أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فجر يعقوب - همبورغر عراقي في معسكر قوة التحمل الأميركي















المزيد.....

همبورغر عراقي في معسكر قوة التحمل الأميركي


فجر يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 1767 - 2006 / 12 / 17 - 07:54
المحور: كتابات ساخرة
    


لا أحد يعتقد أن الـ(همبورغر) هو طعام شعبي عراقي. ولا أحد ربما بوسعه أن يعتقد أن هذه الأكلة الهجينة القادمة من (بلاد الوجبات السريعة)، والمكونة من البيض، وبقايا اللحوم المتبلة بالبهارات، والكاتشب والمايونيز، والبطاطا المقلية على عجل مثل بعض الأرواح الميتة، قد تغري عراقياً بالوقوف أمامها، إذا ما راودته بالمسقوف، أو الباغلَّة بالدهن، والباتشِّة والتمَّن، والشاي الأسود الثقيل.
تبدو الحياة العراقية في هذه الانكارات حاضرة على الدوام. وهي ما إن تغيب حتى تظهر. وقد تعرفنا إليها من خلال المتطوعين الذين وفدوا إلى المنظمات الفلسطينية في سبعينات القرن الفائت، وبعضهم أصبح من القيادات السياسية والعسكرية فيها. وأحياناً كثيرة من خلال المنفيين الذين أرغمهم صدام حسين على الخروج إلى المنافي الشاسعة، العربية والأجنبية، وهو يبتسم ملء شدقيه، يوم لم يكن العراق متسامحاً مع أبنائه.
مع الإطباق الأمريكي الفولاذي على العراق، وهو الإطباق المشفوع بأمنيات مجلس الأمن، وهيئة الأمم بأن يرضخ الطاغية للمجتمع الدولي، المجتمع الذي يعقد جلساته عادة بطريقة (الوجبات السريعة)، ويأخذ قراراته بالطريقة التي تعد فيها هذه الوجبات . مع هذا الحصار المفولذ بالحكمة السائدة بدأ العراقيون يتسربون إلى عواصم ومدن الدول المحيطة بحثاً عن لقمة العيش في أمكنة آمنة ومستقرة، وتحول قسم منهم إلى باعة أرصفة.
ها هنا ظهرت وجوه سمراء مكدودة هدَّها التعب والإرهاق، فلم يعتد العراقيون في حقبتهم المعاصرة هذه الطريقة بالإذلال، لأن العراق بلد خير، وهذا ما يعرفه القاصي والداني. ولم يحول العراقيون غضبتهم إلا إلى دواخلهم، فليس لها متنفس إلا هناك، بالرغم من أنهم أصبحوا في أحايين كثيرة عرضة لمطاردة رجال البلديات في هذه العواصم.
ولكن مع الاحتلال الأمريكي المباشر لهذا البلد، وبعد أن ساوم الطاغية (المجتمع الدولي) الوهمي، على بلاده كاملة مقابل البقاء. وهي المساومة التي رفضها بوش الابن. مع هذا الاحتلال تغيرت الصورة في ساعة الحشر العراقية.
لم نعد نرى في أمكنتنا نفس باعة الأرصفة، وقد ارتبط بعضنا بصداقات معهم. غاب منهم من غاب، وقد عاد بعضهم، ولكن من دون اللهجة العراقية المحببة التي اعتدنا عليها عبر ثلاثة عقود مضت. ولم نعد نرى عراقيين يفترشون الأرصفة، أو السيارات المخططة بالبرتقالي التي كانت تفتح أبوابها لتعلن عن ملابس جلدية، أو تمور وأغطية...الخ.
