الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 15:02
المحور:
الادارة و الاقتصاد
أعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدّولي، يوم الخميس 17 نيسان/ابريل 2025 إن تصاعد التوتر التجاري، والتحولات الجذرية في نظام التجارة العالمية، سيؤديان إلى خفض التوقعات الاقتصادية للصندوق وإلى تخفيضات ملموسة في معدلات النمو الاقتصادي، حيث تؤدّي الرسوم الجمركية الأمريكية إلى ضبابية "غير مسبوقة" في السياسة التجارية وتقلبات شديدة في الأسواق المالية وفي عوائد سندات الخزانة الأمريكية، وأثارت ردود فعل من الصين والاتحاد الأوروبي اللَّذَيْن اتخذا إجراءات مُضادّة، مما قد يُفضِي إلى إعادة تشكيل نظام التجارة العالمية وإلى اضطرابات مُكلفة مع احتمال ارتفاع التضخم في بعض الدول، كما خفضت منظمة التجارة العالمية توقعاتها لحركة التجارة الدّوْلية للسلع ( يوم الإربعاء 16 نيسان/ابريل 2025) بسبب زيادة الرسوم الجمركية الأميركية وامتداد تبعاتها وتأثيراتها وما قد يترتب عليها من ركود هو الأَشَدّ منذ ذروة جائحة كوفيد-19، وتوقعت المنظمة انخفاض تجارة البضائع بنسبة قد تصل إلى 1,5% سنة 2025، مما يُخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل عام، في ظل امتداد المخاوف إلى الأسواق المالية وإلى قطاعات اقتصادية عديدة وخصوصًا في "الدّول النامية" فضلا عن مخاطر فك الارتباط بين الاقتصادين الأميركي والصيني، والعواقب الوخيمة التي تنتج عن ذلك مثل احتمال انكماش الناتج الإجمالي العالمي بنسبة 7% في الأمد البعيد، وفق ما نقلته وكالة رويترز ( 17/04/2025) وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية يوم الإربعاء 16 نيسان/ابريل 2025، ملخصًا لتقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( أونكتاد) يُحذّر من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي إلى 2,3% "بسبب التوتر التجاري وحالة الضبابية التي تدفع باتجاه الركود"...
أدّت قرارات الرئيس الأمريكي إلى زيادة مشاعر الغضب ضد سياسات الولايات المتحدة، وتعدّدت دعوات مُقاطعة الإنتاج الأمريكي في كندا بسبب إلى رغبة ترامب في جعل كندا الولاية الأميركية رقم 51، وفي دانمارك بسبب التهديد بالإستحواذ على غرينلاند القريبة من أمريكا الشمالية ولكنها تابعة للدانمارك، وتتمتع بحكم ذاتي، كما انتشرت دعوات المقاطعة في فرنسا والسويد وألمانيا ودول أوروبية أخرى، حيث بدأ الشباب بتنظيم حملات عبر منتديات مثل "ريديت" (Reddit) وشبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الأخرى للترويج للبضائع والصناعات الأوروبية ومقاطعة المنتجات الأميركية، وهي حملات شوفينية في معظمها، ولا تقاوم الرأسمالية والإمبريالية ( الأوروبية والأمريكية)، وتشكل ردود فعل على قرارات السلطات الأمريكية، وقام عشرات الآلاف من الشباب الأوروبي بإطلاق منتدى "اشتر من الاتحاد الأوروبي " (BuyFromEU)، إلى جانب دور موقع "غو يوربيان دوت أورغ" (GoEuropean.org) في الترويج للمنتجات الأوروبية، التي تشكل بديلا للمنتجات الأميركية، بهدف "دعم الاقتصاد المحلي من دون التأثير السلبي على سوق العمل" لأن العديد من الشركات الأميركية تمتلك خطوط إنتاج في أوروبا...
