أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال محمود الطيارة - أيكون إبراهيم عربيّاً؟! (في تأثيل بعض المشاهد الغامضة من سيرة إبراهيم التّوراتيّة) (2) الفصل الأوّل (جزء 2/2) الحِمى والأنصاب والمذبح: ثقافة الأحجار المقدّسة















المزيد.....



أيكون إبراهيم عربيّاً؟! (في تأثيل بعض المشاهد الغامضة من سيرة إبراهيم التّوراتيّة) (2) الفصل الأوّل (جزء 2/2) الحِمى والأنصاب والمذبح: ثقافة الأحجار المقدّسة


كمال محمود الطيارة

الحوار المتمدن-العدد: 8435 - 2025 / 8 / 15 - 09:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أيكون إبراهيم عربيّاً؟!
(في تأثيل بعض المشاهد الغامضة من سيرة إبراهيم التّوراتيّة)
(2)
الفصل الأوّل (جزء 2/2)
الحِمى والأنصاب والمذبح: ثقافة الأحجار المقدّسة


* اعتقاد هؤلاء (البدو الرّحّل) بكائنات غيبيّة تملأ الفلوات والأماكن الموحشة أو الخالية من البشر

في ذهابه إلى فدّان آرام وفي إيابه منها وقع يعقوب في حادثين منفصلين على كائنات غيبيّة ليليّة ارتبكت الرّواية التّوراتيّة في تحديد هويّتها فهي تارة الرّبّ أو ملائكته قرب بيت إيل وتارة أخرى كائن غامض على هيئة رجل قرب نهر يبوق فلنبدأ البحث من هنا

بعدما أقام يعقوب نساءه وأولاده في مكان آمن وهم في طريق العودة إلى أرض كنعان بقي هو بمفرده على الضفة الأخرى من مخاضة يبوق فظهر له في العتمة كائن على هيئة إنسان (אִישׁ) فتصارعا "حتى طلوع الفجر" ولمّا لم يقدر الرجل على يعقوب ضربه على حُقَّ فخذه (أي وركه) فانخلع ويعقوب ممسك به فقال له "أطلقني الآن لأن الفجر (הַשָּׁחַר) يكاد يطلع علينا" فأجابه يعقوب "لا أطلقك إن لم تباركني!" فسأله "ما اسمك؟" فقال "يعقوب" فقال "من الآن لا تُسمّى يعقوب بل سيكون اسمك إسرائيل لأنّك غالبت إيلوهيم وغالبت البشر فغلبتهم جميعاً" وبدوره سأله يعقوب "وأنت ما اسمك؟" فأجاب "لماذا تسأل عن اسمي!؟" وباركه هناك وانصرف فدعا يعقوب هذا المكان "فنيئيل" (= פְּנִיאֵל) "لأنّي نظرت إلى إيلوهيم (= אֱלֹהִים) وجهاً لوجه (פָּנִים אֶלפָּנִים) ونُجّيت نفسي" وأشرقت له الشّمس إذ عبر "فنيئيل" وهو يخمعُ (يعرج) على فخذه "لذلك لا يأكل بنو إسرائيل عِرق النّسا الذي على حّقّ الفخذ إلى هذا اليوم لأنّه ضُرِبَ حّقّ فخذ يعقوب على عِرق النّسا"

نسجّل بادئ ذي بدء في هذا النّص أن ظهور هذا الكائن الغامض (אִישׁ) في العتمة قبالة يعقوب لم يكن البتة على طلب من هذا الأخير أو بدعاء منه أو استدعاء بل بمبادرة خارجة تماماً عن إرادته لقد فرض هذا الكائن الغامض نفسه فرضاً على يعقوب وحمله حملاً على مصارعته فمن هو هذا الكائن الغامض الذي ظهر بصورة إنسيّ وقال عن نفسه قُبَيل خاتمة الرّواية بأنّه "إيلوهيم"؟
اللفظ المستعمل في النّص هو אִישׁ (ويُنْطّق "إيش" بمعنى" إنسيّ ذكر" أي رجل) وهذه الكلمة قريبة صوتاً ومعنى من العربيّة "إنس" (التّي زِيدَ فيها ألف ونون وهي من الجذر أ.ن.س. ومنها الأنيس والمؤانسة وغير ذلك مقابل جذر و.ح.ش. ومشتقّاته) بمعنى جنس البشر فالشين العبريّة تقابلها حسب قواعد صوتيات اللغات السّاميّة السّين العربيّة والنون تُقلب في بعض لغات القبائل العربيّة ياءً أو العكس ففي لغة طيء القبيلة العربية ذات الأصول اليمنيّة يقولون "إيسان" بدلاً من إنسان وفي ذلك شعر وأمثلة وقال الفراء "العرب جميعاً يقولون الإنسان إلاّ طيئاً (راجع لسان العرب/ أنس) فإذا حذفنا الألف والنون الزّائدتين حصلنا على "أيس" العربيّة مقابل "إيش" العبريّة يُضاف إلى كذلك أنّ في العربيّة كلمة "أيس" بمعنى الوجود وقال عنها الليث إنها "كلمة قد أُميتتْ" أي أنّها أًهملت وكان الفيلسوف الكندي (801 ـ 873 م) استعملها في رسائله الفلسفيّة كثيراً (فذكر الأيس واللّيس بمعنى الوجود واللاوجود أي العدم في العديد من المواضع) ولنا في عربيّة اليوم ما يسميه النّحويون الفعل النّاقص "ليس" الذي يفيد النفي وهو لفظ مزجي مركّب من (لا + أيس) أي (لا + وجود للشيء) وأخيراً نقول إنْ يكن هذا الاستطراد ها هنا على غير صلة وثيقة بجوهر البحث فإنما نذكره فقط لنبين التّرابط اللغوي الشّديد في زمنٍ سحيق بين العبرية كما نقلتها التّوراة والعربيّة القديمة)

نعود إلى אִישׁ ("إيش") فهذا الكائن الغامض قد فاجأ يعقوبَ منتصباً أمامه في عتمة الليل ولم يفصح له هويته ودخل معه للتّو في مغالبة جسدية تلقّى فيها يعقوب على وركه ضربة أعطبته ولكنّه صمد في عراكه مع אִישׁ ولم ينكسر إلى أن كاد أن يطلع الصباح فخاف الرّجلُ الغامض طلوعَ الفجر ويعقوب ممسك به فألحّ عليه بأن يطلقه فأطلقه مقابل أن باركه فمن هو אִישׁ ("إيش") هذا؟

إن لفظ אִישׁ واحدٌ من الألفاظ التي تردّدت مئات المرات في التّوراة وقد ورد عموماً بمعنى إنسان أو رجل وهو هنا في هذا الموضع لا يشذُّ إذاً في معناه عن القاعدة العامّة وقد أثخنَ الأحبارُ (التلمود والمدراش) ورجال الكنيسة لاحقاً النّصَ تفسيراً وتأويلاً بمنظارٍ إيمانيّ لاهوتيّ أو رمزيّ وهم في زمانهم (كانت إرهاصات التفسير الأولى قد بدأت تقريباً من منتصف القرن الثّالث قبل الميلاد) بعيدون عمّا يزيد عن ثلاثة أو أربعة قرون عن زمن تحرير نصٍّ ما هو بذاته إلاّ جمعٌ وتقميش (بدأً من القرن العاشر قبل الميلاد) لروايات شفهيّة وحكايا شعبيّة ترجع بدورها إلى عدّة قرون خلت أي أنّ الفاصل الزّمني بين المفسرين (حوالي 300 ميلاديّة) والأخبار التي يُفتَرَضُ أنّها حصلت (حوالي 1800 قبل الميلاد) يزيد عن ألفيّ سنة فَرَأَوْا في هذا "الإيش" (אִישׁ = إنسيّ = رجل) ملاكاً أو رسولاً أرسله الرّبّ أو ربّما هو الرّبّ نفسه (!) تجلّى على هذه الصّورة ليختبر يعقوب وليباركه بعد ذلك واستعظم كثيرون أن ينزل الرّبّ من عليائه ليصارع رجلاً مهما علا شأنه فاعتبروا الأمر برمّته رؤيا نبويّة وذهب آخرون في شِعاب التّأويل الرّمزي الغيبي الاستنسابي (التّنبؤ بالمستقبل) على غير أساس موضوعي وقرأوا عبر الأسطر وما وراء الكلمات ما يحمله قادم الأيّام ليس فقط ليعقوب في صراعه مع أخيه عيسو بل ولمستقبل بني إسرائيل كلّه إلى يومٍ يطوي فيه الإله صفحة الكون ويبيد البشر فالصراع في الليل قهر ومعاناة وطلوعُ الشمس وانبلاجُ الفجر النّجاةُ والانتصار المنشود ... وهذا الاتجاه الغيبي لن نطرقه هنا فلكلٍّ أن يقرأ فنجان القهوة على هواه

إنّ تأويل אִישׁ على أنّه هو الرّبّ ذاته أو رسول من عنده أو ملاك أخضع يعقوب لاختبارٍ ليباركه على إثره أو أنّ الأمرَ كله رؤيا نبويّة روحيّة يصطدم بمحاذير كثيرة تنبع من الرّواية ذاتها فقد قال بعضهم مثلاً أنّ يعقوب سعى إلى المصارعة لِيُثْبِتَ انّه أهل للمباركة وفي هذا توسّع غير مُبَرّر وحَمْلٌ على النّص بما ليس فيه فالرّواية لا تذكر البتّة أنّ يعقوب كان يسعى لملاقاة "إيلوهيم" هناك ثمّ أنّ هذا الإنسيّ يبدو أنّه دخل بمبادرةٍ ذاتيّةٍ في عراكه مع يعقوب وفي ظنّه أنّه قادر عليه "ولمّا رأى أنّه لا يقدر عليه ضرب حّقّ فخذه" محاولاً التّملّص منه ولكن يعقوب بقي ممسكا به رافضاً إخلاء سبيله إلاّ إن باركه فكيف يُعقلُ أن يقوم أحدهم بطلب المباركة من "إنسيٍّ" مثله وهو معه في صراع ملتحم (!؟) ولا يعرفُ هويّته ولا يعرفُ اسمه ذلك أنّ "الإنسيّ" هذا على ما ورد في النّص لم يكشف ليعقوب عن حقيقة نفسه وأنّه "إيلوهيم" (كائن ينتمي إلى عالم الآلهة أكان ملاكاُ أو ربّا) إلاّ بعدما رضخ لطلب يعقوب فباركه وغيّر له اسمه من يعقوب إلى "يسرائيل" (مصارع أو مجاهد أو مُغالب الإله) وعندها فقط فطن هذا الأخير إلى أنّه بحضرة إله = "إيلوهيم" فسمّى المكان " فنيئيل" (= פְּנִיאֵל) وهي تعني "وجه إيل" (لأنّه كان في حضرة الإله وجهاً لوجه = פָּנִים אֶלפָּנִים)

ثمّ رأى البعض في محاولة للتخلّص من الاحراج الذي تُسبّبه هذه الرّواية بنصّها الحرفيّ أن يكون الأمر كلّه مجرّد رؤيا روحيّة ورمزيّة ولكنّ هذا التّأويل أيضاً لا يستوي مع النّص فهو يصطدم بأنّه كان من نتيجة هذه المواجهة البدنيّة أنْ دُقَّ فيها حُقُّ فخذ يعقوب وأُعْطِبُ فصار الرّجلُ أعرجاً فعليّاً وحّرّم على بني إسرائيل لهذه المناسبة "أكل عرق النّسا إلى هذا اليوم"(!) فإذا كان الأمر روحيّا برمّته فمن أين جاء إذاً العطب الماديّ الذي تذكره الرّواية والتّحريم التّشريعي الذي استتبعه؟

إنّ التّفسيرات اللاهوتيّة أو تلك الرّمزيّة البعيدة في زمانها كلّ البعد عن زمن الحكاية عاجزة عن فهم الرّواية وتفسيرها تفسيراً منطقيّاً متّسقاً لأنّها لا تنظر إليها في سياقها التاريخي لذلك تكون هذه التّفسيرات مرتبكة بل ومتناقضة في ما بينها من جهة ومع النّص من جهة أخرى والحال أنّه لفهم الحكاية التّوراتيّة لا بّدّ من وضعها في سياقها التاريخي أي العودة إلى عدّة قرون خلَتْ ما قبل الميلاد أي العودة إلى ثقافة يعقوب ذلك البدوي الرّحل أو "الآراميّ التّائه" كما وُصِفَ في التّوراة عينها وهذا ما سنحاول القيام به هنا ولنبدأ من آخر الحكاية

أنّ تحريم أكل عرق النّسا على بني إسرائيل يعني أنّ أكله كان معمولاً به قبلا ثمّ جرى تحريمه في ما بعد بِدْأ من حادثة كسر حُقّ فخذ يعقوب فتحريم أمرٍ ما أو منعه لا يكون إلاّ لأنّ هذا الأمر قائم بالفعل وفي المجتمعات الحديثة يكون التّبرير الموضوعي وبيان الأسباب الموجبة مدخلاً لسنّ قانون جديد أو إلغاء قانون قديم أمّا في المجتمعات القديمة فكانت الأسطورة على الأغلب المَعْلَمُ لإدخال تقليد جديد أو التّخلّص من تقليد قديم فما الداعي هنا في حالة بني إسرائيل إلى ربط تحريم عادة أكل عرق النسا بيعقوب من خَلَلِ هذه الرّواية العجيبة (الرّب ينزل من عليائهِ ليضرب حُقّ فخذ يعقوب فيعطبه فيحْرُمُ على بني إسرائيل من حينه أكل عرق النّسا !)؟ لننظر إلى السّياق المعيشيّ للقبائل الرّحّل عصر ذاك ومنهم بالطبع قبيلة "الآراميّ التّائه"

إنّ شظف العيش قي الصّحراء والمجاعات الكبرى التي كانت تجتاحها على نحوٍ شبه دوري تقريباً جعلا من لائحة الطّعام لدى البدو الرّحل أو شبه الرّحل محدودة جدّا وكوّنت لديهم ثقافة غذائيّة أو مطبخيّة فيها الكثير من التّقشّف من جهة والتّعوّد على أيّام الشّدة وسنوات المحل من جهة أخرى وقد أشارت التّوراة نفسها إلى ثلاث مجاعات مُهلكة عصفت بابراهيم (تك 12/ 10 وحدث جوع في الأرض فانحدر أبرام إلى مصر ليتغرّبَ هناك لأنّ الجوع في الأرض كان شديداً) وبابنه اسحاق في ما بعد (تك 16/ 1 وكان في الأرض جوعٌ غير الجوع الأوّل الذي كان أيّام إبراهيم فذهب إسحاق إلى أبي مالك ملك الفلسطينيين إلى جَرارَ) وأخيرا بحفيده يعقوب (تك 41 ^ 42 / 54 و 1 ـ 2 وابتدأت سبع سِنيّ الجوع تأتي كما قال يوسف فكان جوع في جميع البلدان وأمّا جميع أرض مصر فكان فيها خبز [...] فلمّا رأى يعقوب أنّه يوجد قمح في مصر قال يعقوب لبنيه [...] انزلوا إلى هناك واشتروا لنا من هناك لنحيا ولا نموت) وهذا يعني انّه حدثت مجاعة كبرى مهددة لحياة القوم مرّة على أقلّ تقدير في كلّ جيل فاضطرّهم الأمر إلى ترك مرابضهم في أرض كنعان والانتقال إلى مصر أو غيرها من الأصقاع بحثاً عن الماء والكلأ أو ما يمكن تدبّره لمواجهة القحط والمجاعة وإنقاذ أرواحهم
وإبّان هذه الأعصر العجاف اضطرت هذه القبائل أيّاً كانت إلى أن تأكل طعاماً رديئاً مما لا عادة لها بأكله وأن تشرب من السّوائل مما لا عادة لها بشربه فقط بُغيةَ الحفاظ على وجودها أو كما قال يعقوب لبنيه "لنحيا ولا نموت" وحدث بعد ذلك أنْ استمرت القبائل التي أصابها قحط شديد يوماً وعضّها الدّهر بناب المسغبة في الاحتفاظ بعادة تناول المذموم من طعامٍ أو شرابٍ حتى بعد زوال أسباب تناوله وبواعث اللجوء إليه وكانت قد ألِفَتْهُ على مائدتها وهذه مثلاً حال قريش التي طال ما عُيّرَتْ ب"سخينتها" (وهي مُرَيْقَة رديئة) وتميم وأطعمتها الرّديئة التي كانت تحفظها بأغطية الرّعاة وكانت تُعرف ب"البجاد" وفي رواية مازَحَ معاوية بن أبي سفيان (القرشيّ) خصمه الأحنف بن قيس (التّميمي) مستهزءاً "ما الشيء الملفَّف في البجاد؟" فردّ عليه الأحنف "هو السّخينة يا أمير المؤمنين" وكانت قريش تُعيّرُ بها فلمّا مازحه معاوية بما يُعابُ به قومه من أكلٍ رديء دلالة الفقر وضيق الحال في السّنوات العجاف مازَحَه الأحنف بمثله مذكّراً إياه ب"سخينة" قريش (لسان العرب/سخن) فتراشقا بما كانت تُعَيَّرُ به قبيلتيهما من طعام رديء ألِفَتاه من إيّام الشّدة والأزمات

وكان من بين الأشربة والأطعمة الرّديئة التي اضطُّرّ البدوي إلى أكلها أو شُربها على كُرهٍ منه لها ولكن فقط لحفظ حياته وهرباً من الموت الزّؤام جوعاً أو عطشاً الدّم فشربوه وأكلوا منه والمقصود دمُ الإبل خصوصاً أو غيرها من الحيوانات فالمتنقّلون في الصّحراء كانوا يلجؤون عند نفاذ مائهم إلى صيد الحيوانات لفصد دمها وشربه ثمّ تفتّقت قريحة البدوي عن فكرةٍ لأكل هذا الدم والحاجة أمّ الاختراع كما يُقال فكان الرّجلُ يُضيفُ الرّجلَ في شدة الزّمان أي أيام القحط والمجاعة فلا يكون عنده ما يّقْرِ به ويشِحُّ أن ينحرَ راحلته فهي مصدر رزقه ووسيلة تنقّله فيفصدها فإذا خرج الدم سخّنه للضيف إلى أن يجمد ويَقْوى فيطعمه إياه وعليه جرى مَثَلُهُم " لم يُحْرَمْ مَنْ فُصِدَ له" أي لم يحرم الضيافة فقد نال بعض طعام وإن لم تكن الضّيافة المنشودة ويُضربُ هذه المثل لمن طلب أمراً فنال بعضه ثم زادت المعرفة لديهم فأمكنهم حِفظُ الدم لحالات الطوارئ والضّرورة فعملوا "الفصيد" (يشبه ما هو على مائدة الفرنسيين اليوم ويُسمّى le boudin noir) وهو دمٌ مخثّر من فَصْدِ عِرق البعير كان يوضع في الجاهلية في مِعيٍّ ويُشْوى وكان أهل الجاهليّة يأكلونه ويُطعمونه الضّيفَ في الأزمة (لسان العرب/فصد)

فكان تقليد فصد "عرق الإبل" تقليداً راسخاً من تقاليد البدو وفي ذلك أشعار كثيرة وأحاديث وأمثال والفصدُ عمليّة معقّدة وخطيرة يجب ألاّ تودي بحياة الحيوان مصدر الرزق الأساسي للبدوي وتقوم على عدة مراحل أولها تثبيت الحيوان ثمّ "كسر حُقّ الورك" مجازاً أي "لَيِّ" مفصل وركه أو الضّغط عليه (إحداث اعوجاج فيه) لتثبيت الحيوان ومنعه عن الحركة أو الرّكل وبعد ذلك يُكْشّفُ عن مكان الوريد الصّافن في الفخذ أو الورك فتُعمل شقّة صغيرة (= البجّ) يسيل منها الّدم فيجمع في إناء بالمقدار المطلوب ثم يُغلق مكان الشّق بعناية لتفادي التهاب الموضع وتُفكُّ النّاقة وتترك لترتاح وهكذا يُشَقُّ عرق الورك أو يُبَجُّ بجّا ليقطُرَ منه الدم ولا يموت الحيوان إلاّ إذا طال أمد المحنة ونفذ دم الحيوان ويذكر الإخباريون العرب وأصحاب المعاجم أنّ العرب عبدت معبوداً من معبودات عصور المجاعةِ والمَحْلِ هو "البجّة" وهو يعني ضرب العِرق ليخرج منه الّدم وهكذا جرى اشتقاق اسم الإله من توصيف اسم العادة الغذائيّة (البجّ) وهي الفصد أي الطّعن غير النافذ أي الذي لا يقتل

إلى جانب الفصد الذي كان يستدعي بالضرورة (كسر حق الورك مجازاً أي لًوْيِهِ والضّغط عليه) اضطرتْ أيامُ المحْلِ البدويَّ إلى تعريق العظم أي أكل ما عليه من بقايا لحم وغضاريف وأربطة وكانت هذه العظام "تُكسر وتُطبخ وتؤخذ إهالتها من طُفاحِها ويؤكل ما على العظام من لحم دقيق وتُتَمَشَّشَ العظامُ ولحمها من أطيب اللحمان عندهم" (لسان العرب/عرق)

وقد أصابت المجاعة الشّديدة والسّنوات العجاف بني إسرائيل مرات كثيرة منذ عهد إبراهيم كما تذكر التّوراة نفسها وربما قبل ذلك أيضاً وكان لا بُدّ لهؤلاء كما غيرهم من البدو الرّحل أن تدفع بهم الجائحة إلى أن يأكلوا طعاماً رديئاً مما لا عادة لهم بأكله وأن يشربوا من السّوائل مما لا عادة لهم بشربه فقط بُغيةَ الحفاظ على الوجود فأكلوا حتى "عرق النّسا" وهذا التّعبير قد يشمل منطقة العرق بأكملها من لحم ودمٍ وعظمٍ وغضاريف وأوتارٍ وأعصاب وأربطة (على نحو ما رأينا) أو ربّما عَنى ما هو أدهى وأمرّ أي فقط حبلُ العرقِ بذاته وهو عصبٌ قاسٍ عصيٌّ على المضغ والتّقطيع بالأسنان لذلك لا يؤكلُ بالعادةً ثمّ كان أن ألِفوه مع الزّمن على مائدتهم كما ألِفَتْ تميم "بجادها" وقريش "سخينتها" إلى أن حرّم يعقوب عليهم أكله برواية العطب الذي أصاب حّقَّ فخذه على يد "إيلوهيم" وكان هذا إيذاناً ببدء إسرائيل عهداً جديداً في تاريخها ألا وهو الانتقال من عهد البداوة وأهل الوبر (الآرامي التّائه) إلى عهد الاستقرار وأهل الحضر

