|
من فلسطين إلى سكتلاند – تقاليد نضالية
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 10:07
المحور:
القضية الفلسطينية
تقديم أَطْلَقَ عدة طلاب في جامعة غلاسكو ( سكوتلاند – بريطانيا ) إضرابًا عن الطعام تضامنا مع شعب فلسطين، بداية من يوم التاسع عشر من آذار/مارس 2025 وشكّل الاحتجاج جزءًا من مجموعة فعاليات، منها احتلال مبنى تشارلز ويلسون الذي نظمته جمعية العدالة من أجل فلسطين في جامعة غلاسكو (GUJPS) ومجموعة غلاسكو ضد الأسلحة والوقود الأحفوري (GAAF) بهدف الضغط على الجامعة لرفْع الإجراءات التّأديبية ضدّ الطّلاّب الدّاعمين للشعب الفلسطيني، والمُطالبة بسحب استثمارات الجامعة من شركات الأسلحة ( البالغة 6,8 ملايين جنيه استرليني)، مثل شركة بي إيه إي سيستمز، التي تجعلها متواطئة في جرائم الحرب في فلسطين، وكانت وتيرة الإحتجاجات تصاعُدِيّة، حيث ارتفع عدد الطّلاّب المضربين عن الطّعام، من ثلاثة خلال اليوم الأول إلى سبعة خلال اليوم التّالي وإلى تسعة بعد يَوْمَيْن، وفق صحيفة "ذا ناشيونال" في 21 مارس/آذار نقلاً عن نقابة الطلاب الفلسطينيين، وتم التّوصّل إلى اتفاق ينهي احتلال مبنى الجامعة، واحتل الطّلاب خلال اليوم التّالي مركز جيمس ماكون سميث للتعلم، مشيرين إلى عدم وجود ردود ملموسة... تعَرّض نادي سلتيك غلاسغو لكرة القدم ( سكوتلند – بريطانيا) إلى عُقُوبات من الإتحاد الأوروبي لكرة القدم تمثلت في غرامات مالية، بسبب التّضامن مع الشعب الفلسطيني، وعلى سبيل المثال، غرامة بقيمة فاقت 18 ألف دولارا أمريكيا سنة 2014، بسبب رَفْع المُشجّعين أعلاما فلسطينية خلال مباراة ضد نادي كي آر ريكيافيك الأيسلندي، وادّعى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم آنذاك إن الغرامة فُرضت لأن الأعلام تُخالف سياسته التي تحظر التعبير السياسي، كما فرض يوم 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، غرامة مالية بقيمة 19 ألف دولارا على نادي سلتيك بسبب تلويح جماهيره بآلاف الأعلام الفلسطينية خلال مباراته ضد أتلتيكو مدريد بدوري أبطال أوروبا التي جرت خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023، وعلل الإتحاد الأوروبي لكرة القدم (يوفا) الغرامة المالية : "إن هتافات جماهير الفريق واللافتات المؤيدة لفلسطين كانت بمثابة رسائل استفزازية ذات طبيعة هجومية..." رفع جمهور نادي سيلتيك الأعلام الفلسطينية، تضامنا مع قطاع غزة الذي يتعرض لقصف يومي من جيش الاحتلال الصهيوني، خلال مباراة فريقهم أمام أتلتيكو مدريد الإسباني في دوري أبطال أوروبا يوم 25 تشرين الأول/اكتوبر 2023، كما رفع المشجعون لافتاتين كبيرتين في مدرجات "ملعب سلتيك بارك" كتب عليهما " فلسطين حرة" و "الدّعم للمقاومة" ومجموعة "اللواء الأخضر" هي مجموعة من مُشجعي نادي سلتيك الأسكتلندي، تشكلت سنة 2006، وتشتهر بنزعتها الجمهورية الأيرلندية ودعمها الثابت للقضية الفلسطينية، وأصدرت إدارة النادي قبل المباراة بيانا تطالب فيه "بعدم عرض اللافتات والأعلام في الملعب" لكن محاولاته باءت بالفشل، وطالما كان هناك قسم من مشجعي سلتيك مرتبطين بالقضية الفلسطينية، حيث سبق أن تعرض النادي لعقوبات من جانب الإتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا ) بسبب رفع الجماهير لافتات أو أعلام تظهر