|
العيد 80 للنصر – الجزء العاشر – الإتحاد السوفياتي عشية الحرب 1-3
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 13:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
*إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف *
ألكسندر سامسونوف كاتب صحفي ومحلل سياسي مؤرخ وخبير عسكري روسي بوابة Military Review بالروسية
27 يونيو 2016
حقق الإتحاد السوفياتي في الخطط الخمسية السابقة للحرب نجاحات مذهلة في جميع المجالات، بما في ذلك التصنيع العسكري. ففي البداية، وفي ظل ظروف الحصار المعادي، وبالإعتماد بشكل رئيسي على تعبئة الموارد والقوى الداخلية، جرى ترميم الإقتصاد وقطاع النقل اللذين دُمّرا خلال الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية. ثم وُضعت مهمة القضاء على التخلف الإقتصادي والتقني الذي إمتد لقرابة 50 إلى 100 عام مقارنة بالغرب، وقد تم إنجاز هذه المهمة بنجاح. وأصبح الإتحاد السوفياتي ثاني قوة صناعية في العالم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد تم بناء المجتمع السوفياتي من خلال تحويل شامل ومتزامن للإقتصاد الوطني، والثقافة، والتعليم، والعلوم. ففي الخطة الخمسية الأولى (1928–1932)، والتي تم تنفيذها خلال أربع سنوات وثلاثة أشهر فقط، زاد حجم الإنتاج الصناعي بمقدار الضعف مقارنةً بعام 1928. وخلال الخطة الخمسية الثانية (1933–1937)، والتي أنجزت أيضًا قبل الموعد المقرر، إرتفع الناتج الصناعي الإجمالي بمقدار 2.2 مرة مقارنةً بعام 1932. وبذلك، إحتل الإتحاد السوفياتي المرتبة الأولى في أوروبا، والثانية عالميًا من حيث حجم الإنتاج الصناعي! وهكذا، تمكن الإتحاد السوفياتي من تجاوز إقتصادات غربية عريقة ومتقدمة تقليديًا مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وفي مارس 1939، نظر المؤتمر الثامن عشر للحزب وأقرّ الخطة الخمسية الثالثة للإقتصاد الوطني (1938–1942)، والتي هدفت إلى إنشاء قاعدة صناعية قوية في المناطق الشرقية من البلاد. وخلال تنفيذ هذه الخطة، تم تشغيل 2900 منشأة صناعية جديدة. وفي سيبيريا، أُنشئت قاعدة جديدة لصناعة الفحم والمعادن. كما جرى تطوير حقول جديدة للفحم والنفط في أقصى الشمال، وفي المنطقة الواقعة بين نهر الفولغا وجبال الأورال وفي الشرق الأقصى. ورغم أن الخطة الخمسية لم تُنجز بالكامل بسبب إندلاع الحرب، إلا أن ما تم تحقيقه منها كان كافيًا لمساعدة روسيا – الإتحاد السوفياتي على الصمود والإنتصار في تلك الحرب الرهيبة.
وفي المجمل، تم خلال الخطط الخمسية السابقة للحرب بناء 8900 منشأة صناعية في البلاد. وقد وصلت الصناعة السوفياتية إلى مستوى عالٍ من التطور. وتم إيلاء اهتمام خاص لبناء منشآت الصناعات الثقيلة بإعتبارها الأساس المادي للإشتراكية. كما إكتملت عملية بناء التعاونيات للأراضي الزراعية (التجميع الزراعي)، وارتفع مستوى مكننة الزراعة بشكل كبير. ----- التحول الاجتماعي والإستعداد العسكري عشية الحرب الكبرى
في الوقت نفسه، تغيّر المجتمع السوفياتي تغيّراً جذرياً. فقد كان يتم بناء مجتمع جديد قائم على الخدمة والعطاء. وعلى الرغم من جميع صعوبات المرحلة الإنتقالية، فقد كانت البلاد مفعمة بالإلهام الهائل والروح الوطنية. ونشأت أجيال جديدة باتت تضع المصلحة الجماعية، والمثل العليا، ومصلحة الشعب والدولة، في المقام الأول، متجاوزةً بذلك المصلحة الشخصية والمادية.
