الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 14:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فساد أُسْرة فون دير لاين ( Von Der Leyen )
كشفت صحيفة نيويورك تايمز، بتاريخ 01 شباط/فبراير سنة 2021، ملف "فايزرغيت" وتتمثل في مفاوضات بين رئيسة المُفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وألبرت بورلا، الرئيس التنفيذي لشركة فايزر الأمريكية للمختبرات والأدوية، بشأن عقد للحصول على 1,8 مليار جرعة من لقاح كوفيد-19 وتمت المفاوضات عبر الرسائل النصية على هواتفهما المحمولة، وظلّ محتوى الرسائل المتبادلة بينهما سرّيًّا بسبب عدم شفافية العقد وبسبب تواطؤ المؤسسات الأوروبية، وفي أعقاب هذه التسريبات، رفع فريدريك بالدان، وهو وسيط تجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين، شكوى ضد فون دير لاين في محكمة مدينة لياج ( بلجيكا)، متهماً إياها باستغلال منصبها لتزوير الوقائع، وتدمير وثائق عامة، والإثراء غير المشروع، والفساد، وتبدأ جلسات المحكمة يوم السابع عشر من أيار/مايو 2025، للبت في قانونية أو عدم قانونية النّظر في هذه القضية من قِبَل القضاء البلجيكي، و كان وباء "كوفيد – 19" مصدرًا للفساد في العديد من البلدان والمؤسسات الأوروبية ، مما أدّى إلى انطلاق العديد من النزاعات المتعلقة بعقود اللقاحات، وتم تكليف أمين المظالم في الاتحاد الأوروبي بالبت فيما إذا كانت عقود اللقاح مع شركة فايزر المتعددة الجنسيات تشكل حالة "سوء إدارة"...
انضمت منذ ذلك الحين عشرات المنظمات والأفراد، وحتى دول مثل المجر وبولندا، إلى الدعوى القضائية، وتولى مكتب المدعي العام الأوروبي القضية، عبر تقديم لائحة الإتهام خلال جلسة الاستماع ( 17 أيار/مايو 2025) وتقديم الحُجَج الدّاعية إلى ضرورة توجيه التحقيق إلى محكمة لياج البلجيكية، وتجدر الإشارة إلى تَوَلِّي مكتب المدعي العام الأوروبي المسؤولية عن القضايا التي تنطوي على الإضرار بميزانية الاتحاد الأوروبي والقضايا ذات الطبيعة العابرة للحدود، فضلاً عن القضايا التي قد تؤثر على سمعة مؤسسات الاتحاد الأوروبي وثقة المواطنين، وتَنُصُّ قواعد الاتحاد الأوروبي على أنه في حالة نشوء نزاع قضائي مع دولة عضو، "يتعين على السلطات الوطنية المختصة أن تقرر تخصيص الاختصاص القضائي"، غير إن قاضي التحقيق البلجيكي أعْرَبَ عن معارضته لتولي مكتب المدعي العام الأوروبي القضية، وتساءل عما إذا كان من الممكن أن تبقى في أيدي البلجيكيين، ويتعين على المحكمة البلجيكية أن تقرر ما إذا كان طلب مكتب المدعي العام الأوروبي تولي القضية قانونيا وما إذا كان التحقيق الجاري الذي بدأه قاضي التحقيق البلجيكي ينبغي إغلاقه أو استمراره.
طلبت صحيفة نيويورك تايمز الاطلاع على الرسائل السرية المتبادلة بين رئيس المفوضية الأوروبية ورئيس شركة الأدوية، قبل توقيع العقد لشراء لقاحات فايزر، ولم تحصل على ردّ، فرفع رئيس مكتب صحيفة نيويورك تايمز في بروكسل دعوى قضائية ضد قرار المفوضية بعدم نشر الرسائل النصية سنة 2022، وأخبرت المفوضية محكمة لوكسمبورغ خلال جلسة استماع تمهيدية سنة 2024، أن محتوى الرسائل لم يكن مهمًا بما يكفي لتصنيفه كوثائق، وبالتالي لم يتم تسجيلها وإتاحتها للصحفيين، وبالإضافة إلى هذا النزاع، هناك قضايا قانونية أخرى تنتظر الحل من قبل محاكم أوروبية أخرى، وخلال النّصف الأوّل من شهر أيار/مايو 2025 قَضَت المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي بأن المفوضية الأوروبية أخطأت في رفض نشر الرسائل النصية بين أورسولا فون دير لاين والرئيس التنفيذي لشركة فايزر ألبرت بورلا أثناء المفاوضات لشراء اللقاحات، وقد يكون لهذا الحكم عواقب وخيمة على السرية والمساءلة داخل المفوضية الأوروبية، كما أنه يشكل ضربة قاسية للسمعة المُهْتَزّة أَصْلاً لأورسولا فون دير لاين التي رفضت اطّلاع الصحافيين والموطنين الأوروبيين على فحوى المفاوضات السابقة لتوقيع العقد...
