أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى حقي - ... النساء والنبي -2-؟















المزيد.....


... النساء والنبي -2-؟


مصطفى حقي

الحوار المتمدن-العدد: 1784 - 2007 / 1 / 3 - 12:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


( لمحة عن الكاتب وأعماله في مطلع مقالنا – معجزة القرآن) الحوار المتمدن تاريخ 10/12/2006
ولو جمعنا المزايا الزواجية التي تمتع بها النبي ، والمُشار إليها في آيات عديدة من سورة الأحزاب ، لاتّضح لنا حجمها المدهش. فقد كان له أن يتزوج أكثر من أربع ، وهو الحد الأقصى المتاح لبقية المؤمنين ؛ وكان له أن يتزوج بنات أعمامه وعمّاته وأخواله وخالاته اللاتي هاجرن معه إلى المدينة ؛ وكان له أن يتزوج ، دون صداق أو شهود ، كل من مؤمنة تهب له نفسها ؛ وكان مستثىً من مبدأ العدل بين الزوجات ومَنْحِهِنَّ حقوقاً متساوية ؛ فكان بمقدوره أن يرجيء أو يلغي نوبات أيّة زوجة من زوجاته؛ وإذا ما طلب يد امرأة ، كان على أي متقدم آخر أن يكفّ ؛ وما كان لأحد أن يتزوج من أرامله بعد وفاته . وفوق ذلك كله ، فإن زوجات النبي لم يكن ليحقّ لهنّ أن يطلبن نفقة أو يستكثرنها . وبخلاف ما تمتع به النبي من ضروب المزايا والرُّخَص ، فقد فُرِضَت على زوجاته قيود استثنائية . فهنّ لم يكن كبقية النساء؛ فما كان لهنّ أن ينكشفن لأعين القوم ؛ وكان عليهن أن يكلمن الرجال من خلف حجاب ؛ وكان عليهنّ أن يُمْسِكْنَ عن زينة الجاهلية ؛ وكان عليهن أن يرضين بالنفقة التي تُمْنَح لهنّ ؛ وكان عليهنّ ألا يشتكين إذا ما أُرْجِئَت نوباتهن أو ألغيت أو اختلّ انتظامها، وكان عليهن أن ينسين أمر الزواج من غير النبي أبداً . فالجملة الأخيرة من الآية 53، والتي تخاطب رجال المؤمنين ، تقول صراحة : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولاأن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند الله عظيماً ) وفي التلمود ثمّة تحريم مماثل لزواج أرامل الملوك اليهود من بعدهم .
وينقل عن عبد الله بن عباس : أن رجلاً أتى بعض أزواج النبي (ص) فكلّمها وهو ابن عمها ، فقال النبي (ص) : لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا ، فقال : يا رسول الله ، إنها ابنة عمّي والله ما قلت لها منكراً ولا قالت لي . قال النبي (ص) : قد عرف ذلك أنه ليس أحد أغْيرَ من الله ، وأنه ليس أحد أغيرَ مني. فمضى ثم قال : يمنعني من كلام ابنة عمي ، لأتزوجنّها من بعده . وعندها نزلت الآية 53 من سورة الأحزاب .
وينبغي أن نعلم أنّ نساء النبي العشرين لم يحدث أن اجتمعن جميعاً تحت سقفه في أي وقت . فلقد ذكرنا من قبل وفاة زوجته الجليلة خديجة . كما توفيت في حياته واحدة من زوجاته على الأقل ، هي زينب بنت خزيمة، فضلاً عن سريته ريحانة . ولم يَبْنِ باثنتين من زوجاته. ولم يكن لديه عند وفاته سوى تسع . وقد انقسمت نساء النبي فريقين متنافسين ؛ فمن طرفٍ كانت عائشة وحفصة وسودة وصفية ، ومن الطرف الآخر كانت زينب بنت جحش وأم سلمة وثلاث أخريات .
وبعض نساء النبي كُنّ طرفاً في حودث دخلت التاريخ والأدب الإسلاميين . ومن أشهر الأمثلة على ذلك قصه الإفك واتهام عائشة بصفوان المعطّل .
