أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - الشهبي أحمد - -المتشابهون-: احتجاج ناعم على صمت الأجيال














المزيد.....

-المتشابهون-: احتجاج ناعم على صمت الأجيال


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 15:15
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


في رواية "المتشابهون"، يخطو أحمد طايل خطوة هادئة لكنها واثقة نحو قلب التحولات الاجتماعية المعاصرة، عاقدًا العزم على مساءلة ما يُظن أنه ثابت: العلاقات، القيم، والهوية. ومنذ عتبة العنوان، يشرع القارئ في تلقي عمل يتجاوز السرد إلى التأمل، إذ لا يبدو "التشابه" عند طايل مجرد تقاطع في الملامح أو الحكايات، بل هو استعارة كبرى تعيد مساءلة مفهوم "الواحد المتعدد"، "الجيل المنقسم"، و"المرآة التي لا تعكس سوى الغياب".

يُجسد طايل تشابك الأجيال بأسلوب فني يعيد تشكيل بنية الأسرة العربية في لحظة ما بعد حداثية، حيث لم يعد "الجد" حامل الحكمة، ولا "الحفيد" تكرارًا مخلصًا لأصله. في هذا السياق، يظهر السرد وكأنه شريط ممتد، يحاول فيه السارد أن يقبض على جوهر التبدلات المتلاحقة، عبر شخصيات تبدو للوهلة الأولى نماذج نمطية، لكنها سرعان ما تتجاوز ذلك لتصبح نقاط ارتكاز لتجريب فلسفي ناعم. ثنائية الجد والحفيد، الأب والابن، لا تُقدَّم بوصفها علاقات بيولوجية فقط، بل تُعاد صياغتها رمزيًا، في نوع من المحاكمة الرمزية للزمن.

الرواية محكومة بإيقاع خاص، إيقاع التكرار الماكر، حيث تعود الجمل والأفكار على نحو يوهم بالاستقرار، لكنه يخفي تحت سطحه تمردًا خفيًا. التكرار هنا ليس عيبًا سرديًا بل أداة استبطانية، تُمارس وظيفتها في تعرية المعنى وإفراغ الكلمات من زخرفها الزمني. كل عودة إلى جملة سابقة هي عودة مثقلة بالتحول، بالمفارقة، وبالإقرار بأن التشابه قد يكون وهما كبيرًا، وأن الثابت ليس إلا متغيرًا في ثوب قديم.

يستلهم طايل مرجعيات ثقافية وفنية متباينة، من أم كلثوم إلى درويش، من الحنين الشعبي إلى الموروث الأدبي، دون أن ينزلق إلى المباشرة أو البكائيات. بل يمنح هذه الرموز أدوارًا وظيفية في بناء المشهد الثقافي الذي تنهض عليه الرواية، في محاولتها العميقة لاستعادة ما ضاع، لا عبر تمجيده، بل عبر مساءلته بلطف، وبنبرة حزينة أشبه بنداء من مكان بعيد.

اللغة في "المتشابهون" ذات نبرة شفافة، تحاكي البوح، ولا تختبئ خلف الزخرفة. لكنها في الآن ذاته مشحونة بدينامية داخلية تجعل من البساطة حيلة بلاغية، لا ضعفًا لغويًا. الجملة الروائية عند طايل تتقاطع مع الشعر، لا في التفعيلة، بل في الإيقاع الداخلي، وفي قدرتها على احتواء الهاجس الوجودي داخل تجربة يومية مألوفة.

رغم كل ما تتيحه الرواية من تأملات، فهي لا تغرق في التجريد. ثمة قصص تُروى، وشخصيات تتحرك، وحيوات تُستعاد، لكنها كلها تُساق لتخدم سؤالًا واحدًا: ما الذي يجعلنا "نبدو" متشابهين بينما نحن نتمزق بصمت؟ في هذا الإطار، تتحول الرواية إلى ما يشبه "مانفيستو سردي" ضد الاستنساخ الثقافي، وضد الاغتراب الذي يرتدي ثياب الألفة.

الرهان في هذا العمل ليس فنيًا فقط، بل هو رهان على ذاكرة جمعية مهددة بالتآكل، على مجتمعٍ يعيش على الحنين ولا يجرؤ على مساءلته. وبهذا المعنى، فإن "المتشابهون" ليست فقط سردًا لوقائع، بل هي احتجاج ناعم على صمتٍ طويل، ونداءٌ إلى جيل لم يعد يشبه أحدًا، ولا حتى نفسه.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في -عيد ميلاد ميت- لأحمد طايل: حين يتحوّل الموت إلى طق ...
- حين يرقص التعليم على جراحه
- الوطن ككابوس وحلم: تأملات في تناقضات الرواية المغربية «الوطن ...
- حين انفجرت الدار البيضاء... واهتزّ قلب الوطن
- -الطلياني: عندما يصبح العقل آخر ملاذ للبقاء- ـ قراءة نقدية و ...
- الأستاذ... من القسم إلى تيك توك
- حين تُطل الحرب من نافذة كشمير: العالم على حافة الزر النووي
- الكيان الصهيوني: مشروع اغتصاب لا وطن
- الجابري... عقل لا يُنسى
- في حضرة صاحبة الجلالة
- شكراً بنكيران… لقد بلغت من الشعب مبلغ الميكروبات
- طنجة: مرآة الروح المكسورة - قراءة نقدية وتحليلية لرواية -الس ...
- ربة البيت: عاملة بلا أجر في وطن لا يعترف بها
- العيد الذي لا يخص أحدً
- مفقوص على الأساتذة؟ ليتك وقفت معهم بدل أن -تتألم-
- نقابتنا العزيزة... رفيقة درب الأتراك
- ملتحٍ؟ إذن أنت مشتبه فيه
- حين يُمسك التراب بالذاكرة: قراءة في وجع الإنسان وهشاشة المصي ...
- حَفْرُ الذاكرة في جدار الصمت: تزمامارت وتشريحُ الإنسانيّ عبر ...
- تشريح الصمت: قراءة نقدية وتحليلية لرواية المريضة الصامتة


المزيد.....




- أردوغان يستقبل أحمد الشرع في إسطنبول
- لحظة استقبال الرئيس التركي لأحمد الشرع في إسطنبول
- أعداد قياسية من الأمريكيين تطلب الجنسية البريطانية منذ عودة ...
- تكتيكات بوتين بين مهادنة الأمريكيين ومراوغة الأوروبيين
- أردوغان خلال لقاء مع الشرع: احتلال إسرائيل وعدوانها على الأر ...
- عملية تبادل شملت 270 أسير حرب و120 مدنيا بين روسيا وأوكرانيا ...
- شركة بوينغ تقبل بدفع غرامة بقيمة 1.1 مليار دولار لتجنب المتا ...
- في ختام مهرجان كان... تحقيق في احتمال انقطاع الكهرباء بسبب ح ...
- -50 ألف كفن من أجل غزة-.. حملة في إيطاليا للتنديد بما يجري ف ...
- صحف عالمية: الانقسامات تنخر إسرائيل وعنف المستوطنين مستمر با ...


المزيد.....

- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - الشهبي أحمد - -المتشابهون-: احتجاج ناعم على صمت الأجيال