|
الإمبريالية وحقوق الإنسان
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 10:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نماذج من الإنتهاك المُتعمّد للحقوق الأساسية تشن سلطات ووسائل إعلام ومنظمات الدّول الرأسمالية المتقدّمة ( أمريكا الشمالية وأوروبا) حملات متكررة تستهدف روسيا والصين وإيران والعديد من حكومات الأطراف ( البلدان الواقعة تحت الهيمنة) بذريعة "انتهاك حقوق الإنسان"، وشنّت حروبا عدوانية ضد بلدان بذريعة عدم احترام سلطاتها لحقوق الإنسان غير إن أصوات هذه الحكومات ووسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية تخفت عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني وبانتهاك حرية التعبير وعدم احترام الحريات الفردية والعامة في البلدان الرأسمالية المتطورة نفسها، أو عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني، وفيما يلي بعض النّماذج: تقدم شركة غوغل خدمات الحوسبة التي تمكن الجيش الصهيوني من ارتكاب المجازر وعمليات التّدمير، مما يجعلها مسؤولة عن جرائم الحرب، بنفس درجة تُجّار الأسلحة، غير إن "القانون الدولي" يُحمّل الحكومات بعض المسؤولية التي لا تُلْزِم الشركات فيما يتعلق بجرائم الحرب، ومع ذلك ارتبط مشروع "نيمبوس" بشكل مباشر بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مما قد يؤدِّي إلى مواجهة قادة شركة "غوغل" تهمة جنائية بموجب "القانون الدولي"، من خلال هيئة مثل المحكمة الجنائية الدولية، التي لديها سلطة قضائية في كل من الضفة الغربية وغزة. سبق أن أصْدَرت محكمة العدل الدّولية، خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر 2024، حكما حثت فيه الدول على "اتخاذ جميع التدابير المعقولة" لمنع الشركات من "القيام بأي عمل قد يساهم في الاحتلال غير القانوني للضفة الغربية"، وللتذكير فإن قرارات محكمة العدل الدولية، التي تحكم في النزاعات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، هي "آراء استشارية غير ملزمة، لكنها تتمتع بسلطة قانونية هائلة" وفق فِقْه القانون الدّولي... إن تحديد المسؤولية الجنائية لشركة غوغل فيما يتصل باحتلال الضفة الغربية أو عمليات القتل المستمرة في غزة يتطلب إجراءات قانونية مُعقّدة، اعتمادًا على مستوى معرفة قادة الشركة بكيفية استخدام خدماتها، وإمكانية التنبؤ بالجرائم التي تسهلها تلك الخدمات، والطريقة التي تساهم بها في ارتكاب تلك الجرائم وما إلى ذلك. قبل توقيع عقد "نيمبوس" المُربح مع الكيان الصّهيوني، كانت شركة غوغل على علم بأن زبائنها (مثل الجيش الصهيوني) يستخدمون تكنولوجية الحَوْسَبَة السّحابية كما يحلو لهم، ويدرك قادتها جيدًا المخاطر المترتبة على توفير أدوات الحوسبة السحابية والتعلم الآلي المتطورة لدولة متهمة منذ فترة طويلة بارتكاب جرائم حرب، ولا تستطيع غوغل مراقبة أو منع الجيش الصهيوني من استخدام تطبيقاتها لقتل الفلسطينيين فحسب، بل يتطلب العقد منها منع التحقيقات الجنائية التي تجريها دول أخرى في استخدام تكنولوجيتها، وتتطلب هذه التكنولوجيا تعاونًا وثيقًا مع أجهزة الأمن الصّهيونية (بما في ذلك التدريبات المشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية)، وهو أمر غير مسبوق في تعاملات غوغل مع المؤسسات والدّول الأخرى، وأثار بعض مالكي أسْهُم شركة غوغل مَخَاطِرَ هذه الصّفقة التي تجعل الشركة مسؤولة جنائيا عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب... واجه المسؤولون التنفيذيون في مجال الحوسبة السحابية بالشركة معضلة (كانون الثاني/يناير 2021)، قبل ثلاثة أشهر من فوز غوغل و أمازون بعقد نيمبوس الذي كان يسمى "Selenite" وهو من أهم المشاريع المربحة وتوقعت شركة غوغل أن ترتفع إيراداتها من العقد الذي وقّعته مع الكيان الصهيوني إلى 3,3 مليارات دولارا بين سنتي 2023 و 2027، ، ويتمثل في إنشاء مركز بيانات سحابي مخصص للجيش الصهيوني ولشركة الأدوية "تيفا" وبعض الشركات التي تقع تحت سيطرة الإستخبارات العسكرية الصهيونية، وتؤكد الوثائق الدّاخلية التي أشار إليها موقع نيويورك تايمز ( شباط/فبراير 2021) إن مسؤولي "غوغل" كانوا على دراية تامة باستخدام تطبيقاتها للخدمات السحابية لانتهاكات حقوق الإنسان من قِبَلِ أجهزة الأمن ووزارة الحرب والإستخبارات الصهيونية، كما ساعدت شركة غوغل شركات الصناعات العسكرية الصهيونية من خلال تقديم خدمات سحابية ( ضمن مشروع نيمبوس) لشركة الصناعات الجوية الصهيونية المملوكة للدولة والتي دَمَّرَتْ ذخائرُها غزة، كما تم استخدام مشروع نيمبوس في مصادرة أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية وتوزيعها على المُستوطنين الصهاينة، وتؤكد العديد من الوقائع تورُّط شركة غوغل ( وغيرها من الشركات "الغربية" ) في مساعدة الإحتلال الصهيوني على ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، مما أثار احتجاجات العاملين في شركَتَيْ "غوغل" و "أمازون"، وسبق أن أشار محامي "غوغل" ( إدوارد دو بولاي ) قبل توقيع العقد، في مُذكّرة مكتوبة بتاريخ العاشر من كانون الأول/ديسمبر 2020، مُوجّهة إلى مسؤولي الشركة "إذا فازت غوغل فسوف تضطر إلى قبول عقد غير قابل للتفاوض بشروط مواتية للحكومة الإسرائيلية... ونظراً لقيمة هذا المشروع وطبيعته الاستراتيجية، فإنه يحمل مخاطر محتملة كبيرة حيث يتضمن العقد حق الحكومة الإسرائيلية الأحادي الجانب في فرض تغييرات على العقد ولن تحتفظ غوغل بأي قدرة على مقاضاة [إسرائيل] للمطالبة بالتعويضات الناشئة عن الاستخدامات غير المسموح بها والانتهاكات". اعتبرت المحامية صدف دوست، من مركز القانون المناهض للعبودية "إن توفير خدمات التكنولوجيا المتقدمة من جانب غوغل وأمازون ويب سيرفيسز للحكومة الإسرائيلية من خلال مشروع نيمبوس، ينتهك بطبيعته التزامات كل شركة بواجبات العناية الواجبة بحقوق الإنسان... ( إذْ ) يتضمن المشروع بندًا يمنح المسؤولين الإسرائيليين سلطة تعديل شروط الاستخدام القياسية للشركات بطرق لم يتم توضيحها للجمهور." اشترت شركة غوغل شركة ( Wiz ) التي أسّسها أربعة ضُبّاط من وحدة الإستخبارات العسكرية النّخْبَوِيّة الصهيونية قبل خمس سنوات فقط، أي إنها امتداد للمخابرات الصهيونية وتُشغل أكثر من خمسين ضابط من هذه الوِحْدَة