فبعد غزوة المسلمين على بني المصطلق في العام 5/627 ، نشب نزاع بين أجير لعمر بن الخطاب ورجل من الخزرج فغضب عبدالله بن أبيّ . الشريف الخزرجي الذي اشتهر في التأريخ الإسلامي الباكر بأنه رأس المنافقين، فقال لقومه : أوقَد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا ، والله ما أعُدُّنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول : سَمّن كلبك يأكلك ، وأما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرِجَنّ الأعز منها الأذلّ . وقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم : أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم . وحين سمع النبي بهذا الكلام عجّل بِرَحله عائداً إلى المدينة لإحباط أي كيدٍ أو تهييجٍ يمكن أن يدبّره ابن أبيّ فكان الرَّحلُ يغذّ السير ، مع بعض وقفات طلباً للراحة. وكانت القرعة قد وقعت على عائشة من بين نساء النبي كي تخرج معه في هذه الغزوة. وخلال وقفةٍ في طريق العودة ، خَرَجَت لبعض حاجتها وفي عنقها عقد ، فلما فرغت انسلّ من عنقها دون أن تدري . وحين عادت إلى الرحل ذهبت تلتمسه في عنقها ، فلم تجده ، وقد أخذت الناس في الرحيل. فرجعت على مكانها الذي ذهبت إليه فالتمسته حتى وجدته . فرجعت إلى العسكر لتجد أن الناس قد انطلقوا ، وأن الذين يرحّلون لها البعيرة قد أخذوا الهودج وهم يظنون أنها فيه . وإذ وجدت عائشة نفسها وحيدة في الصحراء تلففت بجلبابها واضطجعت في مكانها إلى أم مرّ بها صفوان بن المعطّل ، الذي تخلف وراء العسكر ليلتقط ما يسقط من متاع المسلمين ويأتيهم به . فرآها . فقرّب بعيره وأردفها خلفه وجاء بها المدينة. وما كان ذلك ليمر بصمت . فحين سَمِعَت حمنة بنت جحش بالأمر ، وهي أخت زينب زوجة النبي ومنا فسة عائشة ، وجدت في ذلك فرصة لإيذاء عائشة واتّهامها بالزنا مع صفوان كما صمّ الشاعر حسان بن ثابت ورجل من المهاجرين يدْعى مسطح بن أُثاثة صوتيهما إلى صوت حمنة ، ولم يتكاسل عبد الله بن أبي الناقم في نشر الشائعة في طول المدينة وعرضها . ومن المؤكّد أن الظروف لم تكن في مصلحة عائشة ، فما إن خرجت مع النبي بغزوة حتى وجدت هذه البنيّة الصغيرة والجميلة نفسها في مواجهة منافستين جديدتين وجميلتين بالمثل ، زينب بنت جحش ، التي كان النبي قد استقوى مؤخراً بنزول آية قرآنية مخصوصة تبيح زواجه بها، وجويرية بنت الحارث ، التي كانت في سبي بني المصطلق كما سبق أن ذكرنا ودفع النبي فداءها لمن جاءت في نصيبه أربعمائة من الدراهم وتزوجها منذ وقت قريب... ومن الممكن بالطبع ان تكون مشاعر المرأة لدى عائشة قد تأذت أشدّ الأذى واستثيرت بظهور منافسة لها فأثِمَت أو مثّلت دور الآثمة عامدةً كإنذار لزوجها . ذلك أن من الصعب أن نصدق بأي حال من الأحوال أن أحداً لم يلاحظ خفّة هودجها حين رُفِع إلى ظهر البعير ، بل أن عدداً من الأسئلة الأخرى يخطر على البال ، فلماذا لم يسأل محمد، الذي كان متعلقاً أشدّ التعلق بعائشة ، إن كانت على ما يرام قبل انطلاق الرَّحل ؟ كيف غفلت عائشة مثل هذه الغفلة عن استعداد مئات من المقاتلين المسلمين للرحيل فلم تلتحق بالركب في الوقت المناسب وبقيت وحيدة في الصحراء عاجزة عن فعل شيء إلى أن وجدها صفوان ؟ ومع ان مهمة صفوان كانت تقتضي التخلف عن الرّحل حين يكون هذا الأخير سائراً ، أما كان من الممكن له أن يلحق بهذا الرحل حين توقف ليريح الرجال والبهائم ؟ إن ظهور صفوان المفاجئ وإنقاذه عائشة بعد فترة طويلة من مغادرة الرّحل لا يبدوا مطابقاً للواقع ولا متماسكاً منطقياً . وما تشير إليه الأدلة لأول وهلة وبالبداهة هو أن عائشة قد تخلّفت بالتواطؤ من صفوان . بدأ القيل والقال الخبيثان منذ أن عاد صفوان إلى المدينة في الصباح وعائشة خلفه ، وراحت تشتدّ بذاءة الكلام أكثر فأكثر مع انتشار الخبر في أرجاء المدينة . ولأنّ المدينة كانت ذلك المكان الصغير الذي سرعان ما تشيع فيه حتى أخبار أشدّ الأمور تفاهةً ، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان من الممكن أن نصدّق القول إنّ عائشة لم تعلم بشيء من ذلك القيل والقال الخطيرين طوال عشرين يوماً ، وأنها حين علمت وقعت مريضة . ومن الممكن ، بالطبع أن تكون قد تمارضت . ونتيجة لتوعّكها هذا ، فقد سُمِحَ لها بأن تذهب إلى بيت أبيها. والاستنتاج الطبيعي هو أنها كانت تعلم بما يقال منذ البداية ، وأنها تمارضت ومضت إلى أبيها حين سمع النبي بما يُقال وأظهر لها الجفاء.
غير أن براءة عائشة على الرغم من كل المظاهر الخارجية والظروف التي تشير إلى العكس ، ليست من ضَرْب المحال بأي حال من الأحوال . فالحادث برمته يمكن أن يُؤْخَذ مثلاً من باب اللعبة التمثيلية الطفولية والأنثوية . وما يرجّح ذلك أشدّ الترجيح هو ما قيل عن صفوان بن المعطل من أنه رجلاً حَصوراً لا يأتي النساء .
وفي الأحوال جميعاً فإن أخبار الشائعات التي انتشرت بين الناس نغَصت النبي أشدّ التنغيص ودفعته إلى استشارة اثنين من ثقاتهن أسامة بن زيد بن أبي طالب. فأما أسامة فكان واثقاً من براءة عائشة ومن أنها ما كانت ، وهي ابنة أبي بكر ، لتنحدر إلى مثل هذا المستوى. وأمّا علي فرأى أنّ النساء كثيرات وأن النبي قادر على أن يستخلف ، وأنّ حقيقة الأمر قد يمكن استجلاؤها من جارية عائشة فقام عليّ إليها فضربها ضرباً شديداً لتصدق النبي القول ، لكنها لم تكن تعلم شيئاً وأقسمت على براءة عائشة . لكن الشكوك ظلّت تنهش النبي . فمضى بنفسه لكي يستنطق عائشة في بيت أبي بكر ، حيث قوبل بمشاهد النحيب وتوكيد البراءة. ولم يبرح النبي من هناك حتّى ما تغشّاه ما يتغشّاه عند نزول الوحي ، فسجّوه بثوبه ووضعوا وسادة من أدم تحت رأسه . وراح العرق يتصبب منه حتى بلّل بردته . وحين سُرِّي عنه . كانت سورة النور قد نزلت. وتبدأ هذه السورة بقسم طويلٍ ( يكاد يستغرق الآيات من 2-26جميعاً ) يتناول حدود الزنا والقذف أو الاتهام الكاذب بالزنا كما يتناول قصة الإفك، حيث يبريء عائشة . ويشير الزمخشري إلى أنه ما من موضوع آخر في القرآن قد أُلحَّ فيه بمثل هذه الشدّة . وخير مثال على ذلك الآية 23 من سورة النور : ( إنّ الذين يرمون المحصّنات الغافلات المؤمنات لُعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم )
ولقد قـُفِلَ أمر الإفك بعقوبة ثلاثةٍ ممّن أفصحوا بالفاحشة، هم حمنة بنت جحش وحسان بن ثابت ومسطح بن اُثاثة ، فَضُرِبَ كلٌّ حدَّه ثمانين جلدة كما نصّت الآية 4 من سورة النور. وبذلك يكون هذا العقاب قد أُنْزِل بهم بمفعول رجعيّ ، لأنه لم يكن قد شُرّع حين اقترفوا الذنب الذي يستوجبه . ومما نقلته السِّير وتردّد صداه في آياتٍ من القرآن ، ثمة أيضاً افتتان النبي بزينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة ابنه بالتبني وزواجه منها.
