الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 11:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تدرُسُ هذه الوَرَقَة في جُزْأَيْن بعض التّحولات التي يفرضها المُشْرِفُون على اقتصاد الولايات المتحدة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أي منذ مؤتمر بريتن وودز سنة 1944، لكي يتحمّل العالم تَبِعات أزمات الإقتصاد الأمريكي، وكانت أهم تلك المحطّات فكّ الإرتباط بين الدّولار والذّهب سنة 1971 و اتفاق بلازا سنة 1985 الذي كان متبوعًا ب"وِفاق واشنطن" سنة 1989 حيث رتّبت الإمبريالية الأمريكية أوضاعها لتشديد قبضة الهيمنة بعد انهيار جدار برلين والإتحاد السوفييتي، فَهَيّأَ وفاق واشنطن أرضية تعميم النيوليبرالية بزعامة أمريكية مُطْلَقَة ل"القطب الواحد"...
يدرس القسم الثاني من هذه الورقة تأثيرات الحرب الإقتصادية والتّجارية التي تشنها الإمبريالية الأمريكية خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، في ظل تَوَسُّع انتشار اليمين المتطرّف ( و"الإنعزالية" ) في أمريكا وأوروبا، والخطوات التي تُساهم في إعادة هيكلة الإقتصاد العالمي، وهي خطوات بدأت في بداية القرن الحادي والعشرين وتمثل أزمة 2008 وكوفيد – 19 بعض مَحطّاتها الرئيسية ويحاول دونالد ترامب وفريقه التّعجيل بإتمام إعادة الهيكلة، بشكل يجعل الإقتصاد الأمريكي المُستفيد الوحيد منها وعدم مراعاة مصالح الشُّركاء والحُلفاء ناهيك عن المنافسين والخصوم...
من اتفاقية بلازا سنة 1985 إلى الحرب التجارية سنة 2025
تنبع السياسة الاقتصادية التي يطبقها دونالد ترامب من التّراجُع المُستمر لهيمنة الولايات المتحدة منذ اتفاقية بلازا مع "الشركاء" والخصوم سنة 1985، حيث فرض الرئيس الأمريكي رونالد ريغن آنذاك مبدأ "إن المشاكل الإقتصادية للولايات المتحدة هي مشاكل العالم، منذ 1945 عندما أصبح الدّولار عُملة المبادلات التجارية والتحويلات المالية الدّولية، ولذا وجب حل المشاكل الدّاخلية للولايات المتحدة من قِبَل جميع دول العالم"
تزايدت الضغوط المحلية والأجنبية لخفض قيمة صرف الدولار، منذ بداية سنة 1985، والتقى – يوم 22 أيلول/سبتمبر 1985 - وزراء مالية يمثلون الولايات المتحدة وأربع دول صناعية كبرى أخرى ( بريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان) للإتفاق على خفض قيمة الدولار أمام الين الياباني والمارك الألماني، من خلال التدخل في أسواق صرف العملات، فيما سُمِّي اتفاقية فندق بلازا (Plaza Accord) بنيويورك، وكانت اتفاقية بلازا تهدف إضعاف الدولار الأمريكي لتقليص العجز التجاري الأمريكي المتزايد، وأدت هذه الاتفاقية إلى ارتفاع كبير في قيمة الين والمارك الألماني مقابل الدولار، بذريعة "إن الدولار مُبالغ في قيمته وبالتالي فإن الين مُقَدَّر بأقل من قيمته الحقيقية، وشكلت هذه الإتفاقية مؤامرة ضد اليابان التي بدأت سلعها ( خصوصًا السلع ذات القيمة الزائدة المرتفعة ) تنافس السلع الأمريكية داخل الأسواق الأمريكية، وهو ما يحدث حاليا بين الولايات المتحدة ( وتوابعها) والصّين.
