طوفان الأقصى 594 - ترامب في قطر

زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 00:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا

*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

أوليغ سيرغييف
كاتب صحفي ومحلل سياسي
مؤسسة الثقافة الاستراتيجية

17 مايو 2025

"قطر في جولة ترامب بالشرق الأوسط: غياب العقوبات وحياة هادئة للسلالة الحاكمة مقابل هدايا باهظة، إستثمارات وطلبات"

في 14 مايو، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارته إلى الدوحة، عن أكبر صفقة في التاريخ مع شركة الخطوط الجوية القطرية، تشمل شراء طائرات من شركة بوينغ، وقد وصفها ترامب بأنها "فوق كل التوقعات". جاء هذا الإعلان على خلفية مفاوضات متعددة الأطراف وافقت قطر خلالها أيضاً على الإستثمار في التكنولوجيا الأمريكية، بما في ذلك الذكاء الإصطناعي والطاقة المتجددة.

تأتي قطر كثاني محطة بعد السعودية ضمن جولة ترامب الحالية في الشرق الأوسط. وقد إستُقبل ترامب في الدوحة من قبل الأمير تميم بن حمد آل ثاني، ليصبح بذلك أول رئيس أمريكي يقوم بزيارة رسمية لقطر.

تم الإتفاق على تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين، إلى جانب إستثمارات قطرية محتملة تتجاوز قيمتها 38 مليار دولار، سيخصص جزء منها لدعم قاعدة العيديد الجوية، التي تُعد الأكبر في الشرق الأوسط وتضم أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي. ووفقاً للبيانات، أنفقت قطر منذ عام 2003 أكثر من 8 مليارات دولار على صيانة هذه القاعدة. وقد مدّد البنتاغون مؤخرًا الإتفاق بشأنها لعقدٍ آخر، نظراً لأهميتها اللوجستية في المنطقة.

كما تم الإعلان عن صفقات إقتصادية تبلغ قيمتها الإجمالية 243.5 مليار دولار، تمثل أساساً لإتفاق مستقبلي شامل للتبادل الإقتصادي بقيمة 1.2 تريليون دولار، أُبرم بشكل إستشرافي بين الولايات المتحدة وقطر. وصرّح ترامب أن مثل هذه الإتفاقيات "تعزز إزدهار البلدين".

ووفقاً للبيت الأبيض، تتضمن الصفقة ما يلي:
1. شراء 8 طائرات مسيرة MQ-9B من شركة General Atomics الأمريكية بقيمة نحو 2 مليار دولار؛

2. شراء أنظمة مضادة للطائرات المسيّرة من شركة Raytheon مقابل 1 مليار دولار؛

3. طلبية ضخمة من قبل شركة Qatar Airways تتجاوز 200 مليار دولار لشراء 160 إلى 210 طائرات من طراز Boeing 787 Dreamliner و777X، مزوّدة بمحركات GE Aerospace.

أثار توقيع هذه الصفقة أثناء زيارة ترامب إلى قطر، خاصة الشق المتعلق بشركة بوينغ، ردود فعل غاضبة في صفوف خصومه الديمقراطيين، الذين إتهموا فريقه، ومن بينهم النائبة العامة الحالية بام بوندي، بممارسة لوبي غير رسمي لصالح الدوحة ووجود علاقات مشبوهة قديمة معها. كما كشفت هذه الحملة الإعلامية عن الأزمة التي تعاني منها شركة بوينغ.

إتضح أن الشركة أنهت عام 2024 بخسائر تجاوزت 12 مليار دولار، وتخطّت ديونها 50 مليار دولار، فيما تفوقت شركة إيرباص الأوروبية عليها في تسليم الطائرات بمعدل الضعف. لهذا السبب، تحرص إدارة ترامب على ضخ المزيد من العقود العسكرية في شرايين بوينغ، وإقناع دول الخليج والصين بشراء طائرات أمريكية.

ومع ذلك، يُقر الديمقراطيون بأن العلاقات بين فريق ترامب والقطريين لعبت دوراً في إبرام صفقة الطائرات. كما أن الصفقة تُعد الأضخم في تاريخ طلبات بوينغ للطائرات ذات الهيكل العريض، ودعمها لـ154 ألف وظيفة سنوياً في الولايات المتحدة.

وبالتالي، فإن الدوحة لم تعد بحاجة للقلق من أي عقوبات أمريكية جديدة – على الأقل ما دام فريق ترامب في الحكم. أما ترامب نفسه، فيسعى إلى تسويق هذه الصفقات أمام ناخبيه كدليل على جذب إستثمارات أجنبية ضخمة في قطاع الصناعة، حتى لو كانت الأرقام مبالغاً فيها لغرض الدعاية.

