أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - يوميات مضيق الرمال (6)














المزيد.....

يوميات مضيق الرمال (6)


طارق حربي

الحوار المتمدن-العدد: 6589 - 2020 / 6 / 10 - 14:15
المحور: الادب والفن
    


يوميات مضيق الرمال
6
آلة تقطيع الخبز
لا يفضل النرويجيون تقطيع الخبز، ونُسمّيه في العراق الصَّمُّون، بالسكين! فنسبة كبيرة من القوم هنا تقدم بهم السنُّ، وأصبحوا لا يقوونَ على قطع الصمّون بالسكين! ومنذ سنة 2005 أُدخلتْ آلة كهربائية إلى الخدمة، وأصبح في وسع الزَّبون تقطيع الصمّونة في متاجر بيع المواد الغذائية، على شكل شرائح متساوية لعمل سندويشات، لا يستغني عنها العمال والموظفون في مواقع عملهم، والتلاميذ والطلاب في مدارسهم!

في اليوم الثاني على انتقالي إلى الشقة الجديدة، سألتُ سيدة في متجر (ki wi) عن الآلة المفقودة، وكانتْ في الماضي توضع بجانب رفوف، صُفَّ عليها ما لذَّ وطاب من أنواع الصمّون، فقالتْ بأن السلطات الصحية منعتْ استخدامها منذ بدأ (كوفيد-19) بالتفشي في النرويج، في شهر آذار الماضي.

في الأسبوع الماضي، سُمِحَ للمتاجر في أرجاء البلاد كافة بإعادة العمل في الآلة، وصرتُ أقيس انحسار الفيروس وانفراج الأزمة، بِحرّية الاحتكاك والتلامس بين البشر، بما في ذلك آثار أصابعهم على الألمنيوم اللماع للآلة! ومن دون الاطلاع على الإحصاءات اليومية لتفشي الفيروس في وسائل الإعلام، تولدتْ لديَّ قناعة بأن أيامه الأخيرة في النرويج بدأتْ فعلا.

توفي اليوم أحد المصابين ولم يتوفى سواه خلال الأسابيع الماضية، وأصيب 14 ليصبح العدد الكلي من المصابين في النرويج 8561 خلال ثلاثة أشهر، وهو رقم ضئيل بالمقارنة مع الإصابات في الولايات المتحدة، التي ما زال الفيروس يتفشى فيها بلا هوادة، أما البرازيل فقد نُكبَتْ بإصابة 700 ألفاً من مواطنيها خلال بضعة أسابيع!، مع الأخذ بنظر الاعتبار فارق عدد النفوس بين البلدان الثلاث.

أكثر من 7 ملايين مصاباً وناهز عدد الوفيات النصف المليون في العالم، يقابله هبوط الخط البياني لعدد المصابين في النرويج، من 300 في شهر مارس إلى 30 حتى مطلع شهر يونيو! وفي مقاطعتنا الجنوب شرقية (vestfold og telemark) 270 مصاباً، 41 منهم في مدينتنا السياحية! أغلب الظن أنْ تلتحقَ المدنُ المصابةُ بالفيروس بعد هزيمته فيها قريباً، ب 78 مدينة وبلدة لم يطرق أبوابها على طول خارطة النرويج!

أقوى دليل على هزيمته، أن أخباره ومنذ أسابيع، لم تتصدر واجهات الصحف وشاشات التلفاز. طغتْ عليها في صحف الإثارة وأشهرها (VG) مثلا، آخر أخبار لغز اغتيال أولف بالمه، رئيس وزراء السويد في سنة 1986. الأرجح بسبب وساطته لإيقاف الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. وقيام شرطي أمريكي أبيض قبل عشرة أيام، بخنق جورج فلويد ذي البشرة السوداء في ولاية مينيابوليس، وتداعيات ذلك في تظاهرات عارمة ضد العنصرية في 30 ولاية أمريكية، امتد تأثيرها إلى فرنسا وبريطانيا، ووصلتْ إلى ذروتها في لندن قبل أيام بإسقاط تمثال تاجر رقيق من العهد الفيكتوري. وكذلك اختطاف السيدة هاجن في نهاية شهر أكتوبر لسنة 2019، وهي زوجة أكبر مستثمر في العقارات في النرويج، وطلب الخاطف لفدية مقدارها 9 ملايين يورو، تُدفع بالعملة الرقمية! حيلة جديدة ومبتكرة للخاطفين، للحيلولة دون اقتفاء أثرهم وملاحقتهم!

