من المدن الغربيّة تُدين كلُّها حرب إسرائيل على غزّة وسياسة التّدمير والتّجويع التي تنتهجها بهدف إبادة سكّانها الفلسطينيين فتساءلتُ عندها لماذا يا تُرى يقوم أناس على بُعد عشرات آلاف الأميال من غزّة وهم لا تربطهم بأهلها المساكين أية رابطة دينيّة أو عرقيّة أو سياسيّة بالتّعبير عن غضبهم واحتجاجهم على ما يحدث هناك (جرت في 600 يوم أكثر من 34 ألف تظاهرة وفعاليّة شعبيّة) ولا يحرّك هلاكُ ما يزيد عن سبعين ألف إنسان (ثلثاهم من النّساء والأطفال) حرقاً أو اختناقاً أو جوعاً شعرةً واحدةً في مَفْرِقِ أهل الشّرق (على مختلف أهوائهم ومشاربهم وأعراقهم وطوائفهم من مغربهم إلى مشرقهم) القابعون على أمتار قليلة من غزة وأهلها وقد كان لهم معهم في ما مضى ما كان من الصلات التاريخيّة المشتركة وقد يكون بينهم وبين بعضهم صلات رحمٍ وقُربى ولهم من المصالح الاقتصاديّة معهم ما هو أكيد؟ لماذا ماتت النخوة عند أهل الشّرق كافّة أيّا كان جنسهم أو ملّتهم (وأقصد هنا العامّة أمّا أصحاب السّلطة وخاصّة الخاصّة "فلا حياة لمن تنادي" إنّهم منشغلون بحشْوِ خزائنهم وتوطيد سلطانهم أيّاً كان الثّمن و"من يّهُن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميّت إيلام")؟

نظرتُ في الأمر فتراءى لي أنّ العِلّة تكمن في التّربية التي يتلقّها أهل الشّرق القائمة على عُمُدٍ ثلاثة الجهل والتّواكل وثقافة "يا ربّ السّلامة" وسنعرض لكلٍّ من هذه باختصار شديد وقد أعود للتوسع فيها يوماً لو احتاج الأمر ذلك

فالحداثة كما اعتُمِدَت أورثت الأجيال الحاليّة (ومنها أصحاب المسؤوليّة والسلطان) جهلاً مطبقاً بحضارتهم الماضية وتاريخهم وتاريخ جيرانهم وتاريخ من هم أبعد من جيرانهم فاختلطت أمور الحاضر عليهم وعجزوا عن فهمها وتحليلها والوقوف على دقائقها فأسلموا أمرهم إلى زعمائهم يسوقونهم وتلقّفوا ما يُرمى إليهم في المرئيّ والمسموع وكما قال سرحان عبد البصير المواطن الغلبان في "شاهد ما شفش حاجة" "مش انتو الحكومة وعارفين كلّ الكلام(؟!)" فاتّبعوا هذا أو ذاك ممن جعلوا في يده قيدهم فتراهم مثلاً على خُطى زعمائهم يتشدّقون ب"الصداقات التّاريخيّة" مع الدّول الغربيّة ولا يدرون ما كان لهذه الدول من دور في تفتيت بلاد الشّرق وإفقار أهلها من عهد الحروب الصليبيّة إلى وعد بلفور ومعاهدة سايكس ـ بيكو (!!!) أو يعهدون بمدّخراتهم إلى المصارف الغربيّة وفي ظنّهم أنَها مثال الصّدق والأمانة وهم يجهلون أنّ هذه المؤسسات الماليّة في توسكانه وفرنسا وبريطانيا العظمى مثلاً ما قويت وازدهرت إلاّ على أشلاء اقتصاد دول الشّرق!!!

وهذا التّواكل والهروب من المسؤوليّة هو السّمة الثّانية في تربية أهل الشرق الذين أحجموا عن أن يجعلوا أمرهم في أيديهم وفضّلوا العيش في كسلٍ وخنوع فأوكلوا أمرهم إلى الزّعيم أو إلى الله فالاتكال على فلان أو علان لإنجاز أمر ما سلوك رائجٌ في المجتمعات الشّرقيّة وفي الأمور الأكثر أهميّة يلجأون إلى الزّعيم ويعملون بإشارة منه أمّا في عظائم الأمور فما لهم إلاّ الله فتضجّ دور العبادة عندها بالأدعية تطلب إلى الباري شفاء المرضى وإغاثة الملهوف و ... النصّر على الأعداء وتشتيتهم و ... ويكون الرُّكعُ السّجود قد أدّوا بذلك قسطهم للعلى ففوضوا أمرهم إلى الله وأراحوا ضمائرهم مستبدلين الفعل بالكلام متناسين "اعملوا" أو "اعْقِلْ"(!!!) وبالمرّة تراهم قد تنازلوا عن حقّهم في التّفكير والنّقد والمحاسبة واكتفوا بالترداد الببغائي "أنا بارتبك يَ افندم ... أنا الواحد يقول لي وانا أقول على طول" يقول سرحان عبد البصير

أمّا ثقافة "يا ربّ السّلامة" (أو "الحيط الحيط ياربّي البيت") فتتبدى أساساً في الإذعان والامتناع عن المعارضة أو عن إبداء أيّ رأي مخالف لما هو سائد خصوصاً أمام أشخاص قد يُنْظر إليهم على أنّهم في المقام الأرفع فها هو صاحبنا سرحان الذي أُرغِمَ على الإدلاء بشهادةٍ قي قضية جنائيّة يرتعد خوفاً ورهبةً من السّلطة الممثلَة هنا في هيئة المحكمة والدّفاع فيختفي صوته وينسى اسمه وعندما يسأله وكيل النّيابة عن الكيفيّة الصّحيحة لنطق اسمه يجيب باستسلام تام "إللي تشوفه حضرتك هو أنا ح اعرف اسمي اكتر م الحكومة ... مش الحكومة عارفه الأسامي كلّها(؟!)" ولكنّه لا يلبث أن يتحوّل في الحال إلى طير كاسر ينزل لطماً وعضّاً في مواطن عاديّ في القاعة عينها حالما علِم بأنّه لا صِلة له بهيئة المحكمة إيّاها إنّها ولا شك بحسب علم النّفس محاولة لترميم الثّقة المتداعية بالذّات وردّ الاعتبار لها ولنا في "على راسي" و"بتأمر سيدي" و"حاضر يا فندم" و"فخار يكسّر بعضه" و"اليد يللي ما فيك عليها بوسها وادع لها بالكسر" ... وغيرها الكثير من تلك العبارات التي تزخر به قواميس قواعد السلوك الاجتماعي في المجتمعات الشّرقيّة وتَنِمُّ عن خضوع تام للفرد ترجمة عمليّة لهذه النّظريّة

فالجهل والتّواكل والخنوع تجعل من الشّرقي فاقدا للثقة في نفسه عاجزاً عن اتخاذ موقف وزاد قمع السّلطة له الطّين بِلَّة فقرر الانطواء على نفسه والعزوف عن الخوض في الشّأن العام فها هو سرحان يعترف باكيا أمام رئيس المحكمة "مشاكل العصر بتاعتكو ما بتهمنيش أنا واخد المسألة ببساطة عايش لوحدي" فيجيبه هذا الأخير برأفة ونفحةٍ أبويّة "انت يا سرحان انسان مسالم (...) مسالم أكتر من اللازم انت انسان مش عارف أيّ حاجة (الجهل) او يحدّد أيّ حاجة (الاتكاليّة) لأنّك خايف من كلّ حاجة (يا ربّ السلامة) انت رصيدك في الحياة ناقص كتير يا سرحان (...)"

وكم لدينا من سرحان في بلاد الشرق "اندعس للآخِر ... لتحت الأرض" كما يقول عبّاس في "نزل السّرور" فمن أين لهم إذاً أن يخرجوا لقول كلمة وان كانت كلمة حقّ؟! وهكذا ماتت النّخوة

لقد عاش الشّرقي لأجيال طويلة خلت على أنّه "شاهد ما شفش حاجة" واليوم يريدون منه أن يلعب دور شاهد زور

كانت هذه خاطرة

كمال محمود الطيارة ـ ليون ـ فرنسا



#كمال_محمود_الطيارة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -شاهد ما شفش حاجة- أو شرُّ البليّة ما يُضحِكُ (موتُ النّخْوَ ...
- من إسلام الضّرورة ‘لى إسلام البزنس (تدنيس المقدّسفي المخيال ...


المزيد.....




- وزير خارجية السعودية يؤمّ المصلين بالجامع الأموي الكبير في د ...
- فيديو.. وزير الخارجية السعودي يؤم المصلين في المسجد الأموي ف ...
- هجمات تطال متحف الهولوكوست واثنين من المعابد اليهودية ومطعما ...
- ناشط يهودي: هكذا قلبت 6 أشهر بالضفة الغربية كل المفاهيم الصه ...
- إسرائيل ترفض التعاون مع زيارة وزراء عرب للضفة وتتوعد ببناء د ...
- نيجيريا تعلن مقتل 60 مسلحا من بوكو حرام وتنظيم الدولة
- دفاع رئيسة الجالية اليهودية في ميونيخ عن -إسرائيل- رغم الانت ...
- اقتحامات إسرائيلية بالضفة ووزير الدفاع يؤكد: سنقيم الدولة ال ...
- إسرائيل تتهم ماكرون بشن -حملة صليبية ضد الدولة اليهودية- بعد ...
- ما هو السر وراء إقبال الشباب الأمريكي على الكنائس الروسية؟


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال محمود الطيارة - -شاهد ما شفش حاجة- أو شرُّ البليّة ما يُضحِكُ (موتُ النّخْوَة)