العيد 80 للنصر - الجزء الثامن - يفغيني سبيتسين: -لو لم تكن الدبلوماسية الستالينية، لكانت ألمانيا قد هاجمت الإتحاد السوفياتي عام 1939-

زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8342 - 2025 / 5 / 14 - 14:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع


*إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

أندريه ساموخين
كاتب صحفي روسي
جريدة "كولتورا"

29 أغسطس 2017

لا تزال الحرب العالمية الثانية سببًا للنقاشات والتلاعب السياسي. على سبيل المثال، أعلن وزير الخارجية البولندي فيتولد فاشيكوفسكي مؤخرًا زعمًا قديمًا عن "المسؤولية المتساوية" للإتحاد السوفياتي وألمانيا النازية في بدء المأساة. ومع ذلك، يتفق العلماء بشكل متزايد على أن الحرب لم تبدأ في الأول من سبتمبر 1939، كما يُذكر في الكتب المدرسية، بل قبل ذلك بعامين.
للحديث عن الخلافات في التسلسل الزمني، تحدثنا مع المؤرخ والمعلم، مستشار رئيس جامعة موسكو التربوية الحكومية يفغيني سبيتسين.

كولتورا: في رأيك، متى وأين بدأت الحرب العالمية الثانية؟
سبيتسين: بعض الزملاء يشيرون إلى عام 1931، عندما هاجمت اليابان الصين لأول مرة وإنتزعت منها منشوريا. لكن معظم المؤرخين يميلون إلى أن الحرب بدأت في يوليو 1937، عندما أشعل النزاع على جسر ماركو بولو "الحرب اليابانية الصينية الثانية". بالمناسبة، إنتهت الحرب العالمية الثانية في 2 سبتمبر 1945 بإستسلام اليابان، وهذا أمر لا ينكره أحد. لذا فإن المنطق واضح: بدأ الحدث الرئيسي في القرن العشرين بعدوان ياباني وإنتهى بإستسلامها. كما أن الإتحاد السوفياتي دُفع إلى هذه الحرب أيضًا، كما يتضح من نزاع بحيرة خاسان عام 1938 وأحداث خالخين غول صيف 1939. وفي الوقت نفسه، إنتُهك القانون الدولي (معاهدة فرساي) بصمت بموافقة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، حيث ضُمت النمسا، وأُعيد بناء الجيش الألماني (الفيرماخت)، إلخ.

كولتورا: هل تم التنسيق بين الشرق والغرب لتفجير أوروبا؟
سبيتسين: نعم. أذكر أن المارشال الفرنسي فرديناند فوش قال بعد قراءة معاهدة فرساي إنها "هدنة لمدة 20 عامًا". كانت شروط المعاهدة مهينة لدرجة دفعت ألمانيا نحو الانتقام. بالإضافة إلى ذلك، فإن رسم حدود جديدة في أوروبا دون مراعاة التوزيع العرقي زرع العديد من "ألغام" الصراع المستقبلي. كما أن التناقضات التي أدت إلى الحرب العالمية الأولى لم تختفِ، بل زاد عليها وجود الإتحاد السوفياتي — أول دولة إشتراكية في العالم، التي سعت جميع الدول الرأسمالية إلى خنقها رغم خلافاتها الداخلية.

بريطانيا كانت القوة الأولى آنذاك، وتوترت علاقات لندن مع موسكو منذ عام 1927، واستمر العداء حتى توقيع التحالف ضد هتلر. كانت الحرب وشيكة في أوروبا، وحاولت الدبلوماسية السوفياتية إنشاء نظام أمن جماعي، لكن دون جدوى. حتى أن وزير الخارجية الفرنسي لويس بارتو حاول التحرك، لكنه أُبعد عن المشهد عام 1934. وبموافقة فرنسا وبريطانيا، أعاد النازيون بناء الفيرماخت عام 1935-1936، ودخلت القوات الألمانية منطقة الرور والراين. بل إن برلين ولندن وقعتا عام 1935 اتفاقية بحرية أثارت غضب باريس وروما، لأنها سمحت لألمانيا بإعادة بناء أسطولها الحربي.

كولتورا: هل يمكن إعتبار بولندا من الدول التي أشعلت الحرب؟
سبيتسين: بالتأكيد. في البداية، رأت القوى الكبرى في بولندا "القوة الضاربة" ضد الإتحاد السوفياتي. فقد حكمها نظام نازي عدواني منذ 1926، وكانت علاقتها بألمانيا ودية حتى وفاة يوزف بيلسودسكي. عام 1934، وقع بيلسودسكي وهتلر ما يشبه معاهدة تحالف موجهة ضد موسكو. حتى أن بولندا إقترحت على ألمانيا تقسيم تشيكوسلوفاكيا، حيث أرسلت "متطوعين" إلى منطقة تشيشين، بينما كانت ألمانيا تعد إنقلابًا نازيًا في السوديت.

