أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - رواية -نزيف المسافات- والتوثيق التاريخي















المزيد.....

رواية -نزيف المسافات- والتوثيق التاريخي


عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم

(Abdulsattar Noorali)


الحوار المتمدن-العدد: 7919 - 2024 / 3 / 17 - 02:53
المحور: الادب والفن
    


رواية "نزيف المسافات" للقاصّ العراقي صالح البياتي، المقيم في استراليا، والصادرة عام 2021 عن دار الورشة للطباعة والنشر/ بغداد/ شارع المتنبي.

تتناول الرواية فتراتٍ من تاريخ العراق في النصف الثاني من القرن العشرين: العهد الملكي، ثورة 14 تموز 1958، انقلاب 8 شباط 1963، انقلاب 17 – 30 تموز 1968 يوم تسلّم حزب البعث السلطة، وما أعقبتها من أحداث حتى الحرب العراقية الإيرانية 1980 وما بعدها، كما مرّت الرواية على الثورة الكردية ومعاركها في العراق واستشهاد والد البطل غير البيولوجي، العسكري المشارك في القتال ضد الحركة الكردية، والذي يكتشف الشخصية الرئيسة مؤخراً وهو في أواسط عمره أنه ليس أباه الحقيقي، بل زوج خالته التي ربته، وهو لا يعرف أيضاً أنها ليست والدته الحقيقية .

ركّز الروائي على تلك الحرب (العراقية الإيرانية) وما صاحبها من أحداث سياسية ثقيلة الوطأ شديدة العنف، راح في أتونها مئات الآلاف من الشباب العراقي المتفتح للحياة والبناء والمستقبل، إضافة الى ما رافقها من معارك ونكبات ونوائح ونوائب داخلية اجتماعية. ومن بين تلك الحوادث والتداعيات حملة التهجير الكبرى التي تعرّض لها الكرد الفيليون؛ بسبب ما سمي بتبعيتهم الإيرانية. وهو من مخلّفات صدور قانون الجنسية العراقية عام 1924 حيث قُسّم العراقيون الى تبعية عثمانية، وتبعية ايرانية. وهو ما جرّ معه تمييزاً عرقياً طائفياً سياسياً اجتماعياً ضد الفئة الثانية، من خلال التهميش والتمييز في الحياة العامة، وفي الوظائف العليا والدنيا.

يسرد القاصّ صالح الطائي، من خلال شخصيات عاشت في محافظة ميسان (العمارة)، تأثيرَ تلك الفترات، وأحداثها التاريخية على حياتها الاجتماعية ومصائرها، باعتبارها نموذجاً للكثير من مثيلاتها، ومن خلالها سجّل ووثّق روائياً ما عاشه العراق والعراقيون في تلك الحِقَب، والظروف والمتغيرات التي امتازت بها، وما عانته وناءت تحت حِمله في ظلّ تلك الأنظمة المتعاقبة، التي اختلفت جذرياً في توجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فكلُّ نظام جاء في أعقاب آخر عن طريق انقلاب دمويّ، راح ضحيته الكثير من رجالات السلطة ومن مناصريهم من العامة، ومن الأبرياء غير المناصرين. ففي انقلاب 8 شباط مثلاً قُتل واعتُقلَ وعُذّب آلافٌ مؤلفة من الشباب العراقي المنتمي للتيار اليساري، ومن غير المنتمين، لكنْ بالشُبهة تعرضوا الى ما لاقوه من قتل واعتقال وتعذيب وتشريد. وكيف تفاعل الناس مع تلك الأنظمة، وعاشوا، وتحمّلوا، وعانوا، كلٌّ حسب طبقته الاجتماعية، وموقفه السياسي الأيديولوجي. وكذلك يعرضُ لنا حركة الناس المتضادة في مواقفها، ومعاناتها، بين مؤيد ومعارض، وانتهازيٍّ، ومصلحي. وكذا علاقات هذه الطبقات فيما بينها، سلباً وإيجاباً، محبةً وتعاضداً، أو كراهيةً ومحاربةً وإيذاءً. وكلُّ ذلك وبطل الرواية/الراوي (نوح المدعو "إجباري" قبل تغيير اسمه) يروي للمتلقي موقفه الشخصيّ منها كلّها، منْ خلال السرد أو الحوارات الكثيرة - الطويلة بعضها - والتي ترد على لسانه وألسنة الشخصيات، لغرض عرض مواقف العراقيين السياسية المختلفة. فمثلاً في مروره على ثورة الرابع عشر من تموز 1958 نقرأ إنتقاده الشديد واستنكاره واشمئزازه لما صاحبها من أحداث دموية راح ضحيتها أعضاء العائلة المالكة، وبعض رجالات الحكم قبل الثورة، حين سُحلوا في شوارع العاصمة بشكل وحشي مشمئزٍّ، تقشعرّ له الأبدان. حيث وصفَ أول يوم منها، وما شاهده من تمثيل بجثث الملك والقادة الآخرين، وموقفه المعارض الشديد لما تلاها من أحداث بشعة، بعد أن جاء الى بغداد مع صديقه الشيوعي سعيد من العمارة لعمل فوقعت الثورة في اليوم التالي لمجيئهما، إذ يروي (ص 117 – 118):
"لن أنسى ابداً ذلك اليوم الذي كان نقطة تحول سياسي للعراق، ولكن بالنسبة لي غاص في تلافيف العقل الباطن، يبدأ دائما بهذا السؤال المحيّر: لماذا تنقلب صفحات التاريخ في مثل هذه الأحداث، بأيدي ملطخة بالدم، لماذا تكون العقوبة قاسية، عنيفة الى درجة الجريمة.. كان الاضطراب يعمّ شوارع المدينة"
ثمّ يقول:
"كتبت في دفتر مذكراتي أخاطب نفسي: نوح.. كم مرة في عمرك، سترى فيه جثة عارية، بلا رأس ولا أطراف، لرجل ذي نسب رفيع، ومقام عال، مسحول بحبل، في يوم مقدود من غضب، بين أناس مُسخوا وحوشا.. سيطالهم الموت يوماً، وبصورة أبشع."

