أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - التمييز العنصري














المزيد.....

التمييز العنصري


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 11:22
المحور: المجتمع المدني
    


كرّم الله الإنسان وفضّله على كثير من خلقه، ومنحه نعمة العقل، ليكون بذلك مهيّأ لتحمّل مسؤولية الخلافة في الأرض، كما جاء في قوله تعالى:
"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" (البقرة: 30).
هذا التكريم الإلهي ليس مجرد تفضيل، بل هو عهد ومسؤولية أخلاقية وروحية، تدعو الإنسان إلى عمارة الأرض بالعدل والمساواة والرحمة. ولكن المؤسف أن الإنسان، رغم هذا المقام، كثيرًا ما يخذل المعنى الذي خُلق من أجله، ويتحوّل من خليفة إلى أداة قهرٍ وظلمٍ لأخيه الإنسان.

في عالم اليوم الذي يُوصف بالعصر الحديث، وعصر التكنولوجيا والمدنية، نرى أن التمييز العنصري والديني لا يزال قائمًا، بل ويتعمّق. يُحكم على الإنسان بناءً على دينه، أو عرقه، أو لونه، أو لغته، أو حتى طبقته الاجتماعية ومستوى تعليمه. وظهرت مفردات ومصطلحات لم تكن شائعة من قبل، لكنها أصبحت تُستخدم لتبرير التفرقة والكراهية، مثل: "الإرهاب"، "الإسلاموفوبيا"، "التطرّف"، "اليمين المتشدّد"، "الدين السياسي"، وغيرها، وغالبًا ما تُستخدم هذه المصطلحات في إطار سياسي أو إعلامي لشيطنة جماعات أو أمم بأكملها.

بينما الحقيقة أن جميع الأديان السماوية جاءت لترفع من شأن الإنسان وتحثّ على احترامه. ففي الإسلام، يقول الله تعالى:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات: 13)،
وهي دعوة عالمية للمساواة وإلغاء الفوارق الظاهرة التي لا تعبّر عن جوهر الإنسان.

وفي المسيحية، نجد في رسالة بولس إلى أهل غلاطية:
"لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلا يُونَانِيٌّ، لَيْسَ عَبْدٌ وَلا حُرٌّ، لَيْسَ ذَكَرٌ وَلا أُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (غلاطية 3:28).
وفي اليهودية، ورد في سفر التكوين:
"فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ" (التكوين 1:27).
وهذا تأكيد على وحدة الأصل الإنساني، وسموّ قيمة الإنسان أيا كان انتماؤه.

لكن الواقع الحديث يسير في اتجاه مناقض لهذه القيم. فقد أشار الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو إلى أن "السلطة تُنتج الحقيقة"، بمعنى أن الخطاب السائد حول مفاهيم مثل الإرهاب أو الأمن أو حقوق الإنسان، ما هو إلا انعكاس لمصالح القوى الكبرى. أما المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، فانتقد ما أسماه "ازدواجية المعايير"، وقال: "حقوق الإنسان غالبًا ما تُستخدم كذريعة لتبرير التدخل، لا لحماية الضعفاء". وأما إدوارد سعيد، فشرح في كتابه "الاستشراق" كيف أن الغرب صاغ صورة نمطية عن الشرق والمسلمين، ليبرّر استعمارهم وإقصاءهم.

وفي ظل هذا الخطاب الموجّه، تقف كثير من المنظمات الدولية – التي تدّعي حماية الإنسان – موقفًا هشًّا. فهي تدين الظلم حين يكون مرتكبه ضعيفًا، لكنها تصمت أمام جرائم دول قوية أو ذات نفوذ سياسي واقتصادي. وبذلك، تحوّلت شعارات مثل "العدالة الدولية" أو "حقوق الإنسان" إلى أدوات سياسية، لا مبادئ إنسانية.

والمأساة الأشدّ مرارة، أن الإنسان بات ينهش لحم أخيه الإنسان، تمامًا كما وصف القرآن الكريم حين قال:
"وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ" (الحجرات: 12).
هذا التصوير القرآني البليغ لا يُقصد به الغيبة فحسب، بل كل فعل ينال من كرامة الإنسان أو يؤذيه ظلمًا وعدوانًا، فهو أكلٌ للحمه بالمعنى المجازي العميق.

رغم كل هذا التقدّم العلمي والتكنولوجي، فإن الإنسان اليوم بحاجة إلى مراجعة نفسه، وإعادة النظر في علاقته بالآخر. لقد آن الأوان لثورة أخلاقية وروحية تعيد التوازن، وتردّ الإنسان إلى إنسانيته، ليكون كما أراده الله: خليفة في الأرض، لا جبّارًا فيها.
فالله لم يخلقنا لنتصارع ونتقاتل، بل لنكون دعاة سلام ومحبة، ولنعمر الأرض بالقيم، لا بالدماء. ولعل أعظم عبادة في هذا العصر، أن نتمسّك بإنسانيتنا، وننحاز للحق، ونرفض الظلم، ونصون كرامة كل إنسان



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التفكك الأسري في المجتمعات المعاصرة
- فن الحديث
- العلاقات الأيرانية السعودية بداية تحول إقليمي قبيل المفاوضات ...
- الحرب الهندية الباكستانيه هل هي أنتصار للصناعة الجوية الصيني ...
- فيما اذا تغير أسم الخليج
- الوعود الأنتخابية في العراق بين الديمقراطية الوليدة وخيبة ال ...
- السكن العشوائي ومسؤولية التنظيم مقارنة بين الواقع المصري وال ...
- الأخلاق بين زمن العالم الرقمي والأزمنة السابقة
- الفساد الأداري بين الفجور والتقوى
- التسول بين الفرد والدولة ...
- عبق الماضي
- الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهوربة الصين ...
- الشارع التونسي والحركات الأسلامية المعتدلة بين الحقيقة والوه ...
- الصحافة .حارسة الحقيقة
- اللعبة الأقتصادية من يحركها ولماذا لايعيش البشر سواسيه؟
- بين سطوة القوة وأنفلات الفكر .قرأة في عالم تحكمه المصالح بدو ...
- جريمة القتل ظاهرة تنذر بالخطر وتشريعات تحتاج وجهة نظر
- هل يتحقق الحلم العراقي بالوصول مرة ثانية لكأس العالم بكرة ال ...
- التيار الصدري وتحديث بطاقة الناخب هل تلويح للمشاركة في الأنت ...
- خور عبدالله بين المد الكويتي والجزر العراقي


المزيد.....




- مئات الإسرائيليين يتظاهرون لإعادة الأسرى تزامنا مع إطلاق سرا ...
- بزشكيان : ادعياء حقوق الإنسان يدمرون منازل الأبرياء بدلا من ...
- فيديو: عام على اعتقال مراد الزغيدي... -الخوف- يُخيّم على الص ...
- حماس: المجاعة بغزة تشتد -بشكل كارثي- وندعو لإدخال المساعدات ...
- تقرير: قطاع غزة يواجه مستوى -حرجا- من خطر المجاعة
- حماس: المجاعة في غزة تشتد بشكل كارثي.. وندعو لكسر الحصار وفت ...
- ليو الرابع عشر يدعو لإطلاق سراح الصحفيين المعتقلين ويشيد بحر ...
- أول دفعة من مواطني جنوب أفريقيا البيض تتوجه إلى الولايات الم ...
- مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيس ...
- مستويات -كارثية- من الجوع.. تقرير يحذر من خطر المجاعة في غزة ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - التمييز العنصري