وقعت في هذه المرحلة ثورة ثقافية كبرى: تم القضاء على الأمية بين السكان، وبُني نظام تعليمي جديد يعدّ من الأفضل في العالم، وتم إعداد الملايين من الكوادر التي شكلت النخبة المثقفة السوفياتية الجديدة. ونتيجة لذلك، إذا كان الجنود الألمان في الحرب العالمية الأولى قد واجهوا في الغالب جماهير من الفلاحين الأميين الذين لم يكونوا يعرفون أهداف الحرب، فإنهم في الحرب العظمى واجهوا خصماً مختلفاً تماماً – هم في الغالب من أبناء الطبقة العاملة أو المثقفين، وحتى الفلاحون كانوا آنذاك على دراية بالتقنية، متعلمون، وواعون بأنهم يقاتلون دفاعاً عن "سلطتهم" وعن وطنهم الإشتراكي.
في عام 1937، أصبح الجيش الأحمر جيشاً يتمتع بالأمية الكاملة، أي لا وجود فيه لأفراد أميين. كما أن الكثير من الشباب كان لديهم تدريب عسكري أولي، وكانوا منخرطين في النشاطات الرياضية والبدنية، وغيرها. وهكذا، تميز الشعب السوفياتي (الروسي المتعدد القوميات) بوحدة معنوية وسياسية قوية، وهو ما شكل أحد أعظم إنجازات النظام السوفياتي. فشعب كهذا كان لا يُقهر.
في الفترة التي سبقت الحرب، عززت موسكو بشكل كبير موقعها العسكري-الإستراتيجي على الحدود الغربية. فقد أدّت الحرب السوفياتية-الفنلندية إلى تعزيز الوضع الإستراتيجي للعاصمة الثانية للإتحاد السوفياتي وأكبر مركز صناعي – لينينغراد. وفي صيف عام 1940، إضطرت بوخارست إلى القبول بمطلب الحكومة السوفياتية إعادة بيسارابيا، التي كانت قد اقتُطعت من روسيا سابقاً، وتم تشكيل جمهورية مولدافيا السوفياتية الإشتراكية.
وفي صيف 1940 أيضاً، إستعادت روسيا دول البلطيق (ليتوانيا، لاتفيا، إستونيا)، وأصبحت هذه الجمهوريات جمهوريات سوفياتية متساوية الحقوق. وفي سبتمبر 1939، أثناء الحرب الألمانية ضد بولندا، دخلت موسكو بقواتها إلى المناطق الغربية من بيلاروسيا ومالوروسيا (أوكرانيا الصغرى)، وهي المناطق التي كانت وارسو قد إستولت عليها خلال إنهيار الإمبراطورية الروسية بعد الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية.
وهكذا، أعاد الكرملين الأراضي الروسية الأصيلة، التي رُويت بدماء الملايين من الروس وغيرهم، والتي تعود ملكيتها التاريخية إلى الحضارة الروسية. وتم دفع الحدود الغربية إلى الوراء، ما حسّن الوضع العسكري-الإستراتيجي للإتحاد السوفياتي عشية الحرب.
لقد أفضت نجاحات التطور الإقتصادي للإتحاد، ومزايا نظامه الإجتماعي والسياسي، إلى تهيئة الشروط اللازمة لتطوير القوة العسكرية الضرورية لضمان أمن البلاد والشعب. ولم يدخر الإتحاد السوفياتي مالاً ولا جهداً في سبيل الدفاع. فقد كان الكرملين يدرك أن الحرب الكبرى قد بدأت فعلاً، وأن مسألة مهاجمة العدو للإتحاد السوفياتي مسألة وقت لا أكثر. ولهذا، جرى تسريع وتيرة التسلّح التقني للقوات البرية وسلاح الجو والأسطول البحري. وفي الوقت نفسه، تطورت بشكل مستمر البنية التنظيمية للقوات المسلحة السوفياتية.
