أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - علم أوكرانيا















المزيد.....

علم أوكرانيا


طارق حربي

الحوار المتمدن-العدد: 7270 - 2022 / 6 / 5 - 22:37
المحور: الادب والفن
    


غادرتُ تايلاند على عجل وكنتُ سائحاً فيها، بعد انتشار جائحة كورونا في مطلع عام 2000، عائداً إلى النرويج. أقمتُ في شقة بالطابق الثاني تقع في وسط بلدة سياحية صغيرة، أرسلتْ في عام 1905 سفينة استكشافية لصيد الحيتان في القطب الجنوبي، وشهدتْ اقتصاداً قوياً بين عامي 1905 و 1914 بعد إنشاء 25 شركة صيد. أما اكتشاف النفط في السبعينيّات من القرن الماضي فقد عزّزَ من اقتصادها وزاد سكّانها سِعةً في رغد العيش. تتوسط البلدة حديقة عامة يبدل فيها عمال البلدية النشيطون زهور التوليب الملون المشرئبة بأعناقها بعد ثلاثة أسابيع من زراعتها، بأنواع أخرى من الزهور تسرُّ الناظر والخاطر معا! مدينة نظيفة سُكّانها سعداء تتمتع بإطلالة خلابة على ساحل ومرفأ. شكرتُ الأقدار بعد نجاتي من الجائحة في بلاد فقيرة يعاني فيها السكّان أصلاً من ضَنَك العيش، الأمر الذي جعلني أرسل مساعدة شهرية أو بين شهر وآخر لصديقة عزيزة، أودعتُ لديها دراجتي النارية وثيابي وزجاجات عطري ونبيذي، وها أنذا في بلادي التي وصلتُ إليها لاجئاً منذ ثلاثة عقود، السَّبّاقة إلى إرسال المساعدات إلى مستحقيها في بلدان الكوارث والحروب فضلاً عن استقبال لاجئيها، حاملين معهم آخر خرقة وطنية ستكون في المنفى البارد الهامد عزاءهم الوحيد، حيث يطول بهم المقام أو يقصر وربما يكون أبديا!
ما أن تنفسنا الصعداء بعد نهاية كورونا وحصادها لما يقرب من خمسة عشر مليوناً من الأرواح البريئة خلال عامين حسب بيانات منظمة الصحة العالمية، حتى انتشر في عدد من البلدان مرضٌ معدٍ أسموه جدري القرود، تزامنَ مع اندلاع حرب مدمرة شنَّتها روسيا ضد جارتها أوكرانيا. كانت حصيلة المئة يوم الأولى من الحرب أكثر من سبعة ملايين نازحاً ولاجئاً ومشرداً استقبلتْ النرويج منهم عشرات الآلاف، أمَّنتهم من خوف وأطعمتهم من جوع وكستهم من عُري وأسكنتهم في شقق رائعة في مدنها العامرة، وكذا هي النرويج العظيمة دولة إغاثة وصليب أحمر دائما!
بطابقين أو ثلاثة تعلو المباني السكنية المتقابلة في شارعنا الذي شذَّبَ فيه عمال البلدية الأشجار مؤخراً، وكلما فتحتُ نافذة غرفة النوم ليغمرها ضوء النهار طارداً كابوس الليلة الماضية، بما رفرفتْ فيه الرايات وسارتِ القوافل نحو الحروب العبثية، شاهدتُ في الشقق المقابلة لكن من دون إطالة النظر، نرويجيين يساعدون نساءهم أو عشيقاتهم في إعداد الطعام ويعانقونهنَّ بحرارة، أو يجلسون أمام التلفزيون لمشاهدة فيلم، أو يغيّرون أواني الزهور الزجاجية في النوافذ، أحياناً نحيّي بعضنا بعضاً خاصة عندما تزورني صديقتي، وتقوم بتنظيف النوافذ وإبدال الزهور أو الستائر، وجرتِ العادة ألّا يُخرج النرويجيون أعلام بلادهم من النوافذ إلّا في اليوم الوطني الموافق 17 مايو. لكنهم يحرصون دائماً على تغيير الستائر، وهي بين اللون الأبيض المطرز بالورد الملون في فصل الصيف، والغامق المساعد على الإظلام خاصة في شهري يونيو ويوليو، أي عندما يكون اليوم كله نهاراً وتبقى الشمس مشرقة طوال الليل! حتى لا يعلم النائم إن كان استيقظ في النهار أم في الليل؟! صحوتُ في منتصف ليلة عراقية كابوسية وكانت الشمس مشرقة في شهر يونيو الماضي، وألفيتُ جاري وهو يُخرجُ علمه الفلسطيني من النافذة ويدخن سيكارة، بدا مطرقاً ومهموماً وهو ينفث الدخان لتمرَّ منه خيوط خلل نافذتي، أنا الذي تركتُ التدخين برجاء من عشيقتي السابقة، حتى يكون للتقبيل نكهة طيبة ومعنى كما قالت ضاحكة! في هذه البلدة الصغيرة ما أن بدأتِ الثلوجُ في الذوبان في شهر فبراير الماضي، والسكّان في مبتدأ تجرؤهم على فتح النوافذ بمقدار إصبعين أو ثلاثة لغرض التهوية بعد شتاء طويل وقاسٍ، حتى أخرج جار صومالي في مقتبل العمر علم بلاده وأشعل سيكارة وأطرق طويلاً، وراح يرى إلى المارَّة النرويجيين في الشارع النظيف رافلين بأبهى الحلل والثياب وأغلاها ثمنا، وكادتْ نفسه تذهب حسرات مع دخان السيكارة، الذي سرعان ما بدَّدَهُ الهواء المائل قليلاً إلى البرودة. ولم تكن صدفة وأنا أجتاز في الشارع مع لاجىء من البوسنة والهرسك ذاهبين إلى متجر بيع المواد الغذائية قبل شهرين، وأشاهد في المبنى المقابل لشقتي عجوزاً سورياً يُخرجُ علم بلاده من النافذة لكنه لم يشعل سيكارة، ولم تصدر منه أنَّة مثلما صدرتْ من اللاجىء الأفغاني الساكن في ركن الشارع المقابل للبنك، الذي أخرج علم بلاده قبل ثلاثة أشهر، ولم يطرق مثل الشاب الصومالي بل كانت عيناه دامعتين من وراء نظارته الطبية السميكة الإطار، وقدَّرتُ أنه كان يفكر في ما أصاب بلاده في عهد الدكتاتور من حروب وجوع وانطفاء الكهرباء ساعات طويلة يومياً وشحة الماء الصالح للشرب، وتلك نسخة من نفس سيناريو تركيع الشعب العراقي مرة بتنصيب دكتاتور على بئر نفط وجلد الشعب والذهاب إلى حروب مجنونة، وأخرى بلملمة الفاسدين من شوارع العالم الخلفية لحكم العراق! على أني لم أفاجأ منذ سنتين بجار نرويجي تقع شقته في المبنى المجاور، وهو يثبّتُ في شرفة شقته علم المِثليِّين، قائلاً في نفسي
- إن النرويج بلد مطلق الحريات وسكّانها يفعلون ما يشاؤون بحياتهم، لكن الخطأ في الزمان والمكان بوجود ذلك العلم، بين أعلام البلدان المهزومة بالطغاة والحروب والمجاعات وتدهور حقوق الإنسان!
أمس بينما كنت عائداً إلى البيت حاملاً زجاجة نبيذ لطقس المساء في الكتابة والقراءة ومشاهدة الأفلام الحائزة على جوائز الأوسكار والسعفة الذهبية وغولدن غلوب وغيرها، لفتتِ انتباهي نافذة جديدة فُتحتْ على مصراعيها ثُبِّتَ في إحدى ظلفتيها علم أوكرانيا!
قلتُ في نفسي
- يبدو أن صاحبه الهارب من وحشية الحرب سرعان ما ركبه الحنين إلى بلاده، مع ذلك أراهن على أنَّ الآلام المبرِّحة ستزول مع مضيّ الزمن شيئاً فشيئاً، بعد حصوله على عمل بمرتَّب شهري يساوي أضعافاً مضاعفة عمّا كان يتقاضاه في بلاده قبل الحرب، إضافة إلى ضمان صحي شبه مجاني له ولأفراد عائلته، لكن يظل الحنين إلى أوكرانيا يشدُّهُ من بعيد كما شدَّني منذ أكثر من ثلاثين عاماً إلى العراق، وبقية اللاجئين إلى بلدانهم ممن يقيمون في شارع أعلام البلدان المهزومة بالطغاة والحروب والمجاعات وتدهور حقوق الإنسان!
5/6/2022
Sandefjord