ويروي لنا بطل الرواية (ص121- 122 ) ما رأى من حادث قتل انسان بريء مرّ صدفة بقصر الشيخة فتنة (زوجة الشيخ ممدن العريبي):
"رأيت فلاحاً يتطاير الشرر من عينيه، يستظل واقفاً بسور القصر، ويتربص برجل قادم، وعندما اقترب الرجل، أنقضّ عليه فجأة، ودوت طلقتان في الهواء، خرّ على إثرها صريعاً، على حافة الرصيف، اختلج جسده المنتفض برهة ثم خمدت أنفاسه الأخيرة"

وفي صفحات أخرى نقرأ موقفه الآخر من الثورة وحلمه بالحرية، وخيبة أمله بما شاهده وعاشه في اليومين الأولين للثورة (ص 122):
"عدت للبيت مختنقاً بهواء الثورة، الذي فسد للتو، وتلوّث بسموم الكراهية والحقد والانتقام، تمنيته هواء نظيفاً، يعبق بنسائم الحرية"

لقد استلهم الروائيّ شخصياته وسِيَرها من نماذج واقعية، عايشها وعرفها، وعايشناها نحن أيضاً وعرفناها عن قرب، وعن تفاعل وعلاقات شخصية بينها، فهي تعيش في منطقة وبيئة واحدة، مما يدفعنا الى أنْ نرى بأنّ في بطل الرواية شيئاً من سيرة الكاتب الذاتية، وما عاشه وعاناه في تلك الحقب. وعليه يمكن لنا فنيّاً أنْ نضع الرواية في خانة (الواقعية التاريخية النقدية)، إذ تعرض لنا فترة من تاريخ العراق في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو ما تحتاج الرواية العراقية أنْ تتعرض له؛ لما لها من أهمية في تعريف الأجيال القادمة على ما جرى في العراق في تلك الفترات، وما قامت به الأنظمة المتعاقبة وما جرى خلال حكمها، والأثر البالغ والتدميري والتمزيقي اجتماعياً، ناهيك عن الجانب السياسي والاقتصادي، والثقافي والحضاري. كما أنها مزج فنّي سردي (روائي) بين السيرة والتاريخ، والأحداث، والاضطرابات، والمتغيرات الدراماتيكية التراجيدية التي عاشها العراق وشعبه، فأوصلته الى ما هو عليه.

لقد اشتغل الأديب صالح البياتي بحرص وتفصيل دقيق ومتابعة تاريخية وميدانية شخصية على تسجيل، وبيان الأثر العظيم والخطير، والعميق لهذا التاريخ ووقائعه على الناس بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم جماعاتٍ وأفراداً. فالحكاية التي بين أيدينا، وقصص شخصياتها المتعددة المشارب والمختلفة الطبقات والاتجاهات، وعلى ضوء مجهر قراءتنا هي واقعٌ عاشه الروائي وسط بيئة مضطربة، وبلد مرّت به أحداث جسام صنعت تاريخه المتلاطم الأمواج، وبحر الصدامات الكارثية، التي جاءت بقادة، وحروب داخلية وخارجية، ألقتْ بظلالها السُود، ونتائجها التراجيدية المأساوية المدمِّرة، على عاتق الشعب الذي لم تكن له ناقة ولا جمل في كلِّ ما جرى. فما هي إلا صراعاتٌ بين أطماع، واستراتيجيات ومصالح خارجية، وصراع داخلي على الكرسي بين قوىً متضاربة متصارعة، لا يهمها إلا السلطة والمناصب، والوجاهة والإمارة ولو على الحجارة، وما يجلبه ذلك من منافع وامتيازات، ونفخة كذّابة زائلة، لعيون جائعة متعطشة للسلطة، ونفوس جاهلة متخلفة. لقد اشتغل الكاتب عليها منْ خلال سيرة بطل الرواية وسِيَر الشخصيات الأخرى – كما ذكرنا - ، والأثر البالغ العظيم لتلك الأحداث والوقائع التي ضربت البلاد طولاً وعرضاً، شمالاً وجنوباً، ومنْ أقصاه الى أقصاه. هذه السيرة والسيَر الأخرى نماذج ضمن الكثير الكثير منَ الذين وقعوا ضحايا بريئة، كالمرأة الجنوبية الطيبة المضحية الأرملة (الدهلة) نموذجاً، والتي قُتلت على يد ضابط الأمن، وهي إحدى شخصيات الرواية.