أنشأت الدولة قاعدة تصميم قوية مكّنتها من إنتاج أنواع جديدة من الطائرات، والدبابات، والمدافع، والسفن، والأسلحة النارية، وغيرها. ومن بين كبار المصممين في تلك المرحلة نذكر: سيرغي إيليوشين، سيميون لافوتشكين، ألكسندر ياكوفليف، أندريه توبوليف، نيكولاي بوليكاربوف، أرتيوم ميغويان، ميخائيل كوشكين، ألكسندر موروزوف، جوزيف كوتين، فاسيلي غرابين، أندريه كوستيكوف، غيورغي شباكين، فاسيلي ديغتياريف، فيودور توكاريف وغيرهم.
ونتيجة لذلك، كانت الجيش الأحمر يزداد تسليحاً يوماً بعد يوم. ففي النصف الثاني من ثلاثينيات القرن العشرين، شهد إنتاج الطائرات والدبابات والمدافع وغيرها من المعدات العسكرية قفزة هائلة. فعلى سبيل المثال، في عام 1934 كان الجيش الأحمر يمتلك 17 ألف مدفع، أما في مطلع عام 1939، فقد بلغ عددها 56 ألفاً.
تم إنشاء وتطوير قوات الدروع الميكانيكية، إلى جانب تطوير أنواع أخرى من القوات مثل: الهندسة العسكرية، قوات السكك الحديدية، الإتصالات، الدفاع الجوي، القوات المحمولة جواً، وحرس الحدود وغيرها. وكان التركيز كبيراً على تطوير سلاح الجو. فقد شهدت البلاد نشاطاً كبيراً في مجال البحوث والإبتكار في مؤسسات ومعاهد الطيران، وتم إنشاء مصانع للطائرات ومحركاتها وأجهزتها.
ويقول أحد كبار مصممي الطائرات في الإتحاد السوفياتي ألكسندر ياكوفليف: "كانت تلك الفترة التي إنطلق فيها طيارونا إلى الساحة العالمية لمنافسات الطيران. وقد إستندت إنجازات الطيران السوفياتي إلى الإبداع الذي أبداه مصممونا، وإلى الصناعة الجوية التي نمت بسرعة كبيرة." فعلى سبيل المثال، في عام 1937، سجّل الطيارون السوفيات نحو 30 رقماً قياسياً عالمياً باستخدام طائرات محلية الصنع.
كذلك، شهد الأسطول السوفياتي زيادة كبيرة في قوته. وبدأ بناء السفن الحربية الجديدة – أولاً الصغيرة، ثم الأكبر حجماً استعداداً لإنشاء أسطول بحري في المحيط. وتم تنظيم الإنتاج التسلسلي للغواصات، وزوارق الطوربيد، وطائرات القوات البحرية. ففي عام 1932، تم إنشاء أسطول المحيط الهادئ، وفي عام 1933 – الأسطول الشمالي. وقد ارتفع إجمالي حمولة الأسطول من عام 1930 حتى 1939 بأكثر من 130%.
بعد إنعقاد المؤتمر الثامن عشر للحزب (مارس 1939)، أولت الحكومة السوفياتية إهتماماً أكبر لقضايا الدفاع. فبينما كان النمو السنوي للإنتاج الصناعي العام حوالي 13%، بلغ نمو الصناعات الدفاعية 39%. وتم تحويل عدد من المؤسسات الصناعية الكبرى لإنتاج المعدات العسكرية، وبدأ بناء مصانع جديدة للأسلحة.
وفي يناير 1939، تم تقسيم مفوضية الدفاع الشعبي إلى أربع مفوضيات مستقلة، لزيادة الكفاءة: مفوضية صناعة الطيران، وبناء السفن، والذخيرة، والأسلحة. ومن مفوضية صناعة الآلات، نشأت مفوضيات لصناعة الآلات الثقيلة والمتوسطة والعامة. وتم تأسيس مفوضيات لشؤون النقل البري، والبناء، وغيرها، مما ساعد على تعزيز الدفاع الوطني بشكل عام.
ومن المجلس الإقتصادي التابع لمجلس مفوضي الشعب في الإتحاد السوفياتي، تم إنشاء مجالس متخصصة لصناعات الدفاع، والمعادن، والوقود، وصناعة الآلات، وغيرها. وترأس هذه المجالس نواب رئيس مجلس المفوضين مثل: نيكولاي فوزنيسينسكي، أليكسي كوسيغين، فاسيلي ماليشيف، وغيرهم. وساعدت جميع هذه الإجراءات في تسريع تطوير الصناعة الثقيلة، وبخاصة الدفاعية منها.
