أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - العيد 80 للنصر – الجزء الرابع عشر – لماذا أجلت بريطانيا والولايات المتحدة فتح الجبهة الثانية ضد هتلر؟















المزيد.....


العيد 80 للنصر – الجزء الرابع عشر – لماذا أجلت بريطانيا والولايات المتحدة فتح الجبهة الثانية ضد هتلر؟


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 18:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


*إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف *

ألكسندر سامسونوف
كاتب صحفي ومحلل سياسي
مؤرخ وخبير عسكري روسي

6 يونيو 2024

مسألة افتتاح الجبهة الثانية

تم طرح مسألة افتتاح الجبهة الثانية لأول مرة بشكل رسمي في الرسالة الشخصية التي وجهها رئيس الحكومة السوفياتية جوزيف ستالين إلى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في 18 يوليو 1941(أي بعد 4 أسابيع من بداية الهجوم الألماني-ZZ). ورحب ستالين بإنشاء علاقات تحالف بين الإتحاد السوفياتي وبريطانيا، معربًا عن ثقته بهزيمة العدو المشترك، لكنه أشار إلى أن الوضع العسكري للدولتين سيتحسن بشكل كبير إذا تم إنشاء جبهة ضد ألمانيا في الغرب (شمال فرنسا) وفي الشمال (المنطقة القطبية). كان من شأن هذه الجبهة أن تشتت قوات ألمانيا الكبيرة من الجبهة الشرقية وتجعل غزو هتلر لبريطانيا مستحيلًا.

رفض تشرشل إقتراح ستالين، بحجة نقص القوات وخطر "هزيمة دموية" لأي عملية إنزال. على الرغم من ذلك، كان البريطانيون يدرسون إمكانية إنزال قوات في النرويج لمنع الألمان من احتلال السويد مع مواردها الاستراتيجية.

في سبتمبر 1941، وفي خضم أزمة عسكرية خطيرة على الجبهات، عاد ستالين مرة أخرى إلى مسألة الجبهة الثانية. في رسائله المؤرخة في 3 و13 سبتمبر 1941، كتب ستالين لتشرشل أن ألمانيا نقلت أكثر من 30 فرقة مشاة جديدة إلى الجبهة الشرقية، بالإضافة إلى عدد كبير من الطائرات والدبابات، كما حثت حلفاءها على زيادة نشاطهم، مما أدى إلى فقدان الإتحاد السوفياتي لأكثر من نصف أوكرانيا ووصول العدو إلى لينينغراد. وأوضح ستالين أن القيادة الألمانية إعتبرت "الخطر من الغرب خدعة" (وهو ما كان صحيحًا) ونقلت جميع قواتها إلى روسيا بكل أمان.

أصبحت ألمانيا قادرة على هزيمة أعدائها واحدًا تلو الآخر: أولًا الإتحاد السوفياتي، ثم بريطانيا. وهذا أعطى بريطانيا فرصة ممتازة لفتح جبهة ثانية. ومع ذلك، إعترف تشرشل بأن العبء الأكبر في الحرب ضد ألمانيا يقع على الإتحاد السوفياتي، لكنه أعلن أن فتح جبهة ثانية "غير ممكن".

نجاحات الجيش الأحمر وفرص جديدة

أتاح نجاح الجيش الأحمر في شتاء 1941-1942 فرصًا جديدة لفتح الجبهة الثانية. فقد تمكن الروس من الدفاع عن لينينغراد وموسكو، كما وجهوا ضربات مضادة مؤلمة للألمان. وأفاد وزير التموين اللورد بيفربروك للجنة الحرب البريطانية أن مقاومة الروس تمنح بريطانيا فرصًا جديدة، حيث خلق الصمود السوفياتي "وضعًا شبه ثوري في جميع الدول المحتلة وفتح 2000 ميل من السواحل أمام إنزال القوات البريطانية".

لكن القيادة البريطانية ظلت تعتبر أوروبا منطقة محظورة على قواتها. ولم يوافق مجلس الوزراء البريطاني ورئيس الأركان العامة الإمبراطورية على رأي بيفربروك.

دخول الولايات المتحدة الحرب

في 7 ديسمبر 1941، دخلت الولايات المتحدة الحرب بعد أن إستفزت اليابان بنجاح لشن هجوم وأصبحت "ضحية لهجوم مفاجئ". وتغير الرأي العام الأمريكي، الذي كان يميل إلى الحياد، ونسي مبادئ العزلة والحياد.

بدأت هيئة أركان الجيش الأمريكي في وضع خطة إستراتيجية تركز على إستخدام القدرات العسكرية الأمريكية ضد ألمانيا، حيث ستكون بريطانيا منصة للغزو في شمال فرنسا. وتمت مناقشة الخطة في 1 أبريل 1942 في اجتماع بالبيت الأبيض ووافق عليها الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت.

الولايات المتحدة أرادت إستخدام الإتحاد السوفياتي في الحرب ضد اليابان

أعطى روزفلت أهمية كبيرة لهذه الخطة من الناحية السياسية والعسكرية الإستراتيجية. وكان يعتقد أنه من الضروري طمأنة موسكو بشأن فتح الجبهة الثانية في أسرع وقت ممكن. وكان ذلك سيدعم الرأي العام الأمريكي، الذي تعاطف مع كفاح الإتحاد السوفياتي ضد الغزاة النازيين، كما كان مهمًا قبل إنتخابات الكونغرس المقررة في نهاية عام 1942.

من الناحية الإستراتيجية، أرادت واشنطن ضمان دعم الإتحاد السوفياتي في هزيمة الإمبراطورية اليابانية في مسرح العمليات في المحيط الهادئ. وأعطى الرئيس روزفلت ورؤساء الأركان أهمية قصوى لمشاركة الإتحاد السوفياتي في الحرب ضد اليابان.

أرسل روزفلت مساعده الخاص هاري هوبكنز ورئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال جورج مارشال إلى لندن لعرض خططه على القيادة البريطانية. ووافقت بريطانيا مبدئيًا على إنزال قوات محدودة من الحلفاء الغربيين في 1942 وفتح الجبهة الثانية في 1943.

المفاوضات مع الإتحاد السوفياتي

في 11 أبريل، دعا الرئيس روزفلت مستشار السفارة السوفياتية أندريه غروميكو وسلمه رسالة شخصية لستالين، مقترحًا إرسال وفد سوفياتي إلى واشنطن لبحث مسألة الجبهة الثانية. وفي 20 أبريل، أعلن ستالين موافقته على إجتماع مولوتوف مع الرئيس الأمريكي لتبادل الآراء حول فتح الجبهة الثانية، بمشاركة لندن أيضًا.

بعد مفاوضات صعبة ومكثفة بين فياتشيسلاف مولوتوف والقيادة العسكرية والسياسية للولايات المتحدة وبريطانيا، تقرر فتح جبهة ثانية في أوروبا. وفي 12 يونيو، أُعلن عن التوصل إلى إتفاق حول إفتتاح الجبهة الثانية.

الحلفاء يؤجلون الموعد

لم تُفتح الجبهة الثانية لا في 1942 ولا في 1943. فقد أُجل إنزال القوات في أوروبا في 1942 لصالح هجوم القوات الأمريكية البريطانية في شمال إفريقيا. وتوصل روزفلت وتشرشل إلى هذا القرار دون مشاركة السوفيات. ومن الناحية العسكرية، كانت عمليات الحلفاء في شمال إفريقيا محدودة الأثر ولم تُضعف القوة العسكرية لألمانيا أو تؤدي إلى هزيمتها. كما أن العملية في شمال إفريقيا، التي بدأت في نوفمبر 1942، حالت دون تنظيم جبهة ثانية في أوروبا في 1943 أيضًا.

أبلغ تشرشل موسكو بهذا القرار. وفي أغسطس 1942، وصل رئيس الحكومة البريطانية إلى الإتحاد السوفياتي لإجراء محادثات، بحضور الممثل الشخصي للرئيس الأمريكي هاري هوبكنز. وفي 13 أغسطس، سلم ستالين لتشرشل وهوبكنز مذكرة ذكر فيها أن عام 1942 كان أفضل وقت لفتح الجبهة الثانية، حيث كانت أفضل قوات ألمانيا تقاتل على الجبهة الروسية.

