الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8342 - 2025 / 5 / 14 - 10:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ارتفع مستوى الدّين العالمي ( الدّيْن العام وودَيْن الشركات والدَّيْن الخاص ) من 318 تريليون دولارا بنهاية سنة 2024 إلى أكثر من 324 تريليون دولارا بنهاية شهر آذار/مارس 2025، وفق تقرير لمعهد التمويل الدولي، بتاريخ الثلاثاء 06 أيار/مايو 2025، وزاد حجم هذه الديون العالمية بنحو 7,5 تريليونات دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي ( 2025) لتصل إلى مستوى مرتفع غير مسبوق تجاوز 324 تريليون دولار، ولئن انخفضت مستويات الدين في كندا والإمارات وتركيا، فإنها ارتفعت في الصّين وفرنسا وألمانيا، وساهم الانخفاض الحاد لقيمة الدولار الأميركي أمام عملات الشركاء التجاريين الرئيسيين في زيادة قيمة الدَّيْن بالدولار، لكن الارتفاع في الربع الأول كان أكثر من 4 أمثال متوسط الزيادة الفصلية البالغة 1,7 تريليون دولار، ولا يُعتَبَرُ حجم الدّيْن في حدّ ذاته أمرًا سلبيا، بل يتمثل جوهر المسألة في استخدام الدّيُون وفي نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي، خصوصًا في الدّول التي يُسميها معهد التمويل الدّولي "الأسواق النّاشئة" وهي البلدان الفقيرة ومتوسطة الدّخل حيث بلغت نسبة الدين 245% من الناتج بهذه البلدان التي ارتفع إجمالي الديون بها بأكثر من 3,5 تريليونات دولار خلال الربع الأول من العام الحالي ( 2025) إلى مستوى غير مسبوق تجاوز 106 تريليونات دولار، خصوصًا في الصين والبرازيل والهند وبولندا وغيرها، مع الإشارة إن تأثيرات الرّسُوم الجمركية لم تظْهَر بعد...
تشكل ديون الولايات المتحدة الجزء الأكبر من هذه الديون، حيث بلغت 36 تريليون دولار سنة 2024، أي ما يعادل 34,6% من الإجمالي العالمي، استنادًا إلى بيانات وزارة الخزانة الأميركية، وتُؤثّر مستويات الدين الأميركي على عوائد السندات الأميركية بفعل الإحتياجات الكبيرة للتمويل الكبيرة لأكبر اقتصاد في العالم، وتعتبر إدارة دونالد ترامب الرسوم الجمركية وسيلة لسد الفجوة في الميزانية الناتجة عن الخفض الضريبي الذي أقرّته لصالح الأثرياء، لكن تباطأَ إنفاق الشركات ونمو الإقتصاد الأمريكي بسبب الضبابية التي تحيط بالسياسة التجارية...
لا يزال الإقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد عالمي، رغم مستويات الدين المرتفعة، غير إن الإنفاق الإستهلاكي ( وليس الإنتاج) يُشكّل أهم دوافع نُمُو الإقتصاد الأمريكي، ويأتي الإستثمار والإنفاق الحكومي والصادرات في مراتب لاحقة، وفي المقابل تُرْهق الدّيُون بلدان "المُحيط" أو "الأطراف" أو "الجنوب" ومن بينها بعض البلدان العربية مثل المغرب وتونس ومصر والأردن ولبنان، التي تُعاني من ارتفاع الديون وفوائدها كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وتتصدر مصر قائمة الدول العربية الأعْلَى دينا ( دين إجمالي، خارجي وداخلي، عام وخاص) بنهاية سنة 2024، بنحو 345,5 مليار دولار أو حوالي 90,6% من الناتج المحلي الإجمالي، تليها السعودية بنحو 311,5 مليار دولار، أو ما يُعادل 28,3% من إجمالي الناتج المحلي والإمارات بدَيْنٍ إجمالي قدره 171,1 مليار دولار أو ما يُعادل 31,4% من الناتج المحلي الإجمالي والعراق ب 121,2 مليار دولارا من الدين الإجمالي، أو ما يعادل 45,9% من الناتج المحلي الإجمالي والجزائر، حيث بلغت قيمة الدين الإجمالي ( بنهاية سنة 2024) بنحو 118,9 مليار دولار، أو ما يُعادل 45,7% من الناتج المحلي والمغرب ب107,9 مليار دولارا من الدُّيُون الإجمالية التي تُعادل 68,7% من الناتج المحلي الإجمالي، والسودان التي بلغت قيمة ديونها 102,6 مليار دولارا بنسبة 344,4% من الناتج المحلي الإجمالي ( بفعل حالة الحرب وتوقف الإنتاج ) والبحرين بديون قدرها 60,6 مليار دولارا، بنسبة 126,7% من الناتج المحلي، والأردن التي بلغ حجم ديونها 48,9 مليار دولار أو ما يعادل 91,7% من الناتج المحلي الإجمالي...