عادوا، ولم تعد اللهجة ذاتها، وكأن شيء غير محسوس قد تغير فيها. أمر ما قد أصابها، فأصبحت غريبة في لحظة، وصرنا في أماكننا وكأننا نسمعها للمرة الأولى نحاول تذوقها من جديد. لا.. لم تعد اللهجة ذاتها، وهذا مؤكد. هناك ما يهجس به أصحاب هذه اللهجة وقد غادروا العراق الجديد ومعهم أسئلتهم عن الفلوجة والرمادي وبعقوبة والبصرة..و..و..ولم تدفع كل تلك السيارات المفخخة، أو الرؤوس المقطوعة على عجل إلى إجابة من أي نوع، أو نداء من أي نوع.. أو لهجة من أي نوع. جاء العراقيون إلينا هذه المرة من دون لهجتهم المحببة والتي اعتدنا عليها في القسم الفلسطيني، والقسم العربي، والقسم الأوروبي الأخير.
هذا عن العراقيين المغادرين إلى كل الدنيا، فماذا عن العراقيين المقيمين في العراق..؟!
بدأت أحوال هؤلاء غامضة حتى مع تيسر هذا الكم الهائل من الفضائيات، وصرنا الآن نتابعهم عبر الأفلام التي تعرضها هذه الفضائيات، وعبر بعض المهرجانات التي صارت تطالب بالأفلام عن العراق، وكأنه موسم جديد يهتم بالنقاط الساخنة في العالم. وهذا هو حال الإعلام وهو يرسم هيبة له. هيبة قد تتضرر هنا أو هناك، ولكن ما هو مؤكد إن العراق أصبح يحتل جزءاً كبيراً من هذه الهيبة المفقودة.
واحد من هذه الأفلام، هو ما عرضته علينا محطة الجزيرة مؤخراً وهو عن معسكر لتدريب الجيش العراقي الجديد على الطريقة الأمريكية، وفي هذا الفيلم، لم يخطر ببال المجند العراقي (همبورغر) – وهذا اسمه الحركي في الفيلم – أنه سيخضع لامتحان قاس، ربما لم يفكر فيه من قبل أن ينتسب إلى (معسكر قوة التحمل) الصحراوي، الذي يشرف عليه ضباط المارينز الأمريكيون.
لقد قبل هذا المجند باسمه، وقد بثت جميع اللقاءات مع أصحابها بأسماء مستعارة خوفاً من انتقام المتمردين – كما جاء الفيلم على تسميتهم – من أهاليهم، نتيجة قبولهم الانضمام إلى الجيش العراقي المشكل حديثاً. ولكنه لم يكن يخطر بباله أبداً، وهو الذي خضع لتدريبات قاسية وعقوبات جسدية ومعنوية أقسى أنه سيخضع رأسه في نهاية المطاف لحلاقة نظيفة. وحتى هذه اللحظة كان الوضع مقبولاً بالنسبة إليه. أن يخرج إلى رفاقه وهو يحمل اسم أكلة أمريكية سريعة، وإن كانت محتوياتها في بلادنا لا تشبه تلك في بلاد العم سام، وبرأس حليقة تماماً مثل ماء رائق لا تشوبه شائبة، وقد سحبت شوارده بحرفة وانتظام عاليين. وهو لم يناقش مسألة عودته إلى أهله مثل (كورياك) الكردي العراقي، الذي اختار اسماً مستعاراً أيضاً، ولكنه رفض مبدأ الحلاقة العسكرية من أساسه، وتشاجر مع صف ضابط أمريكي مشرف على صالون الحلاقة التابع لمعسكر قوة التحمل العراقي برؤية أمريكية، مبرراً ذلك بأن (المتمردين) سيعرفون بأمر انتسابه للجيش، وسينتقمون من أهله.
قد تبدو مشكلة كورياك أقل تأثيراً منها على همبورغر الذي رفض حلاقة شاربيه، فهذه فكرة غير مقبولة من جانبه على الإطلاق.
نسي (همبورغر) وهو يغرق في رمال المعسكر أكلته العراقي المفضلة، نسي لهجته، نسي أمه، ولم يعد يذكر شيئاً من الوشوم التي تغطي وجهها. وهو لم يتوقف طويلاً أمام مسألة العودة إلى أهله بعد انقضاء فترة التدريب القاسية. ولكنه توقف أمام شاربيه الأزغبين وقد نبتا للتو. ونبش همبورغر في ماضيه. نبش في رمز استمراريته كرجل مقبل على الحياة في مهب الحياة نفسها.. وتذكر في لحظة المرآة رمز فحولته المقبلة.