#طارق_حربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمالية الوصف السردي في كتاب ( الطريق إلى الناصرية) لطارق حرب ...
- الجندي في حديقة التوليب!
- العيد الوطني والبيرة الهولندية ونهاية الجائحة!
- ناصرية مكسيك (الفصل الرابع) قتل الإناث وإزالة الغابات!
- ناصرية مكسيك (الجزء الثالث)
- ناصرية مكسيك (الجزء الثاني)
- غزوة أوميكرون!
- كورونا وأخواتها .. (25) عينا الشرطيّة الزرقاوان!
- لمناسبة صدور كتاب (في سجن الأحكام الخاصة) لأحمد عبد الستار
- جوع
- فيلم (قتلوا أبي أولا) إخراج إنجيلا جولي أطفال المعسكرات في ك ...
- فيلم (رينو في القارة السوداء) جمال المغامرات في الصحراء وصعو ...
- تخفيف القيود وعودة المتسوّلين!
- فيلم الجحيم -El Infierno- كوميديا سوداء عن صراع عصابات المخد ...
- دلتا ولامبادا ونعيق النوارس!
- الإنسان ليس سعيداً في الناصرية! (الجزء الثالث)
- لمناسبة جريمة احراقه وقتل المرضى الأبرياء فيه .. مستشفى الحس ...
- ناصرية مكسيك (الجزء الأول)
- الإنسان ليس سعيداً في الناصرية! - المرأة نموذجاً
- عن جيمس بوند وشاه إيران ومنزل بائعات الهوى!


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - علم أوكرانيا