لكن تشرشل أعلن الرفض النهائي للولايات المتحدة وبريطانيا لفتح الجبهة الثانية في أوروبا الغربية في 1942، مع تأكيده أنها ستُفتح في ربيع 1943. وفي موسكو، كانوا يدركون جيدًا طبيعة مصالح الولايات المتحدة وبريطانيا، لكنهم قرروا عدم تصعيد المسألة.

إستغلال ألمانيا لتأخير الحلفاء

إستغلت القيادة الألمانية سلبية بريطانيا والولايات المتحدة وشنت هجومًا قويًا في الصيف والخريف 1942 على الجبهة الجنوبية للسوفيات. وكان الفيرماخت يتقدم نحو نهر الفولغا ويحاول السيطرة على القوقاز لضرب الإتحاد السوفياتي ضربة قاضية. وفي حال نجاح الهجوم الألماني، كان من الممكن أن تنضم تركيا واليابان إلى الحرب ضد الإتحاد السوفياتي.

حافظت بريطانيا والولايات المتحدة على قواتهما ومواردهما على حساب الإتحاد السوفياتي، حيث خططتا لإستخدامها في المرحلة النهائية من الحرب لفرض شروطهما على الدول المهزومة وإقامة نظام عالمي جديد تحت سيطرتهما.

التأخير كمساعدة غير مباشرة لألمانيا

في الواقع، كان التأخير المستمر من قبل الحكومتين الأمريكية والبريطانية في غزو أوروبا من الغرب بمثابة مساعدة للرايخ الثالث لم يكن الألمان ليحصلوا على مثلها من حلفائهم الأوروبيين. فقد تمكنت ألمانيا من الحفاظ على سيطرتها على معظم أوروبا مع مواردها البشرية والإقتصادية، وتوجيه الجزء الأكبر من قواتها إلى الجبهة الشرقية.

عام 1943: التحول الكبير

شهد عام 1943 نقطة تحول حاسمة في الحرب العالمية الثانية. فمعركة ستالينغراد الضخمة، التي إستمرت 200 يوم وليلة، إنتهت بإنتصار ساحق للقوات السوفياتية. وتلقى الفيرماخت ضربة قوية، وفشل هجومه الإستراتيجي. كما خسرت ألمانيا معركة القوقاز.

في مايو 1943، هزم الحلفاء قوات المحور في شمال إفريقيا. وفي المحيط الهادئ، استقر الوضع وانتقلت المبادرة الإستراتيجية إلى الحلفاء (معركة غوادالكانال). وأصبح بإمكان الحلفاء تركيز جهودهم على أوروبا وفتح الجبهة الثانية.

مخاوف الغرب من إنتصار سوفيتي سريع

بعد معركة ستالينغراد وإستمرار تقدم الجيش الأحمر، ظهر عامل جديد في موقف القوى الغربية من الإتحاد السوفياتي. فقد بدأوا يخشون هزيمة ألمانيا المبكرة من وجهة نظرهم، حيث لم تتحقق بعد مهمة إضعاف الإتحاد السوفياتي إلى أقصى حد. وأدركوا في لندن وواشنطن أن الإتحاد السوفياتي قد لا يصمد فقط، بل يمكنه الفوز وتعزيز موقفه في العالم. لذا قرروا تأخير إفتتاح الجبهة الثانية لمنع إضعاف ألمانيا.

وأصبحت سياسة عرقلة الجبهة الثانية وإستنزاف الإتحاد السوفياتي عنصرًا حاسمًا في تحركات القوى الغربية.

مؤتمر كازابلانكا والمزيد من التأخير

في يناير 1943، عُقد مؤتمر كازابلانكا بين بريطانيا والولايات المتحدة، وأظهر أن الحلفاء لا ينوون شن أي هجوم جاد في أوروبا في 1943.

عمليًا، دون ذكر ذلك صراحة، أُجل فتح الجبهة الثانية إلى 1944. وأرسل تشرشل وروزفلت رسالة غامضة إلى موسكو بعد المؤتمر، دون تحديد مواعيد أو تفاصيل العمليات، معربين عن الأمل في هزيمة ألمانيا في 1943.