بلغت نسبة الدين الأمريكي نسبة 40% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين، و 60%، خلال عقد التسعينيات ووصلت إلى 100% خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين و120% بنهاية 2024، ويتوقع مكتب الميزانية بالكونغرس أن تصل إلى 166% بحلول سنة 2054، ومع ذلك تستمر الحكومات الأميركية المتعاقبة في الاقتراض بنسَب فائدة مناسبة، ولم تُسبب الدّيون أزمة اقتصادية أو تضخّمًا كبيرًا كما لا تُشكّل الدّيون مشكلة تتطلب نقاشًا حاميا وخلافات حادّة، بفعل هيمنة الدّولار الذي يجعل الإقتصاد الأمريكي قويًّا ( رغم الفوارق الطّبقية المجحفة وارتفاع حجم الدّيون وارتفاع عدد الفُقراء والمُشرّدين وفاقدي الحماية الإجتماعية والصّحّيّة...) ومُهيمنًا على الأسواق المالية، ولم تستطع العملات الأخرى ( اليورو أو اليوان ) لحد الآن منافسة الدّولار الذي مكّن الولايات المتحدة من تمويل احتياجات أكبر اقتصاد عالمي، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 29,17 تريليون دولار سنة 2024، أو نحو 25,95% من الاقتصاد العالمي، وتسيطر الشركات الأميركية العابرة للقارات، خاصة شركات التكنولوجيا، على قائمة أكبر الشركات العالمية، حيث تضم ثمانية من أكبر عشر شركات في العالم من حيث قيمتها في الأسواق، وتضم الولايات المتحدة أكبر سوق أوراق مالية في العالم، بلغت قيمتها 54,88 تريليون دولار بنهاية سنة 2024...
خلافًا للدّول الرأسمالية المتقدمة ( الإمبريالية)، تُشكل دُيُون "الدول النامية" ( 29 تريليون دولارا بنهاية سنة 2023) عبئًا كبيرًا بفعل ارتفاع نسبة الفائدة التي رفعت نسبة الديون وفوائدها إلى ما يعادل 206% من الناتجها المحلي الإجمالي لهذه البلدان، بنهاية سنة 2023، وفق منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" التي أشارت إلى ارتفاع أسعار فائدة ديون هذه البلدان بنحو مرتين إلى أربع مرات مقارنة بديون الولايات المتحدة، مما يجعل سداد الديون أكثر صعوبة ومما يَحد من قدرة هذه الدّول على التوفيق بين سداد الدّيون والإستثمار في البنية التحتية والصحة والتعليم ومن تمويل برامج التنمية، إذْ بلغت مدفوعات الفائدة الصافية على الدين العام للدول النامية 847 مليار دولار، سنة 2023، بزيادة 26% عن سنة 2021، وخصصت 54 دولة نامية أكثر من 10% من إيراداتها الحكومية لتسديد الفوائد سنة 2023، وخلافًا للولايات المتحدة التي تقترض ( أو تبيع سندات) بعملتها، فإن معظم "الدّول النامية"، وتعاني العديد منها مشاكل هيكلية، تلجأ إلى الاقتراض بالدولار بسبب عجز الحساب الجاري، ما يزيد من أعباء الديون ويُقلّص حجم الإستثمار في برامج التنمية، وعلى سبيل المثال تُعاني 48 دولة "نامية" من إنفاق حكوماتها على فوائد الديون مبالغ تفوق الإنفاق على قطاعَيْ التعليم والصحة مُجْتَمِعَيْن، وفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة ( آب/أغسطس 2023 ) الذي وصف أزمة الديون العالمية بأنها "كارثة تنموية تغذيها أزمة ديون ساحقة"، لأن 3,3 مليار إنسان (أو نحو نصف البشرية) يعيشون في بلدان تنفق على أقساط فوائد الديون أكثر مما تنفقه على التعليم أو الصحة، فضلا عن العديد من الآثار المُدمّرة للديون واستنزاف الموارد المحلّية، لأن أقساط الدّيون تُمثل فائض قيمة إضافي أنتجه العاملون وتم إخراجه من البلاد ولم يستفد منه المواطنون المحلّيّون، فقد خرجت من البلدان الفقيرة مبالغ قُدِّرت قيمتها بنحو خمسين مليار دولار، سنة 2022، من "التدفقات الصافية السلبية"، وهي المبالغ التي سدّدتها سلطات هذه البلدان للدائنين، مقارنة بما تلقته، أي إن خمسين مليار دولارا أُضِيفت خلال سنة واحدة ( سنة 2022) إلى المبالغ الفعلية التي تلقتها هذه الدّول، مما يعيق برامج التنمية ويثقل كاهل الشعوب ويخفض الإنفاق على الصحة والتعليم والخدمات العامة، وتم التخطيط لإبقاء البلدان حديثة الإستقلال في حالة تخلف – من خلال الدّيون وشروطها ومن خلال التبادل غير المتكافئ... – عند تأسيس المنظومة المالية الدّولية بعد الحرب العالمية الثانية، وازداد وضع البلدان الفقيرة سوءًا إثر كل أزمة مالية أو إثر انتشار الأوبئة ومرور العواصف والفيضانات، فضلا عن الحروب العدوانية التي تشنها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي...
مكانة الدّولار في حرب الرُّسُوم الجمركية
كان الدّولار يُعتبر ملاذًا آمنًا طيلة العقُود الماضية، وسَعَت الإدارات الأميركية السابقة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى تعزيز هيمنة الدولار على التجارة الدّولية وعلى منظومة التحويلات المالية الدّولية، لأن وضْعَ الدّولار كملاذ آمن يخفض تكاليف الاقتراض الأميركية، ويمكّن من تعزيز الهيمنة الأمريكية في العالم، وإذا فَقَدَ الدّولار مكانته، تفقد الإمبريالية الأمريكية جُزْءًا من نُفوذها وهيمنتها، وقد يحصل ذلك كنتيجة منطقية لإجراءات دونالد ترامب، فقد أفرزت حرب الرسوم الجمركية ومحاولة دونالد ترامب إعادة هيكلة الإقتصاد الدّولي ومنظومة التجارة العالمية تداعيات على الاقتصاد الأميركي، من بينها انخفاض قيمة الدُّولار بنسبة 9% مقابل سلة من العملات، منذ منتصف كانون الثاني/يناير 2025، وهو انخفاض نادر وحاد، ليصل إلى أدنى مستوى له في ثلاث سنوات، ويؤدّي انخفاض قيمة الدّولار إلى فقدان المستثمرين الثقة في اقتصاد الولايات المتحدة، ولن يتدحرج الدّولار من قمة الهرم ومن مكانته كعملة احتياطية دولية بسرعة ولكن الإنخفاض سوف يكون بطيئًا، إن استمرّ، لأن تداول المواد الأولية والمحروقات وحركة التجارة الدّولية والتّحويلات المالية الدّولية والدّيُون الخارجية وغيرها من التّداولات تُقَوَّمُ جميعها بالدّولار الأمريكي، وتُعزّز مُجمل هذه العوامل مكانة الدّولار وتسمح للحكومة الأميركية والمستهلكين والشركات بالاقتراض بأسعار فائدة منخفضة، مما يساعد على تحقيق النمو الاقتصادي ورفع مستوى معيشة الأمريكيين، وهذا لا يُلغي ( أو يَنْفِي) وجود الفَجْوة الطّبقية بين أقلية من الأثرياء وأغلبية ساحقة من باقي المواطنين، كما تدعم هيمنة الدّولار تعزيز السيطرة الأمريكية على منظومة التجارة والتحويلات المالية، وإقرار الحَظْر التجاري والمالي وحصار الخُصُوم مثل كوبا وإيران وفنزويلا وروسيا ومحاولة محاصرة الصّين، وحرمان المنافسين والخُصُوم من تداول الدّولار لبيع إنتاجها ولشراء ما تحتاجه، وهو امتياز تنفرد به الولايات المتحدة وتُبالغ في استخدامه لابتزاز دول العالم، لكن "قد تُؤَدِّي هذه المبالغة في استعراض القوة إلى تآكل خصائص الدّولار كملاذ آمن"، وفق تقرير "دويتشه بنك" الألماني في مذكرة أرسلها إلى زبائنه خلال شهر نيسان/ابريل 2025، كما صدر عن شركة "كابيتال إيكونوميكس" بلندن تقرير يُفيد " إن وضع الدولار كاحتياطي، ودوره المهيمن الأوسع نطاقا أصبحا موضع شك إلى حد ما على الأقل"، وللتّبسيط يمكن القول إن قيمة الدولار ترتفع مع انخفاض الطلب على المنتجات الأجنبية بسبب الرسوم الجمركية، وانخفَضت قيمته هذا المرة بدل ارتفاعها، بنسبة فاقت 5% مقابل اليورو والجنيه الإسترليني وبنسبة 6% مقابل الين الياباني خلال أسبوعَيْن ( نيسان/أبريل 2025) بدل ارتفاعه، فارتفع أسعار الواردات بسبب الرسوم الجمركية وكذلك بسبب انخفاض قيمة الدّولار، كما ارتفعت أسعار الفائدة على الرهن العقاري وقُرُوض السيارات، وقروض الإستهلاك والإستثمار على السّواء، لأن المُؤسّسات المالية المُقْرِضَة تفرض زيادة سعر الفائدة مقابل المخاطر الإضافية، مما أَضَرّ بالمستهلكين الأمريكيين، ويحاول دونالد ترامب طمأنتهم بالوعود وبالفوائد متوسطة وطويلة المَدَى، وفي الأثناء لِيتَدَبَّر العاملون والفُقراء حالهم !
تهيّأت الصين منذ سنوات لِقَضْمِ سيطرة الدّولار وتقديم عملتها (يوان) كبديل للدّولار في المعاملات التجارية الثنائية، وتمكّنت من إبرام صفقات تجارية باليوان مع البرازيل لشراء المنتجات الزراعية، ومع روسيا لشراء النفط، و مع كوريا الجنوبية لشراء سلع أخرى، ومع بعض دُويلات الخليج التي تُهيمن عليها الولايات المتحدة ( كالسعودية والإمارات)، كما قَدّمَت الصين قروضا باليوان للمصارف المركزية لبعض الدّوَل كالأرجنتين وباكستان ودول أخرى)، ومع ذلك يمكن التّأكيد بانه لا توجد عملة بديلة للدّولار أو أي أصل آخر، مثل اليوان أو البيتكوين أو الذهب، في الوقت الحالي، وفق تقرير نشَرَتْهُ وكالة أسوشيتد برس بتاريخ 19 نيسان/ابريل 2025
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