عرض الإتحاد السوفياتي مساعدة تشيكوسلوفاكيا شريطة مرور الجيش الأحمر عبر بولندا ورومانيا، لكن الدولتين رفضتا. بل إن بولندا أجرت مناورات عسكرية إستفزازية على الحدود السوفياتية. وفي 30 سبتمبر 1938، وُقع "إتفاق ميونخ" المخزي بين القوى الكبرى وألمانيا، مما أعطى هتلر حرية التحرك شرقًا. وفي مارس 1939، تحولت تشيكوسلوفاكيا إلى "محمية بوهيميا ومورافيا" دون مقاومة، بينما أُنشئت في سلوفاكيا دولة موالية للنازية بقيادة فويتيك توكا. وفي سبتمبر 1939، دمر هتلر بولندا في أسبوعين، بمشاركة سلوفاكيا، التي أرسلت لاحقًا قواتها إلى الإتحاد السوفياتي.

كولتورا: يحاول بعض المؤرخين الغربيين، مثل ريزون-سوفوروف، إتهامنا بـ "إتفاقية عدم الاعتداء" بين الإتحاد السوفياتي وألمانيا...
سبيتسين: هناك أدلة دامغة على أن خطة غزو بولندا (الخطة "وايس") وُضعت في الأركان الألمانية قبل الإتفاقية، وقّعها هتلر في أبريل 1939. كما أن بريطانيا وفرنسا أعلنتا الحرب على ألمانيا في 3 سبتمبر دون أي تحركات عسكرية، رغم إمكانية ضربها من الخلف. المفاوضات السوفياتية مع لندن وباريس فشلت لأن المبعوثين الغربيين لم يكن لديهم صلاحية التوقيع.

إتفاقية عدم الإعتداء السوفياتية-الألمانية كانت الأخيرة في سلسلة إتفاقيات مماثلة وقعتها دول البلطيق أيضًا. فوجئ البريطانيون بالإتفاقية، خاصة أنهم كانوا يدفعون هتلر شرقًا. حتى أن اليابان، الغاضبة من الإنتهاك الألماني لـ "حلف مناهضة الكومنترن"، وقعت مع الإتحاد السوفياتي معاهدة حياد في أبريل 1941.

أما عن "البروتوكولات السرية" لإتفاقية مولوتوف-ريبنتروب، فلا يوجد دليل على صحتها. الوثيقة الوحيدة هي "ميكروفيلم فون ليش" الذي سلمه للحلفاء عام 1945، ولم يُعترف به في محكمة نورنبيرغ. هي تزوير من الدبلوماسية الألمانية. عام 1948، كُشف في موسكو عن تزوير الغرب لمحاولة إتهام الإتحاد السوفياتي بإشعال الحرب. اليوم، يكرر المزورون نفس الأكاذيب، مثل إتهام السوفيات بـ "إحتلال" غرب بيلاروسيا وأوكرانيا. لكن التحرك السوفياتي في 17 سبتمبر 1939 (بعد سقوط بولندا) أعاد الأراضي التي سُلبت عام 1921 بموجب "خط كيرزون". حتى تشرشل إعترف بشرعية هذا الإجراء.

كولتورا: هل كان هتلر يخطط لحرب مع بريطانيا عام 1940، بينما رأى الإتحاد السوفياتي حليفًا مؤقتًا؟
سبيتسين: في نوفمبر 1940، عندما زار مولوتوف برلين، عرض هتلر على موسكو الإنضمام إلى "حلف مناهضة الكومنترن"، وهو أمر سخيف. ثم إقترح تقسيم النفوذ: أوروبا لألمانيا، أفريقيا لإيطاليا، والشرق للإتحاد السوفياتي. لكن موسكو كانت تماطل لكسب الوقت. لو لم تكن الدبلوماسية الستالينية، لهاجمت ألمانيا الإتحاد السوفياتي عام 1939، بينما تضربه اليابان من الشرق.

كولتورا: هل يجب تعديل الكتب المدرسية حول تاريخ بداية الحرب؟
سبيتسين: نعم. بعد النصر، إستجبنا لضغوط الحلفاء، لكن منذ خطاب تشرشل في فولتون، نتهم بمسؤوليتنا عن الحرب بينما يُبيض تاريخ النازية. يجب أن نرد. التاريخ علم سياسي، ويجب ألا نتردد في الخروج من الإطار الأكاديمي. روسيا بحاجة إلى دعاية مضادة. عندما يحدد البرلمان الأوروبي يوم 23 أغسطس (يوم توقيع اتفاقية مولوتوف-ريبنتروب) يومًا "لضحايا الستالينية والنازية"، فهذا تحرك معادٍ لروسيا. يجب أن نرد بمبادرات مثل يوم ذكرى ضحايا "مؤامرة ميونخ" أو ضحايا العدوان الأمريكي.

كولتورا: هل لدينا حلفاء أجانب في هذه المعركة؟
سبيتسين: نعم. أولهم الصين، التي فقدت أكبر عدد من الضحايا. قد تدعمنا فيتنام ودول شرقية أخرى، وكذلك النمسا، التشيك، صربيا، اليونان، وحتى فرنسا.

#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل