أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - مسرحية (جلجامش) للشاعر السويدي أبه لينده















المزيد.....



مسرحية (جلجامش) للشاعر السويدي أبه لينده


عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم

(Abdulsattar Noorali)


الحوار المتمدن-العدد: 7664 - 2023 / 7 / 6 - 11:49
المحور: الادب والفن
    


جلجامش


( مسرحية شعرية موسيقية )



للشاعر السويدي
أبه لينده




ترجمة عن السويدية
عبد الستار نورعلي




حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى / السويد
2003


DATORTEK / AKTIVITETSCENTER
ESKILSTUNA - SWEDEN
Gilgamesj
Ebbe Linde
Translation from sweden
Abdulsattar Noorali



ISBN 91-974364-5-3







أبه لينده Ebbe Linde:


أبه لينده (1991-1897 ) أحد أبرز رواد التجديد في الشعر السويدي في بدايات القرن العشرين . عمل ناقداً مسرحياً في عدد من الصحف السويدية (1964-1941 ) . كانت بدايته الشعرية في عام 1924 حين أصدر مجموعته الشعرية الأولى ( فجوة )، ثم أعقبها بمجموعة( lll-0 ) 1936 .

كتب في المسرح التجريبي مسرحيتيه ( حبة الخردل ) 1934 ، و(ضوء الجليد) 1938 . و من أبرز أعماله المسرحية (دعارة عروس) 1931، ومعالجته وتهيئته لملحمة جلجامش عام 1946 .

قام الشاعر أبه لينده بترجمات من الشعر اللاتيني ، اضافة الى الأدب الكلاسيكي مثل موليير و هولدبرغ و بريخت. اصدر مقالاته النقدية في كتابين ، كما نشر بيوغرافيا ذاتية في جزأين.

مسرحيته الشعرية الموسيقية (جلجامش) ليست محاولة إعادة لصياغة الملحمة ، وانما اعادة بنائها مسرحياً، من خلال اختيار بعض الخطوط الرئيسية فيها وبعض المواقف ولكن في اطار من اسلوبه وايقاعه الخاص. لقد حاول الكاتب أن يضفي على الملحمة قراءته الخاصة وتفسيره وعصرنة هذه القراءة ، وهذا ما نلحظه في الأفكار التي حاول أن يبثها في ثنايا عرضه ، كما نلاحظ تأثيرات الحرب العالمية الثانية على المسرحية من خلال الأفكار والطروحات والأحداث التي يبثها الشاعر في ثنايا عرضه.
يمكن اعتبار هذا العمل معايشة حسية شعورية وفكرية للملحمة في رداء عمل فني حيث يبحر الشاعر في أجوائها وأصدائها وزواياها الشعورية والفلسفية والانسانية . وقد عرضت المسرحية في زمنها على مسارح مدينة غوتنبرغ السويدية.

في بحثنا عن العثور على نص المسرحية المطبوع تجشمنا عناءاً كبيراً ، حيث لم نعثر عليها في المكتبات العامة. لكن بمساعدة من مكتبة مدينة اسكلستونا السويدية التي أقيم فيها وجهودها اتجهت الى البحث عن دار النشر التي طبعت المسرحية وقد تم لي العثور عليها من خلال الانترنيت وبصعوبة. اتصلت بالدار التي بحثت في سجلاتها فلم تعثر عليها. وطلبت مهلة للبحث عنها. وبعد ايام اتصلت بي الدار واخبرتني أنها عثرت في مخازنها القديمة على ثلاث نسخ تعود الى عام 1946 حيث لم يعثر على طبعة جديدة لها، فبعثت الي بنسخة كان ثمنها في ذلك العام اربع كرونات ونصف ، لكني اشتريتها بسعر سبعين كرونا وبضمنها ثمن الارسال البريدي.






ـ الفصل الأول ـ

" الإفتتاحية الموسيقية قصيرة وقوية، ليست من اللون المحلي الشعبي ولا من القديم ، تعبر عن احاسيس الإنسان في مواجهة الحياة و الموت، فرحه الغامر بوجوده ، الألم في مواجهة الهلاك، والنصر البطولي هو في الانسجام مع كل شئ، حتى مع الدمار .
حين تقرع النغمات الفخمة آخر إيقاعاتها تنار الصالة نصف إنارة . تتوقف إيقاعات الآلات الموسيقية. ومن خلال المخروط الضوئي في مقدمة المسرح يبرز الراوي ، رجل في ملابس عادية ، بدلة سوداء موديل حديث ليست من الزي اليومي المعتاد (بنطال و قميص) ."

الراوي:
"يتحدث بمصاحبة موسيقى هادئة."
ـ ماذا على المرء أن ينشد من أشعار وأغان
في عصرنا هذا المتقدم الكترونياً ،
قرن المدافع والمكائن الطائرة والكتاب ،
حين تتوسع شبكة حركة العالم
بالرجال ذوي الثقافة والسراويل والتعليم
والنهار المؤطَّر بالقوانين، بدقات الساعة
وظواهر مؤثرة أخرى
للجماعة وللفرد؟ ــــ
ماذا على المرء أن يغني ،
أيها الجمهور الكريم ، لكم ، أنتم الذين حضرتم إلى هنا
قادمين من الأرصفة البعيدة بالسيارات وبالترام
حاملين تذاكركم آملين
أن تشاهدوا شيئاً، جديداً ممتعاً في هذا اليوم
عرضاً ثقافياً لحياةٍ بهيجةٍ و لهوٍ مباح ،
شيئاً، لكي تنسوا القنابل المنهمرة في مكانٍ ما
والهموم اليومية وبطاقة التموين
وربما شيئاً آخر أيضاً ، يكون مفيداً
ويقوم بصياغة غدٍ أفضل
من خلال إنتاجكم اليومي في عمل ما،
دائرة، مصنع، بحث، سياسة .
ماذا على الانسان أن يغني ؟ ــــ
أليست هذه جرأة خارقة
من الشجاعة القديمة أن تعالج عصركم هذا،
كي ينتظم نحو الأفضل،
من خلال حكايات من طفولة سلالتنا الأقدم ،
رموز ، مشاهد، تخلو من بصمة عصرنا
وباسماء ذات إيقاع غريب رومانسي
جلجامش، أنكيدو . ـــ
لقد عاشا في زمن غابر
بين شعوب ناطقة بلغات غير لغاتنا
في زمن غير زمننا ومن عِرق غير عِرقنا . فيم يعنينا هذا ؟
منذ عشرين قرناً يستلقي هذا الرفاة
فوق ألواح طينية مكسورة ، خيَّمت
في الأسطورة الأخيرة للسلالات المنقرضة ـــ
وهو يضطجع في الرمال منذ أربعة آلاف سنة.
المدينة الأقدم في الكون ، هي أوروك الشامخة .
أه ! القصيدة هي بروتوس ، لكنها ظلت دائماً تشبه
طفلاً مدللاً ، يأتي بما هو مبهج ،
صائغَ ذهبٍ يتبع قوانينه الخاصة ،
غموضاً وتاريخاً لا يمكن التنبؤ بهما .
تلويحة ! ـــ إنه يدعو خادماً من بعيد

"يلوح مساعد من اليمين"
ـ ويحوِّل نفسه بعدة اشارات من قبضته إلى مغنٍ جوال عند نافذة فتاة حسناء ....

"يصنع بعدة إشارات من يده وبمعاونة مساعده قناعاً بدائياً لمغنٍ جوالٍ ، ويأتي بإشارات وكأنه يلعب على آ لة موسيقية ."

ـ وبالسرعة نفسها إلى الكاهن في حجرته

"يدخل مساعد من اليسار بقلنسوة ، يقوم بحركة تعبيرية لكاهن."

ـ وربما في لمحة بصر قادمة إلى شيطان

"يقوم بحركة تعبيرية لشيطان من القرون الوسطى."

ـ إلى محارب ، إلى مهرج ، إلى حاج عجوز .

" إشارات تعبيرية تشير الى هذه الشخصيات. و أثناء ذلك يقوم الراوي ومساعده بالتنكر بأزياء بابلية قديمة متقنة لدرجة أنها لا تبدو تقليداً : قلنسوات، لحىً، وعصيَّ تجوال ."

ـ تبدو مملكته أكثر من مملكة ديكتاتور .
إنه لا يشعر بأية حدود في المكان والزمان .
ما معنى إذن هجرة المكائن الطائرة باتجاه الخيال ؟
ماذا تشبه رحلة الفكر في أغوار مياه الروح ؟
ونحن ، الذين ألقينا أنفسنا تحت سلطة الغناء ،
ماهي لغتنا وعصرنا وعنصرنا ؟
إن أصلنا بشر ! ـــ لا ، بل أكثر من ذلك ،
إن اصلنا الحياة !
الحياة التي تنهض
من مطر حجارة الكريستال المتشظي
تنبعث من هديل الحباري ومن تراتيل شمس الزهور
في وثبات الغزال وموجات البحر السوداء
تتلاطم في فزع ، حب ، صراع و ألم ،
وتنساب إلى الأبد بعيداً في الليل ــــ وفي حياة جديدة !