العسكرية، وسدّدت غوغل 32 مليار دولار وسوف تُمكّن الجيش الصهيوني من تملك واستخدام بيانات دولية حسّاسة، ولا تنفرد شركة غوغل بالعلاقات الوثيقة مع الإستخبارات العسكرية الصهيونية، بل سبق أن وظّفت شركات فيسبوك ومايكروسوفت وأمازون وكذلك أبرز وسائل الإعلام الأمريكية، مثل سي إن إن و أكسيوس، العديد من ضباط الجيش والإستخبارات الصهيونية وجواسيس لكتابة وإنتاج أخبار أمريكا عن الشرق الأوسط، غير إن خصوصية "غوغل" تتمثل في استثماراتها المُكثّفة في فلسطين المُحْتلّة... الولايات المتحدة وأوروبا - انتهاك حرية التعبير تحوّل اليمين الأمريكي والأوروبي خلال فترات الحرب على أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا وغيرها، كما بشأن العدوان الصهيوني ضدّ الشعوب العربية، من "مَعْقل حرية التعبير" إلى حَظْر التعبير والتّظاهر والإحتجاج وتجريم العمل النقابي والإجتماعي والسياسي، وأنشأ آليات قمع لبعض أنواع المعارضين للسياسات الرسمية، وظهرت الممارسات القَمْعية بجلاء، خلال العدوان الصهيوني المستمر منذ تشرين الأول/اكتوبر 2023، وهي آليات تحظى بدعم من أجهزة الدّولة وتقودها مؤسسات دعائية ( إيديولوجية ) ومالية تُشرف عليها المنظمات الأكثرَ تأييدًا للحروب العدوانية وللكيان الصّهيوني، وتُشكّل هذه الروابط شبكةً مترامية الأطراف من جماعات الضغط، ومليارديرات التكنولوجيا، ومؤسسات أكاديمية وبحْثية ومنظمات "غير حكومية" وشخصيات إعلامية تُعلي باستمرار من شأن المصالح الصهيونية على حساب مصالح الأمريكيين والأوروبيين "العاديين"، الكادحين والأُجَراء والفُقراء... تُقَدّم الفقرات الموالية نموذجًا للدّعايات الخبيثة التي تُشرف عليها مؤسسات وشبكات من "المانحين" ( المال قوام الأعمال) والتي تدعم بشكل علني ومفضوح الرّقابة وقمع حرية التعبير التي تقودها الدولة، ومَسْؤُولية الشركات العابرة للقارات (خصوصًا شركات التكنولوجيا والإتصالات ) في عمليات الإبادة الجماعية والمجازر الصهيونية ضدّ الشعوب العربية، وكذلك مسؤوليتها في القمع الدّاخلي لمُعارضي السياسات الرسمية في أمريكا الشمالية وأوروبا. الدّور التخريبي لبعض أنواع المنظمات "غير الحكومية" كان الكاتب والباحث ديفيد هورويتز - منذ أوائل القرن الحادي والعشرين - محور حركة إسمها "مركز ديفيد هورويتز للحُرّيّة" ( DHFC ) تأسست سنة 1998 وزعمت الدفاع عن حرية التعبير، بينما صوّرت المسلمين واليساريين بمثابة "التهديدات الوجودية للحضارة الغربية" في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، ودعا ديفيد هورويتز إلى تصنيف "الفلسطينيين" و"الإسلاميين" بشكل عنصري، وصرح بشكل سيء السمعة بأن "الفلسطينيين نازيون". كان مركز ديفيد هورويتز للحرية (DHFC) مَطِيّةً لجَمْع التبرعات من صناديق وشخصيات مشبوهة ولإنشاء شبكة إعلامية وسياسية ساهمت في تلميع سمعة معظم الشخصيات اليمينية المحافظة البارزة المؤيدة لدونالد ترامب، وموّل المركز حملات تشويه لبعض المنظمات الإنسانية الدّاعمة لحقوق الفقراء، سواء في الولايات المتحدة أو في الخارج، وموّل حملات إعلامية عنصرية تُمجّد التّفَوُّق العرقي