جاءت ردود الفعل غير المُنْتَظَرَة من ألمانيا – أهم حليف للإمبريالية الأمريكية في أوروبا – حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين أمريكا وألمانيا 273 مليار دولارا، سنة 2024، وحيث التغلغل الإيديولوجي الأمريكي والأطلسي كبير جدًّا، فقد تزايدت دعوات مُقاطعة السلع الأمريكية، واستبدل أحذية نايك، ذات المنشأ الأمريكي بأحذية أديداس ذات المنشأ الألماني، على سبيل المثال، وكلاهما شركة عابرة للقارات وتدعم الكيان الصهيوني وتستغل العُمال والعاملات في جنوب شرقي آسيا وفي أمريكا الجنوبية أبْشَع استغلال، أو استخدام موقع زالاندو للتسوق الإلكتروني بدلا من أمازون، والإقبال على سيارات فولكس فاغن بدلا من تسلا الخ وتعمد بعض "المُستهلكين" إزاحة المنتجات الأميركية من الرفوف داخل المتاجر الألمانية، في إشارة إلى رفضها، غير إن الحكومة الألمانية أعلنت رفضها مقاطعة المنتجات الأميركية، لأن ألمانيا "دولة تعتمد بشكل كبير على التصدير ولا تحتاج إلى مزيد من الحواجز التجارية، بل إلى تقليلها"، كما عارض رئيس اتحاد تجارة الجملة والخدمات الخارجية فكرة المقاطعة، "لأن الولايات المتحدة أصبحت - سنة 2024- الشريك التجاري الأول لألمانيا، متجاوزةً الصين، بحجم 273 مليار دولارا، منها 173,9 مليار دولارا من الصادرات ألألمانية إلى الولايات المتحدة"، وأظْهر استطلاع للرأي نشره معهد "يوغوف" يوم 28 آذار/مارس 2025، أن 52% من الأشخاص في ألمانيا لم يعودوا يرغبون في شراء السلع الأميركية.
من جهة أخرى، تتأثر الشركات الأمريكية بقرارات رفع الرسوم الجمركية، ويُتوقع ارتفاع تكاليف واردات شركات تصنيع السيارات الأمريكية بـ108 مليارات دولار سنة 2025، مما اضطر شركة فورد الأمريكية لصناعة السيارات إلى إعلان ( الإربعاء 16 نيسان/ابريل 2025) رفع أسعار سياراتها الجديدة، خلال شهر أيار/مايو 2025، إذا لم تخفض الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على السيارات، وأعلنت شركات صناعة السيارات الأميركية الأخرى إنها ستضطر إلى رفع الأسعار بوتيرة كبيرة إذا استمرت الرسوم الجمركية، وفق وكالة بلومبرغ...
تأثّر الدّولار كذلك بالرسوم الجمركية فانخفض سعره مقابل العملات الأخرى، فيما ارتفع سعر الذّهب ( كملاذ أكْثَرَ أمانًا من الدّولار) بنسبة 27% بين بداية كانون الثاني/يناير ومنتصف نيسان/ابريل 2025، وبلغ مستوى قياسيا ( 3359,5 دولارا للأوقية) لأن الذّهب يُعتَبَرُ وسيلة للتَّحَوُّط من ارتفاع التضخم الذي قد يرتفع ( إلى جانب البطالة) في الولايات المتحدة وفي العالم، بسبب التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة، وفق رئيس مجلس الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي ( المصرف المركزي)
تأثرت شركة "إنفيديا" لصناعة الرقائق الإلكترونية – كما العديد من الشركات الأخرى - بالقيود الأميركية الجديدة على تصدير بعض أنواع الرقائق إلى الصين، والتي ستكلف شركة إنفيديا خسارة بنحو خمس مليارات دولار،
تصدّر الصين إلى الولايات المتحدة سلَعًا بقيمة 440 مليار دولار، وتستورد منها سلعا وخدمات تعادل قيمتها 150 مليار دولار، ولذا فإن اقتصاد الصين يتعرض لأضرار كبيرة جراء ارتفاع الرسوم الجمركية الأمريكية إلى 145% لكن الحكومة الصينية قررت الرّد السريع وأوقفت طلبيات شراء طائرات إضافية من شركة "بوينغ" الأمريكية لصناعة الطائرات، ووَقْف مشتريات معدات وقطع غيار الطائرات من الشركات الأميركية، مما أدى إلى تراجع سهم بوينغ بشكل حاد في البورصة الأميركية، كما تعاني بوينغ من صعوبات مالية وأزمة مستمرة في مراقبة الجودة، وقررت الصين كذلك حظْر تصدير المعادن النادرة، وتُشير تقديرات مصرف "غولدمان ساكس" إن الصين قد تملك هامش مناورة أكبر على المدى الطويل، لأن الولايات المتحدة ستواجه صعوبة في استبدال 