وقد تم بناء المصانع الجديدة بشكل رئيسي في المناطق الشرقية من البلاد، البعيدة عن الإتجاه الإستراتيجي الغربي: في منطقة نهر الفولغا، وجبال الأورال، وسيبيريا، وكازاخستان، وآسيا الوسطى. وهكذا، كانت القاعدة الصناعية الجديدة بعيدة عن مناطق القتال المحتملة وضربات العدو المحتمل، وفي الوقت ذاته، كانت موسكو تطور مختلف مناطق البلاد بشكل متوازن، بما يخلق إمكانات حقيقية لإزدهار الدولة بأكملها في المستقبل. ------ التحضيرات العسكرية والإقتصادية للإتحاد السوفياتي قبيل الحرب: بين التوسع والتحديات البنيوية
في سبتمبر عام 1939، تم إعتماد قانون "الخدمة العسكرية الإلزامية العامة"، والذي ألغى القيود السابقة على الخدمة العسكرية، ورفع مدة الخدمة من عامين إلى ثلاثة أعوام، بينما مُددت الخدمة في الأسطول البحري إلى خمسة أعوام. كما تم تخفيض سن التجنيد من 21 إلى 19 عامًا. ونتيجة لهذه التدابير، إرتفع عدد أفراد الجيش السوفياتي من نحو 1.5 مليون في 1 يناير 1935 إلى 4.2 مليون في 1 يناير 1941، ليصل إلى أكثر من 5 ملايين جندي بحلول 1 يونيو من العام نفسه.
ومع تزايد التهديدات العسكرية الخارجية، وحرصًا على تسريع وتيرة النمو الإقتصادي، صدر في 26 يونيو 1940 مرسوم يُلزم بالعمل ليوم من ثماني ساعات وأسبوع من سبعة أيام، ويمنع العمال والموظفين من مغادرة المصانع والمؤسسات دون إذن، ما عكس أولوية التعبئة الإنتاجية في إطار التحضيرات للحرب.
إستمر تعزيز القوة الدفاعية للبلاد في السنوات الأخيرة قبل إندلاع الحرب. ففي عامي 1939-1940، ظهرت طائرات مقاتلة جديدة مثل ياك-1، وميغ-3، ولاجج-3، وطائرة الهجوم الأرضي إيل-2، وقاذفة القنابل بي-2، وغيرها. وبحلول الربعين الثالث والرابع من عام 1940، أوقفت مصانع الطائرات إنتاج النماذج القديمة، وبدأ إنتاج النماذج الحديثة على نطاق واسع. كما شهد قطاع تصنيع الدبابات إبتكارات نوعية، حيث بدأ في عام 1940 تصنيع الدبابة الثقيلة "كف" والدبابة المتوسطة T-34، اللتين أعتُبرتا الأفضل عالميًا في وقتها رغم مشكلات التشغيل الأولية. وقد إتخذت الدولة قرارات مهمة لنقل إنتاج الدبابات إلى مناطق آمنة نسبيًا كمنطقة الفولغا والأورال. وفي الفترة من يناير 1939 إلى 22 يونيو 1941، سلمت الصناعة العسكرية أكثر من 7 آلاف دبابة للجيش الأحمر.
كما ارتفع إنتاج المدفعية والأسلحة الخفيفة والذخائر بشكل ملحوظ. وإستلمت القوات نماذج جديدة من المدافع تعود لعام 1939، منها مدفع ميداني من عيار 76 ملم، ومدافع مضادة للطائرات من عيارات 37 ملم و85 ملم، ومدفعية ثقيلة من عيار 210 ملم، وهاونات عيار 28 ملم و305 ملم. وخلال الفترة نفسها، حصل الجيش الأحمر على حوالي 30 ألف مدفع، وأكثر من 52 ألف هاون، وغيرها من المعدات.
