أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - مدينة أشباح!















المزيد.....

مدينة أشباح!


طارق حربي

الحوار المتمدن-العدد: 6850 - 2021 / 3 / 25 - 14:59
المحور: الادب والفن
    


يوميات مضيق الرمال
(20)
ذكرتُ في الفصل السابق أن مدينتنا النظيفة جداً بدأتْ تتسخ بالكمامات المستعملة! وأردتُ أن أعنونه بـ (قُمامتها كمّامات!) لكني وجدتُ عنوان (مشاكل الُّلقاح البريطاني) أنسب، بعدما لاحظ الأطباء في النرويج أعراضاً جانبية على المطعمين به. ناهيك بانتشار كوفيد المتحور الذي حمله القادمون من بريطانيا مؤخراً، ما حدا بالحكومة إلى إطلاق حزمة جديدة من التدابير الوقائية لمجابهته. لكنها حزمة صعبة على مزاج السكان حسبما صرح به وزير الصحة في مؤتمره الأخير الذي نقلته وسائل الإعلام. ولم تكن الكمّامات المستعملة المرمية في الشوارع النظيفة بعد بدء موسم ذوبان الثلوج كثيرة، ولا سيما في مركز المدينة السياحية المقفرة من السكان، لكن تضاعف عددها في الفترة الأخيرة. ويمكن أن أضيف إليها ما شاهدته أمس واليوم من عبوات العصير والبيبسي كولا المُحطمة هنا وهناك. فتحتَ ظروف الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي وجعل المتر الواحد مترين بين الشخصين كما ورد في التدابير الأخيرة، ما يمكن قراءة مزاج سكان من علامات السأم والملل في ما يتركونه من أثر عنيف على العبوات أو رمي المهملات. وما يرمونه من النظرات الشاكّة المتسائلة عن موعد نهاية الجائحة وسواها مما تفرزه ظروف الحجر اجتماعيا. فقبل يومين طعنت فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً بسكّين صديقتها في نفس العمر! صُدمتُ بذلك إذ لم يسبق لي أن قرأتُ في الصحف أو سمعتُ عن مثل تلك الحادثة على الإطلاق. فالمزاج العام للسكان، لا في المضيق حسب بل في كل مكان من المملكة، هو مزاج السلام والتقيد بالنظام ونشر رايات الفرح الملونة في كل مكان. حتى أن اللغة النرويجية نفسها الخالية من تعابير العنف أو أي نوع من أنواع الإهانة للإنسان والحيوان والطبيعة، نحتتْ عباراتٍ خالدة في الفضاء اللغوي التداولي اليومي مثل هذا الشيء يسعدني. والخدمة التي أديتها لك مريحة ويمكن تكرارها إذا رغبت بذلك. وأتمنى لك وقتاً طيباً. وأرجو اللقاء بك مرة أخرى وغيرها كثير.
شعرتُ في الأسبوع الماضي بألم في الجهة اليسرى من الصدر وأرسلني طبيب العائلة في الحال إلى مستشفى مدينة تونسبيرغ التي تبعد 20 دقيقة بالقطار لعدم وجود مستشفى في المضيق. قرر الأطباء الإختصاصيون بعد إجراء التحليلات اللازمة والأشعة وقبلها طبعاً أخذ عينة من البلعوم والأنف للتأكد من عدم الإصابة بالفيروس اللعين، وحجري ليلة كاملة في الممر مع مريضة نرويجية، إرسالي إلى مستشفى (Rikshospitalet) في العاصمة التي تبعد حوالي ساعة. وأخبرني الأطباء في كلا المستشفيين أن لا داعي للقلق فالقلب سليم ويعمل في انتظام ولا انسداد في الشرايين ولا هم يحزنون!
في بابيَّ كلا المستشفيين أيضاً كانت إجراءات التأكد من سلامة المريض من العدوى مُشَدَّدَةً وتبدأ بالأسئلة التالية
- هل تشعر بدوخة أو اسهال؟
- هل كنتَ في خارج البلاد مؤخرا؟
- هل زرتَ مُصاباً بكورونا؟
- هل أن أحد أفراد العائلة مصاب بها؟
بعدما ترجلتُ من سيارة الإسعاف في باب المستشفى الخلفي، حيث تقف سيارات مثلها ويدخل منه المرضى إلى ردهة القلب وممراتها الطويلة الملتوية، استقبلتني ممرضة رائعة الجمال ذات ابتسامة تأسر القلب. كما أظهر المستشفى تقيُّداً بالتعليمات بوضع طاولة عليها كمّامات ومُطهِّرات وإرشادات صحية. جوارها لوحة نيون حمراء اللون مكتوب فيها (قف).
ولن يدخل المريض من دون الإجابة على الأسئلةَ أعلاه.
أجبتُ على سؤال الممرضة الجميلة بالمثل النرويجي الشائع ضاحكاً
- أنا صحيح الجسم مثل سمكة!
(Jeg er frisk som en fisk)
كان سائق الأسعاف رجلاً خمسينياً لطيفاً ومساعدته شابة من أصل روسيّ في السنة الدراسية الأخيرة من كلية الطب، ولا عجب أن يعمل الطلبة في الصيف مقابل أجر أو للتعليم، سلمتُ عليها باللغة الروسيّة وتمنيتُ بدلاً من أن تجلس في الخلف أن تجلس معنا في المقاعد الأمامية! فلا يلبث أيُّ ذكرين أن يملّا من الكلام مهما كان مفيداً أو ذا أهمية! لكنه في حضور الأنثى يطولُ ولها مني عهد أن أبتكر ما يسلّيها بالحكايات عن الطقس والحب والمغامرات، وزيارتي لـ 46 بلداً في كوكبنا المترنح، ومواجهة وحش كورونا وعائلته الشريرة بالحب وفيتامين سي! وماذا يمكن أن يفعل الإنسان بعد القضاء المبرم على الجائحة وأي بلد يزور أولاً وغيرها كثير؟ اهتماماً بمرضى القلب واحتراماً لمواطني النرويج لن تسمح السلطات الصحية بتنقل المريض بين المستشفيات بوسائط النقل العامة لكن بسيارة الإسعاف. وبدا سائقها بين المدينتين ذهاباً في اليوم الأول وإياباً في اليوم التالي سعيداً في عمله. قال إنه لا يأبه بكوفيد - 19 أو المتحور منه ولا حتى بأمه أو خالته! فكل ما يشغل تفكيره بعدما تقدم به السنُّ هو شراء شقة في مالوركا الأسبانية لقضاء العطلات فيها وبعدما يُحال على التقاعد. كان الطريق من وإلى العاصمة خالياً من السيارات تقريباً والطقس لطيفاً (8 مئوية) في منتصف شهر آذار. أشرقتْ شمس خجولة من بين قطعان سحب بيضاء اللون ورمادية راكضة نحو الشرق. وكنتُ سعيداً بالحديث مع السائق وذكر أحدث النكات وأملحها. لكن أكثر من ذلك بنتائج الفحوصات الطبية، وانتابني شعور صياد عائد إلى منزله بصيد وفير. متذكراً في الحال أمي التي كانت تقول دائماً
- إن رؤية الأسماك في الأحلام يعني خير حتى لو كانت (زوريّة) واحدة!
بعد مضي أسبوع بين المستشفيين عدتُ إلى مدينة الأشباح.
نعم هي كذلك فالتدابير التي أطلقتها الحكومة في الأسبوع الماضي والنافذة حتى يوم 6 أبريل أي بعد 12 يوماً من كتابة هذه السطور، ما كانت لتُطلق لولا سرعة انتشار الفيروس المتحوِّر وتضاعف أعداد المصابين به يومياً إلى أكثر من 1000 شخصاً. أغلقت السلطات الصحية مول الحوت إلّا الصيدلية في طابقه الأول ومتجر بيع المواد الغذائية في طابقه السفلي. وأغلقت مقاهي أسبرسو وكافكا القريبتين من المرفأ وساحل المضيق والمطلتين على مركز المدينة. وكنتُ أقضي فيهما أمتع الأوقات مع ليزا وبقية الأصدقاء. وبدتْ واجهة المقهى الكبير المقابلة للمول كئيبة، بعدما ملأت النوارس والغربان بالذرق طاولاتها ومقاعد عشاقها ومن ذوي المواعيد السريعة التي تنتهي عادة بسرير دافىء! ومَنَعَ مطعم الوجبات السريعة (مكدونالد) المقابل لها جلوس الزبائن في داخله بعد الشراء وكان ملاذاً للعوائل والأطفال، فجعلوا على قلتهم يحملونها إلى الحديقة المجاورة لتناولها أو إلى المنازل. أغلقت كذلك متاجر بيع الزهور وصُفَّتْ باقاتها في بابها وحواليه، وجاء في التعليمات.
-يمكن للمشترين حمل ما يرغبون منها والدفع عبر البرنامج الإلكتروني (Vips).
فيا لها من ثقة عظيمة بالإنسان هنا وأرفع لها القبعة، التي غالباً ما تكون سوداء اللون لكن أنتظر حلول فصل الصيف لأبدلها بالقبعة الصيفية التي اشتريتها من تايلاند في السنة الماضية. كذلك أُغلقتْ جميع متاجر بيع الملابس إلّا واحداً منها ويقع مقابل متجر بيع المواد الغذائية السوري المفتوح، وكنتُ أمزح مع عماله كلما اشتريتُ منهم الخضروات والفواكه قائلاً
- كيف هي أخبار أمة مهند؟
فيضحكون قائلين
- أخبارها كما هي حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا!
ويحكون عن أوضاع بلادهم غير المستقرة مثل أوضاع بلادي الحزينة، حيث لا ضوء في نهاية نفقها المظلم على الأقل في الزمن المنظور!
على واجهاته الزجاجية الثلاث النظيفة اللامعة ألصق متجر بيع الملابس الوحيد المفتوح قرب مركز المدينة أوراقاً فيها تعليمات جديدة
- الدخول ممنوع ويتم البيع في الباب حتى 6 أبريل / نيسان.
-اتصل بالهاتف لطلب حاجتك من الملابس النسائية والرجالية.
- يمكن إيصال الطلبات إلى المنازل بعد الدفع الإلكتروني!
على طاولة في باب المتجر وضعت باقة ورد وكمّامات مجانية ومطهرات اليدين. قلتُ لليزا فيما بعد ضاحكاً
- إن الكمّامات كبيرة الحجم وتصلح أن تكون حمّالات صدر نسائية أكثر منها كمّامات!
في مركز المدينة المُقفر جلسنا ظهر يوم أمس تحت الشمس التي انفرجت عنها الغيوم أفضل انفراج. أستاذ تاريخ الفلسفة المتقاعد في جامعة أوسلو واسمه تور وليزا وصديقتاها ليزابيث ومود. وقبل أن تغرب الشمس وراء مبنى المكتبة العامة ومركز الشرطة والمطعم البلقاني اقترحتُ على الشاعرات أصبوحة لنسيان الأجواء الكئيبة والأخبار السيئة عن الفيروس المتحور فرحب الجميع بذلك وقرأنا قصائدنا.
الصديقات الشاعرات قرأنَ قصائد عن الحب وعيسى المسيح والله ورعايته للحياة وفي انتظار ساعة الخلاص من لعنة كورونا.
وقرأتُ قصيدة برد
برد
احضرتُ الحطبَ
قبلَ تساقطِ الثلوجِ في النرويجِ هذا العام.
ونظفتُ الموقدَ من رمادِ الحكاياتِ
في الشتاء الماضي.