36% من وارداتها من الصين، في حين ستجد الصين صعوبة في استبدال 10% فقط من وارداتها من الولايات المتحدة التي شهدت أسواقها المالية تراجعا حادًّا طال الأسهم وسندات الخزينة والدولار الأميركي على حد سواء، مما يعني إن الدولار وسندات الخزانة الأمريكية لم تعد ملاذًا آمنا في أوقات الأزمات، وبدأت بعض الدّول تبحث عن بدائل تخفض اعتمادها على الدولار والأسواق الأمريكية، مما يُؤدِّي إلى إعادة تقييم للدور الأميركي في النظام المالي العالمي، واستهدفت الصين قطاع الخدمات الأمريكي – الذي تُعادل قيمة صادراته إلى الصين نحو 55 مليار دولارا سنويا ( بالإضافة إلى توسيع نطاق ضوابط التصدير للمعادن الأرضية النادرة، وهي معادن أساسية لصناعات حيوية كأشباه الموصلات وأنظمة الدفاع والخلايا الشمسية، وفتحت الصين تحقيقات لمكافحة الاحتكار تستهدف شركات أميركية بارزة مثل دوبونت و غوغل... ) وصنّفت الصين، منذ شهر شباط/فبراير 2025، عشرات الشركات الأميركية على قائمة "الكيانات غير الموثوقة"، مما يهدد بتقييد أو حظر تعامل هذه الشركات تجارياً أو استثمارياً في الصين، كما استهدفت الصين قطاعات السفر والخدمات القانونية والاستشارية والمالية الأمريكية، وهي قطاعات تحقق فيها الولايات المتحدة فائضاً تجارياً كبيراً مع الصين منذ سنوات، فضلا عن صادرات قطاعات السينما الأمريكية ومكاسب قطاعات الترفيه والسياحة والتعليم الأمريكية، حيث ينفق السائحون الصينيون بسخاء في الولايات المتحدة، فضلا عن الإنفاق المتعلق بالتعليم والرسوم الدراسية ونفقات المعيشة لأكثر من 270 ألف طالب صيني يدرسون في الولايات المتحدة، بحسب تقرير الشبكة الأميركية سي إن إن...
قد تؤدّي قرارات السلطات الأمريكية والأشكال المُتعجْرِفَة لتعاملها مع المنافسين والحُلفاء إلى تغيير المشهد الجيوسياسي والإقتصادي الدّولي وإلى إعادة صياغة قواعد جديدة للدّبلوماسية والعلاقات الإقتصادية والتجارية، وكانت الصين قد تهيّأت وبدأت إنجاز مبادرة "الحزام والطريق" منذ سنة 2013، بعد إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون مُحاصرة الصين عسكريا بواسطة الأساطيل البحرية وإغلاق الممرات التجارية المائية التي تُعتَبَر شريانًا حيويا لاقتصاد الصين، وتمكنت الصين من الإلتفاف على الحصار الأمريكي، من خلال تعزيز علاقات الشراكة مع روسيا ومجموعة بريكس وأفريقيا وآسيا، وخفّضت الجمارك إلى صفر مع أكثر من 50 دولة، منها 33 دولة إفريقية، مما يحد من اعتمادها على السوق الأميركية، وتمكّنت الصين من تحسين العلاقات مع دول صديقة وحليفة للولايات المتحدة واخترقت الحصار التجاري الأميركي عبر دول وسيطة مثل ماليزيا وفيتنام لتصدير سلعها، ما دفع واشنطن إلى فرض عقوبات على هذه الدول، كما نجحت الصين في استخدام عملتها المحلية، اليوان، لتعزيز التبادل التجاري مع عدد من البلدان بما فيها دول الخليج العميلة للإمبريالية الأمريكية، مما قد يُهدّد الهيمنة المُطلقة للدّولار، على مدى بعيد، واستثمرت الصين في مجالات البحث العلمي والإبتكار والتّدريب والتّأهيل، ما أتاح نجاح شركات مثل هواوي ( الإتصالات) وشركات السيارات الكهربائية والطاقات المتجددة وما أتاح تطوير صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، رغم الحصار الأمريكي والأوروبي وخرجت الصين منتصرة في المعركة التكنولوجية والإلكترونية وتعمل على تقويض الهيمنة الأمريكية على المؤسسات المالية الدّولية والتحويلات من خلال أدوات مالية مثل المصرف الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) ومصرف بريكس ( مصرف التنمية الجديد - New Development Bank ) كخطوات صغيرة لتحجيم نفوذ للحد من الاعتماد على صندوق النقد الدولي والبنك العالمي الواقعَيْن تحت السيطرة الأمريكية...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