أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فجر يعقوب - الماكييرة الصلعاء















المزيد.....

الماكييرة الصلعاء


فجر يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 1712 - 2006 / 10 / 23 - 10:37
المحور: الادب والفن
    


في حي البحصة الدمشقي ولد هذا الاعتراف. وأنا قررت أن أسجله في حوليات المدينة كإسهام أولي مني بالحلول السحرية التي تفترضها مناقشة مشروع الفيلم الجديد للمخرج الكبير (ب)، لكن المشكلة الحقيقية تكمن مع الماكييرة الصلعاء (ع)، وهذا سيؤثر كثيراً في ديكوباج المشاعر أو التقطيع الفني لها، وهي تتكوم منذ الأمس أمام طلعة جوزة الحدباء حيث يقيم طاقم الفيلم الفرنسي في فندق اللؤلؤة، وهو الفندق الذي يُختبر فيه سنوياً وَله طائر الوقواق الحنون أمام بغضاء أنثاه.
نص اعتراف مساعد المخرج الأول:
أنا مساعد مخرج الروائع، أكره الأفلام التي يوجد فيها Make-up للممثلين والممثلات، وأؤيد دون قيد أو شرط منع الماكييرات من العمل في السينما أو التلفزيون وإطلاق النار عليهن في ســاعات المد الأعظمي لأفلام البورنو غرافيا التي تبثها محطة XXL على مدار /24/ ساعة.
أعترف أنني تبولت في سروالي الكتاني منذ أن التصق بن المصور الفرنسي داميان وهو يبحث عن مادة لفيلمه الوثائقي، وقد اخترعت له قصة مضللة عن نافورة كلينتون لأخلق نوعاً من الإثارة الواقعية يحتاجها هذا الفيلم وهو يعيد تركيب واقع الناس في مخيم جرمانا للاجئين الفلسطينيين بالقرب من دمشق.. وعندما دقت الساعة البيولوجية بين قلبين شابين يعودان في ملكيتهما المسجلة في الشهر العقاري إلى الممثلة الجميلة ماريا، والسكريبت الفوضوي غيث وجدت نفسي متورطاً في فيلم المصور داميان وبعيداً جداً عن فيلم مخرج الروائع (ب) وآثرت كعادة الوقواق الاعتراف بكذبة أخرى أمام أهل المخيم، فما من أثر لرقبة مغنية جميلة وعدتني في ليلة استمناء مريعة بالفردوس المنتظم.
مجلس العزاء في المعصرة القديمة:
في اليوم الثالث للتصوير عدت بعد الاستطلاع الميداني لأعماق الصيف الذي لا مثيل له في الأغاني إلى مقهى الأنترنيت VIP، وتناولت سماعة فضية للاتصال بوردة الجزائرية، وكتمت صوتي بمنشفة مبللة كي لا أدلل على صوتي أمام صاحبة أجمل رقبة في العالم وطلبت قسم الرخاء الإنساني وقد نسيت أمر الماكييرة الصلعاء تماماً، فأنا وداميان لا نحتاجها للفيلم الوثائقي.
جاء الصوت بعيداً وجافاً. لم يكن صوت المطربة المشهورة:
آلو.. نعم.. أي خدمة؟
أنا مساعد الوقواق.. أقصد أنني عالق...
هذا يكفي.. لقد أخذنا علماً بوجودك في VIP. وسنعاود الاتصال بك لاحقاً.
من المتكلم؟ - كان صوتي واجفاً ومترقباً مثل سمكة قمرية مدخنة، ويحمل بداخله نبرة تشاؤمية.
أرخيت السماعة لّما أدركت فشل الاتصال بالمغنية، وراودني الندم لافتتاح مجلس العزاء في المعصرة القديمة بالقرب من محطة قطار القدم. وأخذت أتمطق بخبث عن السينما البديلة، وصدحت بصوتٍ ملهم جزوع عن التثفل اللغوي البديع. كنت أترنح وأنا أغادر مجلس العزاء على دراجة الموتى و للمرة الأولى في حياتي لم أختر المصعد الكهربائي في نزولي، بل انزلقت بغضاريفي على درابزينات المشاعر التسعة. وأكاد أجزم أن فيوض مشاعري تجاه الماكييرة الصلعاء قد سببت انكساراً في الضوء اللازم للفيلم، وهذا لا يرتبط البتة بمعاناة جدنا أبو الحسن البصري، وهو يعمل على (الإنكسار) ، فنظرياته زائدة على الاقتباس..!!