"تعود إيقاعات الراوي الأخيرة . ارتفاع في الصوت ."

ـ وهكذا صاحبونا إلى أوروك ، البيت الأقدم للعالم ،
و لنستمع إليها تغني ، كما لو أمسينا نحن القصيدة ــــ
أغنية عن الأنسان ..... أغنية عن الحياة ....
هيا إلى أوروك ! ــــ

"نغمات أخيرة. ترفع الستارة. مجموعة من البيوت على اليمين وعلى اليسار تبرز ساحة أوروك قائمة على منصتين . بعض التفاصيل وأناس يسترخون في صمت وظلام . بين مشهد البيوت في خلفية المسرح : زقورة بخطوط لدخان أزرق ترتفع من جانب واحد باتجاه حمرة السماء الداكنة، السماء في الصباح. الراوي يتحدث إلى رفيقه ."

ـــ اتبعني ! ــــ

"يدخلان في الصورة ، لكنهما يقفان في المقدمة . يُطفأ النور في الصالة ببطء .تخرج مغنية سوبرانو من عتمة مقدمة المسرح :، آيلة ."

آيلة:
ـ مساكن الآلهة والبشر
أسوار المعابد الدائرية
حكمة العصور القديمة أرست أسسها،
والسلالات بنت فوقها.

الراوي ـــ الغريب:
"إلى المرافقين كالسابق"
ـــ استمعوا الى الأغنية !

آيلة:
ـ السلالات تأتي وتذهب .
الحكمة تذبل فتستحيل قشاً
مع ذلك فكل شئ كما هو ، كما هو .
ذلك ، الذي كان ، سيبقى قائماً .

الراوي ـــ الغريب:
ـــ و أعط إنارة !

"نور ، لون وحركة فوق المسرح . جماعات من الناس يسرعون باتجاهات مختلفة بالحاح . نساء يحملن جرار الماء فوق رؤوسهن عند البئر، وهناك تجلس آيله. مقاتلون يتدربون إلى الأمام وإلى الخلف، حمالون ينقلون صناديق ورزماً. حدادون وفخَّارون يعرضون صناعاتهم اليدوية في زاوية من الساحة . يقف بين الناس مشرف . حين تفتح الأنارة وتبدأ الحركة فوق المسرح تنطلق الموسيقى قوية بإيقاعات البلدان الشرقية ."

المحاربون:
ـ أسرعْ إلى الأمام ! قفْ ! سرْ !
اسرعْ أستدرْ ! قفْ ! سرْ !

الحمالون:
ـ هيا ! هيا !
بضائع من الشرق والغرب ، منقولة براً و بحراً
هيا ! هيا !

حدادون:
ـ أسلحة من صنعنا ، أسلحة متينة
فؤوس ومحاريث !
ضرورية جدا .
السيف يحمي التجارة ،
الفأس تذهب إلى غابة جلجامش .

حدادون آخرون:
ـ أسلحة من صنعنا ، أسلحة ، أسلحة .
ضرورية جداً .

المحاربون:
ـ أسرعْ إلى الأمام ! قفْ ! سرْ !
اسرعْ أستدرْ ! قفْ 1 سرْ !

"حوار بين فتاة وفتى."

الفتاة:
ـ أعليك أن تذهب الآن ، يا حبيبي ؟

الفتى:
ـ حالاً ؟! لدي استعراض بعد ربع ساعة .

الفتاة:
ـ أتأتي ثانية غداً ؟ إنني أشتاق إليك كثيراً ـــ دائماً !

الفتى:
ـ لدينا تدريبات غداً صباحاً، وفي المساء سنعيد الاستعراض الأحتفالي الذي سنقيمه أمام جلجامش بمناسبة العيد الخامس للمجموعة . أما متى ستكون لدي فرصة لأخذ إجازة ، فهذا ما لايعلمه إلا الآلهة وجلجامش .

" في الجانب الآخر من المسرح يتقدم فتى نحو المشرف ، يصحبه والده المسنُّ الذي يتوسل من أجل اعفاء ابنه ."

الأب:
ـ ابني ! ابني الوحيد !
سيدي ، أنا فلاح بسيط ، و لدي حقل
كان يمتلكه والدي
لقد حرثه وسقاه عبر السنين ،
وأنا نفسي قد حرثته وسقيته من بعده ...
و لحد الآن ـــ
اليوم يأخذون ابني مني ، ابني الوحيد هذا ،
ويرسلونه من حقل ابيه
مجذِّفاً ، إلى بلاد غريبة !

المشرف:
ـ إنها أوامر جلجامش .

الابن:
ـ من أجل عظمة البلاد ، يا أبي .

المشرف:
ـ من أجل عظمة البلاد .

الأب
ـ أوه ، عظمة البلاد ، وعظمة البلاد ،
و جلجامش ، و جلجامش !
لكننا نحن أناس بسطاء ــ أين سعادتنا ؟
أوه ، آرورو ! آرورو !

المشرف:
ـ جلجامش خير من يدرك أين سعادتنا .

"إشارات وحركة في خلفية المسرح ."

منادٍ :
ـ سيدنا جلجامش يتسلم التقارير اليومية .


الناس كلهم:
ـ جلجامش !
"يحيونه جميعا . يدخل جلجامش من خلفية المسرح ، يتفحص حشد الناس ويتسلم التقارير والتحايا قبل أن يقف في مواجهة الناس ."

جلجامش:
ـ يا شعبي ! في ساقية آمنة
ينساب قدركم نحو محيط المستقبل .
شرائع أبدية مقدسة
القوي يصبح ملكاً ، والضعيف عبداً .
شيئان يميزان
سلالة سومر عن حيوانات البرية :
العمل ! ـــ الإرادة !
هذه هي طبيعة الأنسان الرائعة .

إذا كنتَ تئنُّ من الكدِّ والتعب
فإنَّ ذلك يثير جذل الإله.
نجاح وغلة أجود
هما ما نصبو إليهما أكثر فأكثر كلَّ يوم .
انظروا إلى هذه الأسوار المنيعة ،
ضربات زخات المطر المتحدية ،
أزمنة رديئة ، أوبئة ، حرائق ،
من رأى مثيلها في بلاد الأنهار ؟
أنظروا إلى هذه المشاهد والقباب المزخرفة ،
التي ستستمر في البقاء منتصبة ، تزلزل الأرض .
يا شعبي ! في آثار ساعات الكدٍّ هذه ،
تشيِّد أنت البناء الأشمخ في العالم
أغنى وأثرى حياة حصل عليها إنسان ،
الخلق للأجيال صار قدرك !

كورس من الناس:
"يقودهم المشرف."
ـ أفضل سرعة بالمحاريث والمجاميع .
قبضات أسرع ! قبضات أسرع !
سواقٍ من النبيذ ،
مكائن جديدة ،
وسائل جديدة في كلِّ يوم .
رفاهية مزدهرة هي شريعة سومر .

المحاربون:
ـ أسرعْ إلى الأمام ! قفْ ! سرْ !
أسرعْ أستدرْ ! قفْ ! سرْ !

الحدادون:
ـ أسلحة ، أسلحة ، أسلحة متينة .
ضرورية جداً .

الحمالون:
ـ هيا ! بيع و شراء
أعطِ و خذْ ،
خذْ وأعطِ ،
بضائع منقولة براً و بحراً .

السقاؤون:
ـ ايتها الأخوات ، ماء بارد متدفق ،
اصنعوا منه عصيراً
ليمنحكم القوة
لبذل المزيد من الجهد المبارك .

الجميع:
ـ آلات جديدة ،
وسائل جديدة لكل يوم .
رفاهية مزدهرة هي شريعة سومر .

الأب:
ـ رفاهية مزدهرة ،
نعم جلجامش عظيم .
لقد وسَّع الحدود
و باهرة مشرقة هي المدينة التي يسكنها.
سفن مضاعفة تمخر عباب النهر،
بضائع مضاعفة في المستودعات ـــ
غلة مضاعفة تمنحها الحقول ـــ
لكن أين صار الفرح ؟
سابقاً كانت الرقصات تملأ الأماسي ،
سابقاً كانت الحياة مليئة بالبهجة .
الآن تتكوم الغلة في الأقبية ،
لكن لا أحد راضٍ .
يستطيع الفرح أن يحيل إلى فيض غزير
سمكةً جافة ، كسرة خبزٍ ،
لكن الرفاهية الأكثر دسامة تتلاشى
حيث الفرح ميت .

