أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - يوميات مضيق الرّمال (1)















المزيد.....

يوميات مضيق الرّمال (1)


طارق حربي

الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 30 - 16:04
المحور: الادب والفن
    


يوميّات مضيق الرمال*
1
كورونا!
غادرتُ مدينة بتايا التايلندية حيث كنتُ أُقيمُ فيها منذ سنوات عائداً إلى النرويج. بدأتْ جائحة كوفيد 19 تنتشر فيها بسرعة، صَحِبَتْ معها تدهوراً اقتصادياً أثَّرَ كثيراً على سعر صرف العملة في البلد الفقير. كما أُصيب التايلنديون بهلع جراء الجائحة، لم أشهد له مثيلاً منذ أول زيارتي إلى البلد الجميل في سنة 2007. بدأتِ الجائحة في مدينة ووهان الصينية في شهر تشرين الأول من سنة 2019 ، ومنها انتشرتْ وما زالتْ في دول العالم المختلفة، وحصدتْ حتى كتابة هذه السطور مئات الآلاف من الأرواح البريئة. وبعدما وصلتْ أخبارها إلى مدينة بتايا الداعرة بدأ السكّان يَعون خطورتها ويخافون بالتدريج، لا سيَّما بعد اصدار السلطات الصحيّة تعليمات مشدَّدة للحفاظ على حياتهم من خطر الموت. وهكذا بدتِ المدينة في نهاية شهر آذار لسنة 2020 أكثر وحشة، ولم يبقَ فيها من السيّاح والأجانب إلّا المقيمين الرُّوس! ولهم فيها مكاتب سياحيّة ومصالح تجاريّة.

آهٍ على آهٍ على آه!
لقد حَرَمنا كوفيد لا أطال الله في عمره وقطع نسله، من صداقة أجمل السائحات الروسيّات!

أعدتُ مفتاح الشقّة إلى مالكتها الطمّاعة ونقدتها 1000 بات، مُؤمِّناً في بيتها الواسع على دراجتي الناريّة، قبل أن أتوجه بالحافلة إلى مطار بانكوك الدولي Suvarnabhumi) ) فوجدته مقفرا! أين ذهب السيّاح بحق الجحيم قلتُ في نفسي، وأنا أهرول إلى صالة المسافرين على متن الطائرة النرويجية. أُقفلتْ مطاعم المطار ومتاجر بيع التحفيات والعطور الأنيقة. وبدا تمثال المحارب الشاهق في قلب المطار، المأخوذ من الأساطير التايلندية الحربية، بقرنيه الصغيرين والسيف الطويل المُمْتَدِّ بين قبضتيه وساقيه حتى قدميه، بتكشيرة زادتْ أكثر من اللزوم جرّاء الجائحة، حتى بانتْ نواجذه البيضاء أكثر وأكثر! وفي المطار هامد الحركة، وكأنما حلتْ به كارثة بعد سقوط طائرة عملاقة على صالة المسافرين! فَبُنِيَ مطار جديد غير بعيد عنه، لا جسمَ يتحرك غير عدد ضئيل من الموظفين وعمال النظافة وكانوا يرتدون الكمّامات والكفوف. ولم أرَ شعباً في العشرات من الدول التي زرتها خلال أكثر من عقدين، أكثر من التايلنديين اهتماماً بوضع الكمامة على الأنف منذ ما قبل الجائحة! وفي الطريق إلى قاعة إقلاع الطائرة، اعترضتِ المسافرين لجنة صحّية مؤلفة من أربعة موظفين، يقوم أحدهم بوضع جهاز أشبه ما يكون ماكنة حلاقة كهربائية، على جبهة المسافر لقياس درجة الحرارة فقط، من دون التمييز بين مُصاب بالكورورنا وغير المُصاب!

كانتِ الطائرةُ مكتضَّةً بالمسافرين، وكلُّهم رفعوا الكمّامات عن أنوفهم، إما بعد فحص اللجنة أو في الخرطوم الطويل الواصل بين القاعة والطائرة، أو بعد الجلوس وشدِّ الأحزمة. فما أهمية ارتدائها وما يعانيه المسافرون أصحّاء ومرضى من صعوبة في التنفس؟ خلال أكثر من 12 ساعة من الطيران المباشر من بانكوك إلى أوسلو؟!