كان زيد بن حارثة غلاماً اشترته خديجة ووهبته لمحمد فأعتقه وتبنّاه جرياً على عادة من عادات العرب آنذاك . وبحسب العرف الذي كان سائداً لدى العرب قبل الإسلام ، كانت للابن المتبنى ذات الحقوق وعليه ذات التقييدات التي يُخَصّ بها الابن العادي ، في الميراث مثلاً أو موانع الزواج المرتبطة بالقرابة والنسب . وقد جرى المسلمون على هذه العادات إلى أن نزل وقْفُ ذلك في الآيات 4-6 من سورة الأحزاب . وقد نُقل عن عبد الله بن عمر في هذا الشأن أنه قال: ما كنّا ندعوا زيد بن حارثة إلاّ زيد بن محمد حتى نزل في القرآن ( ادعوهم لأبائهم هو أقسط عند الله )
وأمُّ زينب هي أميمة بنت عبد المطلب ن ولذلك كانت زينب بنت عمّة محمد . وكان النبي نفسه قد طلبها لزيد. فأبدت في البداية هي وأخوها عبد الله بن جحش كراهتهما لذلك ، لأنها خيرٌ منه حسباً وهو المولى المُعْتَق ، لكنهما رضيا حين نزلت الآية36 من سورة الأحزاب ( وما كان لمؤمن أو مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخِيَرَةُ من أمرهم ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً ) فبعد نزول هذه الآية ، كان أن زوِّجت زينب لزيد . أما حبّ النبي لزينب فقد نشأ لاحقاً ، حيث تختلف الروايات في وقت وظروف حدوثه . فالرواية الواردة في تفسير الجلالين تشير إلى أنّ موقفه بدأ يتغير بعد زواجهما من زيد مباشرة: زوّجها النبي(ص) لزيد ثم وقع بصره عليها بعد حين( ولعل ذلك يعني وقتاً قصيراً) فوقع في نفسه حبّها .
ويقول الزمخشري ، في شرحه الآية 37 من سورة الحزاب ، إنّ النبي بصرها بعدما أنكحها زيداً فوقعت في نفسه فقال : سبحان مقلّب القلوب . وذلك أنّ نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها ولو أرادتها لاختطبها. وسمعت زينب التسبيحة فذكرتها لزيد ففطن وألقى الله في نفسه كرهةَ صحبتها ، فسارع إلى النبي وقال له: إني أريد أن أفارق صاحبتي .فقال : مالك أرابَك منها شيء . قال : لا والله منها إلا خيراً ولكنّها تتعظّم علي بشرفها وتؤذيني . فقال له : أمْسِك عليك زوجك اتقِ الله . وهذه الجملة الأخيرة ترد في الآية 37 من سورة الأحزاب . وهذه الآية المعبرة هي مثال لافت عن صدق النبي محمد وصراحته : وإذْ تقول للذي أنْعَمَ الله عليه وأنْعَمْتَ عليه أمْسِك عليك زوجَكَ واتقّ الله وتُخْفي في نفسك ماالله مبْديه وتخشى الناس والله أحقُّ أن تخشاه فلما قضى زيدٌ منها وطراً زَوّجْناكَها لكي لايكون على المؤمنين حَرَجٌ في أزواج أدعيائهم إذا قضوا ( أي الأدعياء أو الأبناء بالتبني ) منهنّ وطراً
( وطلقوهن) وكان أمر الله مفعولاً .