الأبيض... ركّز ديفيد هورويتز ( توفي يوم 29 نيسان/ابريل 2025) جزءًا كبيرًا من نشاطه على الحرم الجامعي من خلال خطاباتٍ تحريضية معادية للإسلام ومؤيدة للكيان الصهيوني، ومُعارضة بشكل استفزازي للطلبة والباحثين الأجانب ولليسار وللمسلمين، وتمكّن من تأسيس شبكة تضم شخصيات يمينية مثل "بن شابيرو" الذي اشتهر بترويج خطاب الكراهية من خلال الموقع الإلكتروني "ثورة الحقيقة" الذي يترأسه، والذي يُموّله مركز ديفيد هورويتز للحرية، كما أسس بن شابيرو مع جيريمي بورينغ "ذا ديلي واير"، كما عمل كلاهما مع منظمات مرتبطة بدوائر استخباراتية صهيونية، قبل أن يوظفا جوردان بيترسون الذي يتبنّى موقفًا مؤيدا للكيان الصهيوني والتقى لاحقًا برئيس وزراء العدو بنيامين نتن ياهو... كما موّل مركز الحرية (DHFC ) نشاط العديد من الشخصيات اليمينية البارزة أو تحالف معها، بمن فيهم كبير استراتيجيي ترامب السابق ستيف بانون، ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، وباميلا جيلر، والسياسي الهولندي خيرت فيلدرز ( زعيم اليمين المتطرف )، وتلقى وزير الحرب الحالي في إدارة ترامب، بيت هيجسيث، 30 ألف دولار أمريكي كرسوم محاضرات ومكافآت من مركز الحرية بين سَنَتَيْ 2023 و2024... ساعد مركز هورويتز ( بالمال والدّعاية ) العديد من منظمات ومؤسسات اليمين المتطرف لتوسيع شبكة العداء للطبقة العاملة وللفقراء وللشعوب الواقعة تحت الإستعمار والإضطهاد، ومن بينها منظمة "نقطة تحول الولايات المتحدة الأمريكية"، ولعب المركز دور حلقة الوصل بين "المانحين" ووسائل الإعلام والبنية التحتية السياسية اليمينية المؤيدة للكيان الصهيوني... توسّعت هذه الشّبكة اليمينية المتطرفة والدّاعمة للكيان الصّهيوني، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وضمّ مركز ديفيد هورويتز للحرية (DHFC) إيلون ماسك الذي تدرّب – مع أَهْلِهِ - على العنصرية في جنوب إفريقيا وأصبح من كبار الدّاعمين للكيان الصهيوني ولدونالد ترامب، كما ضَمّ المركز قادة شركة "سبيس إكس" التي ساعدتها شركة رأس المال الاستثماري أندريسن هورويتز، التي شارك في تأسيسها بن هورويتز ــ نجل ديفيد هورويتز، في جَمْع 750 مليون دولار ( كانون الثاني/يناير 2023 ) وتمتلك شركة أندريسن هورويتز استثمارات في عدة شركات مرتبطة بالاستخبارات والمراقبة الصهيونية، بما في ذلك شركة توكا، التي أسسها رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إيهود باراك، وتعاونت شركة سبيس إكس نفسها مع شركات الأسلحة الصهيونية والشركات المرتبطة بالدولة مثل شركة إلبيت سيستمز، وشركة "الصناعات الجوية الإسرائيلية" (IAI)، وشركة إيماج سات إنترناشونال (ISI)، للمساعدة في إطلاق الأقمار الصناعية العسكرية، وضم "مركز ديفيد هورويتز للحرية" كذلك روبرت شيلمان، مؤسس شركة كوغنيكس، وهو أحد الممولين الرئيسيين لمركز الحرية، ودعم شيلمان ومؤسسته العائلية شخصيات يمينية متطرفة مثل لورا لومروبريدجيت غابرييل ومشروع فيريتاس، كما يتبرع لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) وهي مؤسسة فكرية للمحافظين الجدد لعبت دورًا محوريًا