أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - قفص مرمي في ضواحي بغداد














المزيد.....

قفص مرمي في ضواحي بغداد


طارق حربي

الحوار المتمدن-العدد: 7967 - 2024 / 5 / 4 - 11:54
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
بَدا له بَوْحُها حانية الرأس على طاولة المقهى لافتاً أكثر من أي وقت مضى!
فما أن سألها كيف تمضي أوقاتها حتى صَفَنَتْ قليلا، كما لو أيقظها من سبات عميق!
وما لبثتْ أن مدَّتْ بصرها إلى الباب الرئيس لمعرض الكتاب المُقام في معرض بغداد الدولي. وكان حمل اسم فلسطين هذا العام لما يمر به شعبها، من إبادة جماعية، منذ أربعة أشهر على يد الاحتلال الإسرائيلي.
ثمة في باحة المعرض نافورة يُطرطش ماؤها على حوافها الدائرية. لا تحتاج إلى شيء مثلما تحتاج إلى الموسيقى الراقصة. وشرطي شاكي السلاح مهموماً يدخن سيكارة ، مراقباً دخول زوار المعرض من الباب أفراداً وجماعات. وعلى مرمى حجر ينتصب مول بغداد ، محاطاً بالشرطة ونقاط تفتيش النساء والرجال قبل الدخول إليه، وتباع في متاجره الثياب بأثمان أغلى من مثيلاتها في العواصم الأوربية، و العطور المزيفة!
- اِشربي الكابتشينو قبل أن يبرد!
عدَّلتْ من جلستها وقالتْ
- شهوراً طويلة وأنا أنازع مرارة غيابك في البلاد النائية!
- هل ذهب أدراج الرياح حلم الهجرة إلى أمريكا؟
عدَّلتْ حجابها وتشاغلتْ بوضع كتابينِ في حقيبتها، اشتراهما لها قبل قليل من دار نشر لبنانية، يبحثُ أحدهما في المسكوت عنه من حقوق المرأة في بلاد العرب والمسلمين!
قالت بتؤدة عاشقة اِشتدَّ حياؤها
- خليني رجاء.. لا تُثِرْ مواجعي!
غطى ضجيج المقهى في ذلك الصباح الشباطيِّ النديِّ ، وأكثر رواده من النساء والجامعيات، على استرسال بوحها له، لأول مرة منذ لقائهما الأول قبل الجائحة.
رأى في سرد أوجاعها أوجاع الملايين من النساء في البلاد العَليلة، مِمَّنْ لم يجدنَ أَنفسهُّنَّ في عالمٍ، أقل ما يُقال عنه إنه يفتقر إلى العدل والمساواة!
وما لبثتْ أنْ فَرَكَتْ أصابعها البيضاء اللدنة التي يحبها ويُطيل النظر إليها، تُداري بها خجلها البغداديَّ، وهي تسرد بصوت خفيض صفحات من حياتها.
- لقد نفد صبري في البلاد العليلة!
وضع نظارته الشمسيَّة على عينيه ، تحت سماء ملبدة بغيوم رمادية مسافرة نحو الجهة الغربية من المول، اتقاء نظراتها المتسائلة عن غيابه الطويل في البلاد النائية ، وأشعة الشمس التي أشرقتْ خجلى بين غيوم رمادية. ثم حاول عبثاً اخفاء مشاعره ليجعلها تبدو ، وكأنها مشاعر صديق ، يستفهم عن حياة صديقته اليومية في أفق العراق ، الذي لم تنجلِ غُبرة الفساد والتدهور فيه بعدُ ليلتقط أنفاسَهْ ، ويُشَرِّعُ قوانينَ تحمي آدمية الطفل والمرأة!
وهي تسرد أعمق دفائن نفسها، تبوح بأسرار يمكن أن تبوح بها ، وتُخفي أخرى خجلا، لَمَسَ بين السطور ما تكابده الروح الجامحة المسجونة في قفص مرمي في ضواحي بغداد! قفص مطلية قضبانه بلون الورد. يغرق ببطء في نهر دجلة، الذي كان الماء فيه فياضاً وأصبح ناضباً تعلوه الطحالب. ويمشي الساخرون من أقدار السياسة في العراق، على الأقدام إلى الضفة الأخرى! ويرتفع فوق النهر دخان أبيض مثل قلبها، بل مثل أحلامها العصيَّة على تحقيق أيٍ منها في أن تعيش حياة، أيسر ما فيها السفر من بلادها الغنيَّة سائحةً في المواسم ، لا لاجئةً في تضاريس المنافي العراقية!
مالتْ على كتفه وأمسكتْ بيده قبل أن تحتسي رشفةً من كوب الكابتشينو الذي برد على الطاولة، و رمقته بنظرة حنون قائلةً
- منذ سنوات اتخذتُ قراراً!
- ماهو؟
- ما أطلع من بغداد لو ما أعرف شيصير!
ثم نقرتْ بأصابعها البضَّةَ التي لا يملُّ من النظر إليها، بلطف المرأة الواثقة مما تقول
- أقول لك ، هنا في بغداد حياتي وموتي!



#طارق_حربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إهداء كتابي (الطريق إلى الناصرية) إلى روح أبي
- إلى محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي. أوقفوا التعامل السيء مع ...
- السيد رئيس الهيأة العامة للآثار والتراث المحترم
- مصطفى والجسر والزلزال
- عن اللغة والفردوس والمنفى
- جدلية الصراع بين الخير والشر في فيلم شجرة الحياة
- جسر الزيتون
- فيلم طعم الكرز (Taste of Cherry - 1997) للمخرج عباس كيارستمي
- عراقيات (1) وادم حجاز كار يوسف عمر
- شارع جهنم (كتاب الرحلات الآسيوية)
- حقوق الحيوان في النرويج
- جفاف الفراتين!
- إليكِ عني أيتها الحرب
- جيمس ويب ثورة كوبرنيكية في علم الفلك
- جذور الشر في فيلم الشريط الأبيض لمايكل هانيكه
- رثاء عقيل علي
- هل الشعر فعلاً في أزمة دائمة؟!
- علم أوكرانيا
- جمالية الوصف السردي في كتاب ( الطريق إلى الناصرية) لطارق حرب ...
- الجندي في حديقة التوليب!


المزيد.....




- رفع درجة الاستعداد للامتحانات التحريرية الخاصة بالدبلومات ال ...
- رواية -كايروس- للألمانية جيني إربنبك تنال جائزة -بوكر- الدول ...
- الحب… بين الطب والأدب في أمسية ثقافية
- عباس 36- يختتم فعاليات -النكبة سردية سينمائية-
- مهرجان الفنون الدولي في موسكو يقيم معرضا للفن الإفريقي
- اغنية دبدوبة التخينة على تردد تردد قناة بطوط كيدز الجديد 202 ...
- الشعر في أفغانستان.. ما تريده طالبان
- أكثر من 300 لوحة.. ليس معرضا بل شهادة على فنانين من غزة رحلو ...
- RT العربية توقع اتفاقات تعاون مع وكالتي -بترا- و-عمون- في ال ...
- جامع دجينغاربير.. تحفة تمبكتو ذات السبعة قرون


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - قفص مرمي في ضواحي بغداد