في 30 يناير 1943، طلبت موسكو معلومات عن العمليات المحددة ومواعيدها. وبعد التشاور مع روزفلت، أرسل تشرشل ردًا مطمئنًا، قائلًا إن الإستعدادات لـ"عبور القناة" (المانش) تسير بجدية ومخطط لها في أغسطس، لكنها قد تؤجل إلى سبتمبر بقوات أكبر.

لكن هذا كان خداعًا متعمدًا. فبينما زعمت لندن وواشنطن أنهما يستعدان لعملية إنزال في شمال فرنسا، كانا يعدان لعملية في البحر المتوسط. وفي مايو، أبلغ روزفلت موسكو بتأجيل العملية إلى 1944.

تعليق المساعدات العسكرية

في 30 مارس، أعلن الحلفاء تعليق إرسال المعدات العسكرية إلى موانئ الشمال السوفياتية، بحجة الحاجة إلى نقل جميع وسائل النقل إلى البحر المتوسط. وفي وقت الهجوم الألماني الصيفي، توقفت الإمدادات العسكرية، تمامًا كما حدث في 1942. وهكذا، في أصعب الأوقات، رفض الحلفاء فتح الجبهة الثانية وتركوا الإتحاد السوفياتي دون أسلحة وإمدادات.

إحتجاج موسكو

في 11 يونيو، أرسلت موسكو رسالة إلى واشنطن (ونُسخ منها إلى لندن)، مشيرة إلى أن التأجيل الجديد لفتح الجبهة الثانية "يخلق صعوبات إستثنائية" للإتحاد السوفياتي، الذي كان يقاتل منذ عامين ضد ألمانيا وحلفائها.

وأدى تبادل الآراء اللاحق إلى تفاقم التوتر، حيث لم يكن لدى القوى الغربية أي حجج لتبرير التأخير. وفي 24 يونيو، أرسل ستالين رسالة إلى تشرشل أعرب فيها عن خيبة أمل الحكومة السوفياتية من الحلفاء، مشيرًا إلى أن الأمر يتعلق بحياة الملايين في المناطق المحتلة من روسيا وأوروبا، وتضحيات الجيش الأحمر الهائلة.

بريطانيا والولايات المتحدة تدركان أنهما قد تفقدان أوروبا بأكملها

التحول الاستراتيجي وإنتصارات الجيش الأحمر

أظهر تدمير أقوى تجمع للعدو في معركة كورسك، ووصول القوات السوفياتية إلى نهر الدنيبر وتقدمها نحو حدود الإتحاد السوفياتي، أن عملية التحول الجذري في مجرى الحرب الوطنية العظمى قد إكتملت. وأُجبرت ألمانيا وحلفاؤها على الإنتقال إلى الدفاع الإستراتيجي.

غيرت إنتصارات القوات السوفياتية في صيف وخريف 1943 الوضع العسكري والسياسي في أوروبا والعالم بشكل جذري. وأثبتت أن الإتحاد السوفياتي قادر على هزيمة ألمانيا بمفرده، وأن التحرير الكامل لأوروبا من النازيين أصبح وشيكًا.

مخاوف الغرب من تقدم السوفيات

خشيت قيادة بريطانيا والولايات المتحدة من دخول القوات السوفياتية إلى أوروبا الوسطى والغربية قبل جيوشها، فسارعت إلى تعزيز إستعداداتها لفتح الجبهة الثانية. فقد خشي الأنغلوساكسون (البريطانيون والأمريكيون) من فوات الوقت لغزو أوروبا والإستيلاء على أهم المراكز السياسية والاقتصادية والمناطق الإستراتيجية. كما برزت مخاوف من أن تفشل الولايات المتحدة في فرض شروطها على أوروبا التي أنهكتها الحرب.

مؤتمر كيبيك وتحديد موعد الغزو

في أغسطس 1943، عُقد مؤتمر كيبيك بحضور رؤساء حكومات وممثلي قيادات الولايات المتحدة وبريطانيا. وأشار التقرير الختامي للجنة رؤساء الأركان المشتركة إلى أن عملية نورماندي ستكون الهجوم الرئيسي للقوات الأنغلوساكسونية في 1944، مع تحديد موعد البدء في 1 مايو 1944. وقد حسّن هذا القرار العلاقات بين الإتحاد السوفياتي والقوى الغربية.