الدعم لفلسطين، وتعد جماهير سلتيك أول المتضامنين في الملاعب بعد عملية طوفان الأقصى، إذ رفعت يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 أعلام فلسطين في مدرجات ملعبها، ورفعت لافتتين كُتب على الأولى "الحرية لفلسطين"، و"النصر للمقاومة" خلال المباراة التي فاز بها "سلتيك" على ضيفه كيلمارنوك في الدوري الأسكتلندي. جماهير نادي سيلتيك غلاسغو مع فلسطين أسس مُهاجرون كاثوليك من إيرلندا نادي سيلتيك في غلاسكو ( اسكتلندا)، سنة 1887، ودأبوا على جَمْع الأموال والتّبرّعات للأسر الفقيرة، وكان لمشجعي النادي علاقات طويلة الأمد بالقضايا الاجتماعية والسياسية وبدعم اللاجئين والمُهاجرين والفقراء، وظلت الروابط مع جمهورية أيرلندا قوية بعد 136 عاماً من تأسيس النادي، وأيرلندا بلد لديه ما قد يسميه البعض قرابة طبيعية مع الفلسطينيين (وهناك أيضاً دعم قوي للشعب الفلسطيني بين الجمهوريين في أيرلندا الشمالية)، ولم يتخلف مشجعو سيلتيك الإسكتلاندي أبدًا عن دعمهم للشعب الفلسطيني، حيث يمكن ملاحظة عدد كبير من الكوفيات والرايات الفلسطينية في طوابير الإنتظار قبل الدّخول إلى الملعب وفي المدارج، إلى جانب رايات وألوان نادي سيلتيك غلاسغو ( اللونان الأخضر الدّاكن والأبيض)، وبعد العدوان الصهيوني كان المعلب يعج بالرايات الفلسطينية خلال مباراة يوم السادس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2023 التي حضرها نحو 55 ألف متفرّج ومن الشائع رؤية الأعلام الفلسطينية في مباريات كرة القدم في أيرلندا (ليس فقط في مباريات كرة القدم، بل في كرة القدم الغيلية أيضًا)، بما في ذلك آخر مباراة لجمهورية أيرلندا على أرضها، ضد اليونان في دبلن، بعد أسبوع من بدء العدوان الصهيوني، حتى أن أحد أبرز الأندية في أيرلندا، نادي بوهيميانز، ومقره دبلن، يرتدي قميصًا خارجيًا يُطلق عليه "قميص فلسطين الخارجي" ( لدى خوض المباريات خارج ملعبه) ويعتبر أحباء نادي سيلتيك أنفسهم امتدادًا لحركات التضامن مع الفقراء والمهاجرين ومع الشعوب المُضْطَهَدَة وفي مقدّمتها الشعب الفلسطيني، ولا يقتصر الأمر على التلويح بالأعلام فقط، وخاصة فيما يتعلق بمجموعة مشجعين تُسمى اللواء الأخضر ب"منطقة الزاوية الشمالية المنحنية" في سيلتيك بارك، وتأسّسَ "اللواء الأخضر" سنة 2006، وعرض أعضاؤه قمصانًا أو لافتات مؤيدة للجيش الجمهوري الأيرلندي وغنوا هتافات مؤيدة له مما أدّى إلى توجيه اتهامات لهم بدعم الإرهاب من قِبَل الإتحاد الأوروبي لكرة القدم، كما تمت معاقبة النادي إثر رفع لافتات تقارن بين ويليام والاس، أحد القادة خلال الحرب الأولى لاستقلال اسكتلندا في القرن الثالث عشر، وبوبي ساندز، عضو الجيش الجمهوري الأيرلندي الذي توفي مضربًا عن الطعام في السجن سنة 1981 كما رفع المشجعون لافتات مناهضة للإتحاد الأوروبي لكرة القدم، وخلال سنة 2020، نظّم مُشجعوا نادي سلتيك تظاهرة في شوارع مدينة غلاسكو لإضافة أسماء شوارع بديلة إلى الطرق التي سميت على اسم الاسكتلنديين الأثرياء الذين كانوا يمتلكون مزارع في الخارج، واستبدلوا أسماء هؤلاء الأثرياء بأسماء مثل روزا باركس وجوزيف نايت وجورج فلويد في أعقاب وفاة الأخير، قائلين إنهم "يحتفلون بأولئك الذين قاتلوا ضد العبودية"، واشتهرت مجموعة "اللواء الأخضر" بموقفها المناهض للنظام الملكي، وبعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية ( 1926 – 2022 )، ظهرت لافتة في قسمهم من ملعب سيلتيك تقول: "أسقطوا التاج" وبعد ساعات قليلة من العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، كُتب على لافتة لواء الخضر في مباراة سيلتيك على أرضه ضد كيلمارنوك: "النصر للمقاومة" وكُتب على لافتة أخرى: "فلسطين حرة"، مما أثار غضب إدارة النادي والمدرب، خصوصًا وإن النادي يضم لاعبا صهيونيا متعصبا وعددًا قليلا من المشجعين اليهود الذين يحضرون مبارياته، ويدعمون الكيان الصهيوني، وقدّم المجلس التمثيلي اليهودي ( إحدى المنظمات الصهيونية العديدة ) شكوى إلى النادي، سنة 2021، عندما رُفعت مئات الأعلام الفلسطينية بعد أن سمح النادي للمشجعين بإحضار لافتات تكريمًا لرحيل لاعب خط الوسط المخضرم سكوت براون، وبعد الدعم العلني الذي حظي به الفلسطينيون في أعقاب عملية المقاومة يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، أصدر النادي بيانا أدان فيه بشدة هذه العملية، بذريعة "إن سلتيك نادٍ لكرة القدم وليس منظمة سياسية (...) ولذلك، لطالما أكد النادي على عدم قبول الرسائل واللافتات السياسية في ملعب سلتيك بارك، أو أي مباراة يشارك فيها نادي سلتيك". حاولت إدارة النادي مَنْع دخول أعضاء مجموعة "اللواء الأخضر" إلى الملعب قبل مباراة دوري أبطال أوروبا على أرضهم ضد أتلتيكو مدريد الإسباني ، ولم تفلح، وكان الإتحاد الأوروبي لكرة القدم قد أقَرّ غرامات من بينها غرامة إثر أحداث مباريات خارج أرض النادي ضد فينورد الهولندي في دوري أبطال أوروبا، وضد موذرويل المحلي بقيمة عشرين ألف جنيه استرليني أو ما يعادل 24,3 ألف دولار، ولم يُعرِ المشجعون اهتمامًا للتحذيرات، حيث امتلأت مدرجات النادي بالأعلام الفلسطينية، بل كان حجم الدعم للفلسطينيين أكبر من المتوقع، منذ تكثيف العدوان الصهيوني، وحاولت كاميرات التلفزيون إخفاء هذا الجانب من مدارج الملعب زارت مجموعة "اللواء الأخضر" الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة، حيث قدمت مساعدات إنسانية، وجمعت تبرعات، وساهمت في إطلاق أكاديمية لكرة القدم في مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين، مما أتاح للشباب والكبار فرصة لعب كرة القدم، وتعاونت فرقة "برايمال سكريم" لموسيقى الروك من غلاسكو مع نادي عايدة سلتيك لكرة القدم، حيث وضعت اسمها على قميص، خصصت عائدات مبيعاته لدعم المخيم، ويعتبر العديد من مُشجعي النادي إن قضية الإستعمار الإستيطاني في فلسطين مُشابهة لقضية إيرلندا، حيث تُعزف في مباريات سلتيك على أرضه أغانيٌ تُعبّر عن الوحدة الأيرلندية وحرب الاستقلال الأيرلندية، مثل "نعمة" و"حقول أثينري" و"هذه الأرض أرضك"، ويُخلّد النادي المجاعة الأيرلندية بانتظام بشعار على قمصان لاعبيه، فقد وُلِد النادي "لأسباب سياسية" وامتدّ الدعم للفلسطينيين إلى عدّة مجموعات أخرى من مُشجّعي النادي، إلى ما هو أبعد من مجموعة "اللواء الأخضر" في ملعب "سلتيك بارك" لأن سلتيك غلاسغو كان دائمًا أكثر من مجرد نادي كرة قدم. يعد نادي سلتيك أهم نادي كرة قدم في اسكتلندا ويُعتبر جمهوره ( خصوصًا مجموعة "اللواء الأخضر" ) من أكبر داعمي الشعب الفلسطيني، بشكل مُستمر حيث يرتدي آلاف المشجعين الكوفيات في المدارج وخارج