سبق أن تصرفت أورسولا فون دير لاين بعنجهية وعجرفة، دون احترام منصبها لما كانت وزيرة عدة مرات في ألمانيا، وعمومًا فقد عُرِفَ عنها وزوجها ( طبيبان) ارتباطهما بشركات التكنولوجيا الحيوية والمختبرات والأدوية العابرة للقارات، خصوصًا ذات المنشأ الأمريكي، وبعد تعيينها في منصب رئيسة المفوضية الأوروبية، بقي زوجها يعمل مُديرًا طبِّيًّا للشركة الأمريكية أورغينسيس (Orgenesis )، وهي شركة أمريكية للتكنولوجيا الحيوية متخصصة في العلاجات الجينية، مثل لقاحي فايزر وموديرنا، وهو عضو في مجلسها العلمي منذ عام 2019 وبالتالي فإن الروابط قوية بين شركة فايزر وأورغينيسيس وأكبر المساهمين فيها هم صناديق الاستثمار نفسها، وفقاً لبورصة نيويورك.
تعمل شركة Orgenesis على تطوير برنامج BioShield) )، لاختراع لقاح خارق، وعمل هايكو فون دير لاين سابقا ولمدة 11 سنة في شركة الأدوية العابرة للقارات غلاكسو سميث كلاين (GSK)، وكان قبل ذلك مسؤول الجودة في شركة فايزر لمدة ثماني سنوات الخ مما يُظهر ارتباط الزّوجَيْن فون دير لاين بهذه الشركات العملاقة التي اعتادت تنفيذ برامج مشتركة لإنتاج أدوية أو لقاحات، وكان اللقاح الذي تم فرضُهُ من قِبَل الحكومات والمُفوّضية الأوروبية من إنتاج شركتَيْ فايزر وموديرنا، وأدّى إتلاف الرسائل المتبادلة إلى استحالة تأكيد ما إذا كانت شركة فايزر دفعت عمولات مقابل توقيع العقد مع الاتحاد الأوروبي، أو مقدار هذه العمولات، والأهم من ذلك، لمن دُفِعَتْ، لأن شركة فايزر حصلت على 3,6 مليار دولارا من الإتحاد الأوروبي ( أو 20 دولاراً للجرعة الواحدة )، ويقول العارفون بمجال الرّشاوى والعمولات: "بالنسبة لعقد بهذا الحجم، يتم دفع عمولة بنسبة 2% في بروكسل"، وهذا يعني أن شخصًا ما قد حصل على 760 مليون دولار في شكل عمولات...
أثار بعض كبار الموظفين الأوروبيين وبعض نواب البرلمان الأوروبي وبعض الصحافيين وبعض المنظمات قضية "تضارب في المصالح مع ابن أورسولا، ديفيد، الذي يعمل في شركة ماكينزي الإستشارية العابرة للقارات التي أشرفت على الدّراسات وتقدير احتياجات الإتحاد الأوروبي، ويُشارك فون دير لاين الأبن – كما والده وولدته – في أرباح الشركة (ماكينزي ) التي حصلت على ملايين اليورو مقابل تقديم المشورة للجيش الألماني عندما كانت أورسولا وزيرة الحرب في حكومة ميركل"، وهي نفس الشركة ( ماكينزي ) التي صَمّمت الحملات الإعلانية الخاصة بالجائحة، وكانت كذلك مسؤولة عن الخدمات اللوجستية لتوزيع اللقاح..."