بدا لافتاً حقاً أن العديد من المجندين العراقيين الجدد (العرب خاصة) رفضوا حلاقة الشاربين، ثم قبلوا بها خوفاً من الطرد والإلقاء بهم إلى الشوارع، حيث لا عمل، ولا مأوى قد يعينهم في هذه الحلكة المقيمة. قبلوا، وقد ماتوا رعباً من مستقبل لا يضمن لهم في سجلاته أي تقدير لرجولة صارت عبئاً على أهلها.
لم يتوقف همبورغر أمام زكريا تامر، وهو لم يعرف قصصه، ولم يقرأها، وربما لم يعرف باسمه. وفي قصة عن جدوى التحمل الإنساني، أن الدنيا تسوَّد وتغتَّم في عيني المتهم البريء أبو حسن، الذي تدخل لإنقاذ امرأة مغناج سرقت حقيبتها. وهو عندما قام من يقظته وطارد اللصوص الأشقياء، رمى هؤلاء بالحقيبة المسروقة على الأرض، كي يتوقف أبو حسن عن عناده ويتوقف عن مطاردتهم. وما إن انحنى لامساكها حتى وصلت المرأة برفقة الشرطة، وأشارت إلى أبي حسن بوصفه من سرق حقيبتها. واستكثر الرجل التهمة، وفنجر عينيه، وهو (القبضاي) الذي لا يقوم بوصفة مشابهة، ولا يضحي بسمعته، وسمعة شاربيه المبرومين اللذين يقف عليهما أسد آشوري مجنح من دون أن يهتزا. حاول أبو حسن أن يدافع عن نفسه في معسكر التحمل الجديد، ولكنه لم يفلح، إذ سرعان ما ساقوه سوقة البغل أمامهم، وألقوا به في زنزانة معتمة ورطبة. وجاع الرجل وتحمل الذل واللطمات، ولكنهم أدركوا سره، وسر تحمله وقوة بأسه وصبره، فاستهدفوا شاربيه وهو الذي لم يكن يملك سواهما في هذه الدنيا الفانية. قضوا له على سره المكين، فقصوا شاربيه، فلم يحتمل الصدمة ومات من هول الفاجعة.
أما المجند العراقي في معسكر قوة التحمل، فيحمل اسم همبورغر، ويبتسم من بعد أن يتعرق قليلاً ثم يمضي إلى أهله من دون شاربيه ومن دون أن يعبأ بكاميرا المصور.. والمترجم، وفي يقينه سؤال عن جدوى التحمل في معسكر قوة التحمل..!!



#فجر_يعقوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشقيقان جلادو على متن التابوت الطائر
- أفواه وأرانب
- صنع الله ابراهيم يستسلم لروحانيات الآلة الكاتبة
- تلك القائمة
- الصورة الانكشارية
- في فيلم رشيد مشهراوي الجديد
- انفلونزة كونية
- دمشق في السينما
- الماكييرة الصلعاء
- الصورة أصدق انباء من الكتب
- عنف أقل
- وجوه معلقة على الحائط للبناني وائل ديب:الغائب الذي يعذبنا با ...
- الآثار العراقية في فيلم وثائقي
- جان جينيه والارتياب على آخر نفس
- لأدوية البطولية بحسب بودلير
- في فيلم باب المقام لمحمد ملص حلب لم تتغير.. بورتريهات شيوخ ا ...
- سيناريو لقصي خولي:يوم في حياة حافلة سورية
- سوردا للعراقي قاسم عبد
- الحياة معجزة
- فلسطين ذلك الصباح


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فجر يعقوب - همبورغر عراقي في معسكر قوة التحمل الأميركي