الآية واضحة بمافية الكفاية فلا تحتاج إلى شرح أو تفسير . فلقد راقت زينب للنبي ، لكنه حين جاء زيد طالباً الإذن بطلاقها، نصحه بألا يفعل ذلك وأن يمسكها . وبنصيحته هذه لزيد ، فإنّ النبي قد أخفى رغبته الداخلية فيها . لكن الله قال له إنّ كتمانه رغبته في أن يطلق زيدٌ زينب إنما هو بسبب خشية أن تتناوله ألسنة الناس بسوء، في حين كان عليه أن يخشى الله وحده . فلما طلّقها زيد ، على الرغم من نصيحته ، أحل له الله أن يتزوج زينب لئلا يعود المسلمون إلى الامتناع عن الزواج من نساء أبنائهم بالتبني بعد طلاقهم لهنّ . وفي حين أنّ تغير موقف النبي وشعوره بالحبّ تجاه زينب ربما يكون قد بدأ في مراسم زواجها من زيد ، فإن حقيقة مضيّ زيد لنيل موافقة النبي على طلاقها يسبب نفورها إنما تشير إلى أنّ زيداً وزينب سبق أن سادت بينهما لبعض الوقت علاقة زوجية عادية ، وإن لمْ يدُم ذلك طويلاً. وفي هذه الحالة يمكن أن نتصور تسلسل الحوادث التي يوردها الزمخشري على أنه قد جرى على النحو التالي : ما إن رَمَقت عين النبي زينب في مراسم زواجها حتى قال : سبحان مقلّب القلوب؛ وسماع هذا القول وربما رؤية بريق في عين محمد جعلا زينب تقف على حقيقة مشاعره ؛ وهذا الوقوف أضرم في نفسها طموحاً لأن تحظى بمحمد وتغدو زوجة أبرز رجل في قريش؛ وبهذا الدافع وبذريعة أنّها ما رغبت أبداً في الزواج من زيد ، راحت تعامل هذا الأخير ببرود ؛ ومن ثمّ فقد قرّ قرار زيد بما لديه من إخلاص وولاء لراعيه ومُعْتِقِه ، على أن يسرّحها ، فباشر ما ينبغي لذلك من إجراءات على الرغم من النصيحة المعاكسة .
ويقدم المؤلف المجهول صاحب تفسير كيمبرج رواية أخرى: جاء رسول الله ، بركات الله عليه يوماً إلى بيت زينب يطلب زيداً ، فرآها واقفةً إلى صحن تسحق فيه طيباً ذكياً ، فوقعت نفسه، وتمنى في قلبه لو تكون زوجته . وحين رأت زينب النبي ، مدّت يدها إليه ومسّته ، فقال النبي: حسنٌ وجمال يا زينب ، سبحان مقلّب القلوب . قال ذلك مرتين ومضى ، فلما جاء زيد أخبرته بما جرى ، وقالت : لم أعد لك . اذهب واسأل الإذن في طلاقي . وعندها انصرف قلب زيد عنها فلم يعد يطيق رؤية وجهها. وبعدما طلّقها زيد ، سأله النبي أن يمضي إلى زينب ويخبرها أن الله قد زوجها له من السماء . فمضى زيد إلى بابها وقرعه ، فسألته عمّا يريد وقد طلّقها ، فقال أنه جاء برسالة من رسول الله ، قالت زينب : كل السلام لرسول الله . وفتحت الباب . فدخل زيد ، وكانت تبكي ، فقال زيد : ليس وقت البكاء . لقد أعطاك الله زوجاً خيرٌ مني . فقالت : لابأس عليك . من هو ذلك الزوج ؟ .. فاخبرها أنه رسول الله ، فقامت إلى مسجدها ... وتتّسق هذه الرواية مع خبرٍ آخر ينقل أنّ زيداً قال : ذهبت إلى سكن زينب فوجدتها تعجن العجين . ولأنني كنت أعلم أنها ستغدو زوجة النبي عمّا قريب ، فقد منعني الإجلال أن أنظر في وجهها ، فجعلتُ ظهري إليها وأنا أخبرها أنّ النبي يطلب يدها . وبحسب تفسير الجلالين ، فإنه لما انقضت عدّة زينب ، دخل عليها النبي يغير إذن وأشبع الناس خبزاً ولحماً . وقد نُقِل عن كلٍّ من عمر وعائشة ما يفيد أن الآية 37 من سورة الأحزاب تقدم برهانا على أمانة النبي وصدقه . فقد قالت عائشة : لو كتم رسول الله شيئاً مما أوحى إليه لكتم هذه الآية . وما يقدم برهاناً على أمانة النبي وصدقه لا يقتصر على الآية 37 من سورة الآحزاب بل يتعداه إلى آيات كثيرة في القرآن . فمحمد ما كان ليخشى أن يقرّ بضعفه البشري . غير أنّ هذه الحقيقة لم تُقَدّر أبداً حق قدرها لدى المتحمسين والمتعصبين المسلمين في توقهم لأن يكونوا ملكيين أكثر من ملك وفي جوعهم للمعجزات وشراهتهم حيالها نحو ما وصفنا في فصل سابق . فعلى الرغم من وضوح الأدلة التي توفرّها الأحاديث ووضح المعنى في الآية 37 لم يستطع الإمام والمؤرخ العظيم الطبري أن يقبل أنّ فاعل الفعل في جملة ( وتخفي في نفسك ) هو محمد ؛ ولذلك فهو يرى أن المخاطب هنا هو زيد وأنّ زيداً هو الذي كان يخفي في نفسه . ولكي يبرر الطبري هذا التفسير الذي لاأساس له ؛ فإنه يزعم أن زيداً كان يخفي مرضاً فيه ، وأنه قرّر طلاق زينب بسبب هذا المرض ، دافعه إلى ذلك ألا يشيع أمر علّته بين الناس .