هروب الممثلة ماريا من (اللوكيشن):
كنت في رابعة النهار، وكانت الممثلة الشابة قد ارتضت بوجودي قسراً، فقد تكلست نواياها، ولهذا فأنا أؤرخ لهروبها من فيلم المخرج الكبير على شاكلة أرق مدبب:
ابحث عن أكمام البطل في أعماقك.
فتشت في جيوبي ببلاهة، ثم ملت على القسم العلوي غرفة غرفة، فلم أعثر سوى على شماتة طير مهزول ينام في سرير العناية الفائقة، وكانت أكياس السيروم الوهمية معلقة في السماء، وثمة أنابيب كثيرة تداخلت وتوزعت بطريقة مدروسة ومتقنة. ورأتني الممثلة هرماً، ورأيتها شابة، ثم رأتني شاباً لا شقوق في جبهته، ورأيتها باردة كالألماس، فآثرت معها الابتعاد عن مجرى الحديث الغرامي:
ما اسمك؟
ماريا – أجابت بهدوء ممثلة مبتدئة هاربة للتو من اللحاء الفلسفي الأصفر.
هم م م م م...كررررغ.. اسم غير عادي – أجبت دون مبالاة وأردفت: منذ متى وأنت هنا؟
لا أعرف.. اختطفت من قبل صيارفة الممثل المخرج الكبير، وكبرت هنا في هذا (اللوكيشن) مع أشعار القمر الأبيض المسن.
لم أجد تفسيراً لهذه الأحجية الفيلمية، وأعترف أنني عاجز عن تقديم يد المساعدة لها، فأجزاء كثيرة من جسدها المميز مثل جسد عارضة تكلس مع مجد الأيتام الكبار، ولم يعد بوسع فتى الكلاكيت المرح أن يسجل أرقام مشاهدها الباقية. صرخت مرعوبة فالأنابيب سببت لها الألم، وانثنت على السرير وهي تنشج:
اسمعي يا بنت الناس سوف أخرجك من هنا.
ولكن المكان وهمي، ولا وجود لـه إلا في الديكوباج، فإلى أين سنذهب؟! ابتسمت راضياً وأنا أضعها على نقالة حديثة مجهزة ببعض أكياس السيروم المهربة، وخرجت بها من الغرفة. مررت مترنحاً بمحاذاة مقصورة مسؤول المؤثرات الخاصـــــة (Special effect) الذي لم يرتح إلى المشهد، لكنه كان مشغولاً بفيلم خيالي، فاكتفى بالنداء عليّ بصوت متهدج:
إلى أين أيها البطل؟
إلى برادات الأحلام الخاثرة أيها الزميل، فما لدينا لهذه الليلة سوى بعض النفايات.
أعتقد أنني رأيتك تنشد من قبل في حفل خيري.. أمسية سعيدة يا صاح – وحشر رأسه في صدر ممثلة افتراضية وأخذ يلهث بقوة وهو يحاول أن يضخم نهديها عبر الكومبيوتر.
لم أعره انتباهاً بل ارتحت لمشهد الخيانة الزوجية الآسرة، ولم أعلق عليه كثيراً، فما من إثارة ترغرغ في هذا الكان.. لا شيء إلا بعض العناكب المستثارة جنسياً من قبل (الأرامل السود)، والحراثين والسحالي المستوفاة الأجل.
أحسست بمرح مضاعف وأنا أنزلق بثقة على رقبة المغنية الجميلة. خرجت من البوابة الخلفية للمعصرة، ولم أنتبه إلى اعتراض الحارس الذي كان يراقص الماكييرة الصلعاء.. وعندما حاول الاحتجاج، أنهيت رقصته التعبيرية بإشارة من إصبعي حتى صفي دمه تماماً.. ولم يبحث عن أكمام البطل في أعماقه، بل عن أزرار سترته القديمة فقط.
خرجت خمسون قطة سيامية على الأقل في مظاهرة معادية للسيمفونية التاسعة، فتأثرت كثيراً وأخذت أزين رقبتي بالموشحات.
ميراث الوقواق السينمائي:
أردت أن أعيش حراً، فآثرت الابتعاد عن بلاغات اللغة السائبة في المراعي، ولم يرد على رغباتي سوى اصطفاق جناحي طائر وقواق شمعي مزيف.
كانت المشاعر الوردية المتناقضة تنساب بيني وبين الممثلة الشابة بدقة متناهية.
لماذا ترتجف كلما نظرت إليّ؟