في هذا السياق، أفادت وكالة رويترز أن العائلة الحاكمة القطرية أهدت ترامب طائرة Boeing 747-8 فاخرة تبلغ قيمتها نحو 400 مليون دولار، معتبرة إياها من أغلى الهدايا التي تلقاها رئيس أمريكي من حكومة أجنبية.

لكن، رغم ضخامتها، فإن الأرقام التي أعلن عنها في الصفقة تثير الشك. فحتى أغلى طائرات بوينغ لا تتجاوز عادة 300-400 مليون دولار، مما يعني أن لبلوغ مبلغ 200-240 مليار دولار، يجب طلب 500 إلى 700 طائرة – أي نصف الأسطول الصيني من بوينغ! بل ويمكن شراء أكثر من 1000 طائرة من الطرازات المتوسطة. فلماذا تحتاج قطر لهذا العدد؟ وكم من الوقت سيستغرق تصنيعها؟ هل سيتغير كل شيء – السياسة، الأسعار، بوينغ نفسها، وربما حتى الدولار – خلال هذه العقود؟

الأرجح أن ما يجري ليس إلا إستعراضاً جديداً بالأرقام المبهرة، هدفه رفع أسهم الشركات وتلميع صورة إدارة ترامب إقتصادياً، وربما صرف الأنظار عن فشل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، لا سيما في ما يتعلق بإيران، وحتى مع قطر، التي تواجه إنتقادات في واشنطن – من الديمقراطيين والجمهوريين – بسبب علاقاتها بحركة حماس.

يحاول ترامب التملص من هذه الإشكاليات عبر تحويل الأنظار إلى روسيا وأوكرانيا، وتقديم إشادة مبالغ فيها بجهود الأمير تميم في "حل الصراعات الدولية"، قائلاً:
«أعرف الشيخ تميم منذ زمن طويل وأثق تماماً في جهوده لحل العديد من النزاعات والأزمات الدولية. قضيت ساعات معه ناقشنا خلالها الحرب بين روسيا وأوكرانيا وغيرها من القضايا. أشعر بثقة كبيرة، ولدي حدس قوي بأن كل شيء سيتحقق بفضل الشيخ تميم".»

لكن، ما هي الجهود التي يبذلها الشيخ تميم "لإنقاذ العالم" من حرب قد تندلع في أي لحظة؟ ليس في أوكرانيا البعيدة عن قطر، بل في منطقته شديدة الحساسية؟ عن هذا لم يقل ترامب شيئاً.

ووفقاً للإعلام الإسرائيلي (مثل "يسرائيل هيوم")، فإن الهدف الحقيقي من زيارة ترامب لمنطقة الخليج هو التوصل إلى "صفقة كبرى" سياسية تتعلق بغزة وترتيب النظام الجديد في الشرق الأوسط، لا مجرد صفقات إقتصادية.

وقد أصدر ترامب أثناء زيارته للدوحة تصريحات توحي ببرود في العلاقات مع إسرائيل، مقابل تقارب جديد مع قطر. وكان أبرز هذه التصريحات قوله أمام رجال أعمال قطريين إن الولايات المتحدة تريد "أخذ" غزة وتحويلها إلى "منطقة حرّة" – علماً أن قطر كانت ترفض سابقاً هذا المقترح من فريق ترامب الذي يتضمن نقل سكان غزة مؤقتاً. كما هدد ترامب الحوثيين في اليمن بتجدد القصف في حال إستمروا في مهاجمة السفن في البحر الأحمر.

أما بشأن إيران، فقد صرّح ترامب بأن فشل المفاوضات السلمية حول البرنامج النووي الإيراني سيؤدي إلى خيار عسكري، وهو ما لا يرغب به شخصياً. وتُعد هذه التصريحات محاولة لصرف الإنتباه عن جوهر المحادثات الجارية في سلطنة عُمان، والتي تدور حول مستقبل الإتفاق النووي. فواشنطن تطالب بالتفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني، فيما ترفض طهران ذلك. الأمريكيون يهددون بقصف المنشآت النووية، والإيرانيون يهددون بضرب البنية التحتية النفطية في الخليج.

ومع ذلك، يوحي ترامب بأنه قد تم التوصل إلى تفاهم جديد مع إيران حول عدم إمتلاكها للسلاح النووي – دون إشراك نتنياهو أو إسرائيل. خصوصاً أن ترامب، في جولته الحالية، يزور أهم "الخطوط الحمراء" المجاورة لإيران: السعودية، الإمارات، وقطر.

وقد أكد ترامب أنه يُجري حالياً "مفاوضات جدية جداً مع إيران بشأن سلام طويل الأمد"، مشيراً إلى أن "الكثيرين يريدون الحرب مع إيران، أما أنا فلا. أريد عقد صفقة".


-----

يتبع ... ترامب في الإمارات

#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل