أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق حربي - لمناسبة صدور كتاب (في سجن الأحكام الخاصة) لأحمد عبد الستار















المزيد.....

لمناسبة صدور كتاب (في سجن الأحكام الخاصة) لأحمد عبد الستار


طارق حربي

الحوار المتمدن-العدد: 7107 - 2021 / 12 / 15 - 19:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تهانيّي الحارة إلى صديق العمر أحمد عبد الستار لمناسبة صدور كتابه
(في سجن الأحكام الخاصة / مذكرات سجين سياسي في العراق) الصادر مؤخراً عن دار ألكا والمفكر في بلجيكا.
وكانت سنوات السجن سبعة و15 يوماً، من 14/ 10/ 95 وأطلق سراحه يوم 9/29/ 2002 ، أي قبل سقوط النظام الفاشي بستة أشهر. سُجن أحمد وفق المادة القانونية رقم 157 وهي تهمة موجهة إلى أحرار العراق (الإنتماء إلى جماعة معادية إلى جمهورية العراق.. والحبس الشديد لمدة 10 سنوات ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة، والدعوة عادية مخلة بالشرف!)
كنتُ من بين أصدقاء أحمد حريصاً على تدوين معاناته اليومية في سجون البعث الوحشية، حيث لا يملك الضحية إلّا حبه لوطنه ومبادئه، فيما باع الجلاد وهو عراقي أيضا ضميره للنظام المستبد، وتجرد من إنسانيته في حفلات السياط والتعذيب الوحشية، جاهلاً أن دوره ربما يأتي بعد دور الضحية، في نظام قمعي جرب كل أساليب التعذيب في السجون النازية، وأطلق جلادوه كل أنواع الشتائم ولغة أولاد الشوارع لجعل السجين يوقع على ورقة اعتراف أو تنازل، ومن الضحايا في سجون العرب والعالم من تمت تصفيتهم من دون قول كلمة واحدة!
لا شك أن الكتابة عن السجن بكل محمولاتها القهرية إنما هو استعادة القسوة ومرارة التجربة لسنوات طويلة وراء القضبان، لكن السجين يزيح بعد التدوين حملاً أثقل كاهله، ويشعر أن التشاركية مع أخيه الإنسان بعد وضع تجربته بين يديه، تمنحه نوعاً من راحة الضمير في أفق الخلاص من حقبة دكتاتورية دموية، وتجاوزها نحو المستقبل المجهول تحت حكم الأحزاب الفاسدة! ففي الناصرية التي يعيش فيها أحمد تواصل الأحزاب وريثة آليات القهر البعثي منذ عام 2003 حتى اليوم قمع شبّان التظاهرات المطلبية بالنار والحديد، وتبيد الشعب كله بالصمون الأبيض وماء الجليكان وتدهور خدمات الكهرباء والبلدية، كما تحالفت الطبيعة مع النظام الفاسد فتراجعت البيئة بعد غرق الناصرية بالقمامة والنفايات، والطبيعة بنضوب مياه النهرين والتصحر وهبوب عواصف الغبار وغيرها!
في ناصرية السبعينيات من القرن العشرين وهي مدينة الغبار بلا منازع والاهمال المتعمد من قبل النظام الدكتاتوري، كانت البيئة الحكائية والزمان متقلباً بالأحداث السياسية، واندلاع الحرب ضد إيران عام 1980 وقبلها الرحيل المبكر لأم أحمد والأم جزء هام من تاريخ الإنسان الشخصي والأنطولوجي، كل ذلك كان يطرح الكثير من الأسئلة والتحديات على الحياة اليومية في الناصرية ما جعل أحمد أكثر حساسية في فهم الحياة وكنه الوجود، فبدأ بكتابة الشعر، وفي خطوة لاحقة أي في طريق اكتشاف ذاته وإنسانيته وفهم أعمق للتاريخ والسياسة ووجهها الآخر الاقتصاد اعتنق أحمد الماركسية فكراً وممارسة، وطفق يدافع عن الإنسان في كل مكان من كوكبنا المترنح، وقف وما يزال مع أبناء مدينته في انتفاضتهم التشرينية العظيمة ضد الأحزاب الفاسدة التي رمت الناصرية خاصة والعراق عامة وراء الشمس، راح يسجل يوميات الانتفاضة وينشرها في التواصل الاجتماعي ليطلع أهل الناصرية والعراق في المنافي الصقيعية على يوميات الانتفاضة وقمعها وقتل الشبّان وتغييبهم، ووقف إلى جانب الطفل والمرأة داعياً إلى الحقوق المدنية، وباعتباره مثقفاً عضوياً وقف ضد توحش الرأسمال في كل مكان في هذا العالم، ساند رجال السترات الصفر وهي حركة احتجاجية ظهرت في شهر مايو عام ٢٠١٨ في فرنسا، ونددت بارتفاع أسعار الوقود وتكاليف المعيشة، وما لبثت أن امتدت مطالِبها لتشملَ إسقاط الإصلاحات الضريبية التي سنّتها الحُكومة الفرنسية، التي تُقوّي الطبقة الغنيّة وتستنزفُ الطبقتين العاملة والمتوسطة.