الغريب:
ـ أنتم لا تحبونه ، ملككم ذا السمعة الطيبة في أوروك .

الأب:
ـ بلى ، أيها الغريب ، نحن نحبه ، لأنه رجل عظيم . إننا مستعدون للموت سرايا من أجله ، من أجل النظام . لكن ، أوه ، إن ما تصبو اليه نفوسنا أحيانا هو أن يكون هناك واحد آخر أيضا ، يمكنه أن يحافظ عليه ساريةً مرفوعة ، واحد دون خطط أو مراسيم أو مرافقين ، يسمح لنا أن نحيا ونبقى كما نحن فحسب . أيها الغريب ، لو كان بامكانك أن تكشف مشاعر الجميع ، لكنت ستسمع الكثير عن ذلك ، لكن لا أحد يجرؤ أن يفكر .

" تنطلق أغنية كنغمة من اعماق الأيقاع الصاخب لحركة سوق الساحة . وشيئًا فشيئًا تعلو أكثر فأكثر حتى تهيمن على مقدمة المسرح ."

الناس:
ـ آرورو ! آرورو !
آرورو أم كل الأشياء ، من رحمك كل واحد ،
عوالم و نهار و ليل و آلهة وبشر تتدفق ،
انجبي لنا بطل حكايات ، يحقق أحلامنا ،
امخري بنا عباب الطوفان الخالد صخرةً من السلام الأبدي .
يا أم الجميع ، اصغي الينا !

الغريب:
ـ لقداستجيبت صلواتكم !
فعلاً نبتت في قلب آرورو
قوة موازية لهذا الجبار ،
لقد عجنت يداها فعلاً
نسخة له من طين الأرض .
في صدره نفخت من روحها .
نعم ، إنه ينتظر الآن عند التخوم
ذلك الذي يحمل رسالة وجوده .

المنادي:
ـ سيدي جلجامش ، صيادان اثنان ـــ
يطلبان أن تسمح لهما بأن يبلغاك
شيئاً غريباً ، عثرا عليه .

جلجامش:
ـ دعهما يتقدما !
"يتقدمان ويؤديان التحية."
ـ انهضا وأخبراني ما الآمر !

الصياد الأول:
ـ سيدي ، إننا نحصل على غذائنا
من غابة الينابيع عند حافة البرية .
هناك ننصب فخاخنا ونطلق سهامنا
لانتاج اللحم من غابتك الخاصة
التي قدمتها هبة لجمعيتنا .
لكننا منذ زمن نلاحظ
بأن شخصاً يمزِّق شباكنا و يخرب عملنا
و لم يحدث لنا ولا نادراً
أن ظبية اختفت من مصيدتنا . .
ولقد تتبعنا أثر اليد ،
التي تقترف هذا الصنيع .

جلجامش:
ـ إنه سيعاقب على هذا الاعتداء الأثيم والمضايقة
لصيد شريف من أجل توفيرالغذاء .

الصياد الثاني:
ـ سيدي ، هو شخص غريب .
إنه يلاحق الأيائل في كل مكان .
فخذاه مشعران ، مثل إله الحيوانات ،
يجلس ويحلم وسط غيضة الكرز
والطيور الصغيرة تتجمع حول شعره ،
لكن قوته تعادل قوة الأسد .
عيناه واسعتان سوداوان
وناعمة أمواج شعره مثل امرأة .
ضحكته عاصفة وشلال .
لن نجرؤ على مثل هذا الصيد ،
ولقد قلنا مع انفسنا ،
إن هذه غنيمة لقوة الملك .

الصياد الأول:
ـ نعم ، صيد لقوة مقاتلي الملك .

جلجامش:
ـ بلاغ غريب .
هل عليَّ أن أستلَّ
سيفي و رمحي
في وجه رجل متوحش في غابة ؟
إنَّ هذا كثير جداً ، إذا كان وحيداً
و يقف خلفه آلهة الجبل
فليس ذلك بصواب حقاً .
آيله !

آيله:
"تنهض عن البئر."
ـ إنَّ خادمتك تسمع صوت سيدها .

جلجامش:
ـ أيتها المغنية بشوق في صدرك ،
انهضي وتوجهي نحو غيضة الكرز عند النبع ،
وسٍّعي خطواتك وحُلٍّي شعرك ،
اربطي رجل الغابة المتوحش ، ايتها المرأة ،
بخصلة من شعرك .

آيله:
ـ سيدي ، إني خائفة ، لأني ضعيفة .

جلجامش:
ـ في الضعف تجد القوةُ متعةً لذيذة .
القوة ، التي تحلم بين غيضة مزهرة ،
يمكن أن تُربط بشعرة أنثى .

آيله:
ـ سيدي ، إني ارتعش ، لكن عليَّ أن أنفذ الأمر .

جلجامش:
ـ إذن اذهبوا ، وتذكروا ، أن الأضعف على الأرض
ليس لديه شئ يخشى عليه من الأقوى .
"تخرج آيله والصيادان ."

جلجامش:
ـ إذا كنتَ تحمل رسالة
من الشيطان أو الأله
فإن ذلك لن يزعزع صنيعك .
شئ لصيق بالألم والخير
هي المهمة التي أوكلتَ بها .
واجبك ! ـــ
إنه الشئ القيٍّم الوحيد .

المحاربون:
ـ أسرعْ إلى الأمام ! قفْ ! سرْ !
أسرعْ استدرْ ! قفْ ! سرْ !

الحمالون ، الحدادون ، وغيرهم:
"الكورس السابق يتواصل ، العمل يتسارع بحماس أكثر من السابق ."

كورس:
"يخترق مقدمة المسرح ."
ـ لكن سعادتنا ؟
يا أم الجميع ، اسمعينا ...
أوه ! آرورو ، آرورو !

"يتحرك المشهد باتجاه اليمين . تمر الساحة والسور القرميدي الدائري الضخم من الحجر المربع . تختفي المدينة عن المشهد . وعلى مدى البصر تظهر سهول من العشب المتموج بمحاذاة البحر مع أفق كامل ، وقطيع من الأيائل . نور الصباح . غيضة مع نبع في مقدمة المسرح . بمحاذاة القطيع الذي يرعى يجلس أنكيدو وهو يترنم بأغنية دون كلمات ، أغنية أرضية فرحة الأيقاع خالية من الكلمات . أغنية معبرة ، تأملية ، لا نهائية مثل الأفق ، ترتفع وتنخفض ، صوت متكلم ينخفض بينما اللحن ينخفض ثم يرتفع ثانية ."

أنكيدو:
ـ أُو لا لا لاريلاها .... الخ .

الصوت:
ـ مثل سفينة تمخر باتجاه الآفاق الحالمة ،
هكذا تمر أيامنا منزلقة في الذهب .
آه يا زمناً من البهجة ، البهجة التي تفوق الوصف ،
والتي لم يصادفها أحد ، مع أن كل واحد مقيم فيها .
لا أغصان تتساقط ، ولا غليان ينفجر ،
مثلما لم يُمس هدوؤك العميق .
إلى الأبد من ساعة خلقها حتى نهايتها
تسير الحيوانات والنجوم على نفس الطريق الآمن .

أنكيدو:
ـ أُوه لاري لا لا لاها ... الخ

"كلا الصيادين مع آيله يدخلون بحذر ."

الصياد الأول:
ـ هناك هو .


الصياد الثاني:
ـ هناك هو .

الصياد الأول:
ـ اجلسي هنا !

الصياد الثاني:
ـ حلي شعرك !

الصياد الأول:
ـ أديري وجهك حتى ينعكس في النبع
و امنحيه نظرة من تحت خصلات شعرك .
نادراً ما يقاوم الرجل مثلها .

آيله:
ـ لا ، لا أستطيع ذلك .

الصياد الأول:
ـ أسرعي ، عجلي !

آيله:
ـ إن شجاعتي تخونني .
ما الذي يجنيه مكر البلاط ونظرة العين
أمام عينين عميقتين مثل عينيه ؟
إنه ليس بشراً . إنه إله .

الصياد الثاني:
ـ فكري أن نأخذه على حين غرة .

الصياد الأول:
ـ يجب أن نأخذه نحن على حين غرة .

الصياد الثاني:
ـ على كل حال ربما ....

الصياد الأول:
ـ ربما ماذا ؟ ....

الصياد الثاني:
ـ بالأمكان أن نناله بسهامنا ........

الصياد الأول:
ـ قد يكلفنا ذلك غالياً .....

الصياد الثاني:
ـ لكن شرفنا الأبدي !

الصياد الأول:
ـ من الأفضل أن تطلق أنت .

الصياد الثاني:
ـ لا ، أطلقْ أنت !

آيله:
ـ آخ ، لا تطلقا !

الصياد الأول:
ـ حسناً !
أريد أن أقوم بمحاولة !