لم أرد وآثرت الاستماع إلى هدير عجلات العربة، وأخذت نقط السيروم الوهمية تسيل مثل الوله في مواجهة البغضاء المسلية. كان هذا فألاً حسناً لتأثيث عش الوقواق.
(قالوا لي من قبل إنهم وجدوني تحت شجرة تين يابسة لا أفنان لها ولا ظلال، والريح الصفراء كانت مجذومة، وأنا صدقت، صدقت لأنني يتيم، وأخشى عواقب الغدر).
قال لي الكاهن الأكبر أمين أوسو، وهو يعد الشاي لطاقم الفيلم:
أيها القاتل الجليل ابحث عن البطل في أعماقك.
ولكن لا أعماق في قلب الضحية التي أبحث فيها ‘وأنا لم أكن بحاجة إلى أكياس السيروم، فقد أصبحت طيراً هرماً بما فيه الكفاية.
كان صيارفة المخرج الكبير يقتربون من ظلال الممثلة الشابة بكثافة وترقق الليل، فقد رأيت أضواء الكشافات المبهرة وهي تتصارع فيما بينها نتيجة عدوهم الفوضوي فوق الصخور الملساء، وانقطعت خيوط اللحاء الفلسفي الأصفر عند العصر، بعد أن تآكل الجص من حول ضحكة الممثلة، وفهمت أن الفرط العاطفي الذي يصيبها ليس معدياً، فدفعت بأوراق طائر الوقواق إلى مسؤول الفرقة المطاردة.. وأضيئت السماء كلها بلمبات حمراء.
– لن ينجو البطل الذي ينام في أعماقك – صرخوا بي عبر مكبرات الصوت- سنطاله وفقاً للقوانين المرعية، وهذه ا لأوراق لا تفيدنا بشيء.
لا أريد أن أصدق أن ثمة وحشاً قاتلاً دون أكمام وأزرار ينام بداخلي ويكره موسيقى بيتهوفن، ويجعلني أخربها وأعيد النظر بها في (المتاهة).
يا الله أنا أريد العش فقط..!!
موت الماكييرة:
نمت فوق شجرة التين اليابسة، وأنا أحس بخدر عاطفي لذيذة .
كنت ألف روحي الهرمة بمكعبات الجص، وها أنذا أبتسم بخبث وأتخيل رقبة المطربة الجميلة، وأنا أبللها بالقبلات، وأشم رائحة دمي بعد مرور أكثر من ساعتين على اغتيال الممثلة الشابة ماريا من قبل هيئة المحلفين السعداء.
انزل أيها المغضوب عن الشجرة، فالعش في مكان آخر.
هكذا تصرخ أمهاتنا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
وهكذا أصرخ أنا في بئر الأحلام:
(أيتها الماكييرة اللئيمة لقد حاولت أن أنزلق بثقة المطر على رقبة المطربة الجميلة، فلم أفلح وظللت معلقاً في السماء الزرقاء، وأطنان من الأزرار والأكمام تتراقص من حولي وتلتصق بمشاعري دون شفقة..
أيتها الماكييرة الصلعاء.
مات فصل الصيف.
مات المصور الفرنسي داميان..!!).
كانت شجرة التين عالية جداً لا تصل إليها أي ريح، وكان اسم ماريا عادياً جداً، لا يتمتع بحصانة عاطفية أو دبلوماسية ولا وجود لـه في السجلات الرسمية.. وعش الوقواق لم يكن في أي مكان..!!



#فجر_يعقوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصورة أصدق انباء من الكتب
- عنف أقل
- وجوه معلقة على الحائط للبناني وائل ديب:الغائب الذي يعذبنا با ...
- الآثار العراقية في فيلم وثائقي
- جان جينيه والارتياب على آخر نفس
- لأدوية البطولية بحسب بودلير
- في فيلم باب المقام لمحمد ملص حلب لم تتغير.. بورتريهات شيوخ ا ...
- سيناريو لقصي خولي:يوم في حياة حافلة سورية
- سوردا للعراقي قاسم عبد
- الحياة معجزة
- فلسطين ذلك الصباح
- باربي الجزيرة
- تجار الألم
- يوميات بيروت: الطيران فوق المجتمع المثالي بعكازي خشب
- حصافة الصورة التي لم يعد بالإمكان تقليبها بين الأصابع


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فجر يعقوب - الماكييرة الصلعاء