أما البحرية السوفياتية فقد شهدت تطورًا لافتًا. فمع بداية عام 1941، تم إيقاف بناء البوارج والطرادات الثقيلة بسبب ضيق الوقت لإنهائها، وجرى تحويل الجهود نحو بناء السفن الصغيرة والغواصات. ومنذ عام 1927 وحتى 22 يونيو 1941، تم إدخال 312 سفينة جديدة إلى الخدمة، بما فيها 4 طرادات، و30 مدمرة، و206 غواصات، إضافة إلى 477 زورقًا حربيًا وعدد كبير من السفن المساعدة. وعلى أعتاب الحرب، كان الأسطول السوفياتي يمتلك 3 بوارج، و7 طرادات، و59 مدمرة وقائدًا بحريًا، و218 غواصة، و269 زورق طوربيد، ونحو 2600 طائرة.
ورغم هذه المؤشرات الكمية والتقنية المتقدمة، عانت القوات المسلحة السوفياتية من مشكلات بنيوية أثّرت على كفاءتها القتالية. فالزيادة السريعة في عدد الجنود لم تُواكبها زيادة مماثلة في عدد الضباط ذوي الخبرة والتدريب، كما تشير بعض التقديرات إلى أن بعض عناصر القيادة العليا ظلت مخترقة من بقايا التيارات التروتسكية المعادية، وهو ما ساهم في الإخفاقات الأولية خلال الحرب.
وفي كل قطاع تقريبًا ظهرت مشكلات تنظيمية. فعلى سبيل المثال، كان الإتحاد السوفياتي أول من أنشأ وحدات ميكانيكية كبيرة على شكل ألوية وفيالق مدرعة. غير أن سوء فهم تجربة الحرب الأهلية الإسبانية دفع القيادة إلى حل هذه التشكيلات الكبرى وإستبدالها بوحدات أصغر كالفرق والألوية. لكن في منتصف عام 1940، وبعد أن أثبتت الوحدات المدرعة الكبيرة فعاليتها في الجبهة الغربية، تقرر إنشاء 9 فيالق ميكانيكية جديدة، تلاها قرار بتشكيل 20 فيلقًا إضافيًا في فبراير ومارس 1941. إلا أن تنفيذ هذه الخطة الضخمة لم يكن ممكنًا بشكل فوري، فقد تطلب تجهيز هذه الفيالق حوالي 32 ألف دبابة، منها أكثر من 16 ألف من الطرازات الحديثة، إضافة إلى الحاجة الملحة لتدريب أطقم القيادة والتقنيين، وإنشاء البنى التحتية اللازمة لصيانة هذا الكم من المعدات. وبالتالي لم يكتمل تجهيز هذه الفيالق قبل إندلاع الحرب. ومع ذلك، لعبت الفيالق التسعة الأولى التي تم تشكيلها دورًا مهمًا في صد الهجوم الألماني الأولي.
أما فرق المشاة، فكانت تحتاج إلى تعزيز كبير. ووفق جداول التنظيم المعتمدة في أبريل 1941، كان ينبغي أن تضم فرقة المشاة 14.5 ألف جندي، و78 مدفعًا ميدانيًا، و54 مدفعًا مضادًا للدبابات، و12 مدفعًا مضادًا للطائرات، و66 هاونًا بعيارات بين 82 و120 ملم، و16 دبابة خفيفة، و13 ناقلة جنود مدرعة، وأكثر من 3 آلاف حصان. وفي يونيو 1941، بلغ عدد الفرق السوفياتية 303 فرقة، منها 81 فرقة في طور التشكيل، و170 فرقة متمركزة في المناطق الحدودية، حيث لم يتجاوز قوام العديد منها 8-9 آلاف جندي، بل وصل بعضها إلى 5-6 آلاف فقط. وكانت الفرق داخل البلاد تعاني أيضًا من نقص في التعداد.
ورغم توفر أعداد كبيرة من المدافع والهاونات من قبل الصناعة، فإن بعض المشكلات بقيت قائمة، خاصة فيما يتعلق بوسائل السحب الميكانيكي للمدفعية. كما كانت وحدات الإحتياط المدفعي التابعة للقيادة العليا تعاني من نقص، ولم تُستكمل عملية تشكيل 10 ألوية مدفعية مضادة للدبابات قبل بدء الحرب. أما الأسلحة الصاروخية التجريبية مثل راجمات الصواريخ من طراز BM-13 (الكاتيوشا)، فلم تلق قبولًا واسعًا في البداية، ولم يُتخذ قرار بإنتاجها على نطاق واسع إلا في يونيو 1941.