في الدفع نحو حروب تغيير الأنظمة في "الشرق الأوسط"، وتبرّعَ روبرت شيلمان بين سنتَيْ 2002 و 2013، بأكثر من 2,4 مليون دولار للجيش الصهيوني عبر "أصدقاء قوات الدفاع الإسرائيلية" (FIDF)، وهي "منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة تساعد أفراد الجيش الإسرائيلي"، وفق تعريفها الرّسمي، وكتبت صحيفة "غارديان"، سنة 2018، إن شيلمان قام بتمويل وظيفة تم إنشاؤها خصيصًا لدعم المحرض اليميني المتطرف تومي روبنسون، الذي حصل على راتب يبلغ حوالي 5000 جنيه إسترليني شهريًا للعمل في المنفذ الكندي Rebel Media، كما ضمّت الشّبكة معهد جيتستون المُختص في تمويل الدّعاية المناهضة للعرب وللمسلمين والمؤيدة للكيان الصهيوني، ودعمت مؤسسة جيتستون شخصيات يمينية متطرفة داعمة للكيان الصهيوني مثل دوغلاس موراي و روبرت سبنسر وبيل أكمان مُدير صندوق التحوط والعديد من ممن اشتهروا بالتشهير بالطلاب وأعضاء هيئة التدريس المؤيدين لفلسطين، وبالتّحريض ضدّهم بالعنف الجسدي وأدوات مراقبة الذكاء الاصطناعي لقمع كافة أشكال معارضة الرأسمالية والصهيونية. يوجد العديد من هؤلاء في دوائر القرار بإدارة دونالد ترامب، مثل بيل أكمان ومارك أندريسن اللَّذَيْن تم تعيينهما كمستشارين لإدارة ترامب في وزارة كفاءة الحكومة (DOGE) التي يرأسها إيلون ماسك، وكشفت العديد من التقارير الأمريكية، خلال حملة دونالد ترامب (ومنذ 2023) علاقات هذه الشبكة مع المجموعة الإرهابية الصهيونية "بيتار" التي تأسّست قبل قرن من قِبَل الزعيم الصهيوني زئيف جابوتنسكي، وكذلك رابطة الدفاع اليهودية (JDL)، التي كانت السلطات الأمريكية قد صنّفتها سابقًا منظمة إرهابية، ولكنها تمارس نشاطها الإرهابي والمُعادي للحُرّيّات بشكل "طبيعي"، والمتمثل في الترهيب وتهديد العلماء والأكاديميين البارزين والباحثين وومسؤولي الأمم المتحدة والشخصيات المؤيدة للفلسطينيين، ونشرت قوائم لأشخاص يتم تهديدهم بالترحيل والملاحقة القضائية في الولايات المتحدة، وأشادت علنًا باستهداف الجيش الصهيوني للمستشفيالت والطواقم الطبية وطواقم الإسعاف والصحافيين والنساء والأطفال والخيام التي يلجأ لها فلسطينيو غزة، وترتبط جميع هذه المنظمات والشخصيات بمركز ديفيد هورويتز للحرية الذي يَضُمّ كذلك رون توروسيان المسؤول التنفيذي للعلاقات العامة الإسرائيلي الأميركي ( أيباك) وهو كذلك من المُساهمين في مجلة FrontPage اليمينية المتطرفة... من حرية التعبير إلى الاستبداد هناك أشكال أخرى من الإستبداد وقمع الحُرّيّات، يُمارسها مُستثمرو شركات التكنولوجيا بوادي السيليكون وشبكة مُترابطة من مُقاولات الصناعات العسكرية والأمنية ومن "المانحين" وجميعهم من تشكيلات اليمين الأمريكي المُؤيّد للكيان الصهيوني الذي يحاول تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم ويُصوّر مُعارضة الصّهيونية "كتهديد للأمن القومي الأمريكي والغربي"، ويُبَرّر الرقابة والقوائم السوداء والمراقبة الحكومية، ما دامت تستهدف الخصوم الأيديولوجيين، وتمكّنت هذه الشبكة من تحويل انتقاد العقيدة الصّهيونية أو حتى بعض ممارسات الكيان الصهيوني إلى