مؤتمر موسكو وعدم الوضوح

في مؤتمر موسكو لوزراء خارجية الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وبريطانيا في أكتوبر 1943، لم يقدم الحلفاء بيانات محددة، رغبةً منهم في الحفاظ على حرية التحرك. وإكتفوا بتأكيد نيتهم بدء العملية في شمال فرنسا ربيع 1944، بشرط توفر ظروف جوية مناسبة في منطقة المانش، وإنخفاض كبير في سلاح الطيران الألماني في شمال غرب أوروبا.

خطط التقسيم والهيمنة

في 19 نوفمبر 1943، على متن البارجة "آيوا" في طريقه إلى مؤتمر القاهرة (الذي سبق مؤتمر طهران)، أشار الرئيس الأمريكي روزفلت إلى ضرورة فتح الجبهة الثانية، مشيرًا إلى أن القوات الروسية اقتربت بالفعل من بولندا وبيسارابيا.

وأكد روزفلت على الحاجة الملحة لإحتلال القوات الأنغلوساكسونية لأكبر جزء ممكن من أوروبا. وإقترح أن تشمل المنطقة البريطانية فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ وجنوب ألمانيا، بينما تحتل الولايات المتحدة شمال غرب ألمانيا وموانئ الدنمارك والنرويج. كما خطط الأنغلوساكسون لإحتلال برلين بأنفسهم.

الخلاف حول إستراتيجية البلقان

لم يرغب تشرشل في دخول القوات السوفياتية إلى أوروبا الغربية، واقترح خيار "البلقان" – أي غزو الحلفاء للبلقان لعزل القوات السوفياتية عن أوروبا الوسطى. وكان الهدف إقامة أنظمة موالية للأنغلوساكسون في دول جنوب شرق أوروبا.

لكن الأمريكيين، الذين أيدوا إستراتيجية تشرشل للمتوسط حتى منتصف 1943، رأوا أن هذه الخطط تأخرت. فبينما قد تتعثر قوات الحلفاء في البلقان، قد يحتل السوفيات أهم مراكز أوروبا. لذا، كان فتح الجبهة في فرنسا ضروريًا لمنع وصول الروس إلى مناطق حيوية مثل الرور والراين.

مؤتمر طهران وإتفاقية الجبهة الثانية

سعى الوفد السوفياتي في طهران إلى الحصول على التزامات واضحة من البريطانيين والأمريكيين بفتح الجبهة الثانية. وفي النهاية، نجح ستالين في تحقيق هدفه.

قرارات مؤتمر طهران نصت على بدء عملية إنزال في شمال فرنسا في مايو 1944، مع عملية أخرى في جنوب فرنسا. ووعد الإتحاد السوفياتي بشن هجوم حاسم في نفس الوقت لمنع نقل القوات الألمانية من الجبهة الشرقية إلى الغربية.

عملية "أوفرلورد" وفتح الجبهة الثانية

تُعتبر العملية الإستراتيجية للحلفاء لإنزال القوات في نورماندي (عملية "أوفرلورد") تاريخ إنشاء الجبهة الغربية (الثانية) في الحرب العالمية الثانية. وهي أكبر عملية إنزال في التاريخ، حيث شارك فيها أكثر من 3 ملايين شخص عبروا القنال الإنجليزي من إنجلترا إلى نورماندي.

لم تكن عمليات الحلفاء في إفريقيا أو صقلية وإيطاليا مؤهلة لتسمى "الجبهة الثانية". لكن إحتلال رأس جسر كبير في نورماندي سمح للحلفاء بإنزال جيوش كاملة وبدء التقدم في فرنسا لتحرير باريس. ولم يتمكن الألمان من تشكيل خط دفاع جديد إلا في سبتمبر 1944 على الحدود الغربية لألمانيا. ق

تأثير الجبهة الثانية على الحرب

أدى فتح الجبهة الغربية إلى تسريع هزيمة الرايخ الثالث. حيث إضطرت ألمانيا إلى تحريك فرق مشاة ودبابات كبيرة لمواجهة قوات الحلفاء (التي كانت تتكون أساسًا من جيوش الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا ومقاومة فرنسا الحرة). ورغم أن حرب الجبهة الغربية لم تكن شرسة أو عنيدة كالجبهة الشرقية، إلا أن ألمانيا لم تستطع نقل هذه القوات إلى الجبهة الروسية.