لا على مسافة متر واحد أو مترين، كما جاء في ارشادات منظمة الصحة العالمية، بل وجهاً لوجه، المضيّفات النرويجيّات الحسناوات يتحدثنَ إلى المسافرين بدون كمّامات أيضا! خلال تقديمهنَّ بأريحيةِ نفسٍ الطعام والشراب.

12 ساعة بين طبقات الغيوم رماديّها وأبيضها، قبل الهبوط في مطار أوسلو، فألفيتُه ليس مهجوراً حسب بل ومُخيفا. المطارُ الذي كان سابقاً ضاجّاً بحركة المسافرين إلى الدول القريبة والبعيدة، وهبوط الطائرات وإقلاعها في الغالب إلى السماء الملبدة بالغيوم، بدا مقفراً مثل العاصمة النرويجية أوسلو في يوم الأحد! حيث لا يذهب إلى الكنائس للصلاة على آخر العمر سوى العجائز! أو في الساعة الرابعة صباحاً من كل يوم أحد، بعدما تُغلِقُ آخر المراقص أبوابَها ويعود الساهرون إلى بيوتهم، صُحبَةَ من يلتقون بهم على كأس أو رقصة، أو بموعد مُسبق مع من تحب أنفسهم!

غابتْ كل مظاهر ترف نهاية الحضارة الغربية، أُغلقتْ المطاعم الفاخرة والمتاجر العامرة بالبضائع، التي يشتري منها المسافرون ما تشتهي أنفسهم من عطر وشراب وهدايا. أما الموظفات الحسناوات اللَّواتي كنَّ يستقبلنَ المسافرين بابتسامة مشرقة في أرجاء المطار فقد سُرِّحنَ إلى بيوتهن حتى تنجلي الغُمّة! حلَّ محَلَّهُنَّ فصيل من الجنود توزعوا في الممرات كئيبين بردانين! إثنان منهم استقبلوا المسافرين!

في أجواء الحرب إياها، خُيّلَ إليَّ في حينها وكأنَّ المملكة النرويجية المسالمة والنائية عن العالم، والعضو المؤسس في الناتو في سنة 1949 ، انحازتْ إلى حليفتها الولايات المتحدة، في حرب نووية اندلعتْ في سنة 2020 ضد روسيا!

بإنجليزية المدارس النرويجية الرّفيعة، قال أحد الجنود، وكان يرتدي بَزَّةً مرقطةً تُشْبِهُ بَزَّةَ جنديٍّ من فصيل قوات خاصة عراقي، خلال الحرب العراقية الإيرانية المشؤومة! بأنَّ علينا الوقوف في طابورين الأول لحاملي الجنسية النرويجية والثاني للأجانب، فوقفتُ مع النرويجيين وكانوا رُبْعَ عدد المسافرين تقريبا.

ثمَّ سَلَّما ليد كل مسافر ورقة فيها تعليمات الوقاية من الجائحة باللغتين النرويجية والإنكليزية، قبل التوجه إلى البوابة الإلكترونية. وكان أحد الأصدقاء المقيمين في أوسلو أخبرني قبل أيام، بأن السُّلطات الصحّية سوف تضع المسافرين في الحجر الصحّي في مستشفى قرب المطار لمدة 14 يوما، لكن لم يحدث شيء من هذا القبيل بعد وصولنا، فقد ذهب الجميع إلى منازلهم!

كانَ عليَّ وضع الصفحة الأولى من الجواز على زجاجة البوّابة ليقرأه، وأقف أمام كاميرتها لالتقاط صورة، يُمزجُها العقل الألكتروني خلال ثوانٍ مع ملامح صورة الجواز وبقية المعلومات، قبل انفراج ظلفتيّ الباب الزجاجي للمرور. حاولتُ ثلاث مراتٍ فلم أُفلح وقلتُ في نفسي هل صَنعتِ الدول المتقدمة كاميرات حرارية لاكتشاف المصابين بكورونا أو لمنع القادمين من دول جنوب شرق آسيا حيث انتشر الفيروس اللعين؟! فسارعتِ النرويجُ وهي أول المسارعين دائماً لشرائها بأي ثمن؟ في عهد قَطعتْهُ على نفسها منذ عقود لشراء كل اختراع جديد من الولايات المتحدة واليابان والمانيا خاصة، يمكن له أن يُعنى بصحة مواطنيها، يُخفّفُ آلامهم وينقذهم من خطر الموت؟!