جريمة إسمها "مُعاداة السامية"، سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا، حيث تسارعت وتيرة القوانين التي تُهدد حرية التعبير، وافتخر رئيس وزراء العدو الصهيوني – خلال شهر شباط/فبراير 2020 – "إن إسرائيل تمكّنت من تمرير قوانين لمعاقبة أولئك الذين يقاطعون إسرائيل في معظم دول الإتحاد الأوروبي ومعظم الولايات الأمريكية"، وتعدّدت القوانين التي تُلزم المتعاقدين مع الدولة - سواءً كانوا أفرادًا أو منظمات - بإثبات معارضتهم لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) من خلال توقيع تعهدات تعاقدية بعدم دعمها، وهو ما يعتبره النقاد بمثابة "قَسَم ولاء لإسرائيل"، وفَقَدَ موظفو الدولة، بمن فيهم المعلمون، وظائفهم لرفضهم ذلك، ومنذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، تكثفت بشكل ملحوظ الجهود المبذولة لتجريم الآراء والأنشطة المُؤيّدة للفلسطينيين الذين يتعرّضون للإبادة الجماعية في غزة، بذريعة "التّوْعِية بمخاطر معاداة السّامية" في مؤسسات التعليم ووسائل الإعلام وأماكن الترفيه وممارسة الرياضة وغيرها من الأماكن العامة ، واعتَبَر اتحاد الحريات المدنية الأمريكية إن مثل هذه القوانين والإجراءات تُشكل خطرًا واضحًا وتَقْيِيدًا لحرية الطّلاّب وهيئات التّدريس خوفًا من فقدان التمويل الحكومي، ومع ذلك صوت 311 عضو في الكونغرس (مقابل 14 عضو) لصالح قانون يعتبر "معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية"، وهو ما فعله الكونغرس على نحوٍ مُفرط . صوّت 311 مُشرّعًا لصالح القرار، مقابل 14 مُشرّعًا فقط ضده. لا يقتصر الأمر على الولايات المتحدة، بل اجتاحت هذه الموجة اليمينية المتطرفة والصهيونية العديد من الدّول الأخرى (خصوصًا أعضاء حلف شمال الأطلسي) وفي ألمانيا بشكل خاص، حيث أصبح تقديس الكيان الصهيوني شرطًا للحصول على الجنسية وربما الإقامة في ألمانيا في وقت لاحق، وفي بريطانيا أصبحت تُهمة "تمجيد الأعمال الإرهابية" سيْفًا مُسلّطا على أي مُعارض لعمليات الإبادة الصهيونية، وأثارت موجة قمع الحريات حفيظة الأمم المتحدة التي دقّت ناقوس الخطر خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2024، واعتبرت هذه القوانين والممارسات "انتهاكًا للحريات الأساسية وللإتفاقيات الدّولية" وتقويضًا لحق التعبير السلمي عن الرأي، خصوصًا بعد الأحكام الثقيلة التي صدرت في بريطانيا وألمانيا بحق مواطنين أو مُقيمين وإبعاد البعض منهم والحكم بالسجن على آخرين، لمجرّد المُشاركة في احتجاجات قانونية داعمة لحقوق الفلسطينيين، بالتوازي مع ارتفاع حجم الإنفاق العسكري والأمني وارتفاع شعبية أحزاب اليمين المتطرف في بريطانيا وألمانيا ومعظم الدّول الأوروبية... دَوْر "الذّكاء الإصطناعي" في رَصْد وقَصْف الأهداف المدنية لم يبتكر الكيان الصّهيوني قصف دور العبادة (المساجد والكنائس) والمدارس والمُستشفيات ومواكب الأعراس أو الجنائز، لأن الكيان الصهيوني ابن الإمبريالية، وسبقته الإمبريالية الفرنسية والبريطانية في الإجرام، قبل أن تُبْدِع الولايات المتحدة في ارتكاب جرائم الحرب حدّ إلقاء القنابل