آيله:
ـ لا !
" لكنه يطلق . فتندُ عن آيله صرخة فزع . أنكيدو يستدير ويمسك السهم في الهواء . الأيائل تعدو بعيداً يقوم .أنكيدو بوثبة نحو الصيادين اللذين يقفان جامدين ، لكنهما يطلقان ضحكة عالية رنانة ، ويفران ، تبقى فقط آيله مع أنكيدو ."

أنكيدو:
" اثناء ذلك يهشم السهم ."
ـ سنٌّ مسمومة
من حيوان مؤذٍ
يرمي الأوساخ فوق الطبيعة الخضراء
وينصب فخاخاً للخشوف والظباء ـــ
إنه أجبن وأصغر من أن يؤذي .
"إلى آيله ."
ـ من أنتِ . هل يداك ملطختان بالدم ؟
هل تحملين مثلهم إبراً سامة في ردائك ؟
هل أنتِ عقرب مثلهم ؟
لا ، إنه أنتِ التي أطلقت صرخة .
هل أنتِ بشر ؟

آيله:
ـ أنا امرأة .

أنكيدو:
ـ أياً تكونين ، فإني أسمع نغمات تلتهب
ورياحاً تنشر عطراً حول كيانك .
الطوفان الهادر يندفع ، إني أتدفق
من داخل الأزل ، زهرة تتفتح من أعماق النبع .
الطوفان الهادر يجري خلال كل شئ .

آيله:
ـ اقتلني ، أنكيدو ! دعنا نتلاشَ !
انظر ، أنا من سلالة معدية .
كل حياة نصف في رداء الجسد .
لا تقتفِ طريقي ، إنه طريق الأنسان .
الحبُّ والخيبة يصاحبانه.
جئتُ لأوثق يديك وأقيد قوتك
عند ألف حالة دون نخاع او شراب .
ليس أكثر من نار ، ألسنة لهب مضطربة فحسب ،
ليس أكثر من تيار ، أمواج متلاطمة فحسب ،
ليس أكثر من نسيج ، خيوط مقطوعة فحسب ،
احذرْ ، يا أنكيدو !

أنكيدو:
ــ من الذي يقول لعيدان القصب ،
احذري أن تتمايلي ؟ ـــ من يقول للبذرة ،
احذري من النمو ؟ ـــ الذي يقع ، يقع .
لكل شئ طريقه ، ولا يوجد أكثر من ذلك .
أنت طريقي القادمة من الأزل .
دمار ، خطر ،
قشرة خاوية فحسب .
أنت طريقي ، إن هذا كل ما أعرفه .
مااسمك ؟

آيله:
ـ آيله .

أنكيدو:
ـ آيله ـــ حمرة الصباح ! آيله ـــ غزالة !
آيله ـــ بهجة ! آيله ـــ رغبة لذيذة !
آيله ـــ الم ! آيله ـــ قدر مكتوب !

آيله:
ـ أنكيدو ، يا عاصفة ربيعي ، في عالم البشر
لا تهيمنُ طبيعة الكائن الذاتية ،
من الخارج تقع ضغوط الأشياء .
جلجامش ، الحاكم ، كلماته قانون .

أنكيدو:
ـ لذلك أريد منازلة جلجامش .
موت أو انتصار .
قوديني إلى عالم البشر ــــ رجل ، امرأة !

آيله:
ـ البريق الذي يُحبس في كهف ، يتحول نفسه إلى ظلام .
الموجة التي تندفع نحو شاطئ طيني ، تتحول نفسها إلى طين .
الأله الذي يعشق ميتاً ويصارع ميتين ،
يتحول نفسه إلى انسان ميت .


أنكيدو:
ـ إن من يحبُّ يصبح مجرد حبٍّ
والذي يصارع يصبح معركة .
قوديني إلى لعبة البشر ،
آيله ، أيتها الأنثى ،
مثل عباءة سألفك حول نفسي ،
مقياس الأنسان ،
زمن الأنسان ،
قتال ، حريق وانتصار .

آيله:
ـ نعم ، أنا لك ـــ لكنك تتغير بسرعة
وستتخلى عني بسرعة
مثل لغة الدخول وبوابة دخول
على الطريق حيث كل شئ يتعمق في النفس و يُفقد .
إني أفكك عن الشاطئ الأبدي .
إني أكرسك للرغبة المدمرة .

أنكيدو:
.... رائحتك ..... جسدك ....

آيله:
.... نعم ، الآن هذا هو كل شئ !
لكن لا شئ غداً ، و لا شئ كل شيء.
شعرك الأجعد ، قوتك ....

أنكيدو:
ـ خذيها !

آيله:
"تقص شعره وتسرحه ، تلبسه ثياباً ."
ـ انظر الى هذا الرداء وهذه العباءة ،
اسحبهما
فوق كتفك ! كم أنت جميل !

أنكيدو:
ـ إن حيواناتي لن تتعرف علي بعد الآن .
"الأيائل الأخيرة تفرُّ ."

آيله:
ـ لكن البشر أفضل منها . انظر هنا !
"تقدم له خبزاً ونبيذاً ، تصبه من قربة في كأس ."

أنكيدو:
ـ طعام لذيذ .

آيله:
ـ خبز على صحن .
مثل هذا سيكون غذاؤك .
لا يمكنك بعد الآن أن تجتر أعشاب البرية .
والنبيذ ... انظر هنا ! اشربْ !
"يشرب أنكيدو ـــ في البداية بتردد ، ثم باهتمام ، واخيراً باندفاع ورغبة ، كأساً ، كاسين ، ثلاثاً . ترسم الموسيقى مسرته المتصاعدة وتجسد حالته الأنسانية . يرتفع الأيقاع في لون عاطفي رومانسي نبيل الأحساس ، يتحول تدريجياً الى لون هزلي نشيط ، أقرب الى الكوميديا الأوبرالية ، انعكاس يصور الأنتقال من طبيعة الكائن الألهية الى الطبيعة البشرية ، مرحباً بذلك بالتأكيد ، وفيه الكثير من عافية طفولة الطبيعة ، قوةً ومزاجاً هادئاً أكثر ."

أنكيدو:
ـ طعم غريب . ـــ ليس سيئاً ـــ لا ، ليس سيئاً البتة .
إني أشعر بالقوة تسري في حلقي .
ياه ! ما أجمل هذا اليوم !
في قعر الكأس أجد
سعادة ، فيها بهجتي .
يوم جميل من البهجة الغامرة ،
ياه ، هذا ما أحسه .
أين أقف أنا ؟ إلى أين أتوجه ؟
ماذا افعل هنا وسط الحيوانات ؟
أريد أن أتجول في مدن ذات حراثة ميكانيكية !
أريد أن أقتحمها مثل الدب
الذي يقتحم غيضة بضرباته .

ما أحلى المضاجعة ، فتاتي في هذا اليوم !
جذفي إلى هناك ، نزال مع جلجامش ،
سوف ترين معركة
في هذا اليوم ، أعدك بذلك .
أريد أن أقاتل !
اين حصن جلجامش قائم ؟
أين المكان ؟ دليني على الطريق !

أيله:

ـ سأقودك إلى أثره الحقيقي .
دعني فقط أضع الخاتم
حول اصبعك
من خصلة من شعري .
"تربط الخاتم ."
ـ هيا ! لنذهبْ !
"يخرجان باتجاه المدينة . الصيادان يتسللان فوق المسرح ."

الصياد الأول:
ـ أخيراً اصطيد الوحش .

الصياد الثاني:
ـ ويظن نفسه حراً .

الصياد الأول:
ـ فعلناها جيداً هذه المرة .

الصياد الثاني:
ـ لقد نجونا من هذا الانسان .

الصياد الأول:
ـ وأخيراً عاد بشراًً كما ولد .

الصياد الثاني:
ـ الآن يتخيل نفسه عظيماً حقيقياً .

الصياد الأول:
ـ كيف تصنع الثياب رجلاً !

الصياد الثاني:
ـ والنبيذ بالتأكيد .

الأثنان:
ـ نعم الآباء ، والثياب
وليس أقل منها النبيذ .

الصياد الأول:
ـ هيا هوب !
"يخرج الصيادان ."
"يبدأ المسرح الدوار بالحركة متتبعاً انكيدو تقوده أيله حين يدخلان المدينة . يتجمع الناس بفضول ، يتفرقون ، يضحكون ، يصرخون ، يهتفون بمشاعر متأججة . يسير انكيدو بثبات رجولي وهو يتقدم في طريقه ."

أنكيدو:
ـ تنحوا عن الطريق هذا !

الناس:
ـ الرجل المتوحش ! هورا ، هورا ، هورا ، هورا ! ـــ
إنها الأنثى على مدى الدهر ، الأنثى . لقد روَّضت الرجل المتوحش
الذي كان أقوى من السادة مجتمعين ، جلجامش دبَّر ذلك .
يحيا جلجامش ! هورا ، هورا ، هورا !