ومحمد حسين هيكل ، كاتب السيرة النبوية المعاصر ، هو أيضاً ملكي أكثر من ملك . ففي كتابه حياة محمد ، يقول هيكل : زينب بنت جحش هي ابنة عمته ( أي الرسول) يراها ويعرف مبلغ جمالها قبل أن تتزوج زيداً ، وهو الذي خطبها على زيد ، وهو كان يراها بعد أن تزوجت ... واشتكى زيد إلى النبي غير مرّة من سوء معاملتها إيّاه واستأذنه غير مرّة في تطليقها ، فكان النبي يجيبه : أمسك عليك زوجك واتّق الله . لكنّ زيداً لم يطق معاشرة زينب وإباءها عليه طويلاً فطلّقها. وكأن الشارع الحكيم قد أراد أن يبطل ما كانت تدين به العرب من التصاق الأدعياء بالبيوت واتصالهم بأنسابها , ومن إعطاء الدعيّ جميع حقوق الابن ومن إجرائهم عليه أحكامه حتى في الميراث وحرمة النسب ، ولا يجعل للمتبنى واللصق إلا حق المولى والأخ في الدين .. ومعنى هذا أنه يجوز للمدّعي أن يتزوج من كانت زوجاً لمن ادعاه ، ويجوز للمتبني أن يتزوج ممن كانت زوجاً لمتبنّاه .
يعتقد محمد حسن هيكل أن معظم زيجات النبي كانت سياسية لخير قضيته الدينية . ولكي يدعم وجهة نظره هذه يورد خبراً على لسان عمر بن الخطاب عن زواج النبي من ابنته حفصة : بينما أنا في أمر آتمره إذ قالت لي امرأتي: لو صنعت كذا وكذا ! فقلت لها : ومالك أنت .. فقالت لي : عجباً لك يا ابن الخطاب ! ما تريد أن تُراجَع أنت وإنّ ابنتك لتراجع رسول الله حتى يظلّ يومه غضبان ! فأخذ ردائي ثم أخرج مكاني حتى أدخل حفصة ، فقلت لها : يا بنية إنكّ لتراجعين رسول الله(ص) حتى يظل يومه غضبان ؟ فقالت حفصة : والله إنا لنراجعه . فقلت : تعلمين أني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله . يا بنية لا يغرّنك هذه التي أعجبها حسنها وحب رسول الله (ص) إياها ( يقصد عائشة ) .. والله لقد علمت أن رسول الله لايحبّك ولولا أنا لطلّقك .
من الواضح أن بعض زيجات النبي قد عُقِدَت لغرض إقامة روابط من القرابة تعزز قضية الإسلام . وبرأي هيكل ، أن هذا الغرض هو ما حدّد اختيار النبي أن يكون صهريه علي وعثمان . ومن المشهور أنّ خالد بن الوليد دخل الإسلام حين عمد النبي ، في زيارته إلى مكة في العام 7/629 من أجل العمرة ، إلى الزواج من ميمونة ، خالة خالد وأخت زوجتي عميّ النبي العباس وحمزة .