لقد مالَ يعقوب إلى تغيير نمط حياته غبَّ عودته من فدّان آرام ورغِبَ في الانتقال من راعٍ بدويّ إلى فلاّح حضريّ فتراه بعدما أمضى ما يزيد عن عشرين سنة في فدّان آرام في خدمة خاله لابان وزواجه بابنتيه ليئة وراحيل وأنجابه أولاداً كُثُر قد ألِفَ سُكنى الحضر وحياتهم استنكف عن الرّجوع إلى حياة الرّعي في "بيت أبيه" في بئر سبع كما كان ينوي في بدء رحلته وكما أعلنه هو نفسه أمام الرّب وأقسم عليه في حينه ("ونذر يعقوب نذراً قائلاً إن كان יְהוָה معي [...] ورجعت بسلامٍ إلى بيت أبي يكون هو إلهي [...] وكل ما تعطيني أُعشّره لك" تك /28 20 ـ 22)

لقد قرّر يعقوب العدولَ عن حياة التّيه والتّرحّل ومالَ إلى رَغَدِ العيش والاستقرارّ في القُرى فبعد لقائه أخيه عيسو وإصلاح ذات البين بينهما ذهب إلى سُكُّوت" فابتاعَ مزرعةً بين "سُكُّوت" و"شكيم" وبنى لنفسه بيتاً وصنع لمواشيه مظلاّت لذلك دعا اسم المكان "سُكُّوت" ثمّ أتى بعد ذلك إلى مدينة شكيم التي في أرض كنعان حين جاء من فدّان آرام ونزل أمام المدينة وابتاع قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد حَمور أبي شكيم بمئة قّسيطة وأقام هناك مذبحاً ودعاه "إيل إله إسرائيل" (تك 33/ 17 ـ 20) وهكذا انتقل من "راعٍ تائه" إلى فلاّحٍ حّضّريّ وهذا التّغيير في نمط الحياة من القساوة إلى الدّعة النّسبيّة كان يستدعي بالضّروري والحال هذه القطع النّاجز مع ذلك الماضي المقيت (ومنه شرب الدم وأكل عرق النّسا وما شابه ذلك وهي من الأطعمة والأشربة الرّديئة) فتحريم أكل عِرق النّسا تساوق إذاً بشكل مذهل مع تغيير نمط حياة بني إسرائيل وانتقالهم من البداوة إلى الحضارة على يد يعقوب وقد شملت هذه اللحظة التّأسيسيّة تغييراً في الهويّة تمثّلَ في تغيير الاسم فحلّ الانتماء إلى "إسرائيل" محلّ الانتماء إلى الجدّ الأعلى إبراهيم وجرى طرد "الآلهة الغريبة" من القبيلة لصالح الإله "إيل" تقول الرّواية ("فقال يعقوب لبيته ولكلّ من معه : اعزلوا الآلهة الغريبة التي بينكم وتطهّروا وابدلوا ثيابكم ولنقُم ونصعد إلى بيت إيل فأصنع هناك مذبحاً للرب [...] فأعطوا يعقوب كلّ الآلهة الغريبة التي في أيديهم والأقراط التي في آذانهم فطمرها يعقوب تحت البطمة التي عند شكيم ثمّ رحلوا [...] فأتى يعقوب إلى "لوز" التي في أرض كنعان وهي بيت إيل هو وجميع القوم معه وبنى هناك مذبحاً ودعا المكان إيل بيت إيل" تك/ 35 2 ـ 7)وعليه فقد شهدت هذه اللحظة التّأسيسيّة "لبني إسرائيل" التي حدثت في الفترة الثانية من حياة يعقوب بعد عودته من فدان آرام عدّة متغيّرات في آنٍ واحدٍ وليس على مراحل

1) تغيير نمط الحياة من البداوة إلى الحضارة ومن الرعي إلى الفلاحة (ابتياع مزرعة وبناء بيت للسكنى وصنع مظلات للحيوانات وشراء حقل للزراعة)
2) القطع النّاجز مع عادات غذائيّة تنتمي إلى العصر البائد المرغوب عنه والمطلوب نسيانه (تحريم أكل عرق النّسا)
3) تغيير الهوية والاسم فاندثر الانتساب إلى الجد الأوَل إبراهيم ليحلّ محلّه من الآن فصاعداً "بنو إسرائيل" (أولاد يعقوب)
4) الانتقال إلى دينٍ جديد صارم وانتهاء عهد التّسامح الدّيني أو اللامبالاة الدّينيّة على الأصحّ الذي غطّى عصريّ إبراهيم وإسحاق وبداية أيّام يعقوب (إسحاق ويعقوب مثلاً تزوّجا من نساء على غير دينهما ولم يكن لذلك ذيول أمّا الآن فصار التّخلّص من الآلهة الغريبة واجبا دينيّا)
5) وكان لا بدّ لهذا الدّين الجديد من مصطلحٍ خاص به وقد رأينا شيئاً يسيراً من هذا المصطلح في المقال السابق في ما خصّ "جلعيد" أو رجمة العهد بين يعقوب وخاله التي لا مقابل صوتي ومعنوي لها في اللغات الساميّة باستثناء العربيّة كما بيّنا آنفاً

إنّ أساطير صراع الكائنات الغيبيّة (آلهة أو أنصاف آلهة أو أرواح خيّرة أو شرّيرة) مع بعضها البعض أو مع البشر كانت منتشرة في الحضارات أو الثّقافات المجاورة لبني إسرائيل (من وادي الرّفدين إلى مصر القديمة) لكن رواية يعقوب التّوراتيّة في شكلها وفي مضمونها خصوصاً تبدو بعيدة عن هذه الأساطير وأكثر لصوقاً بموروث ثقافي بدويّ عربيّ مشترك ربما ومغرق في القِدَم فالغالب أنّ هويّة المتصارعين في هذه الأساطير الحضريّةِ الحبكةِ (أوغاريتيّة أو بابليّة أو مصريّة قديمة أو غير ذاك) تكون معروفة و"الديكور" مُعدٌّ مسبقاً وهدف الصّراع معلوم كذلك وقد تكون هناك خطّة معلنة والنتيجة ربّما كانت متوقّعة إلى حدٍّ بعيد أمّا في حالة يعقوب فظهور אִישׁ (إنسيّ) كان غير متوقّع البتّة ودخوله في صراع معه من غير ما سبب (ظاهري) لا يبدو على الأقلّ مقنعاّ إنّ هذه الرّواية التّوراتيّة لصراع يعقوب مع אִישׁ لأشبه ما تكون بروايات صراع الجنّيّ مع البدوي في عتمة الليل في القفار والأماكن الموحشة وكتب الأمثال والإخباريين العرب والمعاجم تزخر بمثل هذه المرويات القديمة التي تناقلتها الأجيال شفاهةً عبر قرون وربّما زادت فيها أو أنقصت أو حوّرت ولكنّها أبقت على أيّة حال على عناصر رئيسة نجدهما أيضا في مغامرة يعقوب التّوراتيّة :

