أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - غزوة أوميكرون!














المزيد.....

غزوة أوميكرون!


طارق حربي

الحوار المتمدن-العدد: 7174 - 2022 / 2 / 26 - 15:47
المحور: الادب والفن
    


كورونا وأخواتها!
(26)
طارق حربي

استيقظتُ من النوم متأخراً في صباح يوم الأربعاء وكانتِ الشمسُ مشرقةً، وأول ما شاهدتُ خلل النافذة انعكاس أشعتها على الكنيسة، وبرجها الطويل بما يعلوه من زُخْرُفِ ديكٍ نحاسيٍّ لامعٍ لم يَصُحْ منذ عشرة قرون! لكنه حيث مالتِ الريحُ يميلُ!
على واجهة الكنيسة وفي خط مستقيم حَطَّتِ العشرات من النوارس والغربان وعصافير الدوري، وراحتْ تنسُلُ ريشها، مستبشرةً بشروق الشمس، مقرورةً في الدفء الذي سَرى في أوصالها.
كذلك في أوصال البشر المارّين في الشوارع، الملتحفين بمعاطف شتائيّة سوداء وكُحليَّة، على الأرجح أن كلاً من النرويجيين والأجانب لا يفضلون طوال فصل الشتاء ارتداء المعاطف إلّا إذا كانت بهذين اللونين! وكان الجميع حتى الليلة الماضية يجوسون فوق ما تراكم من تساقط الثلوج في النصف الأول من شهر ديسمبر. وما أسرعتْ إلى جمعه (شفلات) البلدية، وكوَّمتْهُ على هيئة تلال خفيضة أمام بوابة أسواق الحوت وحول الكنيسة والمقبرة، وإلى جوار مطعم هونغ كونغ قليل الروّاد، وبين محل المساج التايلندي كثير الروّاد وعيادة طب الأسنان، حتى أصبحتِ التلال الثلجية ملاعب ارتجالية للأطفال المارّين قربها، فيتزحلقون عليها أو يستلقون فيها ويرمونَ وهم يكركرون بِكُرات الثلج على بعضهم البعض، مرتدين (البدلات) المصنوعة من (النايلون) السميك المخصصة للعب في الثلوج، وسط سعادة الأمهات والآباء وتشجيعهم. مدينة هادئة تتغطى بالثلوج وتتدثر بالظلام بكَّرتْ منذ شهر أكتوبر الماضي في تزيين شوارعها بالنشرات الضوئية، استعداداً لاحتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة. إنها تهدأ في المساء وتنام مبكراً ولا يسهر فيها سوى من يعاقر الخمرة في منزله أو يقيم احتفالاً لمناسبة ما، أو في الحانات نصف المضاءة على الشاطىء. وأزعم أن الكثيرين من الأجانب يسهرون مثلما أسهر بسبب أو من دونه! أرقٌ وسهادٌ حتى ساعة متأخرة من الليل البهيم، وفكرٌ يسرحُ بي في أرجاء الوطن النائي وأتذكر ماضي حياتي القاسية، وأحنُّ إلى ما تبقى فيه من أهلي وأصدقائي. وأكثر ما يكون الظلام كثيفاً في الليل عندما تكون القوارب هادئة في حبالها، بين المرفأ وأسواق بيع سمك السلمون، وإلى الغرب منهما هناك اللِّسان البحري المشيَّد فوقه شققٌ سكنيةٌ حديثة فاخرة الطراز، ولا يحلو لقلة من فتيات المنطقة ونسائها في الصيف إلّا السباحة في اللِّسان، على أني لاحظتُ خلال التجوال اليومي في الصيف الماضي، أنهنَّ لا يشعرنَ بالحياء من المارَّة النرويجيين، لكن من الأجانب الذين ينظرون إليهنَّ باشتهاء، بسبب الحرمان الذي عاشوه في بلدانهم الشرق أوسطية!
ذكرتُ أنَّ قيود الحظر رُفعتْ في النرويج وفَتحتْ أبوابها للسياحة والسفر في يوم 25 من شهر سبتمبر الماضي، بعد حملة تلقيح وطنيّة شملتْ نسبة كبيرة من السكّان، عدا الذين لم يرغبوا بالتطعيم وأكثرهم من فئة المتدينين المسيحيين، لكن أُعيد الإغلاق في الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر بعد فزع العالم كلِّهِ تقريباً من انتشار عدوى أوميكرون، النسخة الجديدة من كورونا التي انطلقتْ من جنوب أفريقيا ووصلتْ طلائعها إلى عدد من المدن النرويجية وبينها مدينتنا، فَضجَّتِ المملكة واستنفرتْ مؤسساتها الصحيّة كل جهودها ووضعتها في سبيل صحة المجتمع. وأشيعَ منذ وقت مبكر بأن أوميكرون أشدُّ فتكاً من دلتا وأسرع في الانتشار من أخواتها! أكثر من ذلك أنه لا يسلم منه حتى المصابين سابقاً بعدوى كوفيد - 19! ومن حسن الحظ أن الثورة التكنولوجية التي تأسستْ في العقد الماضي تمكنتْ من التصدي للجائحة، وصناعة لقاحات بسرعة البرق، ومعرفة التسلسل الجينومي للفيروس!
أصبح السكان أكثر تمسكاً بارتداء الكمّامة عن ذي قبل، حريصين على ارتدائها في الأسواق والمطاعم والمقاهي! أكثر مما تمسكوا بها خلال انتشار كورونا وأخواتها في السنتين الماضيتين، ملتزمينَ بما قررتهُ الحكومةُ الإلكترونية في نظام يتابع عن بعد كل صغيرة وكبيرة، من التباعد بين الأفراد بمسافة مترين وأصبحتْ فيما بعد متراً واحداً ثم صفراً، إلى غسل اليدين بالماء والصابون أكثر من مرة يومياً، إلى تطهيرهما بالمحاليل في المنازل، أو الموضوعة منها في عبوات على أبواب المؤسسات الحكومية والمتاجر والحانات والمطاعم والمقاهي.
ولشدَّما كرهتُ الكمّامة بعدما غطَّتْ بها السلطات الصحية وجوه السكّان! وذكرتُ سابقاً أن أسوأ ما فيها أنها تُخفي الشفاه الناعمة الوردية لملكات جمال العالم في المملكة القصيّة! وما ذلك إلّا من مساوىء دنيانا في الألفية الثالثة! فيصعبُ ملاحظة تعابير الوجه بما فيه حركة الشفتين خلال التخاطب والحوار والتعامل اليومي والإنساني. وهكذا أخفتِ العدوى نصف وجوه الحِسان وراء أستار، ما يُذكّر بعصور وضع الخِمار على وجوه النساء! وأصله مصري وقيل آشوري لتمييز نوع الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها المرأة!
لكن النساء في النرويج متساويات في الحقوق والواجبات في ظل قانون دولة عادلة!
سألتني بائعة السمك قبل ظهر اليوم، كم تريد من سمك القَدِّ ويسمُّونَهُ في النرويج (التوشك) فقلتُ لها أريد كيلوغراماً واحداً، وإذا كانتِ الكمّامةُ غطَّتْ شفتيَّ البائعة الورديتين، فإنها لم تستطع أن تطال تغريدة عينيَّ الريم الضاحكتين! وكانتا زرقاوين براقتين تَسَعان السماء والأرض!