دوَّنَ العديد من الكتاب العرب تجاربهم المريرة في السجون العربية ابتداءً من سبعينيات القرن الماضي، في سوريا ومصر والمغرب وغيرها، من كان سجيناً أو ناقداً للأوضاع السياسية في بلاده والأنظمة القمعية، ومع أن آلة البطش في العراق كانت الأضخم والأعتى والسجون فوق الأرض وتحتها، لكن للأسف لم يكتب الكثير في ملف أدب السجون في العراق.

* ليس مستحيلا أن تقضي في السجن، عشراً من السنين، خمس عشرة، وأكثر، ذلك ممكن شريطة أن لا تسوَدَّ الجوهرة النائمة تحت ثديك الأيسر!
ناظم حكمت

* صورة الغلاف وصور لأحمد وأخيه جعفر وعدد من السجناء خلال التعداد المسائي.


صفحات من الكتاب
في الطريق إلى بغداد

كان الطريق الاعتيادي من الناصرية إلى بغداد يمرّ آنذاك بالكوت، إلاّ أننا سلكنا الطريق الأطول عَبر السماوة والديوانية والحلّة ثم بغداد. وأظن أنّهم اختاروا هذا الطريق غير المألوف تجنباً لأي كمين محتمل.
قبل أن تنطلق السيارة استولى عليّ إحساس بأنهم أخرجونا ليعدمونا في الصباح الباكر في منطقة الإعدامات قرب مدرسة قتال فرقة 11 على طريق مدينة أور الأثرية، وتأكد الإحساس عندي أكثر عندما حملوا أسلحتهم (الكلاشنكوف نصف الأخمص) داخل السيارة. تساوى عندي تماماً الإحساس بالحياة والموت، ولم أعد أخشى الموت الخشية الغريزية عند كل كائن حي، بل إنّي لم أبتعد عن الموت سوى دقائق، حتى إن شعوري الآن توقف عند كم من الوقت يستغرق ألم الرصاصات التي سوف تخترق جسدي لترديني قتيلاً، هل هي ثواني أم دقائق ثم ينتهي الألم؟ وقد أعددت نفسي لهذا الأمر نهائياً، خصوصاً إن السيارة أخذت اتجاه الطريق السريع الذي يمر على مدرسة القتال، ولاح لي بين كثير من المشاعر، كيف سيعاني أهلي وزوجتي وأصدقائي. ومرّت بي صورة، من بين جميع الناس أو أكثر من غيرها، صورة أختي الكبرى (أم إحسان) لأنّها كانت أكثر الناس حباً لي. وانطلقت السيارة وأنا على استعداد تام للنزول بإرادتي والوقوف بوجه الرصاص حتى تجاوزت بنا السيارة محطة توليد الطاقة الكهربائية وتجاوزت عندها طريق مدرسة القتال وساحة الإعدامات سيئة الصيت أيام حكم البعث.
فجأة عدت من عالم الموت إلى عالم الحياة عندما ابتعدت السيارة داخل الطريق السريع وأنا أراقب أفراد مفرزة المخابرات المرافقين لنا مشغولين بأحاديث جانبية، ولم ألحظ عليهم تحركات تحضيراً لإعدامنا، وكذلك لم ألحظ أي إحساس مشابه عند رفاقي الباقين (فالح مكطوف وحيدر عبد الجبار وأحمد سالم).
فتح أحدهم إذاعة المعارضة وأخذ السباب والشتائم ينهال على صدام، والشخص الوحيد بينهم الذي بدا عليه الضيق جراء ذلك هو الذي جاء للقبض عليّ، فطلب منهم إغلاق راديو السيارة أو تحويل البثّ إلى إذاعة أخرى.
خلال الطريق تجاذبنا الأحاديث معهم ونحن مكبّلون بالأصفاد، أعطونا سكائر وسمحوا لنا بالتدخين، طلب هذا الشخص نفسه فتح زجاج السيارة حتى لا تصير "ثعوالة" حسب تعبيره، ورد الآخر عليه: "خليهم يدخنون لأن ماكو جكاير إذا وصلوا". في أثناء سيرنا بالطريق السريع لفت نظرهم قطيع ضخم من الجمال وسط الصحراء مبدين إعجابهم وحسدهم، فرواتبهم لا تتعدى (15) ألف دينار حسب ما اعترفوا لنا، وهذا القطيع الذي أثار حسدهم يعد بالمليارات إذا ما سوي مالاً.
بعد خروجنا من الناصرية بساعة ونصف تقريباً دخلنا أطراف مدينة السماوة ولا أذكر بالتحديد أي قصبة أو بلدة توقفنا عندها، نزلوا لتناول الشاي عند أحد الباعة، ناولونا أيضا صينية شاي من دون أن ننزل من السيارة مما جلب انتباه جمهور الناس المتحلّقين قرب بائع الشاي وفضولهم، فباتوا يتطلعون إلينا بفضول ورهبة دون مبالاة مفرزة المخابرات بالناس، جاء سائق السيارة إلينا وسألنا بحرص وكرم هل شربتم الشاي أجبناه بامتنان: نعم نعم شربنا شكراً جزيلاً. بعد انطلاق السيارة أخذنا نتحدث مع أفراد المفرزة، وهم يتحدثون معنا شتى الأحاديث، منهم مثلاً من قال: أنتم حزب شيوعي عمالي أليس كذلك؟ أنا والدي عامل أيضا ينتظر العمل دائماً في مسطر العمال بالرمادي، قال الجملة الأخيرة بصوت هادئ وهو ينظر للفضاء من زجاج السيارة، وكان هذا الشخص نفسه سألني في أثناء التحقيق بمركز مخابرات الناصرية: "هل أنت من قال أثناء أحد اجتماعاتكم إن حزب البعث حزب ضعيف لكنه قاسٍ وهو سبب خوف الناس منه وإنه حزب رأسمالي،" أجبته: "نعم رأسمالي وهل عبارة رأسمالي شتيمة،" لأدافع عن نفسي مخففا من مادة الاتهام الموجهة لي لاعتباري حزب البعث حزباً رأسمالياً، سكت ولم يجب إلا أنّ شخصاً آخر منهم تدخل بسرعة طالبا منه أن لا يتحدث معي بمثل هذه الأمور: "لأنّ الشيوعيين فيترجية مال حجي" حسب تعبيره.
استدار الشخص الذي جاء للقبض عليّ في محلي، متحدثاً معي كاشفاً عن مآثره في ملاحقة الشيوعيين من كردستان إلى الناصرية وعدّد أسماءً من شيوعيّي الناصرية ممن أعرفهم ولا أعرفهم، وأنّه يعمل على ملف الشيوعيين منذ 11 عاماً، ثم أنهى حديثه بخلاصة تجاربه: "أنتم الشيوعيون لا تنتهون من الشيوعية مهما طال الزمن"، أجبته: "لا أدري" لأبعد تصوره عنّي بأنّي شيوعي متمسك بالشيوعية ويزيد تعذيبي والحكم علي. بعد هذا الحديث سألته ألم تكن أنت الشخص الذي جاء مع المفرزة لإلقاء القبض علي، "لا لا أبداً لست أنا" أجابني "وهل تعرفني أنت من قبل" سألني، فأجبته بالإنكار: "لا لا أعرفك ولم أرك من قبل".