وفيما يخص القوات الجوية، فقد أولت الدولة لها أولوية قصوى. ففي عام 1940، زاد إنتاج الطائرات بنسبة تجاوزت 70% مقارنة بعام 1939، وإستمر بناء مصانع جديدة للطائرات والمحركات. لكن التحدي الأساسي تمثل في تحسين الأداء القتالي والجوي للطائرات، حيث كانت المقاتلات والقاذفات الحديثة لا تزال قليلة، بينما تفوقت الطائرات الألمانية على الطائرات السوفياتية القديمة من حيث الخصائص الفنية. وقد تطلبت إعادة تنظيم وتوسيع القوات الجوية إعادة تدريب الطواقم الجوية والتقنية، وتشكيل أفواج جديدة، وبناء المطارات، وتنظيم خطوط الإمداد. كما شهدت الفترة ذاتها إصلاحًا هيكليًا لنظام الدفاع الجوي في الدولة.
----- وهكذا، فقد باغت العدو الجيش الأحمر في مرحلة بناء التشكيلات الجديدة، وإعادة التسليح، وإعادة التنظيم وإعادة التدريب، والتحضير لخطوط التحصينات الجديدة. علاوة على ذلك، كان جزء من القيادة العسكرية السوفياتية يعمل لصالح التنظيم السري التروتسكي، أو كان يتصرف بنفسية الضباط في الجيش القيصري (جنرالات "زمن السلم" العاجزون عن التضحية وإتحاد الإجراءات في الظروف الحرجة). ومع ذلك، فإن الجيش الأحمر في عام 1941 كان يختلف نوعيًا لصالحه عن الجيش الأحمر في الفترة ما بين 1925–1935، حين كانت حتى بولندا أو فنلندا تعتبر خصمًا خطيرًا على الإتحاد السوفياتي. فقد ظهرت فيه بالفعل البدايات التي جعلت من الجيش الأحمر في عامي 1944–1945 القوة العسكرية الأقوى على كوكب الأرض.
الوضع الاستراتيجي في يونيو 1941
منذ صيف عام 1940، حين هُزمت فرنسا وقوات التدخل البريطانية، وحتى يونيو 1941، إتخذت العمليات العسكرية طابعًا محدودًا. كانت هناك نوبات متفرقة من النشاط القتالي تليها فترات من التوقف. وبعد أن شنت ألمانيا غارات جوية على بريطانيا خلال الشتاء، واصلت القتال في المحيط الأطلسي، وبالاشتراك مع إيطاليا، في البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا. وتخلّت القيادة الألمانية عمليًا عن عمليات السطح للبحرية، فاقتصرت التهديدات للمواصلات البريطانية على الأسطول الألماني من الغواصات. كما قامت ألمانيا، في إطار التحضير للحرب مع الإتحاد السوفياتي، بنقل جزء من قواتها الغواصة من المحيط الأطلسي إلى بحري بارنتس والبلطيق (ونُقلت عشر غواصات إلى البحر المتوسط). وفي ربيع عام 1941، تم غزو وإحتلال كل من اليونان ويوغوسلافيا.
لكن جلّ اهتمام ألمانيا النازية إنصبّ على التحضير للحرب ضد الإتحاد السوفياتي. فقد أكملت برلين نشر قواتها الإستراتيجية على طول الحدود الغربية للإتحاد السوفياتي. كما أن إنضمام بلغاريا ورومانيا وهنغاريا إلى المحور، إضافة إلى غزو يوغوسلافيا واليونان، أمّن الجناح الاستراتيجي الجنوبي للفيرماخت. وكان أكثر من 150 فرقة من القوات البرية مخصصة للهجوم على الإتحاد السوفياتي. فيما بقيت 38 فرقة و2 من الألوية المدرعة في فرنسا وبلجيكا وهولندا؛ و9 فرق مشاة في الدنمارك والنرويج؛ و8 فرق مشاة في البلقان؛ وفرقتان مدرعتان في شمال أفريقيا؛ و5 فرق مشاة و3 ألوية في ألمانيا والنمسا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا. أما الأسطول الألماني فكان لا يزال منشغلًا بالمحيط الأطلسي، ولكن تم توجيه جزء منه ضد الإتحاد السوفياتي. فعلى سبيل المثال، في بحر البلطيق، كانت لدى الألمان نحو 100 قطعة بحرية حربية لمواجهة أسطول البلطيق السوفياتي وتأمين جناح الساحل لمجموعة جيوش "الشمال".