النووية في اليابان والقنابل الحارقة في فيتنام واليورانيوم المُنضّب والفوسفور الأبيض في العراق، وللولايات المتحدة تاريخ طويل من القصف المتعمد للمستشفيات في جميع أنحاء العالم، وآخرها استهداف وتدمير مركز للسرطان وعلاج الأَوْرام في اليمن يومَيْ السادس عشر والرابع والعشرين من آذار/مارس 2025، وهي جريمة حرب واضحة ومقصودة في ظل الحصار وحَظْر دخول الدّواء والضروريات الأساسية، ولم يُثِر الخبر اهتمام وسائل الإعلام في الولايات المتحدة وأوروبا فضلا عن وسائل الإعلام التي يُموّلها شيوخ نفط الخليج... يُمثل هذا الهجوم استمرارًا لتقليد عريق وموثق جيدًا في استهداف الولايات المتحدة للمستشفيات، فففي آب/أغسطس 2017 قصفت الطائرات الأمريكية مستشفى الرّقّة في سوريا واستخدمت الفوسفور الأبيض ودمّرت – خلال أكثر من عشرين غارة - مولدات الكهرباء والمركبات والأقسام، مما أدى إلى تدمير المستشفى بالكامل، وقُتل ما لا يقل عن 30 مريض، وتجدر الإشارة إلى إن الفوسفور الأبيض سلاحٌ محظورٌ على نطاقٍ واسع، يشتعل فورًا عند ملامسته للأكسجين، ويلتصق بالملابس والجلد، ويحترق بدرجة حرارةٍ عاليةٍ للغاية، ولا يُمكن إخماده بالماء، مما يُسبب إصاباتٍ مبرحةً وقاتلةً للمصابين، وقبل ذلك بسنَتَيْن، خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر سنة 2015، شنّت الطائرات الأمريكية حملة قصف على مستشفى تابع لمنظمة أطباء بلا حدود في قندوز بأفغانستان. استُهدف مركز الصدمات، وهو أحد أحدث وأكبر وأشهر مباني المدينة، عمدًا؛ وكانت منظمة أطباء بلا حدود قد زوّدت الجيش بإحداثياته الدقيقة، وأدّت الغارات إلى قتل 42 على الأقل بين المرضى والعاملين بالمستشفى. في ليبيا، خلال رئاسة باراك أوباما، قصفت طائرات حلف شمال الأطلسي (الناتو) مدينة زليتن خلال شهر تموز/يلويو 2011، مما أدى إلى تدمير مستشفى المدينة، وقُتل خمسة وثمانون شخصًا، أما في العراق. فقد كانت الضربات الأمريكية على البنية التحتية المدنية أمرًا متكررًا، ولم تكن المستشفيات استثناءً، ولعل أبرز مثال على ذلك هو قصف مستشفى الهلال الأحمر للولادة في بغداد خلال شهر نيسان/ابريل 2003، كما أصابت صواريخ أميركية مجمعا في وسط المدينة يضم المستشفى، ما أدى إلى مقتل العديد وإصابة 25 شخصا على الأقل، بينهم أطباء، ويُوَفِّرُ المستشفى رعاية صحية بأسعار معقولة للطبقة العاملة العراقية، تَقِلُّ عشر مرات عن العيادات الخاصة في المدينة. وقد اكتسب سمعة طيبة كمستشفى ولادة من الطراز الأول، حيث كان يُولد 35 طفلًا في المتوسط يوميًا قبل الغزو، ولاحظت اليونيسف ارتفاعًا حادًا في وفيات الأمهات بعد القصف، ويعزى ذلك جزئيًا إلى نقص خدمات رعاية التوليد في بغداد. قبل أربع سنوات، خلال شهر أيار/مايو 1999 ( خلال رئاسة ويليام أو بيل كلينتون )، ألقت طائرات حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة ذخائر عنقودية على سوق ومستشفى في مدينة نيش اليوغوسلافية، مما أسفر عن مقتل 15 شخصًا على الأقل وإصابة 60 آخرين، وفقًا لمدير المستشفى، وكما الفوسفور الأبيض فإن الذخائر العنقودية محظورة بموجب القانون الدولي، ومع