ومن علامات هزيمة الفيروس في المضيق، أن ثمة بارات ومطاعم كانتْ مغلقة في شهري آذار ومايس، أعيد فتح أبوابها في مطلع شهر يونيو. وهل أشَقُّ على نفس النرويجي من غلق البارات والمطاعم؟ وتحول المضيق إلى مدينة أشباح تحت غيوم سوداء ورمادية تقبض النفس؟ ففي المطاعم والبارات يجد في لقاء أصدقائه سلواه، هو المعزول عنهم في منزله وحيداً، منذ ما قبل تفشي الفيروس وتعليمات التباعد! كما أعيد فتح أبواب نصف متاجر المدينة الغافية على شاطىء البحر، ويقف فيه أحياناً لاجئون عراقيون وفلسطينيون ومن أوربا الشرقية، ويصطادون السمك بالصنارة، ترسو وراءهم سفينة عملاقة بثماني طوابق، ينتظر قبطانها إشارة من السلطات المختصة، ليطلق صافرة الإبحار إلى مدينة سترومستاد السويدية، في رحلة ساعتين ونصف بين الجزر والشواطىء الخلابة، وارتشاف البيرة اللذيذة في بارات السفينة بما يعادل نصف ثمنها في النرويج، ناهيك بالمواد الغذائية المتوفرة في سوقها في الطابق الرابع، حيث يهرع إلى شرائها الكثير من سكان المضيق، نرويجيون وأجانب لرخص أثمانها!

تحت أشعة الشمس من بين قطعان الغيوم التي تسوقها الرياح نحو الشمال، أشاهد من نافذة الشقَّة في الطابق الثاني، أعالي الأشجار المشذبة المورقة، على طول شارعنا المؤدي إلى الميناء، هازئة بالفيروس، فالطبيعة أعظم منه، أوليستْ هي من صنعته؟! إن لم تكن يدٌ شريرةٌ تلاعبتْ في جيناته! كما تضاعفتْ أعداد المتجولين في مركز المدينة والشوارع القصيرة المتفرعة منه، من بضعة أفراد قبل شهرين إلى حوالي 50 قبل شهر، حتى بلغ العدد أكثر من 100 في يوم السبت، بدء العطلة الأسبوعية والتسوق في النرويج. وراح الناس المتشمسون في الحديقة العامة وأنا منهم، بوضع فُتات الخبز المُقطَّعُ بالآلة والمفروك بالأيدي، لتنقره عصافير الدُّوري، وكلما أشاهدها في الحديقة المشمسة، يداخلني شعور بأنني مازلتُ أعيش في العراق، نظراً لأن ذُرّية هذا الطير انتشرتْ في كل أرجاء المعمورة، عدا القارة القطبية الجنوبية.
مضيق الرمال
8/6/2020



#طارق_حربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات مضيق الرّمال (5)
- يوميّات مضيق الرمال 4
- يوميات مضيق الرّمال (3)
- يوميات مضيق الرّمال (2)
- يوميات مضيق الرّمال (1)
- رحيل ملحن الوجدان العراقي.
- نهر ميكونغ Mekong River
- قصيدة الرغبات
- كورونا
- درس ثورة أكتوبر العراقية 2019
- حديقة بوذا (Xieng Khuan) أو المدينة الروحية في لاوس.
- شلال خون كورن (Khun Korn Waterfall)
- متحف بان دام (Baan Dam) أو البيت الأسود.
- المعبد الأبيض في تايلند
- كتاب الأسفار الآسيوية .. شيانغ راي في تايلند
- بار في السعدون
- نرجيلة
- الطريق إلى الناصرية 4
- الطريق إلى الناصرية 3
- شارع النهر


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - يوميات مضيق الرمال (6)