#طارق_حربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جوع
- فيلم (قتلوا أبي أولا) إخراج إنجيلا جولي أطفال المعسكرات في ك ...
- فيلم (رينو في القارة السوداء) جمال المغامرات في الصحراء وصعو ...
- تخفيف القيود وعودة المتسوّلين!
- فيلم الجحيم -El Infierno- كوميديا سوداء عن صراع عصابات المخد ...
- دلتا ولامبادا ونعيق النوارس!
- الإنسان ليس سعيداً في الناصرية! (الجزء الثالث)
- لمناسبة جريمة احراقه وقتل المرضى الأبرياء فيه .. مستشفى الحس ...
- ناصرية مكسيك (الجزء الأول)
- الإنسان ليس سعيداً في الناصرية! - المرأة نموذجاً
- عن جيمس بوند وشاه إيران ومنزل بائعات الهوى!
- مقبرة جماعية*
- أسلمة أفلام ناسا الفضائية لا يضرُّ العلمَ شيئا!
- * كوالالامبور .. الفساد وبرجا بتروناوس وقصة السفارة العراقية ...
- السيّاح الرُّوسُ في بتايا وأخصُّ بالذكر منهم الحسناوات!
- طلعت الشميسه!
- بتايا .. من قرية صيد الأسماك إلى مدينة الدعارة الأولى في الع ...
- مدينة أشباح!
- مشاكل اللُّقاح البريطاني في النرويج
- عن أطلس العراق ودرب التبانة!


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق حربي - لمناسبة صدور كتاب (في سجن الأحكام الخاصة) لأحمد عبد الستار