غياب الدّيمقراطية يؤدي إلى انعدام الشفافية
تُعيّن الحكومات أعضاء ورئيس مفوضية الإتحاد الأوروبي، وتمثل معظم المؤسسات الأوروبية الحكومات ولا تمثل المواطنين، باستثناء البرلمان الأوروبي الفاقد لأي نفوذ، والخاضع لمجموعات الضّغط، وبعد سنتَيْن من تداول الصّحف ووسائل الإعلام قضية "فايز رغيت" دعا العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين إلى شرح العقود التي وقعتها مع شركة الأدوية الأمريكية العابرة للقارات "فايزر" بشأن اللقاحات، ويبرر أعضاء البرلمان الأوروبي هذا القرار بضرورة تسليط الضوء على قضية غامضة أثارت الكثير من الغضب داخل بلدان ومؤسسات الإتحاد الأوروبي، وبمرور الزمن تم تضييق الخناق على فون دير لاين بسبب دورها في توقيع عقود اللقاحات، وقامت رئيسة اللجنة الخاصة المعنية بكوفيد-19، كاثلين فان بريمبتون، بصياغة خطاب تمت الموافقة عليه من قبل العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي في اللجنة، ويتمثل محتواه في استدعاء أورسولا فون دير لاين للإدلاء بشهادتها علنًا بشأن المُداولات والمفاوضات السابقة لتوقع العقود الضّخمة للقاحات مع الرئيس التنفيذي لشركة فايزر ألبرت بورلا، في بداية انتشار الوباء، لأن الأموال التي أنفقها الإتحاد الأوروبي هي أموال عامة، وللبرلمان – الذي يُفتَرَضُ أن يُمثل مصالح المواطنين الأوروبيين - الحق في المُطالبة بالشفافية الكاملة بشأن كيفية إنفاق هذه الأموال، وأدّى تجاهل رئيسة المفوضية الأوروبية واحتقارها البرلمان، إلى إعلان سبعة نواب من حزب الخضر في البرلمان الأوروبي الحرب على رئيس المفوضية الأوروبية وزوجها، هايكو فون دير لاين، الذي تسببت أنشطته، التي تمولها زوجته جزئيا من المال العام الأوروبي، في إثارة الجدل في أوروبا، وجاء في رسالة أعضاء البرلمان الأوروبي: "نحن نشعر بقلق خاص إزاء التقارير الصحفية في إيطاليا وألمانيا بشأن النشاط التجاري في دول الاتحاد الأوروبي لشركة أورغينسيس، وهي شركة أمريكية توظف هايكو فون دير لاين، زوج رئيسة المفوضية الأوروبية"، وهو عضو في مجلس إدارة مؤسسة كانت ترأسها زوجته أورسولا فون دير لاين، وتلقت المؤسسة أكثر من 320 مليون يورو كتمويل من المفوضية الأوروبية، وبعد نشر العديد من أخبار فضائح الزّوجَين فون دير لاين، اضطر هايكو فون دير لاين إلى الإستقالة تحت ضغط وسائل الإعلام، لكن شركته (أورغينيسيس) ظلت عضواً في المؤسسة وتتلقى 200 ألف يورو كمنح سنوية من خطة التعافي والمرونة الإيطالية.
لم يتم تسجيل شركة Orgenesis والشركات التابعة لها في أوروبا في سجل الشفافية الخاص بالاتحاد الأوروبي. ويشير أعضاء البرلمان الأوروبي السبعة إلى وجود تضارب محتمل في المصالح، لأن زوج رئيسة المفوضية الأوروبية يشغل منصبًا قياديًا بارزًا كمدير طبي ورئيس تنفيذي لشركة خاصة تشارك في مشاريع ممولة أو مشتركة من برامج أوروبية، وبالتالي بأموال عامة، ويؤكدون أن أسئلة مواطني الاتحاد الأوروبي وممثليهم حول تضارب المصالح المحتمل مشروعة، وطلب أعضاء البرلمان الأوروبي أيضًا في نفس الرسالة من مفوض الشفافية التحقيق فيما إذا كانت المناصب القيادية لهيكو فون دير لاين متوافقة مع الدور المؤسسي لزوجته، أورسولا فون دير لاين. أما المدير التنفيذي لشركة فايزر فقد رفَضَ مرّتَيْن الإدلاء بشهادته أمام البرلمان، وفق موقع مجلة بوليتكو، ورغم استقالة السيد فون دير لاين من اللجنة الإشرافية للمؤسسة، لا تزال شركة أورغينسيس إيطاليا إس آر إل (Orgenesis Italy SRL) جزءًا من المشروع، وتتلقى 200 ألف يورو كمنح سنوية من خطة الإنعاش والمرونة الإيطالية، وفقا لتقارير إعلامية إيطالية، ويطالب أعضاء البرلمان الأوروبي مفوض الشفافية بالتحقيق فيما إذا كانت المناصب القيادية لهيكو فون دير لاين متوافقة مع الدور المؤسسي لزوجته أورسولا فون دير لاين.
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