وبعد قليل التفتُّ إلى أحد الموظفين، ممن انهمكوا في تنظيم صفوف العشرات من المسافرين، الذين كانوا على متن الطائرة الوحيدة التي هبطتْ قبل دقائق، وأوضحتُ له المشكلة فقال بأن عليَّ المرور من خلال مكتب صغير حيث تجلس شرطية على مبعدة أمتار.

استقبلتني بابتسامة، وهي عادة كل موظفي النرويج، فالإبتسامة ثقافة في هذا البلد، وما يُشيعُها إلّا السَّلام والأمن والرخاء والطاقة الإيجابية.
- أوراقُكَ سليمة لكن يبدو أنك وقفتَ أمام الكاميرا، ناسياً رفع الكمامة على أنفك؟!
- آه عفواً يبدو أنّي نسيتُها فعلاً!
رفعتُ الكمّامة وضحكنا معاً وقالتْ
- الكثير من المسافرين نرويجيين وأجانب ينسون الكمّامة أو غطاء الرأس فلا تقلق.
نسيتُ القلق فعلاً وأنا أنظر إلى صفِّ أسنانها المنضود الأبيض، وشفتيها الورديَّتينِ اللَّتينِ تجمعتْ فيهما كل أسباب العافية!
30/4/2020
____________________
ساندفيورد (Sandefjord) وترجمتها إلى اللغة العربية تعني مضيق الرمال. بلدة صغيرة هادئة وغاية في النظافة ككُلِّ المدن النرويجية، وتقع إلى الجنوب من العاصمة أوسلو، وتبعد عنها بمسافة 130 كم.
بلدة رائدة ومشهورة بصيد الحيتان. في ضواحيها مصنع لاستخراج الزيوت منها، وهنالك من أصبحوا مليونيرات ومشهورين في البلدة من هذه المهنة.
قبل اكتشاف النفط في النرويج في سبعينيّات القرن الماضي ليُغيّرَ وجهها، بقيادة المهندس العراقي فاروق القاسم، اشتهرتِ البلدة بالشَّحنِ والنقل البحري، وكانتْ لها خطوط بحرية تجارية سهلتها اطلالتها على السويد.
وتراكمتْ خيرات أرضها بعد العثور على الماء والطين المحتوي على الكبريت في سنة 1837. وترسو على ساحلها ثلاث سفن بسبع طوابق وتسعة تنطلق إلى السويد يوميا، إحداها تعمل على الكهرباء والديزل، لكنها توقفتْ جميعاً عن العمل منذ حوالي شهرين، بعد انتشار جائحة كورونا. كما توجد في المدينة صناعات متنوعة، منها الكيميائية والغذائية والخشبية. وفيها الشركة العملاقة المصنعة للطلاء Jotun A / S ، تأسستْ في سنة 1926 ، وهي أكبر شركة خاصة في البلدة. هي زراعية مهمة أيضاً، حيث تزرع فيها الحبوب والبطاطا والخضروات. ويهتم الفلاحون فيها بتربية الحيوانات من الأبقار والخنازير والدجاج وغيرها.



#طارق_حربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحيل ملحن الوجدان العراقي.
- نهر ميكونغ Mekong River
- قصيدة الرغبات
- كورونا
- درس ثورة أكتوبر العراقية 2019
- حديقة بوذا (Xieng Khuan) أو المدينة الروحية في لاوس.
- شلال خون كورن (Khun Korn Waterfall)
- متحف بان دام (Baan Dam) أو البيت الأسود.
- المعبد الأبيض في تايلند
- كتاب الأسفار الآسيوية .. شيانغ راي في تايلند
- بار في السعدون
- نرجيلة
- الطريق إلى الناصرية 4
- الطريق إلى الناصرية 3
- شارع النهر
- الطريق إلى الناصرية 2
- انهيار التعليم في العراق
- حي الأرامل
- بيان حول الاعتداء السافر ضد المتظاهرين في مدينة الناصرية.
- عقيل حبش .. بطل من الناصرية


المزيد.....




- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - يوميات مضيق الرّمال (1)