الملاعب، ويتناولون الفلافل، ويلوحون بالأعلام الفلسطينية، ونادي سلتيك لكرة القدم، نادي عريق، هو واحد من 23 فريقًا فقط فازوا بدوري أبطال أوروبا (المعروف سابقًا بكأس أوروبا)، البطولة الأوروبية الأبرز للأندية، ويستغل قِسْم من جماهيره المدارج كوسيلةً للتغيير الاجتماعي التقدمي والجذري، بما في ذلك دعم المقاومة الفلسطينية، رغم الخلافات الحادةً بينهم وبين مسؤولي كرة القدم، ففي سنة 2016، استضاف نادي سلتيك مباراةً تأهيليةً لدوري أبطال أوروبا ضد فريق هبوعيل بئر السبع الصهيوني، واحتجاجًا على ممارسات الإحتلال في فلسطين، نظمت "الكتيبة الخضراء" عرضًا حاشدًا للأعلام الفلسطينية، محوّلةً جزءًا كبيرًا من الملعب إلى جدارٍ من الأسود والأبيض والأخضر والأحمر، وعاقب الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA)، نادي سلتيك، بتغريمه 8600 جنيه إسترليني (أكثر من 11 ألف دولار أمريكي)، وردًا على ذلك، أطلق "اللواء الأخضر" حملة "مُضِف الغرامة من أجل فلسطين"، بهدف جمع مبلغ مماثل لصالح جمعية "المساعدة الطبية لفلسطين"، وانتشرت الحملة على نطاق واسع، وجمعت 176 ألف جنيه إسترليني (أكثر من 200 ألف دولار أمريكي) مما يُعتَبَر رسالة سياسية، مثل تلك التي أطلقها المُشجعون خلال نهائي كأس اسكتلندا للعام 2018، لما رفعت الكتيبة الخضراء لافتات عملاقة في الدقيقة السبعين من المباراة، إحياءً للذكرى السبعين للنكبة، كُتِبَ على اللافتات: "أوقفوا الإبادة الجماعية. أوقفوا الصهيونية". ازدادت وتيرة المظاهرات التضامنية العلنية مع فلسطين وتنظيمها، منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، ففي مباريات الدوري، بات من الشائع رؤية جدران من الأعلام الفلسطينية تحمل عبارات مثل "حرروا فلسطين. النصر للمقاومة"، وفي مباراة دوري أبطال أوروبا مع أتلتيكو مدريد، أنشد المشجعون أغنية "لن تمشي وحدك أبدًا"، مُهدين إياها لأهل غزة، ووجّه المشجعون خلال مباراة سلتيك ضد إس كيه سلوفان براتيسلافا السلوفاكي، رسالة دعم للشعب الفلسطيني: "بإمكانهم قمعكم. بإمكانهم سجنكم، لكنهم لن يكسروا معنوياتكم أبدًا"، وفاز سلتيك في المباراة بنتيجة 5-1، لكن تضامن مشجعي سلتيك يتجاوز الشعارات إلى جمع التبرعات وإلى توسيع حيز التضامن مع الشعب الفلسطيني، ففي أعقاب حادثة مباراة هبوعيل بئر السبع ( آب/أغسطس 2016 )، ساهم "اللواء الأخضر" في تأسيس فريق شقيق، "لاجي سلتيك"، لسكان مخيم عايدة للاجئين في بيت لحم، وتضم أكاديمية النادي الجديد أكثر من 80 طفلا مُسجّلين كلاعبين، بالإضافة إلى فريق أول للكبار يسعى لحجز مكان في الدوري الفلسطيني الممتاز، ويرتدي لاعبو "لاجي سلتيك" ألوان العلم الوطني الفلسطيني، بالإضافة إلى حلقات خضراء وبيضاء - تكريمًا لناديهم الاسكتلندي الشقيق، و"لاجي سلتيك" ليس مجرد نادٍ رياضي، بل هو "وسيلة لكسر الحواجز وجلب الأمل" إلى أبناء فلسطين... لم تتقبل السلطات البريطانية تصرفات مشجعي سلتيك بصدر رحب، وسعت لمعاقبتهم، كما أعربت إدارة نادي سلتيك عن استيائها، بل منعت العديد من أعضاء "اللواء الأخضر" من حضور المباريات، إلا أن تصرفاتهم لاقت إشادة من جميع أنحاء العالم، ورفع نادي غلطة سراي، بطل تركيا ، لافتة ضخمة كُتب عليها: "نشكر جماهير سلتيك على دعمهم الثابت لفلسطين". ما الذي يُفسر التقارب بين مشجعي سلتيك والقضية الفلسطينية؟ قالت دانييلا لاتينا، وهي أكاديمية من غلاسكو ومشجعة لسلتيك: "إن فهم جذور النادي هو مفتاح الإجابة على هذا السؤال"، فقد وُلِد النادي من رحم المجاعة الكبرى في منتصف القرن التاسع عشر، وهي إبادة جماعية من صنع الإنسان إلى حد كبير، أدت إلى انهيار محصول البطاطس في أيرلندا، وأصرت السلطات البريطانية - التي كانت ولا تزال تحكم أيرلندا - على استمرار تصدير الإنتاج الزراعي الأيرلندي إلى إنغلترا، وعرقلت جهود الإغاثة من المجاعة، وأوضحت الباحثة "دانييلا لاتينا" أن النتيجة كانت موت نحو مليون شخص ونزوح جماعي لملايين آخرين، ولا تزال المجاعة الكبرى تُخيّم على المجتمع الأيرلندي، ولم يتعافى سكان إيرلندا إلى اليوم من آثار هذه المجاعة، لأن عدد سكان أيرلندا لا يتجاوز المستوى الذي كان عليه خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وخلال تلك المجاعة تلقى الشعب الإيرلندى مساعدات غذائية من الشعب الفلسطيني – الذي كان تحت الإحتلال العثماني - بقيمة عشرة آلاف جنيه استرليني وحبوبًا وأغذية وأدوية... ودفعت تلك المجاعة مئات الآلاف من الأيرلنديين إلى الفرار إلى اسكتلندا، وخاصةً إلى مدينة غلاسكو، وكثيرًا ما عومل هؤلاء اللاجئون معاملة سيئة وعاشوا في ظروف بائسة، وتأسس نادي سلتيك لكرة القدم، في تلك الظروف ( سنة 1887) كمؤسسة اجتماعية من قِبَل "قِسّ" كاثوليكي محلي، بهدف استخدام أرباح مبيعات التذاكر لتمويل مطابخ الحساء المجتمعية الكاثوليكية الأيرلندية، وهكذا، مثَّلَ نادي سلتيك، منذ بداياته، اللاجئين والمهاجرين والفقراء والفئات الأكثر تهميشًا في المجتمع، في حين كانت حركة استقلال أيرلندا ( المحتلة من قِبَل انغلترا منذ أكثر من سبعة قُرون) تكتسب زخمًا، خصوصًا بعدما جلبت السلطات البريطانية أعداد كبيرة من المستوطنين البروتستانت إلى الجزيرة، ومُنحوا امتيازاتٍ خاصة وأراضٍ، وطُرد منها السكان المحليون، ورغم حصول جمهورية أيرلندا على استقلالها عام 1921، لا تزال الجزيرة مقسمةً، حيث أصبح البروتستنتيون أغلبية في إيرلندا الشمالية التي لا تزال مُحتلّة، ويشعر سكانها بالتعاطف مع الشعوب المُضطَهَدَة. حرب صهيونية على كرة القدم سعى الكيان الصهيوني، في إطار حربه المستمرة ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، إلى محو رموز الثقافة والهوية الفلسطينية، بما في ذلك كرة القدم، وخصوصًا منذ 7 تشرين الأول/اكتوبر 2023، حيث قُتل ما لا يقل عن 700 رياضي وحَكَم ومسؤول رياضي فلسطيني، في غزة وفي الضفة الغربية والقدس، وتم اعتقال وتعذيب العديد منهم، وسبق ان قتل الجيش الصهيوني شقيقَيْن رياضِيّيْن خلال كمين في الضفة الغربية، كما تعمد الجيش الصهيوني إ تدمير الملاعب الفلسطينية، ومنع المنتخب الوطني الفلسطيني من مغادرة البلاد لعقود، مما أجبره على الانسحاب من المسابقات الدولية، ونتيجةً لذلك، أصبح المنتخب الوطني الآن يضم في معظمه لاعبين من جاليات الشتات، وكان أعمال القمع والقتل والتدمير إحدى أسباب احتجاج مُشجعي بعض النوادي على مشاركة النوادي الصهيونية في البطولات الأوروبية، ومن بينهم مشجعو سيلتيك غلاسغو الذين رفعوا خلال مباراة ناديهم في دوري أبطال أوروبا مع بايرن ميونيخ، لافتة ضخمة تطالب السلطات بـ"إظهار البطاقة الحمراء