1) طرفي الصّراع أحدهما إنسيّ والآخر كائن غيبيّ (الجن خصوصاً)
2) إطار الحدث ظلمة الليل ووحشة المكان وغياب الشّهود
3) صراع ينشب من غير ما سبب ظاهر

وهذا النّمط من المرويّات المحدودة العناصر والقصيرة النّفَسِ يختلف كلّ اختلاف عن الأساطير الحضريّة المنوّه بها أعلاه لذلك قلنا أنّ الرّواية التّوراتيّة عن صراع يعقوب مع אִישׁ التي تلعب دوراً تأسيسيّاً بعيدةٌ عن أساطير الثقافات الحضريّة المجاورة وأكثرُ لصوقاً بثقافة بدويّة تقوم على الاعتقاد بكائنات غيبيّة خيّرةٍ أو شرّيرة تسكن البوادي والقفار والأماكن الموحشة التي لم يطأها إنسيّ بعد وتعود إلى تاريخ سحيق مشترك

إنّ عنصر الكائن الغيبي في إطار ظلمة الليل ووحشة المكان وغياب الشّهود يظهر أيضا في رواية ما سّمِّيَ ب "سَلّم يعقوب" حين خرج هذا من بئر سبع وذهب نحو حاران" (ما يقرب من 1200كلم) وفي الطّريق ليس بعيداً عن رام الله أخذه النوم فتخيّر من "حجارة المكانِ واحداً ووضعه تحت رأسه واضطجع" فرأى يهوه (יְהוָה) في الحلم والسماء مفتوحة له وقد تدلّى منها إلى الأرض سلّمٌ وعليه الصّاعد والهابط فاستيقظ خائفاً مذعوراً قائلاً " ما أرعب هذا المكان (מַהנּוֹרָא, הַמָּקוֹם הַזֶּה) ما هنا إلاّ بيت إيلوهيم (בֵּית אֱלֹהִים) وما كان لي بالتّأكيد علم بذلك [...] وفي الصباح أخذ الحجر (הָאֶבֶן) الذي وضعه تحت رأسه وأقامه نصباً (מַצֵּבָה) وصبّ على رأس النّصب زيتاّ ودعا ذلك المكان "بيت إيل" وكان اسمه قبل ذلك "لوز" ونذر يعقوب قائلاً إن كان يهوه (יְהוָה) معي وحفظني في هذا الطّريق [...] ورجعت بسلام إلى بيت أبي يكون يهوه إلهي وهذا الحجر الذي نصبته يكون بيت إيلوهيم وكلّ ما تعطيني يا ربي أعشِّرُهُ لك" (= أي أصطفي لك عُشْرَه) (تك/28 15 ـ 22)

فنراه ههنا مرّة أخرى بمعيّة كائناتٍ غيبيّة اختلف المفسّرون كالعادة في تحديد هويتها ولكننا لن ندخل في تفاصيل ذلك ولن نردّدَ ما قلناه سابقاً في هذا الموضوع بل سنكتفي ببحث العناصر المفتاحيّة في هذا النّص وهي التّالية

1) استيقاظه مذعوراً "قائلاً ما أرهب هذا المكان"
2) "ما هنا إلاّ بيت إيلوهيم (בֵּית אֱלֹהִים) وما كان لي بالتّأكيد علم بذلك"
3) "أخذ الحجر (הָאֶבֶן) الذي وضعه تحت رأسه وأقامه نصباً وصبّ على رأس النّصب زيتاّ"
4) ونذر يعقوب نذراً "كلّ ما تعطيني يا ربي أعشِّرُهُ لك" (= أي أصطفي لك عُشْرَه)

بالطبع يذهب المفسرون في تأويلاتهم الرّمزيّة واللاهوتيّة إلى أنّ ذُعر يعقوب مردّه رؤيته الرّبّ والملائكة فامتلأ قلبه الوَرِعُ خشيةً ورهبةً ولكنّنا لو عدنا إلى عصر يعقوب فإنّ مفتاح فهم رُعب يعقوب يكمن في جملته الاستدراكيّة "ما هنا إلاّ بيت إيلوهيم وما كان لي بالتّأكيد علم بذلك" فهو لم يعلن هنا قطُّ أنّ رُعبه متأتٍّ عن مشاهدته لإيلوهيم ورَكْبِه (ولنذكر أنّه قابل إيلوهيم لاحقاً وغالبه ولم تأخذه في ذلك خشيةٌ أو رهبة!)
إنّ سبب هذا الرّعب كما يذكر يعقوب نفسه شيء آخر مختلفٌ تماما وهو أنّه أدرك ولكن متأخّراً وبعد فوات الأوان أنّه بدخوله إلى هذه الأرض المشاع قد تعدّى على مكان "مسكون" من كائنات أخرى غيبيّة وانتهك حُرْمته ولهذا ثمنٌ لا بُدّ أن يُسَدّد فاعتذر بأنّه "بالتّأكيد ما كان لي علم بذلك" ونهض للتّو من مجلسه على عجلٍ و"أقام نصباً" ولمّا كان خالي الوفاض وليس معه حيوان يقدّمه قرباناً ويُلطّخُ بدمه النّصبَ ليُصيّره مقدّساً أهلاً لإيل وبيتاً له "صبّ على رأس النّصب زيتا" ونذر نذراً وهو أن يصطفي للربّ عُشر ما يرزقه إيّاه وهكذا قدّم يعقوب للرب قُرباناً مؤجّلاً واعتذاراً له على فعلته القبيحة لعلّه يُرضي بذلك "صاحب المكان" فالأماكن الخالية (القفار والبوادي والأماكن الموحشة وما يشبه ذلك) ليست خاليةً بالفعل كما قد تبدوا لنا ولكنّها مسكونة بكائنات غيبيّة مختلفة ("ما هنا إلاّ بيت إيلوهيم" غير المرئي) لا يراها إلاّ مَنْ قُدِّرَ له ذلك