ومن الذين اختاروا طريق المعارضة والمواجهة بإرادتهم (الشيوعي سعيد مثالاً) حيث تحمّلوا متوقعين، بسبب انتمائهم واختيارهم المواجهة عن قناعة، تحمّلوا ما تعرّضوا له من ملاحقة واضطهاد، وسجن وقتل وتعذيب، حيث (راحوا بالرِجلين) كما يقول شعبنا.

هذه النماذج من الشخصيات الواقعية (البريئة والمُواجِهَة عن سبق إصرار) هي وجبة الرواية الفنية، ومضمونها، والهدف الذي يروم الوصول اليه الكاتب، والذي دفعه الى صياغتها، بالتعب المرّ اللذيذ، والجهد الاستثنائي، والاشتغال على شدّ القارئ وإثارة فضوله وربطه بالأحداث للوصول الى نهايتها المرجوة التي كانت الدافع والرغبة لكتابة الرواية؛ فقد أراد أنْ يضعها أمام عيون ووعي المتلقين، وخاصة المتلقي الذي لم يعشْ أحداث تلك الحِقَب، أو كان صغيراً لا يدرك ما يجري حوله، إضافة الى خوف الأهل من الكلام خشية انزلاق أطفالهم خارج البيت في ذكر ما يجري خلف جدران منازلهم من أحاديث سياسية وأسماء قادة، وبحديث معارض سلبي أو شتيمة، وبذلك تقع العائلة كلها في مهلكة، إن لم تكن مثرمة بشرية، كما حصل للبعض في حقبة السلطة الدكتاتورية الدموية السابقة للغزو في عام 2003.

وكذلك يهدف الكاتب الى أرخنة تلك الفترات التاريخية المهمة والخطيرة للأجيال القادمة روائياً؛ لما للرواية من تأثير أكبر من التوثيق السياسي والمنهج التاريخي المدرسي. وكذلك مثالاً للشعوب التي لم تعشْ ما عاشه العراقيون يومياً تحت ظلال ما كان يجري مما ذكرنا وما سردته الرواية، فوقعوا أسرى التضليل والعمى الإعلامي التزويري، أو الانحياز الأعمى أو المصلحة الشخصية. وكذلك كي لا تقع هذه الحوادث والكوارث في غياهب النسيان التاريخي عن ذاكرة الأجيال القادمة، أو في مطابخ التزوير المُضلِّل والمتعمَّد.

آذار 2024



#عبد_الستار_نورعلي (هاشتاغ)       Abdulsattar_Noorali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سعدي عبد الكريم وقصيدة (الخارطة)
- ديوان (الرصاصة والوردة) مخطوطة
- ديوان (الميناء) مخطوطة
- ديوان (تجريب) مخطوطة
- ديوان (لوركا، انهضْ) مخطوطة
- ديوان (سجّلْ أنا كردي) مخطوطة
- ديوان (قالت الشمس) مخطوطة
- ديوان (قالت الشمس) للشاعر عبد الستار نورعلي/ مخطوطة
- قراءات نقدية في شعر عبد الستار نورعلي (كتاب)
- التناص ووظائف العنوان في قصائد عبد الستار نورعلي (كتاب)
- صمت للشاعر السويدي توماس ترانسترومر
- حرب المسافات
- عندما يُحبُّ الشاعرُ...
- الشاعر المستهام
- ماذا فعلتِ بشاعرٍ يهواكِ؟
- مسرحية (جلجامش) للشاعر السويدي أبه لينده
- شعراء سويديون - دراسات ونصوص
- ديوان ثلاث روايات
- سعدي عبد الكريم و-الملائكة تهبط في بغداد-
- لا أنام...


المزيد.....




- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - رواية -نزيف المسافات- والتوثيق التاريخي