أدّت اتفاقية بلازا 1985 إلى انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من 5,2% سنة 1985 إلى 3,3% سنة 1986 ثم إلى 4,6% سنة 1987، ودخلت اليابان في حالة ركود، رغم محاولات الحكومة تغيير وجهة الإقتصاد، من التّركيز على التّصدير إلى التركيز على زيادة الطلب الدّاخلي حتى يتسنى الاستمرار في الإنتاج لتلبية السوق الدّاخلية واستهلاك المنتجات والخدمات المحلية.
أعادت التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على العديد من الدول - الحلفاء والمنافسين على حد سواء - الحديث عن احتمال تكرار السياسة النقدية التي قد ينتهجها البيت الأبيض، لاتفاقية بلازا قبل أربعة عقود، والتي شكلت ضربة قوية لاقتصاد اليابان وألمانيا ( وهما مَحْمِيّتان عسكريّتان للولايات المتحدة، خلافًا للصين الحالية ) وتحوّلاً في السياسة النقدية لأهم القوى الإقتصادية، وتتمثل المقارنة في إرادة الرئيس دونالد ترامب، كما رونالد ريغن، قبل أربعين سنة، حماية الاقتصاد الأمريكي من التدهور وإنقاذه من أزمة خانقة، على حساب الحلفاء، كاليابان التي كان اقتصادها أول مُتضرّر من اتفاقية بلازا، فدخل في فترة ركود حاد وتباطأ النمو الذي وصل إلى 0,5% ولم تتمكن اليابان من تجاوز تلك الأزمة سوى بعد عشْر سنوات، لكنها لم تسترجع أبدًا قُوّتها الإقتصادية السابقة...
مارست الولايات المتحدة ضغوطًا كبيرةً على الدول الصناعية الكبرى (بريطانيا وألمانيا الغربية واليابان وفرنسا" لتوافق على دعم خطة خفض الدولار ورَفْعِ قيمة عملات ألمانيا واليابان مقابل الدّولار
الظروف الاقتصادية التي أدت إلى الاتفاق
عانى الإقتصاد الأمريكي من الرّكود التّضخُّمِي خلال عقد السبعينيات من القرن العشرين، ومن عجز تجاري كبير، منتصف ثمانينيات القرن العشرين، خلال رئاسة رونالد ريغن، وانتهجت السلطات سياسات مالية توسعية أدّت إلى ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع نسبة النُّمُو، وزيادة قيمة الدّولار، بفعل السياسة النّقدية المُتشدّدة التي اجتذبت رأس المال الأجنبي، غير إن ارتفاع قيمة الدولار رَفَعَ من سعر الصادرات الأمريكية التي أصبحت أكثر تكلفة وأقل تنافسية في الأسواق الدولية، مما ساهم في تفاقم العجز التجاري، بينما نما اقتصاد المَحْمِيَّتَيْن اليابان وألمانيا الغربية ( أهم شريكَيْن تجارِيَّيْن للولايات المتحدة)، بفضل نمو الصادرات وانخفاض قيمة العملة، لكن القواعد العسكرية الأمريكية الضّخمة الموجودة في اليابان وألمانيا، منذ هزيمتهما خلال الحرب العالمية الثانية، تَحُدّ من هامش حُرّيّة سُلُطات البَلَدَيْن... ويمكن تلخيص دوافع الإتفاقية إلى ثلاثة أسباب: تراجع تنافسية الصادرات الأمريكية بسبب غلاء الدولار و تفاقم العجز التجاري الأمريكي والضغط الكبير الذي مارسته الولايات المتحدة على حُلفائها، حيث تدخلت الحكومات في أسواق الصرف، بدل ترك "اليد الخفية للسوق" تنظم سوق الصّرف فانخفضت قيمة الدولار بنحو 51% مقابل الين و38% مقابل المارك الألماني على مدى سنَتَيْ 1986 و 1987، وكان لهذه الإتفاقية تأثيرٌ كبيرٌ على الأسواق المالية العالمية، وإعادة تنظيم جذرية للعملات الرئيسية، حيث أدّى الإنخفاض السريع في قيمة الدولار إلى زيادة تقلبات الأسواق الدّولية للصرف الأجنبي العالمية، واضطراب سوق الأسهم والسّندات والتجارة الدولية وتدفقات رأس المال المالي، وأرباح الشركات وقدرتها التنافسية، فكان هذا التّأثير مُدمِّرًا للأسواق العالمية، باستثناء الولايات المتحدة التي لا يكترث مُهندسو سياساتها الإقتصادية لاقتصاد الحلفاء ما دام الإقتصاد الأمريكي مُستفيدًا...