أنّ هذا ما تشير إليه الرّواية التّوراتيّة وهذا ما كان يعتقد به يعقوب ومعاصروه وجموع البدو من جزيرة العرب إلى بادية الشّام وبعضهم ما زال إلى اليوم على هذا الاعتقاد الذي يعود إلى آلافٍ من السّنين خلت فقد جاء في "المفصّل" (ج 6) عن مرويات الإخباريين أنّ العرب كانوا إذا صاروا في تيه من الأرض وتوسطوا بلاد الحوش خافوا عبث الجنان والسعالى والغيلان فيقوم أحدهم فيرفع صوته "إنا عائذون بسيّدِ هذا الوادي" فلا يؤذيهم أحد وتصير لهم بذلك خفارة (حراسة) وكان من عاداتهم "الاستعاذة بالجن" بهدف حماية الشخص من أذاهم فكان المسافرون إذا خافوا طوارق الليل عمدوا إلى وادٍ ذي شجر فأناخوا رواحيلهم وعقلوها وخطّوا عليها خطّاً ثم نادوا :"نعوذ بصاحب هذا الوادي" فيستجيب عندئذ عظيم الوادي لنداء المستعيذ فلا يسمح لأحد أن يُلحق به أذى وهذا بالضبط ما عناه يعقوب بقوله "وما كان لي بالتّأكيد علم بذلك" فهو لم يكن ليخطر له على بال أنّ "إيلوهيم" ساكنٌ في هذا المكان القفر فالبدو ما كانوا يدخلون إلى الفلوات والأراضي المشاع أو التي لا عهد لهم بها ألاّ بطقوس محددة لأن هذه المناطق "مسكونة" (والكلمة ما زالت مستعملة إلى اليوم بهذا المعنى) بكائنات خفيّة غير مرئيّة مما يستدعي الطّلب إليها السماح بالاستقرار أو المرور ويكون ذلك عن طريق طلب شفهي وتقديم ذبيحة تُرضي الكائن الغيبي (الجن خصوصاً) فلا يتحرش به ولا يصيبه بأذى لأنّه قد تقرّب إليه بالذبيحة وبيّن له أنه صديق له وهذا بالضبط ما قصّرَ يعقوب في فعله آنذاك فاستقرّ في الأرض المشاع من غير إذن ولكنّه ما لبثَ أنْ هبّ من سباته مذعوراً وحاول استدراك خطأه بإقامته نصباً وتقديمه قرباناً مؤجّلاً وما زال عرب النّقب (وهم مسلمون من البدو شبه الرّحل) إلى اليوم على هذا المعتقد إذ يذكر جوزيف شلحد (J. CHELHOD, Les Structures du sacré chez les Arabes) وقد أمضى بين ظهرانيهم عدة أعوام أنّ الرّجل منهم إذا أراد أن ينعزل بعيداً عن المضارب لقضاء حاجة أو للقيام بفروض الوضوء يقول بصوت مسموع "دستور يا صاحب المحل" وهو بذلك يطلب الإذْنَ من الجنّي "صاحب المحلّ" بالمرور فلا يصيبه بمكروه

لقد كان لبني إسرائيل كما القبائل البدوية العربيّة اعتقاد راسخ بكائنات غيبيّة وأرواح شرّيرة "تسكن" الفيافي والقفار والأماكن الموحشة أو الخراب وتظهر في عتمة الليالي وتؤذي البشر والتّوراة شاهدٌ على ذلك ولعلّ أشهرها تْسَفَع وليليت وعزازيل (לַעֲזָאזֵל) شيطان الصّحاري أو إله الصّحاري الذي ينبغي أن يُرسّلُ إليه في كلّ سنة "كبش فداء" يحمل ذنوب بني إسرائيل ويكفّر عن خطاياهم (سفر اللاويين 16/ 8 ـ 10) وفي العربيّة القديمة "سكّان الدّار" هم الجنّ المقيمون فيها فليس في الأرض صقع إلاّ وله صاحب أو سيّد من إنس أو من جن (أو على نحو أوسع كائنٌ غيبي غير مرئي) ينبغي طلب الإذن منه بالاستقرار أو حتى بالمرور وهذا ما غفل عنه يعقوب وهو في طريقه إلى فدّان آرام فأرّقته الكوابيس فخاف وهبّ مذعوراً معتذراً لصاحب المكان عما بَدَرَ منه فأقام نصباً/مذبحاً ولو متأخراً ووعد بقربانٍ مؤجّل لعدم توفّر الضّحيّة في الحال والأسئلة التي أثرناها في بداية المقال السّابق حول المذابح الثّلاثة التي أقامها إبراهيم تِباعاً في شكيم عند بلوطة مورة وفي مكانٍ مرتفع بين بيت إيل وعاي ثمّ في حبرون تجد هنا بداية الإجابة عنها في هذا الاعتقاد المتجسّد في التقليد الذي أهمله يعقوب للحظةٍ وثابر عليه أبرام في كلَّ مرّة ألا وهو إرضاء "صاحب المكان" أي الكائن الغيبي (جنيّ أو ما شابه) بذبيحة

فعند انحداره من حاران إلى أرض كنعان على ما تقول الرّواية التّوراتيّة وصل أبرام إلى "مكان شكيم إلى بلوطة مورة وكان الكنعانيون حينئذٍ في الأرض وظهر الرّبُّ لأبرام وقال لنسلك أُعطي هذه الأرض فبنى هناك مذبحاً للربّ الذي ظهر له" (تك/ 12 6 ـ 8) إنّ أبرام هنا وهو شيخ العشيرة في بحث دؤوبٍ عن الماء والكلأ لربعه فتخيّرَ أرضاً مشاعاً واقتطعها لعشيرته وماشيته وأقام فيها وهذا ما يُعرفُ عند البدو الرّحّل ب "الحِمى" والمقصود قطعة أرض مُشاع (أي لا مالك لها) تُختارُ لمائها وعشبها وموقعها فتقع من ثَمَ في حماية المجموعة البشريّة التي اختارتها

وللحمى قواعد صارمة تعقلها القبائل وتعمل بها وإلاّ كانت حروب وثارات وفوضى عارمة (المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج5 / 267 ـ 271) فالحمى موضع فيه كلأ يُحمى من الناس أن يُرعى فيه أو لا يُرعى فيه إلاّ بموافقة من حماه والحمى على نوعين حمى دائم أو طويل الأجل ويكون في الأرض المخصبة ذات المياه الغزيرة والدّائمة فينتقيها سادات القبائل الأقوياء ويجعلونها حمى دائماً لهم وللأقربين منهم وقد يتوارثها الأبناء جيلاً بعد جيل ومن هذا القبيل حِمى ضريَة بنت ربيعة بن نزار الشّهير وحِمى آخر قصير الأجل لموسمٍ واحدٍ أو عدّة مواسم فأجله مرتبط بأجل الغيث الذي ينزل عليه فإذا انحبس المطر وظهر القحطُ وتركه حاميه ليفتّش عن أرض أخرى صار الحمى بلا حامٍ إلاّ إذا عاد صاحبه إليه وجدّدَ الحماية وأعلن حقّه به قبل أن ينزل به أحد غيره (وهذا بالضبط ما سيفعله أبرام كما سنرى)

ولا بُدّ وأن تكون للحمى حدود فتُقامُ في أماكن واضحة للعيان على تلٍّ مرتفعٍ أو على منخفض الوادي أو على طريق الرّكبان حجارة على شكل أنصاب وهي أحجار كبيرة نسبيّاً تثبّتُ على نحوٍ متعامد مع الأرض أو رجوم (فلنتذكّر رجمة الشّهادة المعيّنة للحدود بين يعقوب وخاله) وهي ركامات من الحجارة مخروطيّة أو هرميّة أو من دون شكل محدّد وقد عُثِرَ على بعضها كتابات خصوصاً في العصور المتأخّرة تشير إلى هوية الحامي أو حدود الحِمى (كما ظهر في النّقوش النبطيّة أو الصّفويّة) وكانت مساحة الحِمى على قدر قوّة الحامي وسطوته سيّداً كان أم قبيلة فتتفاوت المساحة من عدّة أميال مربّعة قليلة إلى مئات الأميال المربّعة ومن ذلك حِمى "فيد" وهي فلاةٌ وأرض واسعة تكثر فيها الابل بين مضارب قبيلتي أسد وطيء وقد صادرها عمر بن الخطّاب وجعلها حِمى لإبل الصّدقة ومن ذلك أيضاً حِمى ضرية بنت ربيعة بن نزار وربّما قدّرت مساحته ب 300 كلم مربّعاً وقد بقي نظام "حِمى" ما قبل الإسلام إلى العهد للإسلامي ولكنّه صار احتكاراً من قِبَلِ سلطات الدّولة وقد ذكر الإخباريون وأصحاب المعاجم أسماء العديد من "الحِمى" وأصحابها ومواقعها وفي ذلك أشعار وأمثال لا يتسع المجال هنا لذكرها (وللتبسيط هنا نقول في عُجالة أنّ الحِمى حرمٌ خاص بالأشخاص مّدنيّ فرضتْه القوة والحرمُ حِمى خاصّ بالآلهة والمقدّسات دينيّ فرَضَه وجود المقدس في الموضع وكلاهما منطقة ممنوعة)

فإذا أخذنا تقاليد البدو الرّحّل واعتقاداتهم هذه في الاعتبار وأبرام وعشيرته بالطّبع منهم وَضُحَ لنا إذاً أنّ اقتطاع أبرامَ أرضاً مشاعاً لعشيرته وماشيته ما هو إلاّ ممارسة بدويّة قديمة لما يُعرف ب"الحمى" وبأنّ "المذبح" الذي أقامه للربّ الذي "ظهر له هناك" ليس إلاّ "نصبا" والأرجح أنّه ُرجمة أي أحجار مصفوفة فوق بعضها على شكلٍ ما ربّما لأنّ النّصّ يقول "بنى مذبحاً" لتعيين حدود "الحمى" ويُذبحُ عليه أيضاً ويُنْضحُ الدّم لاسترضاء "صاحب المكان" فَلِمَذْبح أبرام هنا عند "بلوطة مورا" وظيفتان (كما كان "لرجمة" يعقوب في جبل "جلعيد") واحدة طقسيّة والأخرى مدنيّة

فالمدنيّة هي تعيين الحدود كما رأينا والطّقسيّة هي الحماية المرجُوَة من "صاحب المحلّ" بتقديم ذبيحة على المذبح المقام لهذه الغاية وكانت هذه االذّبائح تُعرف "بذبائح الجنّ" وجاء في لسان العرب (مادة سكن) أنّ الرّجل كان إذا اطّرَفَ داراَ ذبح فيها ذبيحة يتّقي بها أذى الجنّ فنهى النّبيّ عن ذبائح الجن ومع ذلك فإنّ هذا الاعتقاد المتجذّر في المخيال الجمعي كان أقوى من الدّين الجديد فاستمرّ عند عرب مؤاب إلى يومنا هذا فالبدوي عندما يريد أن ينصب خيمته في مكان جديد يرفق ذلك بذبيحة مقدمة "لصاحب المحل" وذلك لنيل رضاه وموافقته (JAUSSEN, Coutumes des Arabes au Pays de Moab )

قلنا أنّ الحمى ترتيب قَبَلي لبيان حقوق الرّعي في المناطق المشاع أكان ذلك في الرّيف أو في البادية ويستند أساساً إلى قوّة الحامي ونفوذه فمن آنَسَ في نفسه الشِّدة والبأس داوَم على حماية حماه ومن أحسّ خوراً في قوّته وضعفا أقلع عن حِماه في موضعه وانتقل إلى آخر يراه أكثر ملائمةَ لإمكانياته الذّاتيّة وقدراته في الدّفاع والحماية وهذا بالضبط ما فعله أبرام مرّتين حسب رواية التّوراة

1) المرّة الأولى عندما انتقل من شكيم إلى مرتفعٍ على بُعد ما يقرب من 35 كلم ما بين بيت إيل وعاي فالحمى الذي اقتطعه لنفسه ولعشيرته بدايةً وعلى عجلٍ ربّما غبّ وصوله إلى أرض كنعان قرب "بلوطة مورا" كان قريباً من مواضع "الكنعانيين (الذين) كانوا حينئذٍ في الأرض" ولكنّه لم يلبث أن توجّسَ منهم خِيفة ربّما فترك الأرض التي وعده الرّب أن يعطيها لنسله (!) وانتقل برحله وناسه وقطعانه إلى مكانٍ بدا له أنّه أكثر أمناّ إنّ الرّواية التّوراتيّة لا تُقدِّم أيّ سبب معلن لهذا التّغيير في قرار أبرام والارتحال المفاجئ لما يزيد عن 35 كلم نحو الجنوب ولكنّها إذ تذكر صراحةً أنّ "الكنعانيين كانوا حينئذٍ في الأرض" ونحن نعلم عِبر التّوراة نفسها أنّه بين الكنعانيين وبني إسرائيل ما صنع الحدّادُ فلا بُدّ والحال هذه من أن نجنح إلى هذا الافتراض المقبول منطقيّاً وتاريخيّاً فنزل أرضاً جديدةً وصنع ما صنع في المرّة الأولى وأقام الطّقوس عينها فحدّ حِماهُ الجديد برجمةٍ ذبح عليها ما يُرضي "صاحب المحل"

2) والمرّة الثّانية إثر عودته من رحلته إلى مصر فقد اتّجه أبرام رِفقة ابن أخيه "إلى بيت إيل إلى المكان الذي كانت فيه خيمته في البداءة بين بيت إيل وعاي إلى مكان المذبح الذي عمله هناك أوّلاً" (تك/ 13 3 ـ 4) وهذا يعني أنّ أبرام كان يفقه جيّدا تقاليد البدو وأعرافهم وبأنّه من حقّه العودة إلى حِماه الأوّل (كما ذكرنا أعلاه) ولكن ما عتّمَ أن وقع الخلاف بين الرّجلين فقد تشاجر رعيان لوط مع رعيان أبرام وقرّ الرّأي على أن يختار لوط ما يريد فمالَ هذا إلى عيْش الحضر (كما سيفعل يعقوب في ما بعد) والتحق مع عشيرته بسدوم عِبرَ الأردنّ فنقل خيامه إلى هناك وترك حياة التّرحال وبعد انفصال لوط أدرك أبرام أنّ قدراته في الحماية مع من بقيَ معه قد تضاءلت "فنقل خيامه وأتى وأقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون" (تك/ 13 18) على بُعد ما يقرب من 50 كلم من بيت إيل وللمرّة الثّالثة يقيمُ أبرام الطّقوس عينها لواقعٍ بعينه من رجمةٍ وقربان ويعقد حلفاً أو عهداً (والحلف مقدّسٌ في المجتمع القبلي) مع آل ممرا الأموريين المجاورين له ليعوّض بذلك القوّة التي فقدها بانفصال لوط عنه

ولعلّ سائلاً يقول معترضاَ إنّ هذا العرض تسلسلٌ سليم منطقيّاً ولكن هل من قرينةٍ ماديّة تعضده فنقول نعم

تذكر التّوراة
1) أنّ أبرام "ارتحلَ ارتحالاً متوالياً نحو الجنوب" (تك 12/ 9)
2) والآية (20/ 1) تقول إنّه "انتقل من هناك (أي من حبرون) إلى أرض الجنوب وسكن بين قادش وشُور وتغرّبَ في جَرار"
3) وفي الآيات (21/ 32 ـ 34) نراه يقطع "عهداً في بئر سبع (مع أبي مالك شيخ جَرار والمنطقة بأسرها ومالك جميع الأراضي فيها والقرى
4) وهكذا على ما نرى "تغرّبَ إبراهيم في أرض الفلسطينيين أيّاماً كثيرة"