أما حلفاء ألمانيا — رومانيا وهنغاريا وفنلندا — فقد حشدوا ضد الإتحاد السوفياتي 37 فرقة. أي أن العدد الإجمالي للقوات التي تم حشدها ضد الإتحاد السوفياتي في بداية الحرب بلغ نحو 190 فرقة. كما كان من المقرر أن تشارك في العدوان على الإتحاد السوفياتي فرقتان مشاة سلوفاكيتان ولواء آلي، بالإضافة إلى فيلق إيطالي يتكون من 3 فرق.
وظلت إيطاليا تركز اهتمامها الرئيسي على البحر المتوسط ومنطقة البلقان. وحتى يونيو 1941، كانت 33 من أصل 64 فرقة إيطالية متمركزة في البلقان، و24 فرقة في إيطاليا (تم تجهيز 3 منها لنقلها إلى الجبهة الروسية)، و7 فرق في شمال أفريقيا. كما كانت غالبية القوات البحرية والجوية الإيطالية تعمل في البحر الأبيض المتوسط.
أما بريطانيا، فقد ركّزت خلال تلك الفترة اهتمامها الرئيسي على تنظيم الدفاع عن أراضيها الأم وتأمين طرقها البحرية، خصوصًا في شمال الأطلسي حيث تمر أهم خطوط مواصلاتها البحرية. وكان سلاح الجو البريطاني يشن غارات جوية متفرقة على المنشآت الاقتصادية الألمانية. كما أن ثلاثة أرباع القوات البرية البريطانية كانت منتشرة في المتروبول (أراضي بريطانيا الرئيسية). وفي شمال أفريقيا والشرقين الأدنى والأوسط، كانت هناك قوة قوامها نصف مليون جندي، معظمها من القوات الأسترالية والهندية والنيوزيلندية والجنوب أفريقية. وكان الأسطول البريطاني يغطي بريطانيا ويشن عمليات في الأطلسي والمتوسط. وبسبب تراجع التهديد المباشر على الأراضي البريطانية، نقلت القيادة البريطانية جزءًا كبيرًا من أسطولها البحري إلى المحيط الأطلسي لحماية خطوط المواصلات، وبلغ عدد سفن الحراسة البريطانية هناك حتى يونيو 1941 نحو 700 سفينة.
وفي ربيع 1941، ساء وضع بريطانيا قليلًا في البحر المتوسط بعد خسارة اليونان وجزيرة كريت. ومع ذلك، فقد عوّض هذا العامل السلبي بتحوّل اهتمام ألمانيا الأساسي نحو الإتحاد السوفياتي، حيث أوقفت خططها لتوسيع السيطرة في المتوسط. فعلى سبيل المثال، أُلغيت عملية الاستيلاء على مالطا، وتم نقل الفيلق العاشر من سلاح الجو الألماني من البحر المتوسط للمشاركة في الهجوم على الإتحاد السوفياتي. لذلك، حافظ الأسطول البريطاني على سيطرته في الجزءين الأوسط والغربي من البحر المتوسط، واحتفظ بقاعدة قوية في مالطا يمكن منها ضرب خطوط إمداد القوات الإيطالية–الألمانية. وفي شمال أفريقيا، حيث تواجدت قوة إيطالية–ألمانية قوامها 100 ألف جندي، لم تكن هناك في تلك الفترة عمليات نشطة.