" المسرح الدوار يجتاز مشهد الساحة ، حيث يتجمع الناس الفضوليون حول انكيدو ، ويتوجهون نحو اليسار . غرفة في القصر الملكي . شباك مفتوح على منظر الساحة . جلجامش نائم فوق سرير ، حيث يقف عبد عند قدم السرير ، وجارية تجلس القرفصاء عند قدميه فوق الأرض . وعلى كنبة أمه ننسون . ـــ خلال هذا المشهد ينسلُّ الغريب بهدوء من داخل حشد الناس إلى مقدمة المسرح ، ثم يتنحى جانباً ."

الغريب:
ـ هكذا يهتف الناس لأن البطل
الذي ولد من أجل الناس وقع في الفخ .
لكن الآلهة أقلُّ قسوة على البشر
من طباع البشر انفسهم .
للآلهة في الجبل خطط بعيدة عن خططنا.
لقد قامت الآلهة هذه الليلة بزيارة لجلجاش .
"لعبة أجراس صامتة ."

جلجامش:
"يفزُّ من نومه ."
ـ ننسون ، أمي ،
لقد حلمت أحلاماً غريبة .
تخيلت نفسي أمشي وسط الناس ،
عندها امتلأت السماء بالنجوم .
والسماء الحاشدة بالنجوم انقضت عليَّ ،
لم استطع رفع هذا الحمل غير المرئي .
لكن الناس قبَّلوا قدميَّ مهللين .
عندها استجمعت قواي كلها ،
رفعت نفسي بقوة خارقة ،
فامتلأ حضني بالنجوم ،
حملوني ، يا امي ، حملوني إليك .

ننسون:
ـ يا ولدي ،
لقد كنتَ ترغب دائماً أن ترفع النجوم .
الحلم الذي رأيته يعني
أنك ستحمل إليَّ
شيئاً يصبح أحبَّ إليك
من السماء ومن حياتك نفسها .

جلجامش:
ـ أماه ، لقد نمت ثانيةً ،
عندها رأيت صوراً مربكة .
الساحة في أوروك . الناس واقفون في حلقة .
في وسط الساحة شئ غريب ،
فأس عجيبة هائلة مطروحة ،
فأس ، رهيبة نوعاً ما .
اندفعتُ إلى الأمام ونظرتُ .
لكنني حين رأيت
اجتاحني احساس بالحب ، كما يحب الرجل المرأة .
فرفعت الفأس عالياً ووضعتها
في الحزام بخاصرتي .

ننسون:
ـ إنَّ الفأس شخص غريب ، ياولدي .
سيأتي إلى المدينة من مكان بعيد .
معه ستتصارع .
لكن هذا الصراع سيثمر خيراً .
سيغدو هذا الشخص النصف الحقيقي الآخر لروحك
وسيقف أخا وفياً وسلاحاً إلى جانبك .

رجل من البلاط :
"يندفع إلى الداخل ."
ـ سيدي جلجامش !
الموكب مع الرجل المتوحش قادم !
لقد وقع في الفخ ، وهو يتحدا ــــ ك !
"صخب الناس يقتحم الغرفة ـــــ والموسيقى ."

جلجامش:
"يندفع نحو النافذة ، في مزاج غاضب ."
ـ آه ، هاهو قادم هناك ! الناس يصرخون ،
ولكن عن بعد مثل أطفال خائفين .
متوجهاً للمرور وسط الشارع!
إنه يستعرض نفسه وكأنه المنتصر .
لكنه ــــ يرتدي عباءة ملكية !
وخطواته مثل خطواتي !
إنه صورة مشوهة مني !
إنه أنا !
شئ رهيب ! ـــ إني قادم ! ـــ ابتعدوا !
إله فقط سيفرق بيننا .
تنحوا ! إلى الخارج ! إني أريد أن أتصارع !

" تصور الموسيقى الصراع الوحشي بين جلجامش وانكيدو ، والذي لايظهر فوق المسرح ، لكن رجل الحاشية وننسون والعبيد المرعوبين يشاهدونه من خلال النافذة ."

رجل البلاط :
ـ إن هذا شئ يفوق التصور .... شئ صعب الأدراك ...
إن سيدنا الرؤوف يباشر
صراعه مع رجل متوحش ،
همجيٌّ ومتوحش ....
أية مجازفة هذه ! ــــ أية خدعة ! ــــ إنه يريد ! ...

ننسون:
ـ انظرْ ـ ــ ابني ! بقوة مثل طاحونة هوائية !
هكذا كان يتعارك وهو طفل .
نعم ، كانت الصخور تكاد تتهشم من ضرباته .
لكن الآخر نظيره في هذا اليوم .
انظرْ ـــ إنهما ينتصبان في مواجهة بعضهما ،
مثل أخوين اثنين توأمين ـــ
هذا صراع للآلهة ، صراع ، أن تحدق في الأعالي .

رجل البلاط:
ـ سيدنا الرؤوف ينحني على ركبة واحدة !

ننسون:
ـ لكنه لن يتمكن منه أطول من ذلك ! ــــ مثل اللحاء يلتصق بالخشب ،
هكذا يمسكان ببعضهما لاهثين
يدوران حول بعضهما متصارعين ....
ولدي ! ولداي كلاهما !

رجل البلاط:
ــــ رهيب ، يوم رهيب !

"المسرح الدوار يستدير ثانية باتجاه اليمين فتظهر الساحة . جلجامش وانكيدو ينتصبان واقفين كمتصارعين ، سيقانهما عارية في حيوية ونشاط بارزين . الناس يبدون اعجابهم في هدير ودهشة ممزوجة بالصراخ. حكيم عالي المقام ، ناطق باسم الآلهة والحكمة ، يخترق الحشد . يقف خلف المتصارعين داعياً الى وقف النزال برفع يده ."

الحكيم:
ـ اصغوا !
لا يملك الأرض مقاتلون كثيرون
لأن لها القدرة أن تترك قواهم
تتبدد جميعها في معارك داخلية لا معنى لها .
يجب أن لا تُرفع اليد اليمنى في مواجهة مع اليسرى
ولا قوة العقل في مواجهة مع قوة البلاد تُهدر في معركة
ولا المشاعر في مواجهة الفكر ، الفكر في مواجهة المشاعر ،
في شلل متصلب .
من النزاع يولد شلل فحسب .
الوحدة تمنح قوة جماعية ،
كمال الأنسان مطلوب : جميع الناس
والأرض يطلبون : جلجامش وانكيدو .
وعليه ـــ انهوا العداوة ـــ انظروا ،
من القوة الخارقة تتصارع الأعضاء المنهكة
التي كادت تشلُّ قبل قليل من خطر فقدان القوة .
إن للأرض وظيفة أرقى ، تنتظركما كليكما ـــ
أيها المقاتلان النبيلان لأم الجميع آرورو :
جلجامش ـــ
المولود البشري الرائع ، الذي أمسى إلهاً ـــ
وانكيدو ــــ
المولود الألهي البشري ، الأله ، الذي أصبح بشراً .
مدا يديكما سوراً من أجل ناموس المصالحة .
خاطبا الخالدين ، لا انا .
هل لي الحق أن أعلن رسالتهما ؟

كل الناس:
ـ نعم !

جلجامش:
ـ صوت الأله وصوت الناس ـــ
من أجلهما ينبغي لكبرياء السادة أن تذعن .
إني أقرُّ بكل سرور
بأن قوتك هائلة كذلك
وأعرض عليك السلام وناموس الأخوة الجنينية .

أنكيدو:
ـ عبثاً دعامتان
وقفتا ضد شريعة القلب
لا احترام أكثر عمقاً ورحابةً
من الذي يولد من خلال معركة نبيلة .
هكذا تحدث الأمور !
يا صديقي إلى أبد الدهر !
"يتحاضنان ."

جلجامش:
"إلى ننسون ، التي تتقدم نحو الجمع ."
ـ ننسون ، أمي ،
انظري ، إني أحمل اليك من النجوم صيداً ،
وفأساً من القوة إلى جانبي ،
إنه الآن حبيبي
أكثر مما تكون امرأة ،
أنكيدو ، أخي !

ننسون:
ـ كنت أعرف منذ زمن
بأنك ستأتي يوماً
يا ولدي ! ـــ يا ولديَّ الاثنين !

أنكيدو:
....... أماه !
"جماعة مع ننسون يباركون المتحاضنين الراكعين أنكيدو وجلجامش ."

الناس:
ـ يحيا جلجامش وأنكيدو !
يحيا التوأمان الإلهيان !
يحيا سيدا سومر !
يحيا مقاتلا الأرض !