لإسرائيل"، وشهدت مباريات في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا واليونان وأيرلندا وتركيا وماليزيا مظاهرات مماثلة، وأوضح متحدّث باسم مجموعة "بطاقة حمراء لإسرائيل" ( Red Card Isrel ) إن تعليق مشاركة الكيان الصهيوني في الأحداث الرياضية من شأنه أن يوضح أن "انتهاك حقوق الإنسان يؤدي إلى الإقصاء على المستوى الدولي وأن الكيان الصهيوني لا يستطيع الاستمرار في تجاهل القانون الدولي بشكل صارخ بينما لا يزال يتمتع بامتياز المشاركة الدولية في الرياضة". يشير مؤيدو الحظر إلى أن السلطات تتخذ بانتظام إجراءات ضد الدول القومية، فقد مُنِعَت يوغسلافيا خلال العقد الأخير من القرن العشرين، من المشاركة في كأس العالم 1994 وسط حرب أهلية في البلقان، ومُنعت روسيا، سنة 2022، من المشاركة في كأس العالم والألعاب الأولمبية بسبب غزوها لأوكرانيا، ومع ذلك تقف السلطات الأوروبية والمؤسسات الرياضية الدّولية إلى جانب الكيان الصهيوني الذي يفلت دائمًا من المحاسبة والعقاب، بل تتخذ هذه السلطات والمؤسسات الرياضية الدّولية إجراءات ضد المحتجين على الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني بدعم من الإمبريالية العالمية، ويبقى مشجعو سيلتيك إلى جانب فلسطين، مهما كانت الظروف، فقد تعاطف مُشجعو نادي سلتيك غلاسغو بالأمس مع شعب إيرلندا ومع شعب جنوب إفريقيا ضدّ الميز العنصري، ويتعاطفون منذ سنوات مع الشعب الفلسطيني، ومع القضية الفلسطينية لأن تاريخ أجدادهم، في معظمه، متشابه، فقد أدى التهجير والمجاعة إلى وفاة أكثر من مليون قتيلـ وأصاب الدمار أراضي الناجين ونفسياتهم مما أدّى إلى نزوح أعداد كبيرة من الأيرلنديين إلى جميع أنحاء العالم... التضامن بين مُضْطَهَدِي العالم: إن تضامن مجموعة "اللواء الأخضر" من مُشجعي نادي سلتيك غلاسغو مع المحرومين والمضطهدين أمر طبيعي لأن تاريخ النادي وتاريخ اللاجئين الإيرلنديين يُشبه تاريخ الفلسطينيين في بعض جوانبه، رغم الملاحقات والغرامات من قِبَل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ورغم التشويه الذي تنشره معظم وسائل الإعلام ضدهم، في ظل صمت نفس هذه المؤسسات ووسائل الإعلام إزاء مجموعات المشجعين في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وهولندا وغيرها المتعاطفة مع الفاشيين واليمين المتطرف، وهي نفس الفئات التي تستهدف مشجعي سلتيك خلال رحلاتهم الأوروبية بسبب آرائهم المناهضة للفاشية ولليمين المتطرف، وقد أثبت التاريخ أن مشجعي سلتيك والفلسطينيين لا يملكون أصدقاءً يُذكرون في وسائل الإعلام، ولا في الإتحاد الأوروبي لكرة القدم الذي أقرّ غرامة باهظة ضد نادي سلتيك لأنه "أثبت إهماله في منع المشجعين من نقل رسالة سياسية " ( خلال مباراة تصفيات أوروبية مع فريق صهيوني - آب/أغسطس 2016)، حيث تحَوّلت أجزاء كاملة من الملعب إلى بحر من الأعلام الفلسطينية احتجاجا على الاحتلال الصهيوني، بمشاركة مناضلين من مجموعة تحالف فلسطين الذين وزّعوا، قبل بدء المباراة، الأعلام والمنشورات حول النكبة واللاجئين الفلسطينيين والمُندّدة "بموقف الإتحاد الأوروبي لكرة القدم الذي يريد الحفاظ على الوضع الراهن". اعتاد نادي سيلتيك الاسكتلندي على الغرامات، وتَعَهَّدَ مشجعوه بتعويض النادي عن أي غرامة قد