بعد أربعة عقود، اقتربت الولايات المتحدة من حالة العجز عن سداد الدّيون ( رغم تقويم هذه الدّيون بالدّولار، العُملة المحلّية الأمريكية ) وأدمنت الولايات المتحدة على تدفق الأموال من بلدان أخرى لتمويل عملية الإنقاذ التي أصبحت أكثر تعقيدًا من سنة 1985، بسبب وجود الصين – التي لا رغبة لها في سداد الدّيون الأمريكية - على رأس قائمة الدّائنين، وبسبب صعوبة التّدخّل في سوق الصرف بسبب ارتفاع حجم التّداولات التي تبلغ نحو 7,5 تريليونات دولارا يوميا، مما يُعقّد التّوصل إلى اتفاق مع الصين، فلجأ الرئيس الأمريكي إلى الضغط والابتزاز والتّهديد باستخدام القُوّة، بغرض إعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي وإخفاء إفلاس الولايات المتحدة، عبر إضعاف قيمة الدولار عمداً، ليتمكن المُصدّرون الأمريكيون من منافسة الشركات الصينية والأوروبية وخفض العجز التجاري الذي بلغ 1,2 تريليون دولارا سنة 2024، وفق وكالة بلومبرغ بتاريخ الثالث من آذار/مارس 2025، وكان أحد المُقرّبين من دونالد ترامب - ستيفن ميران، مرشح ترمب لرئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض – قد نَشَر ورقة بحثية خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024، عندما كان كبير الاستراتيجيين في صندوق التحوط "هدسون باي كابيتال" (Hudson Bay Capital)، وطرحت الورقة بعنوان "دليل المستخدم لإعادة هيكلة نظام التجارة العالمي"، خيارات سياسية محتملة "لإصلاح النظام التجاري العالمي ومعالجة الإختلالات الإقتصادية الناجمة عن المبالغة المستمرة في تقييم الدولار"، في ظل عجز الحساب الجاري (تجاوز قيمة الواردات لقيمة الصادرات) وارتفاع التدفقات الخارجية بسبب الإقبال على الدّولار الذي يُمثل العملة الاحتياطية العالمية، ولذلك لا خيار للدّول الأخرى سوى الإستمرار في شرائه مما يؤدِّي إلى ارتفاع قيمته، كأي سلعة أخرى، وفي ظل ارتفاع حجم سندات الخزانة الأمريكية إلى 29 تريليون دولارا، لكن قوة الولايات المتحدة لا تكمن فقط في الدّولار والقُوّة العسكرية، بل تشمل أيضًا الحصار والعقوبات وحظر الأُصُول والابتزاز والضغوط والتهديدات، وتُعتبَرُ جميعها أدوات حرب، مثل الصواريخ والغواصات، وليست سياسة اقتصادية ويشكل التهديد باستخدامها أيضًا جزءًا من الحرب والعلاقات الدبلوماسية، إذ لا يُؤثِّرُ الحصار على الدولة المحاصرة فحسب، بل يؤثر أيضًا على كل الدول التي تريد التعامل مع إيران مثلا أو فنزويلا، وهما منتجان للنفط، أو مع روسيا وهي من أكبر مُصدِّرِي الحبوب والأسمدة والغاز...