جلجامش:
"بعد أن ينهضا ."
ـ الذي يدير السهم ، لايصيب أبداً
القوة الهائلة ، إذا كانت ذراع واحدة فقط تسدد ،
لكنني أولاُ حينما بدأت القوة في وركه وفخذه
تتحرك ، كنتُ لا أزال ناقصاً .
الآن قد أتيتَ . وفوق حلقة الأرض
إن لم تكن في متناول أيدينا فلا شئ يكون ذا أهمية .
إلى الأمام نحو النصر على المكان والزمان .
أيها الكاهن ، ما هي مهمة معركة الحياة الكبرى ؟

الحكيم:
ـ هكذا تتحدث الألواح :
عند تخوم العالم ،
بعيداً بلا شكل أو لون ،
في غابة الأرز السوداء
ينتصب جبل عالٍ يناطح السماء .
هناك يجلس عدو البشر وأميرهم ،
خمبابا الرهيب !
رداء أنفاسه طاعون ،
وزئيره حقد ،
وحين ينهض ويمشي
تهتز الأرض ،
وتتجدل أشجار الأرز حول كاحليه .
في صدره الحجري لا ينبض أي قلب .
نظرته تحرق كل شئ تصل إليه :
أمامه يسير
الدمار والرعب و الأنفجارات
وشياطين سامة
تنسلُّ في اثره .
إن ذلك صنيعه
حين تقترب أزمنة الحرب والشر .
شعاره إلى الأبد :
" لا غرابة مطلقاً ."
ابحث عنه ، يا جلجامش !
توجه الى هناك و أنكيدو !
إنه صراع
جليل يستحقكما جداً !
كل ما تعنيه المصالحة
معركة سامية !
النصر في العملاق الموحد .
لقد أزف الموعد !

أنكيدو:
ـ أنا أعرف خمبابا وأثره .
هذا صراع ، سيكون شرساً غير مضمون .
لماذا لا نشعل من النار حريقاً مضموناً ؟
لماذا لا نثبت و الشمس فوق الجبهة واليد ؟
انظر الى النهار واللحظة الراهنة ، استفد مما يمنحان
ودع السلالات تدحرج بحارها المزبدة إلى القبر .

جلجامش:
ـ الآلهة متوجة بالشمس فوق جبل الخلود إلى الأبد .
أيام الأنسان محسوبة ، هواء خاوٍ هو لون الأيام .
ايام أكثر أو أقل من بعد ذلك ؟ ــــ حين ترفع اسماً تطول أكثر:
جلجامش ، جلجامش سقط في معركة ضد صاحب الظلام والمرفأ .
شكراً لك ، أيها الشيخ ! هذا صراع لفأسي وسيفي !
إن من لايتبع قدره ، لا قيمة له .
أنا ذاهب الى المعركة حتى لو كنت وحدي .
وسأفعل الكثير مما أستطيع
إذا لم أحصل على المساعدة المرتجاة .
وعليه لن تتبعني ؟ ــــ

أنكيدو:
ــــ ــــ حسناً !
انا لا أحب التوجيهات المهددة ، لكني كذلك لا أخذل صديقاً ،
إذا أشرقت الشمس فوق المعركة فإن في ذلك فألاً حسناً .
إني أصاحبك !


جلجامش:
ـ النصر ! إلى الأمام !

الحكيم:
ـ إلى السلاح !

المنادي:
ـ إلى الأعلى باتجاه خمبابا !
"حركة بين حشد الناس . هتافات ."

الحدادون:
ـ أسلحة نحن صانعوها ، اسلحة متينة ،
فؤوس متينة ، نحن سبكناها ، بثلاث طالينات *.
سيوف متينة ، نحن سبكناها ، بطالينين .
قبضات من الذهب بعشرين باوناً للواحدة ،
زلاجات من الذهب بثلاثين باوناً ،
اجهزة للأبطال بأكثر من عشرة طالينات .

قائد حربي:
ـ أسرعْ الى الأمام ! قفْ ! سرْ !
أسرعْ استدرْ ! قفْ !

جلجامش:
ـ ينبغي على قواتي المسلحة أن تبقى بعيداً .
" إلى أنكيدو"
إن هذه ليست معركة القوات المسلحة .
هذه معركتك أنت وأنا .
بمَ يفيدنا ألف سيف مستلٍّ ؟!
إن وحدتنا وحدها تفوز بالعالم .
" ينسحبان وهما مجهزان بالسلاح ."

الحكيم:
ـ سنصحبكم في رحلتكم بمشاعرنا وأفكارنا .


الناس:
ـ سنصحبكم في رحلتكم بمشاعرنا وأفكارنا.
" بين تراتيل آرورو وهتاف الناس يتلاشى الصوت و جموع الناس خلف المقاتلين المنسحبين ـــ في هذه الأثناء يهبط نور الصباح الأحمر مثل نور المساء فوق المنظر الخالي من الناس ، والزقورة بخيوط دخانها تظهر مرة أخرى وحيدة باتجاه السماء ، بينما مقدمة المسرح تهبط في الظلام . هناك بقيت ننسون وحدها في ردائها الأبيض ، تنادي في وحدتها آلهة السماء ."

ننسون:
ـ سيدي شمش ، إني أحني قامتي
وأرفع يديَّ أمام مقامك .
لقد توجها بعيداً ،
محتفىً بهما ، وسينساهما الناس سريعاً .
لقد توجها بعيداً ،
لكنني باقية الى الأبد .
لماذا منحتني ابناً مثل جلجامش ،
لماذا منحت ابني فؤاداً مضطرباً ؟
والآن دفعته في طريق لا أحد يعرفه
باتجاه صراع لا يدركه أحد .
دع الظلال تتمدد فوقي
لكن دعْ ضياءك يخيم في روحه ،
ودعْ وجهك ينير فوق طريقه ،
دائماً .
من أجلك آمره ،
يا شمش ، أيتها الشمس ،
ولأجل آيا ، حمرة الصباح ، عروستك ،
لأجل نجوم الليل الحارسة
والمساء من أجل سين ،
ولأجل القمر ، أبيك .

" قمر ونجوم في سماء الليل بجانب الزقورة . ننسون تجلب رماداً وبخوراً تضعها أمام السماء . موسيقى ختامية ."


* طالين : عملة سومرية




ـ الفصل الثاني ـ


"الساحة في أوروك . احتفال بالنصر . جلجامش وانكيدو فوق العرش جنباً إلى جنب وهما نقطة الأحتفال المركزية ، بشعر محلول ، مكللين بالزينة ، جلجامش بتاجه الملكي المرصع ، انكيدو باكليل من الغار . هنا هو المكان الأمثل لأدخال باليه في المسرحية : فتيات يرقصن حول البطلين وينثرن أوراق الزهور عليهما ."

منادٍ:
ـ المعركة انتهت !
"نفخ في البوق ."

منادٍ آخر:
ـ النصر العظيم قد تمَّ !
"نفخ جديد في البوق ."

الحكيم:
ـ وكان النصر رائعاً ، النصر الذي حققه جلجامش وانكيدو .

"الناس يهللون ."

المنادي الأول:
ـ انظروا الى جلجامش !
من هو الجميل بين الرجال ،
من هو المنير بين الأبطال ؟

الفتيات:
ـ جلجامش هو الجميل بين الرجال ،
جلجامش هو المنير بين الأبطال .
"يزينه ."

المنادي الثاني:
ـ انظروا إلى انكيدو !
من هو الجميل بين الرجال ،
من هو المنير بين الأبطال ؟

الفتيات:
ـ انكيدو هو الجميل بين الرجال ،
انكيدو هو المنير بين الأبطال .
"يرقصن حوله ويزينه ."
"ضوضاء . دمية ضخمة ، في صورة خمبابا تدخل وهي ترقص ، تستقبل بالضحك والتهليل وقليل من صرخات الرعب . تندفع الدمية راقصة ، تشتت الفتيات و تطأهن ، فيهاجمها المحاربون في رقصة بالسلاح ، لكنها تطاردهم أيضاً بعيداً . عندها يبرز أمام االدمية راقصان ذراعاهما على كتفي بعضهما ، وهما يمثلان جلجامش وانكيدو . يعقب ذلك اسقاطهما للدمية وبقرهما جوفها بحيث تنهار كومة مدوية ، في الوقت نفسه ينقطع رأسها متدحرجاً.. كل ذلك يجري بينما مغنٍ في مقدمة المسرح يغني مع آلة موسيقية وترية شرقية أغنية عن العمل الجبار ."