ذلك نقلت الولايات المتحدة كميات كبيرة منها، بين سنتَيْ 2023 و 2024، إلى أوكرانيا لاستخدامها ضد القوات الروسية، كما شنت الطائرات الأمريكية سنة 1998 – خلال رئاسة كلينتون - هجومًا على مصنع الشفاء للأدوية في السودان، وكان المصنع، قبل تدميره، يُنتج أكثر من نصف الأدوية السودانية، بما في ذلك المضادات الحيوية الأساسية وأدوية الملاريا والإسهال، وادّعت البروباغندا الأمريكية إن المصنع كان ينتج السّلاح، وقبل ذلك شنت القوات الأمريكية خلال شهر حزيران/يونيو 1993 ( رئاسة كلينتون) هجومًا على مستشفى ديغفر في مقديشو، عاصمة الصومال وقصفت الطائرات الأمريكية المراسلين والمصورين الذين حاولوا تغطية الهجوم... قصف الجيش الأمريكي العديد من المستشفيات في أمريكا الجنوبية، في غرينادا سنة 1983 وسلفادور بين سنتيْ 1981 و 1984 ثم سنة 1989 في آسيا خلال الحروب الأمريكية في فيتنام وكمبوديا ولاوس (الهند الصينية)، كان قصف المستشفيات بمثابة سياسة رسمية للولايات المتحدة...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرارات الحمائية الأمريكية في سياق ارتفاع الدّيون العالمية
-
كشمير – خفايا وخلفيات الصّراع
-
تونس: ملاحظات بشأن الوضع الحالي
-
اليمن: مقاومة غيرت موازين القوى
-
مُتابعات - العدد الثالث والعشرون بعد المائة بتاريخ العاشر من
...
-
بإيجاز – غزة، خبر وتعليق
-
ذكرى مجازر الثامن من أيار 1945 بالجزائر
-
-الأضْرار الجانبية- للحرب الإقتصادية الأمريكية – الجزء الثان
...
-
-الأضْرار الجانبية- للحرب الإقتصادية الأمريكية – الجزء الأول
-
إعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي - الجزء الثاني
-
إعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي – الجزء الأول
-
مُتابعات - العدد الثاني والعشرون بعد المائة بتاريخ الثالث من
...
-
علاقة المذهب المسيحي البروتستانتي بالصهيونية
-
الأول من أيار/ مايو 2025 تكريمًا للعمال غير المستقرين
-
فيتنام 30 نيسان/ابريل 1975 – 2025
-
أوروبا - باسم الدّيمقراطية!
-
مكانة إفريقيا في الأطماع الدّولية سنة 2025 - 3
-
مكانة إفريقيا في الأطماع الدّولية سنة 2025 - 2
-
مُتابعات - العدد الواحد والعشرون بعد المائة بتاريخ السّادس و
...
-
مكانة إفريقيا في الأطماع الدّولية سنة 2025 - 1
المزيد.....
-
مصر.. حكم قضائي بإيداع نجل محمد رمضان في دار رعاية
-
ترامب لديه -مشكلة صغيرة- مع رئيس آبل تيم كوك بشأن خطط تصنيع
...
-
دردشة حول أصول التورتيلا المدريدية بين إيفا لونغوريا ومراسل
...
-
بالصور.. من رافق ترامب بزيارة بيت العائلة الإبراهيمية في أبو
...
-
اللقطات الأولى من داخل المفاوضات الروسية الأوكرانية في إسطنب
...
-
قاعدة العديد في قطر: أكبر قاعدة جوية أمريكية في الخارج
-
هدايا واستثمارات وصفقات بتريليونات الدولارات: هكذا عاد ترامب
...
-
70 مهنة محظورة على اللاجئ الفلسطيني في لبنان.. تعرّف عليها
-
لقاء روسي أمريكي قبيل المفاوضات المباشرة مع أوكرانيا في إسطن
...
-
وفاة متسلقين هندي وفلبيني على جبل إيفرست
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|