من الحرب التجارية إلى الحرب التكنولوجية
تمثل التكنولوجيا و"الذّكاء الإصطناعي" وأشباه المواصلات حلبة الصّراع بين القوى الرأسمالية الكُبْرى، وتحتل الصّين، منذ سنة 2017، المرتبة الثانية في العالم ( بعد الولايات المتحدة) في تسجيل براءات الاختراع، متجاوزة اليابان وتخلفت فقط عن الولايات المتحدة، وتحتل شركة هواوي للإتصالات المركز الأول بين الشركات، وتراوحت نسبة نمو تسجيلات براءات الاختراع بين 13,4% و9,1% ومن المتوقع أن تحتل الصين المركز الأول قبل نهاية سنة 2025، ولذلك أقرت حكومة الولايات المتحدة والكونغرس، سنة 2018، رَفْع الميزانية المخصصة للأمن إلى 715 مليار دولار، وهو رقم قياسي، وزيادة صلاحيات الحكومة والكونغرس لمراجعة ومنع الإستثمار الأجنبي في اقتصادها تحت ذريعة التهديد للأمن القومي، ويستهدف القانون الصين بشكل خاص، وأصبح قطاع التكنولوجيا والمعلومات يُشكّل أهم النقاط المحورية الرئيسية في الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، حيث امتدت المخاوف إلى حكومات "الخمس عيون" الأخرى - أستراليا والولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا وبريطانيا - بشأن التنفيذ المستقبلي لتكنولوجيا الجيل الخامس، وحدّدت الصين لنفسها، منذ سنة 2019، هدف رفع الإنتاج المحلي التكنولوجي ضمن برنامج "صُنع في الصين 2025 " إلى ما يُعادل 305 مليارات دولارا من أشباه الموصلات، وتلبية ما لا يقل عن 80% من الطّلب المحلي، لأن الصين كانت تعتمد على أشباه الموصلات المستوردة، وتعتزم وضع حدّ لذلك، لأن أشباه الموصلات تُسْتَخْدَمُ في العديد من التطبيقات الإلكترونية، وأجهزة الاستشعار والليزر والطاقة الكهربائية والاتصالات والأسلحة وأنظمة التحكم ومعالجة الإشارات، والعديد من التطبيقات المنزلية أو الصناعية، وتُخفي الحرب التجارية ومعركة الرسوم الجمركية معركة الهيمنة التكنولوجية والسيطرة على شبكة الجيل الخامس ( شبكة السرعة العالية ) التي يُقدّر عدد مستخدميها سنة 2025 في الصين بنحو 460 مليون، أو أكثر من عدد المستخدمين في أوروبا وأميركا الشمالية مجتمعتين، لكن الولايات المتحدة تُسيطر على قطاع أشباه الموصلات، رغم كثرة النقاش بشأن انخفاض النشاط الصّناعي الأمريكي، الذي يمثل في الواقع تحوُّلاً من الإنتاج الصناعي التقليدي إلى الإنتاج التكنولوجي، وتحاول الصين سدّ الفجوة التكنولوجية بضخ استثمارات ضخمة في القطاعات الاقتصادية ذات التكنولوجيا العالية...