المغني:
ـ خمبابا داس الفرح ،
منع السرور أنْ يزدهر ،
منع الصداقة أن تثمر .
السلام والحرية داسهما خمبابا .
شتت الجيوش .
طارد المحاربين ،
الرعب رقد مخيًّماً على أكد و سومر .
كان رداء أنفاسه أوبئة ،
زئيره كان حقداً
غابة الأرز العالية علو السماء تهشمت تحت وقع أقدامه .
لكن آرورو أيقظت البطلين كليهما ،
شمش بعث الينا بجلجامش وانكيدو .
لقد حطما بوابة الأرز ،
اقتحما غابة الأرز ،
تحديا العملاق ذا الزئير ، خمبابا .
تقدم مليئاً بالحقد ،
في موجة من الوباء ،
لكنهما لم يشعرا بالرعب .
انكيدو قطع رقبته ،
جلجامش سدَّد سهاماً نحو وركه .
لكن السهام ارتدت عن جلده الصخري ،
قوته السحرية شلَّت ساقي انكيدو .
عندها نادى البطلان على شمش وآرورو .
آرورو أعادت ايقاظ قوى انكيدو ،
شمش سمع ابتهال جلجامش .
قذف الرياح باتجاه خمبابا ،
ريح الماء ، ريح العاصفة و ريح الدوامة ، ريح الرمال ،
ريح الجليد ، ريح الحالوب و ريح الرعد ، ريح الضياء .
رياح ثمانية قذفها في وجه خمبابا ،
الرياح جلدت عيون خمبابا كالسوط.
لم يستطع خمبابا الجبار التقدم ،
لم يستطع خمبابا الجبار الألتفات ،
خمبابا الطويل كالبرج ، خمبابا انهار على ركبتيه .

جلجامش:
ـ هذا ما حدث . لم يكن النصر لنا .
إنه يعود إلى شمش .

انكيدو:
ـ و آرورو .

المغني:
ـ قال خمبابا : جلجامش ، لا تقتلني !
احفظني ، وسأكون خادمك .
سأمنحك الهيمنة على العالم .
لكن انكيدو قال : لا ، اطعنْ !
الرأس هوت .
انكيدو جرها نحو الهاوية السحيقة .
عندها انفتح الجبل .
المساجين اندفعوا الى الخارج .
المساجين هللوا لأنعتاقهم .
الآن يعمًّ السلام والحبًّ العالم ،
الآن تتمايل الغلال بأمان واطمئنان .
الآن تشيَّد من غابة الأرز مساكن للناس ،
جسور فوق كل المياه ،
سفن تمخر عباب جميع البحار .

جلجامش:
ـ شكراً جزيلاً ، شعبي الكريم ــــ أما الآن فقد حلَّ أوان العودة
الى العمل . لقد استمتعنا بما فيه الكفاية بالاحتفال والغناء .
المأثرة ليست مأثرة ، ولا تمنح شيئاً ،
إذا لم يعقبها حماس يومي باهر
لأيام طويلة . شكراً ـــ عودوا الى حياتكم اليومية .
أنت ياانكيدو ، وزع مهام حكومتي .

انكيدو:
ـ أنا لا أصلح أن أشرع القوانين للآخرين .
دعني أعدْ الى البراري هائماً .
لقد أُنجِزت المهمة ، أما أنا فسأظلُّ كما أنا فحسب
أشيخ مثل شجرة صنوبر بين براعم صغيرة .
دعْ شخصاً لامعاً يمسك دفة الدولة .
اتبعني نخرج من الزحام و الحشود منطلقين الى الحقول ، يا أخي .

جلجامش:
ـ أخي انكيدو ، كان هذا منذ زمن ـــ حين كنتَ حراً من الحواجز والقيود
وفاكهة الحقول كانت غذاءك .
ـــــ كنت مفتوناً بأعشاب البراري الواسعة .
لكن هذا الدرب درب خاسر منذ زمن بعيد .
هناك لا شئ غير المشقة .
هنا يسود : أجبرْ أو تُجبر .

انكيدو:
ـ والذي لا يستطيع ولا يريد .....

جلجامش:
ـ أنت قادر . انظر ، بجانب هذا المكان
قد أمرتُ أن يُبنى لك قصر .
في داخله أعمدة ذهبية ،
نباتات ملتفة حول صفوف الأعمدة .
آبار جارية تغني . استرخِ هناك ، اكسبْ قوة !
سأقدم لمعابد الآلهة
قرابين للشكر والمصالحة .
"رقيق يصاحبن انكيدو وهو يخرج عبر بوابة الى اليمين . جلجامش يستدير باتجاه مذبح ، يقطع الخبز ويصبُّ النبيذ ، يشعل بخوراً وناراً ويضع في الآخر سيفه في النار.

جلجامش:
ـ إلى شمش ، الذي منح القوة والنصر
هذا الخبز وهذا النبيذ .
إذا أحد الآلهة في السماء أو تحت الأرض
غضب من هذه المأثرة ، التي تمَّت ،
فله أقدم هذا القربان
من النار و سيفي ، سيف النصر !
"عندما ألقى السيف في النار أنبعث دخان عالياً . جلجامش يتراجع . من خلال ألسنة اللهب والنار تبرز عشتار ."

عشتار:
"بعد تلاشي ظل النار ."
ـ لا تخفْ ، يا جلجامش ! تقدمْ !
خذْ يدي ! من سلالة البشر
أنت ، لكنك جميل
و فائق الشجاعة . اعلمْ ، أنه من توسلاتي
قامت إيا القادرة والعارفة بكل شيء
بمنحك الخلود .
لك حضني و مملكتي .
كنْ شريك حياتي ، شبيهي !

جلجامش:
ـ من أنتِ ؟

عشتار:
..... ألا تعرف هذه ،
التي يضيء لها الناس شموع المساء قرباناً ؟

جلجامش:
ـ أنتِ إذن عشتار !

عشتار:
ـ عشتار ، الحب !
منبت كل شئ ، و كمال الكل .
يرفع المحارب خوذته نخباً لها.
الحب و حده يملأها حتى الحافة .
ارمِ قشرتك المعجونة من الصخر و الفولاذ !
أنا أمنحك عربة من اللازورد والذهب .
خلال الكواكب المذهلة الهائلة ستنطلق عاصفاً
ممتطياً صهوة عربات من النار ومراعي من الكريستال .
مسكننا سيعبق برائحة جذور الأرز
و سعادة العالم اللانهائية تقبِّل قدميك .

جلجامش:
ـ لكنني لا أطلب هذا .

عشتار:
...... تعال ! كنْ لي !

جلجامش:
ـ إنَّ مركبتك لا تحملني .

عشتار:
.... انظرْ ، إنني ملكك !

جلجامش:
ـ لا ! ابعدي !
سعادة قصيرة جداً !
اذهبي الى ذلك الذي لا يعرف إلا القليل
عن رائحة المرأة وغرورها .
لا يمنح الحبُّ حماية
من الريح والمطر ــــ
هذه خيمة ، تستحيل شركاً لمالكها .
قربة مقطوعة
لا تملأ أبداً كأساً .
حجر كريم مسلوب ، ختمه
يحمل لعنة على متأمله .
فيل يهشم الحارس .
كتلة من الأسفلت تلطخ حاملها ،
لا تأتي بحب المرأة الذي يحطم كل شيء .

عشتار:
ـ أنت تستقبل الحب بالازدراء .
هل توجد كلمة أسمى من الحب على أرض ؟

جلجامش:
ـ توجد : الصداقة !
الحب يتلاشى ،
الصداقة تدوم ،
تزداد قيمة عاماً بعد عام .
إنْ كان لديك صديق ،
فاحتفظْ به .
الانسجام وكلمة الشرف تكون بين الرجال .
انسحبي بعيداً ، أيتها الإلهة ! صديقي هو أنا ــــ
أنكيدو !

عشتار:
ـ وقح ، إنْ كنت تزدري بالحبِّ ،
فستذوق طعم بطش الكراهية !
من السماء سأرسل منتقماً!

جلجامش:
ـ عطايا وتهديد ، ارسلي من تشائين !
ارسلي نسوراً و دببة مجنحة !
ارسلي حيوانات العالم السفلي !
ارسلي جميع ثيران العالم !
الأثنان ، اللذان مزقا أجنحة خمبابا ،
سيقابلان هؤلاء غير هيابين ،
وسننتصر ، سننتصر سوية ،
إنْ هُزمنا ، فسنسقط سوية ،
و مع ذلك فإني مستعد لنصيبي الأحلى
من فراشك المشين و نصيبك العاهر !
"تقوم عشتار باشارة عنيفة . نار و دخان .يسقط جلجامش متدحرجاً على الأرض ، مخدراً. ظلام و ضجيج . مثل طيف ترى عشتار وحيدة باتجاه خلفية المسرح وسط دائرة من الضباب الكثيف تمارس طقوساً سحرية ."