Kaldt
Jeg tok med ved
Før snøen faller i Norge i år.
og ryddet peisen,
fra alle fortellingenes aske,
alle minnene fra snøen som falt i fjor!
25/3/2021
Sandefjord/Norge



#طارق_حربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاكل اللُّقاح البريطاني في النرويج
- عن أطلس العراق ودرب التبانة!
- شروق الشمس في النرويج
- عن لُجين الهذول ومنشار السعودية وأباطيل أمريكا!
- تحولات الفيروس والسحلية!
- عيد رأس السنة .. كورونا وانهيار أرضي!
- عن السنة الجديدة وصلاح نيازي و (قصيدة حب إلى الأرض)
- تساقط الثلوج ووصول اللقاح!
- فيلم (نظرية كل شيء) عن حياة الفيزيائي ستيفن هوكينغ
- (14) قصة نجاح لقاح
- يوميات مضيق الرمال (كباب اسطنبولي!)
- مصافحة المرأة حرام وعبوديتها حلال!
- عينا ليزا
- حارس الثلج
- يوميات مضيق الرمال 108)
- يوميات مضيق الرمال (9)
- يوميات مضيق الرمال (8)
- يوميات مضيق الرمال (6)
- يوميات مضيق الرّمال (5)
- يوميّات مضيق الرمال 4


المزيد.....




- الفنانة يسرا: فرحانة إني عملت -شقو- ودوري مليان شر (فيديو)
- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - مدينة أشباح!