ومن القضايا الزوجية التي ينبغي أن نأتي على ذكرها ، نظراً لما سبّبته من اضطراب في ذلك الحين وكونها موضوع آيات قرآنية ، تحريم النبي مارية القبطية : ففي أحد الأيام أتت مارية لترى النبي في بيت حفصة، ولم تكن حفصة في البيت ، فأدخل النبي مارية وواقعها. فرجعت حفصة وأبصرت مارية مع النبي في بيتها ، فصرخت قائلة : لقد جئت إلي بشيء ماجئت به إلى أحد من نسائك ، في يومي وفي بيتي وعلى فراشي . ومرضاةً لحفصة ، حلف النبي ألا يقرب مارية وحرّمها على نفسه . وحين هدأت العاصفة ، وربما لأنه كان مولعاً بمارية أو تأثر لمشاعرها الكسيرة وشكواها بسبب التحريم ، بدّل النبي رأيه . وقد بُرّر تبديل الرأي هذا بنزول الآيات الخمس الأولى من سورة التحريم :
(يا أيها النبي لم تحرّم ما أحلّ الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم. الآية1
(قد فرض الله لكم تَحِلّة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم . الآية 2 )
ومن الواضح أن هذه إشارة إلى الآية 89 من سورة المائدة ، التي شرّعت التحلّة من الإيمان التي يُحنَث فيها بالتكفير عن ذلك بأفعال خيّرة كإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة ، أو صيام ثلاثة أيام. وبحسب رواية تنسي لمُقاتل بن سليمان ، فإن النبي كفّر عن يمينه بشأن مارية بتحرير رقبة، غير أنه يُنقل عن الحسن بن علي قوله إنّ معنى والله غفور رحيم في الآية1 هو أن الله قد غفر للنبي .
( وإذ أسَرّ النبيُّ إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نَبّأت به وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعْرَضَ عن بعض فلما نبّأها به قالت من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير) الآية 3
واضح أن ما جرى هو أن النبي قد استوثق حفصة أن تكتم عليه أنه قد حرّم مارية على نفسه ، لكن حفصة لم تكتم ، فأخبرت بذلك عائشة وأنبأ الله النبي بما فعلته. وعندئذ كلّم النبي حفصة، وذكر لها جزءاً مما أنبيء به وأحجم عن ذكر جزءٍ آخر . ولأن حفصة اعتقدت أنّ عائشة هي التي أنبأت النبي ، فقد سألته من أنبأك هذا ، فقال إنّ الله هو الذي أنبأه . ولا بدّ أن يذهل كل قارئ للقرآن إذْ يقع على مثل هذه الشؤون الخصوصية في كتابٍ مقدسٍ ومدوّنة أخلاقية تصلح لجميع البشر وجميع العصور .
لكن المذهل أكثر هو تلك التفاسير التي قدمها المفسرون . ومن الأمثلة على ذلك ماجاء في تفسير كيمبرج من أنه – حين أفشت حفصة على عائشة سرّ النبي وأنبأ الله رسوله بأنّ حفصة قد أفشت سرّه إلى عائشة ، ذكّر النبي ببعض ما قالته لعائشة –
فهل يُليق أن يضمّن النص القرآني مثل كلام النساء هذا ، مما يمكن أن يجري في أي حين وفي أي ركن من أركان الأرض؟ ألا ينزل المفسرون بالله ، خالق الكون ، إلى مستوى ناشرٍ للفضائح والإشاعات يقدم تقريراً عن حديث حفصة مع عائشة ؟ وعلى أية حال ، فإن موضوع الآيات الثلاث الأولى من سورة التحريم لهو من نوع الجدل أو الخلاف الشائع بين الزوج والزوجة . أما الآيتان 4و5 فهما إنذار لحفصة وعائشة . فإن أصرّتا على التذمر وإبداء غيرة الزوجة، فسوف تجلبان على نفسيهما غضب النبي . والله مولى النبي ، وعسى النبي أن يلجأ في آخر الأمر إلى طلاقهما .