أما الإمبراطورية اليابانية، فقد إستمرت في حربها التوسعية في الصين، وكانت تخطط لإستغلال الحرب القادمة بين ألمانيا والإتحاد السوفياتي، وكذلك ضعف مواقف القوى الإستعمارية في منطقة آسيا–المحيط الهادئ، لتحقيق طموحاتها التوسعية. كان الإتجاه الجنوبي هو الإتجاه الإستراتيجي الأساسي، ولكن بعد تدمير القوات السوفياتية الرئيسية على يد الألمان، كانت اليابان تأمل في توسيع أراضيها على حساب روسيا. ولتوجيه ضربة ضد الولايات المتحدة وبريطانيا في المحيط الهادئ، خططت اليابان لإستخدام قواتها الرئيسية من الأسطول والطيران، بالإضافة إلى أكثر من 10 فرق برية. أما ضد الإتحاد السوفياتي، فقد كانت اليابان تخطط لإستخدام قاعدة منشوريا، حيث كانت بتمركز "جيش الكوانتونغ" المؤلف من 400 ألف جندي. وكان لليابان في الصين 39 فرقة (منها 12 فرقة في منشوريا)، وفي كوريا فرقتان، وفي اليابان 9 فرق.
------ يتبع ...
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 587 – ترويض نتنياهو: الولايات المتحدة تغيّر سيا
...
-
العيد 80 للنصر – الجزء التاسع - روايتان متشابهتان ولكن مختلف
...
-
طوفان الأقصى 586 - الصمت المدوي: روسيا تخسر الحرب الإعلامية
...
-
العيد 80 للنصر - الجزء الثامن - يفغيني سبيتسين: -لو لم تكن ا
...
-
طوفان الأقصى 585 – دبلوماسية الدولار التي ينتهجها ترامب في ا
...
-
العيد 80 للنصر – الجزء السابع – هل سنعيش حتى الذكرى المئوية
...
-
طوفان الأقصى 584 – خبيرة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تدعو
...
-
العيد 80 للنصر – الجزء السادس – إتفاقيات السلام التي عجلت ال
...
-
طوفان الأقصى 583 - إدارة ترامب تسعى للسيطرة على قناة السويس
-
العيد 80 للنصر - الجزء الخامس - من الذي إنتصرنا عليه — ولماذ
...
-
طوفان الأقصى 582 – اليمن في مواجهة الطغيان - ملف خاص
-
العيد 80 للنصر – الجزء الرابع – الأساس الذي لا يجوز التفريط
...
-
طوفان الأقصى581 - إسرائيل تنوي القضاء الكامل على غزة كأرض فل
...
-
العيد 80 للنصر - الجزء الثالث - ملف خاص
-
طوفان الأقصى 580 - الزحام في سوريا
-
العيد 80 للنصر - الجزء الثاني -عملية بارباروسا عام 1941: تحل
...
-
طوفان الأقصى 579 - «الانتقام الذاتي»: من من العرب ساعد إسرائ
...
-
العيد ال80 للنصر – أسباب إنتصار الإتحاد السوفياتي على ألماني
...
-
طوفان الأقصى 578 - نتنياهو يعلن عن هجوم -مكثف- في غزة وتهجير
...
-
مناهضة الصهيونية – بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي – الجزء الخا
...
المزيد.....
-
محادثات إسطنبول حول أوكرانيا: من يحسم المواجهة -الدبلوماسية-
...
-
-رفيقان رائعان-.. وزير التجارة الأمريكي ينشر صورة مع خالد بن
...
-
الرئيس العراقي يتسلم رسالة خطية من الرئيس الروسي (صور)
-
إسطنبول تحتضن أول لقاء مباشر بين روسيا وأوكرانيا منذ الغزو ل
...
-
مؤتمر دولي بقيادة فرنسا والسعودية للاعتراف بدولة فلسطين وإس
...
-
روسيا وبيلاروس.. مناورات مشتركة -لمواجهة أي عدوان محتمل-
-
مِن أين يمكن أن يبدأ الحوار بين روسيا وأوكرانيا؟
-
بماذا تختلف اسطنبول 2025 عن اسطنبول 2022؟
-
الصراع الأوكراني يمكن أن يستمر 10 سنوات
-
-الرجولة- تهدد الكوكب!.. كيف تعمق العادات الذكورية أزمة المن
...
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|