توفير الأرواح وتقصير الحرب

نتيجة لذلك، إستطاعت القوات السوفياتية الإستيلاء على برلين في مايو 1945 بدلًا من نهاية 1945 أو مطلع 1946. وبهذا، حافظ الإتحاد السوفياتي على مئات الآلاف من الأرواح. ورغم أن الجيش الأحمر كان قادرًا على سحق ألمانيا بمفرده، إلا أن ذلك كان سيتطلب وقتًا أطول وخسائر أكبر.

عملية "باغراتيون" والتنسيق مع الحلفاء

في 23 يونيو 1944، بدأت واحدة من أكبر العمليات العسكرية في التاريخ – عملية "باغراتيون". وقد فاق نجاحها توقعات القيادة السوفياتية، حيث أدت إلى تدمير مجموعة الجيوش "الوسطى" للألمان وتحرير بيلاروسيا بالكامل، بالإضافة إلى جزء من دول البلطيق وشرق بولندا.

تقدم الجيش الأحمر على جبهة طولها 1100 كم بعمق 600 كم، مما هدد مجموعة الجيوش "الشمالية" في البلطيق وسهل لاحقًا تنفيذ عملية البلطيق. كما تم الإستيلاء على رأسي جسر مهمين عبر نهر فيستولا، مما سهل عملية فيستولا-أودر.

تأثير الجبهة الغربية على الجبهة الشرقية

يرى بعض المؤرخين العسكريين أن تقدم الجبهات السوفياتية سهُل بفضل ظهور الجبهة الغربية، حيث لم يتمكن الألمان من نقل إحتياطات من فرنسا، بما في ذلك فرق الدبابات الكبيرة. كما أن جزءًا كبيرًا من المدفعية والطيران الألماني كان في الغرب، مما سمح للقوات الجوية السوفياتية بالسيطرة على الأجواء بسرعة.

في المقابل، منع الهجوم السوفياتي الكبير في بيلاروسيا القيادة الألمانية من تركيز قواتها لتصفية رأس جسر الحلفاء في نورماندي.

الأجندة الخفية للأنغلوساكسون

في الواقع، تأخر إنزال الحلفاء في فرنسا كثيرًا عما وعدوا به. فقد ظلت القيادة العليا لبريطانيا والولايات المتحدة تترقب حتى اللحظة الأخيرة.

في البداية، اعتقد الأنغلوساكسون أن هتلر – الذي سمح له سادة لندن وواشنطن بالسيطرة على معظم أوروبا لإستغلال مواردها – سيسحق الإتحاد السوفياتي بسرعة، لكنه تورط في حرب إستنزاف ضد المقاومة والمساحات الشاسعة لروسيا.

ثم كان بإمكانهم تنفيذ سيناريو الإتفاق مع هتلر لتقسيم العالم، أو أن يقوم الجنرالات الألمان بخلع الفوهرر "المتغطرس". وقد ساعد في ذلك أن معظم القيادة الألمانية قبل الحرب وخلال مرحلتها الأولى كانت تحلم بالتحالف مع بريطانيا، التي كانت نموذجًا لـ"الرايخ الألفي".

في الحقيقة، كان الأنغلوساكسون هم منشئو ورعاة مشروع "الرايخ الثالث" (هناك تفاصيل أكثر في مقالين لاحقين هما ،"من أوصل هتلر إلى السلطة؟"و "جذور الحرب العالمية الثانية: الولايات المتحدة ضد الجميع").

لكن ألمانيا فشلت في سحق الإتحاد السوفياتي بضربة خاطفة، وبدأت حرب إستنزاف تحمل فيها الشعب الروسي أعلى درجات الصمود. عندها، بدأت بريطانيا والولايات المتحدة تنتظران حتى يُنهك الخصمان بعضهما لتحصدا ثمار النصر وتسيطرا على العالم.