استغلت الولايات المتحدة، سنة 2022، هيمنتها في مجالات تطبيقات الكمبيوتر وشرائح الذّكاء الإصطناعي ومعدّات تصنيع أشباه المواصلات ومكونات المُعدّات، لإعلان الحرب التكنولوجية على الصين، يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2022، أي خلال فترة رئاسة جوزيف بايدن، وفرضت حظْرًا على تصدير بعض الآلات والأدوات، والمعالجات الدقيقة، بهدف تدمير الصناعات الصينية، أو إبطاء التنمية الاقتصادية في الصين، مما يمكن تصنيفه ضمن أعمال الحرب الاقتصادية، لأن الصين تستهلك أكثر من 70% من أشباه الموصلات في العالم، ولم تكن تنتج سنة 2022، سوى 15% منها، مع الإشارة إلى صعوبات توفّر الشروط لتصنيع الرقائق الدقيقة، فضلا عن ارتفاع الإستثمار إلى نحو 25 مليار دولارا للمصنع الواحد بفعل ارتفاع ثمن المنشآت وارتفاع عدد الباحثين والمهندسين والمُصمّمِين والفَنِّيِّين، وبفعل تعقيدات عملية تصغير الرقائق الدّقيقة التي تتطلب تجميع مئات الآلاف من المكونات المختلفة، التي تنتجها تقنيات متنوعة، وكل منها متخصص للغاية، وعلى سبيل المثال توظف شركة ( TSMC ) التايوانية لتصنيع أشباه الموصلات 51 ألف موظف، وبلغ حجم مبيعاتها 43 مليار دولار وأرباحها 16 مليار دولار وهي التي تزود جميع شركات التصنيع الأمريكية وتنتج 90% من أكثر الرقائق تقدماً في العالم، وشركة كوالكوم ( شركة تايوانية كانت تصنع ارقائق في الصين) 45 ألف موظف وتبلغ إيراداتها 35 مليار دولار، وتوظف شركة إنفيديا 22400 موظف وتبلغ إيراداتها 27 مليار دولار، وتوظف شركة إيه إم دي 15 ألف موظف وتبلغ إيراداتها 16 مليار دولار، وتحتكر شركة واحدة في العالم، وهي شركة ASM International الهولندية، إنتاج الآلات التي تطبع الرقائق الدقيقة المتطورة، فيما يتم إنتاج الرقائق من قِبَل عدد قليل من الشركات، ومعظمها أمريكية مثل إنتل ومايكرون وشركة سامسونغ (كوريا الجنوبية) وشركة ( TSMC ) التايوانية، واختصّت كل منها في إنتاج نوع مُحدد من الرقائق في مصانع تمتلكها الإحتكارات ومنتشرة في هولندا والولايات المتحدة وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان وماليزيا، وأدّى هذا التّركيز الرّأسمالي، و احتكار الولايات المتحدة لتصميم الرقائق الدقيقة، إلى عرقلة التقدم التكنولوجي الرّوسي والصّيني، رغم تخزين الصين للرقائق واستثمار الدّولة بكثافة في تطوير الإنتاج التكنولوجي المحلي، فتمكّنت من إنتاج الرقائق وأحرزت بعض التقدم بفضل المهندسين والباحثين في الجامعات ومختبرات البحث العلمي وبفض الإستثمار المُكثّف...
تُشكّل التكنولوجيا جانبًا رئيسيًا في الحرب الاقتصادية الأمريكية ضد الصين التي تبذل جهودًا كبيرة لاستبدال التقنيات الأميركية بحلول محلية، مثل تلك التي تنتجها شركتي هواوي وZTE، والتي كلفت الولايات المتحدة بالفعل ما يقرب من خمس مليارات دولار.
من يُسدّد الدُّيُون الأمريكية؟
فشل دونالد ترامب في تنفيذ خطته خلال فترة رئاسته الأولى، وأعاد الكرة سنة 2025، بشعار " لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى - Make America Great Again - MAGA "، والتركيز على المشاكل الدّاخلية، لكن الولايات المتحدة دولة امبريالية مُهَيْمِنة على العالم، في زمن العولمة، ومشاكلها هي مشاكل العالم ونابعة من أزمة رأسمالية دولية، ووجد دونالد ترامب ( والفئة الرأسمالية التي يُمثّلها) الحلّ في الضغط على بقية دول العالم لحل الأزمة الإقتصادية والسياسية للإمبريالية الأمريكية، ولتسديد 34 تريليون دولارا من الديون المستحقة على الولايات المتحدة، وهي خطة شبيهة بما سُمّي "اتفاقيات بلازا" سنة 1985، وأُطلق عليها اسم "اتفاقية مار إيه لاغو" لأنها تمت الموافقة عليها خلال اجتماعات غير رسمية عقدت يومي 21 و22 كانون الثاني/يناير 2025 مع وزراء مالية مجموعة السبع ومحافظي البنوك المركزية في قصره بولاية فلوريدا، وتتمثل خطة دونالد ترامب لسنة 2025 في إثارة أزمة والتفاوض فيما بعد، واتخاذ بعض الخطوات لإعادة هيكلة الإقتصاد الأمريكي والدّولي، من خلال إضعاف الدولار عمداً لتعزيز الصادرات الأميركية وتقليص العجز التجاري، وأدّت مثل هذه الإجراءات سابقًا وحاليا والهادفة إلى استمرار هيمنة الدّولار، إلى ارتفاع قيمة الذهب،
تفاوض زعماء مجموعة السبع في لقاء فلوريدا (في مار إيه لاغو ) على أفضل السبل لسداد الديون الأميركية، أي لتحويل الأزمة الأمريكية إلى أزمة عالمية، وتسديد الدّيون الأمريكية لمنع انهيار الإقتصاد الأمريكي الذي يؤدّي إلى انهيار اقتصاد أوروبا واليابان وربما الصين كذلك
الإقتصاد ما بعد الصناعي وتغير البنية
تتمثل إعادة هيكلة الإقتصاد الأمريكي، التي بدأت منذ عُقُود، قبل صعود الصين، في انخفاض حصة الصناعات التحويلية من الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع حصة الخدمات والتقنيات المتطورة...
يتوقع التقرير الإقتصادي للرئيس دونالد ترامب الذي ارسل إلى الكونغرس بعد تنصيبه، إنخفاض نمو الإقتصاد في المستقبل من 2,4 % سنة 2024 إلى 2,1 % سنة 2025 ثم 2 % سنة 2026، لتستقر نسبة النمو عند 2,2 % بين سنتَيْ 2029 و 2035، وتُفيد البيانات أن الإقتصاد الأمريكي يتجه نحو انخفاض النمو، نتيجة توسع قطاع الخدمات وإنحسار دور الصناعة التحويلية في قيادة الإنتاجية، وهي من خصائص إقتصاد ما بعد الصناعة ، حيث ينحسر الإنتاج ومعدل النمو السنوي لإنتاج الصناعة التحويلية التي حلت مكانها أشباه الموصلات والحاسبات والخدمات الرقمية والمستحدثات التقنية، أي ارتفاع حصة الموجودات غير الملموسة من مجموع رأس المال ومنها نفقات البحث والتطوير ورسملة حقوق الملكية الفكرية، وبلغت صادرات الخدمات الرقمية 25% من مجموع صادرات السلع والخدمات في الولايات المتحدة سنة 2020 وانخفضت بعد ذلك إلى نحو 21% ولا تريد الولايات المتحدة خسارة مركزها كرائدة التقدم التقني والقطاع الرقمي لصالح الصّين أو أي دولة أخرى، وفي المقابل انخفض عدد عمال الصناعات التحويلية الأمريكية من 18,932 مليون عامل وعاملة سنة 1978، بنسبة 26,7 % من مجموع العاملين في القطاع الخاص، إلى 12,887 مليون عامل وعاملة سنة 2024، بنسبة 10,5% من مجموع العاملين في القطاع الخاص...
وَرَدَ بتقرير صندوق النقد الدّولي لفصل ربيع 2025 ( نيسان/ابريل 2025) بعنوان "آفاق الإقتصاد العالمي 2025 " إن الإستهلاك محرك النمو في الولايات المتحدة، بينما يُشكل الطلب الخارجي محرك النمو الإقتصادي للصين، وقد يُؤَدِّي خفض نمو الإستهلاك الإمريكي إلى انخفاض الطلب الخارجي على السلع في الصين، وما ينتج عن ذلك من مساوئ للإقتصاد الصّيني، وربما لاقتصاد العالم، وأظهر تقرير صندوق النقد الدّولي كذاك ان الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة، وردود الدّول الأأخرى بفرض رسوم مماثلة قد تؤدّي ( إذا ما تم تطبيقها فعلا) إلى "صدمة للإقتصاد العالمي"، ولذلك خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لمعدل النمو من 3,2 % الذي كان متوقعا للعام 2025 في كانون الثاني/يناير إلى 2,8 % في نيسان/أبريل 2025 وانخفاض معدل نمو الولايات المتحدة والصين وانخفاض نمو التجارة وأسعار المحروقات...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