وعليه فإنّ أبرام كان يتنقّل بعشيرته وقطعانه على نحو متواتر ومنتظم بين حبرون (حِماه أي الأرض المشاع التي اقتطعها لنفسه وعشيرته في الشّمال) وبئر سبع (بين قادش وشور) في الجنوب تبعاً لتوالي الفصول وتساقط الغيث والمسافة بين هذه وتلك قد لا تزيد عن 60 كلم يمكن قطعها سيرا على الأقدام مع القطعان (وهذا ما يسمّى عند البدو بالإنتجاع) في يومين أو ثلاثة ولكن ما هو ملفت للنظر ويثير الاستغراب في هذه الرّواية أنّها لا تذكر البتّة عن أبرام تلك الجملة التي أصبح تكرارها مألوفاَ "وبنى مذبحاً للربّ الذي ظهر له هناك" أتراه في الجنوب قد نسيَ ربّه واستنكف عن تقديم القرابين له أم أن الرّبّ قد تخلى عنه فلم يعد يظهر له؟

الجواب لا هذا ولا ذاك إنّ فهمنا الخاطئ اللاهوتي أو الإيمانيّ لهذه العبارة هو ما يحمل تلقائيّاً على طرح هذا السّؤال الفجّ فلو أنّنا وضعنا هذه العبارة في سياقها الثّقافي والتَاريخي واعتبرنا أنّ "المذابح" المذكورة لا تعدوا كونها علامات لحدّ الحمى ودَرْأ لأذى الكائنات الغيبيّة والجن خصوصاً طبقاً لمعتقدات ذاك العصر وتقاليده فالأمر عندها سيستقيم لا مُشاحّة في ذلك وتختفي بالتالي علامات التّعجّب والاستنكار وهاكم ما لم يره التّفسير اللاهوتي في نصّ هو نتاج حقبة تاريخيّة محدّدة
إنّ نجعةُ أبرام في الجنوب أي الأرض التي كان يلجأ إليها مع عشيرته قرب بئر سبع لم تكن "حِمى" له أي أنّها ليست أرضاً مشاعاَ (تسكنها الكائنات الغيبيّة) اقتطعها وأقام فيها ليلزم عندها أن يضحّي ويعيّن حدودها كما فعل سابقاً في الشّمال وإنّما هي أرض تعودُ ملكيّتها إلى أبي مالك شيخ القبائل في المنطقة (يقولون عنه في التّوراة أنّه ملك) "منحها" "معروفاً" لأبرام لينتفع بها (ولسوف نتعرّف في الفصول القادمة إلى نظام "المنحة" عند البدو ومعنى "المعروف") فمالكها معلوم وهي ليست "مسكونة" فلا حاجة لأبرام إذاً إلى بيان حدودها أو استرضاء "ساكنيها" من الكائنات الغيبيّة فكلّ من في المنطقة يعلم حدود أراضي "أبي مالك" وساكنوها (من الجنّ) هجروها منذ زمن وتأكيداً لذلك نذكر ما حصل لإسحاق مع أبي مالك بعد موت إبراهيم (وقد تغيّر اسمه من أبرام إلى إبراهيم قّبَيل ولادة إسحاق) فالتّوراة لا تذكر البتّة في أيّ موضع كان أنّ إسحاق "بنى هناك مذبحاً ودعا باسم الرّب" طوال إقامته في الجنوب التي امتدّت لسنواتٍ إلاّ بعدما طرده أبي مالك من الأرض التي كان منحها لأبيه إبراهيم فهام على وجهه بحثاً عن ملجأ فوقع على أرض مشاعٍ حماها (اقتطعها) "فظهر له الرّبُ في تلك الليلة [...] فبنى هناك مذبحاً ودعا باسم الرّب ونصب هناك خيمته وحفر هناك عبيد إسحاق بئراً" (تك. 26/ 24 ـ 25) فالأمر هنا جليّ قد لا يعوزه تفسير فإسحاق لم يحتج إلى تحديد أرضٍ أو طرد "ساكنيها" من الجن طالما أنّه كان في أملاك أبي مالك وحمايته ولمّا رفع هذا الأخير عنه تلك الحماية واستردّ أرضه صار إسحاق عُرْضَةً لأذى الجنّ واحتاج إلى أرض يحُدّها "فظهر له الرّبُ في تلك الليلة [...] فبنى هناك مذبحاً"

خلاصة مؤقّته

تبيّن لنا في هذا الفصل إذاً أنّ نمط الحياة البدوية المشترك بين قوم إبراهيم من جهة والبدو (العرب القدماء) الذين تنقّلوا ما بين صحاري الجزيرة وبوادي الشّام من جهة أخرى أنتج ثقافة بدويةً متشابهة أو مشتركة تبدّت في المعتقدات الدينيّة (الأحجار المقدّسة والكائنات الغيبيّة من آلهة وجن وغيرها) والاجتماعيّة (الحِمى) التي سادت في هذه المجتمعات القبليّة وما يستتبع هذه وتلك من عادات وتقاليد في المضمارين ومن هنا فإنّ مرويات الإخباريين العرب التي تعود إلى بيئة اجتماعيّة وأعصرٍ مشابهة لقوم أبرام تساعد على فهم الكثير من الغموض الذي يحيق ببعض الرّوايات التّوراتيّة ولا بدّ أنّ الأصول اللغوية المتقاربة (أو المشتركة) ساهمت أيضاً في هذا التّقارب الثّقافي ولكنّ الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث وهذا ما سنراه في الفصول القادمة


ملحوظة
*أُعلم القرّاء والمتابعين أنّني لأسباب خاصة سوف أتوقّف عن الكتابة إلى منتصف شهر أيلول
*سوف أردُّ على التّعليقات والملاحظات التي وردتني في المقال القادم

كمال محمود الطّيارة ـ ليون ـ فرنسا 15/08/25



#كمال_محمود_الطيارة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيكون إبراهيم عربيّاً؟! (في تأثيل بعض المشاهد الغامضة من سير ...
- أيكون إبراهيم عربيّاً؟! (في تأثيل بعض المشاهد الغامضة من سير ...
- أيكون إبراهيم عربيّاً؟! (في تأثيل بعض المشاهد الغامضة من سير ...
- -شاهد ما شفش حاجة- أو شرُّ البليّة ما يُضحِكُ (موتُ النّخْوَ ...
- من إسلام الضّرورة ‘لى إسلام البزنس (تدنيس المقدّسفي المخيال ...


المزيد.....




- زعيم طالبان يحذر الأفغان: الله سيعاقب بشدة الذين لا يشكرون ا ...
- بعد -تحريض الإخوان-.. كيف شددت مصر تأمين سفاراتها بالخارج؟
- مهمة نتنياهو الروحية تثير غضبا ومغردون يحذرون من مغبة السكوت ...
- من يقف وراء حظر الاحتفالات الإسلامية في خوميا الإسبانية؟
- منظمة: السجن 5 سنوات لزعيم الطائفة البهائية في قطر
- الطلاق المدني في السويد قد لا يكفي – نساء يُجبرن على الذهاب ...
- الاحتلال يصادق على بناء 730 وحدة استيطانية جديدة في سلفيت
- الاحتلال يطرح 6 عطاءات لبناء 4 آلاف وحدة استيطانية في سلفيت ...
- الاحتلال يطرح 6 عطاءات لبناء نحو 4 آلاف وحدة استعمارية في سل ...
- لبنان: تفكيك مخيم تدريبي لحركة حماس والجماعة الإسلامية


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال محمود الطيارة - أيكون إبراهيم عربيّاً؟! (في تأثيل بعض المشاهد الغامضة من سيرة إبراهيم التّوراتيّة) (2) الفصل الأوّل (جزء 2/2) الحِمى والأنصاب والمذبح: ثقافة الأحجار المقدّسة