لكن العدو أخطأ مرة أخرى – فالإتحاد السوفياتي، رغم الخسائر الفادحة، إستطاع التعافي وبدأ تحرير أراضيه ثم أوروبا. وأصبح هناك خطر من سيطرة السوفيات ليس فقط على شرق وجنوب شرق أوروبا، بل أيضًا على أوروبا الوسطى والغربية. لذا، كان لا بد من إنزال القوات في أوروبا الغربية قبل فوات الأوان.

الخلاصة

لم يكن بدء عملية نورماندي بدافع مساعدة الحليف الذي خاض معركة شرسة ضد ألمانيا، أو لتحرير أوروبا من الاحتلال النازي، بل بدافع رغبة الأنغلوساكسون في فرض نظام إحتلالهم على الدول الأوروبية ومنع الإتحاد السوفياتي من الهيمنة على القارة العجوز. لقد سارعوا لإنتزاع أفضل الأجزاء من الجريح الألماني النازف.
------
يتبع ...



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 590 – لماذا يخشى اليهود الصهيونية؟ دروس من الحر ...
- العيد 80 للنصر – الجزء الثاني عشر – الإتحاد السوفياتي عشية ا ...
- طوفان الأقصى 589 - ترامب يهمّش نتنياهو في الشرق الأوسط... وي ...
- العيد 80 للنصر – الجزء الحادي عشر – الإتحاد السوفياتي عشية ا ...
- طوفان الأقصى 588 – ترامب يسحب البساط السوري من تحت قدمي أردو ...
- العيد 80 للنصر – الجزء العاشر – الإتحاد السوفياتي عشية الحرب ...
- طوفان الأقصى 587 – ترويض نتنياهو: الولايات المتحدة تغيّر سيا ...
- العيد 80 للنصر – الجزء التاسع - روايتان متشابهتان ولكن مختلف ...
- طوفان الأقصى 586 - الصمت المدوي: روسيا تخسر الحرب الإعلامية ...
- العيد 80 للنصر - الجزء الثامن - يفغيني سبيتسين: -لو لم تكن ا ...
- طوفان الأقصى 585 – دبلوماسية الدولار التي ينتهجها ترامب في ا ...
- العيد 80 للنصر – الجزء السابع – هل سنعيش حتى الذكرى المئوية ...
- طوفان الأقصى 584 – خبيرة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تدعو ...
- العيد 80 للنصر – الجزء السادس – إتفاقيات السلام التي عجلت ال ...
- طوفان الأقصى 583 - إدارة ترامب تسعى للسيطرة على قناة السويس
- العيد 80 للنصر - الجزء الخامس - من الذي إنتصرنا عليه — ولماذ ...
- طوفان الأقصى 582 – اليمن في مواجهة الطغيان - ملف خاص
- العيد 80 للنصر – الجزء الرابع – الأساس الذي لا يجوز التفريط ...
- طوفان الأقصى581 - إسرائيل تنوي القضاء الكامل على غزة كأرض فل ...
- العيد 80 للنصر - الجزء الثالث - ملف خاص


المزيد.....




- -قطة المخدرات-.. شاهد الشرطة تضبط -مهربًا فرويًا- بسجن في كو ...
- سوريا.. الأمن العام يضبط أسلحة وقذائف هاون في القرداحة بريف ...
- الكرملين: موسكو وواشنطن لديهما خط اتصال آمن للتفاوض حول أكثر ...
- الموساد يهرب وثائق الجاسوس إيلي كوهين من سوريا بمساعدة -دولة ...
- فضيحة بيع شهادات ماجستير تهز المغرب وتورط أستاذا جامعيا
- قتل حيوانات حديقة أبو سليم في طرابلس الليبية يثير جدلا
- رقصة تقلب حياة أشهر مشجعي نادي كرة قدم مصري
- هل أخفى البيت الأبيض حقيقة الحالة الصحية للرئيس بايدن خلال ت ...
- بسبب منشور يحمل -إشارات معادية للسامية-، مقدم البرامج الرياض ...
- خمسة قتلى جراء أمطار غزيرة في جنوب الصين وتحذيرات من كوارث ج ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - العيد 80 للنصر – الجزء الرابع عشر – لماذا أجلت بريطانيا والولايات المتحدة فتح الجبهة الثانية ضد هتلر؟