يفرضها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عليه بسبب رفع العلم الفلسطيني، مع إرسال المبالغ الزائدة عن قيمة الغرامات إلى جمعية المساعدة الطبية الفلسطينية وبعض النوادي الثقافية ورعاية الأطفال في مخيمات اللاجدئين بالضفة الغربية وغزة، وفي غضون 24 ساعة تمكّن مُشجعو سلتيك من جمع أربعين ألف جنيه استرليني ( 52700 دولارا) وارتفع المبلغ خلال أيام قليلة إلى 125 ألف دولار، وأعلنت مجموعة "اللواء الأخضر"إن رفع جماهير سيلتيك للعلم الفلسطيني هو لتذكير شعب فلسطين، أينما كانوا في العالم، بأنهم ليسوا وحيدين وأنهم ليسوا منسيين..."، واستخدم مشجعو النادي موقع ( GoFundMe ) لتنظيم حملة التبرعات في محاولة لخلق "مساهمة إيجابية" للشعب الفلسطيني ومعارضة لقرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، تحت وَسْم ( MatchFineForPalestine ) ويفتخر مُشجّعو نادي سلتيك بالتاريخ الحافل بتحدي قواعد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم المتعلقة برفع الأعلام الفلسطينية...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحركة العُمّالية في فيتنام
-
شركة تشيكيتا – نموذج للرأسمالية المتوحشة العابرة للقارات
-
الحرب التكنولوجية - دور شركات التكنولوجيا الأمريكية في إبادة
...
-
اقتصاد اليابان في ظل اضطراب الإقتصاد العالمي
-
دونالد ترامب يتفقّدُ وُكَلَاءَهُ في الخليج
-
مُتابعات - العدد الخامس والعشرون بعد المائة بتاريخ الرّابع و
...
-
الإتحاد الأوروبي -يكتشف تجاوزات- الكيان الصهيوني
-
غزة - نماذج من التواطؤ مع الكيان الصهيوني
-
الإتحاد الأوروبي - -فايزرغيت-
-
مُتابعات - العدد الرّابع والعشرون بعد المائة بتاريخ السّابع
...
-
في ذكرى النّكبة 1948 – 2025
-
الإمبريالية وحقوق الإنسان
-
القرارات الحمائية الأمريكية في سياق ارتفاع الدّيون العالمية
-
كشمير – خفايا وخلفيات الصّراع
-
تونس: ملاحظات بشأن الوضع الحالي
-
اليمن: مقاومة غيرت موازين القوى
-
مُتابعات - العدد الثالث والعشرون بعد المائة بتاريخ العاشر من
...
-
بإيجاز – غزة، خبر وتعليق
-
ذكرى مجازر الثامن من أيار 1945 بالجزائر
-
-الأضْرار الجانبية- للحرب الإقتصادية الأمريكية – الجزء الثان
...
المزيد.....
-
فيديو لهياج 250 مليون نحلة على طريق سريع بعد انقلاب شاحنة مح
...
-
بريطانيا تعزز ميزانيتها الدفاعية لمواجهة التحديات العالمية
-
ساكس: دول -الفرسان الأربعة- تتقمص دور -الرجل القوي- وعاجزة ع
...
-
قائد -نورماندي-نيمان- يتحدث عن الفرنسيين على طرفي الجبهة في
...
-
الجامعات العالمية تتسابق لاستقطاب الطلبة المتضررين من سياسات
...
-
لماذا يُعدّ صعود السلالم مفيداً لجسمك وعقلك؟
-
صحيفة -هآرتس- العبرية:إسرائيل تسببت بمقتل 20 من أسراها في غز
...
-
ترامب يقيل مديرة المتحف الوطني للبورتريه
-
أزمة دبلوماسية.. هافانا تحتج على سلوك السفير الأمريكي وتستدع
...
-
منددة بـ-قرار قمعي-...عائلات معارضين تونسيين مسجونين تستنكر
...
المزيد.....
-
في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ محمود خلف
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ فتحي الكليب
-
سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية
...
/ سمير أبو مدللة
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|