( إن تتوبا إلى الله فقد صَغَتْ قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) الآية 4)
( عسى ربُّهُ إن طلّقكنَّ أن يُبْدِلَهُ أزواجاً خيراً منكنّ مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات ساجدات ثيِّباتٍ وأبكاراً ( الآية 5 )
وعلى الرغم من وضوح كل معنى من هذه الآية وسبب نزولها فقد حاول المفسرون أن يفسروها بطرائق لايمكن إلا أن تدفع القاريء إلى الضحك من سذاجتهم . ففي تفسير كيمبرج أن كلمة ثيِّبات ( وتعني مطلقات أوأرامل) تشير إلى زوجة فرعون ، وانَّ كلمة أبكار ( عذراوات ) تشير إلى مريم أم عيسى ، وكلتاهما تنتظر الزواج من النبي محمد في الجنة . ولعلّ من الضرور أن نذكّر أيضاً رواية مغايرة تماماً عن سبب نزول الآيات الخمس الأولى من سورة التحريم ففي هذه الرواية ، أنّ النبي كان يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش ويمكث عندها ، فتواطأت عائشة وحفصةأيّتهما دخل عليها فلتقل له : إني أجد منك ريحاً. فلما سمع النبي ذلك ، حلف ألا يعود إلى أكل العسل ثانية وبعدها( من المفترض بعد أن ندم على هذا القسم)، نزلت آية اللوم
( أي الآية 1) من سورة التحريم ، ثم أقيم مبدأ الكفّارة للتكفير عن الحدث باليمين وهُدّدت زوجات النبي بالطلاق إذا ما ثابرن على غيرتهنّ وتنافسهن . بيد أن مثل هذه الرواية لا يُحْتَمَلُ أن تكون حديثاً موثوقاً إذ تُغْفِل معرفة حفصة بسرّ النبي وإفشاءها هذا السر العرب ..

من كتاب : 23 عاماً في الممارسة النبوية المحمدية
. الكاتب : علي الدشتي وترجمة ثائر ديب وإصدار رابطة العقلانيين



#مصطفى_حقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- .. النساء والنبي ....-1-..؟
- ... النساء في الإسلام ...؟
- النبوّة والحكم .....؟
- سياسة التقدم نحو السلطة ....؟
- الكاتب القاص المدمن عشقاً صبحي دسوقي يبتهل لنارا....؟
- بداية اقتصادية على أموال اليهود...؟
- ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - التغيّر في شخصية مح ...
- ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - الهجرة
- ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية-بشرية محمّد
- الشاعر الإنسان عايد سراج غيفارا يبحث عن صديق ...؟
- معجزة القرآن .. ومواهب الرسول الفكرية واللغوية وقوته على الإ ...
- نصف عقد في حوار حضاري متمدن ...
- مهرجان الرقة المسرحي الثاني وانحسار النص المحلي..؟
- حتمية انتصار الثقافة مطلب حضاري ..سيادة الوزير
- .. الضحايا يغتصبون الضحايا..؟
- حدث غير واقعي ، ومع ذلك تعاملت معه المدينة بمنتهى الواقعية . ...
- رسالة إلى نبيل عبدالكريم ...؟
- ..العلمانية مابين الأممية والقومية ...؟
- لو كان الحجاب رجلاً لحجّبته ...؟
- صفعة المرأة في اسياد المال حطّمت باب الحارة ...؟


المزيد.....




- مشتبه به في إطلاق نار يهرب من موقع الحادث.. ونظام جديد ساهم ...
- الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟
- بشار الأسد يستقبل وزير خارجية البحرين لبحث تحضيرات القمة الع ...
- ماكرون يدعو إلى إنشاء دفاع أوروبي موثوق يشمل النووي الفرنسي ...
- بعد 7 أشهر من الحرب على غزة.. عباس من الرياض: من حق إسرائيل ...
- المطبخ المركزي العالمي يعلن استئناف عملياته في غزة بعد نحو ش ...
- أوكرانيا تحذر من تدهور الجبهة وروسيا تحذر من المساس بأصولها ...
- ضباط وجنود من لواء المظليين الإسرائيلي يرفضون أوامر الاستعدا ...
- مصر.. الداخلية تكشف ملابسات مقطع فيديو أثار غضبا كبيرا في ال ...
- مصر.. الداخلية تكشف حقيقة فيديو -الطفل يوسف العائد من الموت- ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى حقي - ... النساء والنبي -2-؟