20 كانون الثاني 2022
Sandefjord
¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬



#طارق_حربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كورونا وأخواتها .. (25) عينا الشرطيّة الزرقاوان!
- لمناسبة صدور كتاب (في سجن الأحكام الخاصة) لأحمد عبد الستار
- جوع
- فيلم (قتلوا أبي أولا) إخراج إنجيلا جولي أطفال المعسكرات في ك ...
- فيلم (رينو في القارة السوداء) جمال المغامرات في الصحراء وصعو ...
- تخفيف القيود وعودة المتسوّلين!
- فيلم الجحيم -El Infierno- كوميديا سوداء عن صراع عصابات المخد ...
- دلتا ولامبادا ونعيق النوارس!
- الإنسان ليس سعيداً في الناصرية! (الجزء الثالث)
- لمناسبة جريمة احراقه وقتل المرضى الأبرياء فيه .. مستشفى الحس ...
- ناصرية مكسيك (الجزء الأول)
- الإنسان ليس سعيداً في الناصرية! - المرأة نموذجاً
- عن جيمس بوند وشاه إيران ومنزل بائعات الهوى!
- مقبرة جماعية*
- أسلمة أفلام ناسا الفضائية لا يضرُّ العلمَ شيئا!
- * كوالالامبور .. الفساد وبرجا بتروناوس وقصة السفارة العراقية ...
- السيّاح الرُّوسُ في بتايا وأخصُّ بالذكر منهم الحسناوات!
- طلعت الشميسه!
- بتايا .. من قرية صيد الأسماك إلى مدينة الدعارة الأولى في الع ...
- مدينة أشباح!


المزيد.....




- بعد أيام من هروب على طريقة الأفلام.. شاهد لحظة القبض على نزي ...
- ممثل يرتدي حذاءً جلديًا يصل إلى الفخذ ويسرق الأضواء بمهرجان ...
- إسبانيا تدعو لاستبعاد -إسرائيل- من الفعاليات الثقافية الدولي ...
- بانو مشتاق تفوز بجائزة البوكر الدولية 2025 عن -سراج القلب-
- مصر.. الفنان أحمد السقا يعلن طلاق زوجته بعد 26 عاما
- تكية -هيران- بأربيل.. كنز مخطوطات نادرة عمرها 7 قرون
- دينزل واشنطن يحظى بتكريم مفاجئ من مهرجان كان السينمائي
- هل تزوج حليم من سندريلا؟.. أسرة العندليب تنهي الجدل
- كان يا ما كان في غزة : عندما يصبح الفيلم وثيقة عن الحياة قبل ...
- أول فيلم نيجيري في مهرجان كان يفتح الباب أمام سينما -نوليوود ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - غزوة أوميكرون!