عشتار:
ـ إني أسدل الليل فوق الأرض ، أنيري ، يا نجمة المساء ،
فوق شريط النهر الفضي .
انهضي ، أيتها الأبخرة ، الحارة والباردة .
" ضباب المستنقعات وأسراب البعوض تصور تعبيرياً في الموسيقى ."
إني أدعو مقاتليَّ من الماء ، من الأرض ، من الهواء ،
من الصمت ، من الأبخرة ، من المستنقعات ، والطحالب المخفية .
"غناء انفرادي من بعوضة تنطلق من داخل غناء السرب ."
أنا انادي على من ينتقم لي! أنادي على أصغر حشرة في الأرض !
"البعوضة تقترب و تبتعد، و في النهاية تُسمع بقوة كما لو أنها قريبة جداً من الأذن ."
"هامسة "
امضي ، أيتها البعوضة ! ــــ اقتليه !
" تغني البعوضة بقوة وتبعد نفسها."
" تنتشر الإضاءة . مخدع جلجامش الفخم. يستعيد جلجامش وعيه من التخدير وينهض عن سريره ، حيث كان قد وُضع فوقه . رجال البلاط والخدم بجانبه ."

رجل البلاط:
ـ إنه يستيقظ .

الجميع:
ـ إنه يستيقظ .


رجل البلاط:
ـ سيدي القوي العظيم ـــ كم نحن فرحون
بعودة أنفاسك إلى خدمك .

جلجامش:
" مرتبكاً "
ـ ماذا حدث ؟

رجل البلاط :
ـ منذ احتفال النصر من تسعة أيام
رغبتَ عن الطعام والكلام .
لقد ظننا أنك رأيت في السماء رؤيا .

جلجامش:
ـ نعم ، رؤيا شريرة .

رجل البلاط :
ـ كانت ثقتنا بطبيعتك الإلهية
تدفعنا الى الاطمئنان بأنها ليست غيبوبة خطيرة .
وأنها تحمل رسالة مجهولة لقوى خفية .
دعني الآن أهيء مظهرك الملكي .
" يرتب شعره ، إكليل التاج ، العباءة ."

جلجامش:
"فجأة يمتلئ بمشاعر غاضبة ."
ـ وانكيدو ؟

رجل البلاط :
ـ آخ ! سيدي ، مغفرة ، على ما أقوله ،
بينما كنت نائماً
عانى انكيدو من حمى شديدة ....

جلجامش:
ـ انقلني اليه !

رجل البلاط :
ـ آخ ، سيدي ، إنه يعاني من أعراض أخرى .....

جلجامش:
ـ دعني أنهض !

رجل البلاط :
ـ آخ ، سيدي !

جلجامش:
ـ ابتعدْ !
"يخرج من المخدع ويمر عبر الساحة ، دون أن يشعر بالذين يصادفهم وينحنون له على ركبهم و يحيونه . يدفع بوابة قصر انكيدو . أنكيدو يستدير على فراشه مصدوعاً من الحمى . في نهاية السرير عند قدميه يقف الحكيم . آيله مع النائحات في مجموعة منحنية على الأرض وهن صامتات . في زاوية مظلمة عند الباب يقف هيكل ضخم :يمثل ملاك الموت في عباءة سوداء بوجه صارم وأقدام اسد وأجنحة . ـــ يدخل جلجامش ، متبوعاً برجل البلاط ."

انكيدو :
"يصارع عوارض الحمى ."
ـ لماذا تقف جامداً هكذا ؟
امسكني ! أطفئ ضيائي !
امنحني الهدوء في مسكن أريشكيجال ،
حولني الى شبح ، بومة في الغسق ،
دمِّرني ، افعلْ بي ما تشاء !
أوه ، لقد رأيت بستاناً ، يمتلئ سحباً .
شربت ماء النبع من الوعاء الساكن .
آيله ....

آيله:
ـ أنا هنا ، انكيدو !

انكيدو:
ـ لا ، ليس أنتِ .
نار وليس هناك نبع!
ملعون جسدك الذي كان شركاً !
ملعونة روحك التي أطفأت روحي !
إلى الأبد سوف تهيم بناتك
خلال الشوارع ، ويمسين مزدريات،
ينلن كراهية الزوجات ، و خيانة الرجال .
لقد منحت الدمار ، وستكون حياتك دماراً !
ستحملين ازدراء محبيك ،
و من داخل النار والجوع سيكون فناؤك !


آيله:
ـ إنه يلعنني !

النساء:
ـ إنه يلعننا ! كارثة !
" ينكمشن على انفسهن مجتمعات وكأنهن يحتمين ببعضهن ."

جلجامش:
ـ انكيدو !

انكيدو:
ـ من ينادي ؟

جلجامش:
ـ هذا أنا ، جلجامش !

انكيدو:
"لا يزال نصف واع ."
ـ جلجامش ـــ اين ؟
لدينا طريق طويل باق .

جلجامش:
ـ يدي في يدك ! ـــ أريد أن أشاركك شدتك ...
لكني أقف هنا عاجزاً ، أعزل بقربك !
أيها الكاهن ، أعطه أفضل شراب سحري لديك ،
حتى لو كلفني ذلك تاجي ، حياتي ،
مجوهرات ، ذهباً ، الف رجل
خذْ كل شيء ! ــــ و أعده الى الحياة

الحكيم:
ـ على البشر أن يقنعوا خاضعين حين تضرب الآلهة .
لقد بذلت كل المحاولات .

أنكيدو:
ـ هل ترى ياجلجامش ؟ ــــ ليلاً و نهاراً
وجهه المكفهر ....
مخالبه النحاسية ...
والعين العمياء ، التي تحدق ...
" الهيكل الضخم عند الباب يهتز قليلاً بجناح واحد ."
إني أتجمد ....
ملعونة تلك التي جعلتني أنهار ....

الحكيم:
ـ لماذا تلعن المرأة التي استراحت قرب قلبك ؟

أنكيدو:
ـ من الذي ينطق هناك على بعد ؟
شمش ، سيدي ، انظر الى ابنك !

الحكيم:
ـ اقرأْ ما في قلبك !
لقد حملت المرأة اليك الموت والألم
وحياة الأنسان القصيرة ،
فيجب عليها أن تتبع مثلك طريقها الخاص .
هي لم تمنحك شيئاً أكثر من ذلك ؟

انكيدو:
ـ اني أرى ألسنة من نار ، أرى أكثر من ذلك .
هي أعطت لمحة ، وسنيناً .
نعمة تسري في أثر اللعنة .
ذهب وجواهر
سيزين شعرها ،
من أجلها ستُهجر البيوتُ والأطفالُ ،
مع أنه بدونها لا متعة في أي فرح .

آيله:
ـ هذا ما سيحدث !

النساء:
ـ لقد قالها انكيدو . سعادة و مصائب !

الحكيم:
ـ اقرأْ أعمق ، يا ولدي ! اقرأْ أعمق في قلبك !

انكيدو:
ـ رموز ..... ألغاز ...
باب تنفتح ؟ أخريف هذا أم ربيع ؟
على جبل أقف ! ... الآن أرى ....
"الهيكل الضخم عند الباب ينهض ، يتمطى و يرفرف بجناحيه . يختفي . الزاوية تخلو."

جلجامش:
ـ ماذا ترى، ياانكيدو ؟

انكيدو:
"ينطفئ صوته ."
..... الآن أرى .
"يتمدد فاقداً الحياة ."

رجل البلاط:
ـ لقد مات ، يا سيدي الملك !
"الى النائحات. "
ما الذي تنتظرنه الآن ؟

النساء:
"في صراخ غنائي هادر."
ـ نعم ، لقد مات ! مات ! البطل مات !
انكيدو رحل ! انكيدو !
درع سومر ، لن يبرز بعد الآن أبداً في حلقة المقاتيلن .
آه ! ما كان أجمله ، لن تبصر النساء بعد الآن أبداً جماله .
لن ترى النساء ابداً مثل هذا الجمال .
لقد مات، رحل، آه ! ياللخطب الجلل! لقد رحل ، رحل .
"يشددن شعورهن ويهززن أجسادهن ."

جلجامش:
ـ اصمتن عن نواحكن ! ماذا كان يعني لكنَّ ؟
رجل الشعب العظيم .ــــ كان أكثر من ذلك لي !
لقد كان انكيدو ، أخي !
" النساء يتراجعن باتجاه الكواليس و يصمتن . جلجامش يمسك بيد انكيدو ، التي تفلت ساقطة ."
عظيم بلا حياة ، كومة من لحم و رفاة .
ليس هذا هو . كان جسده مليئاً بالحياة والعبير ،
عاصفة ربيعية من القوة ، أمير الحياة !
الآن أقف أمام هوة . ولا جسر فوقها .
ماذا رايت ، يا انكيدو ؟
ألا يوجد أحد، أحد يستطيع اجابتي الآن ؟
" ينهض من بين الباكين .، وبألم يعنف الحكيم ."
أيها الكاهن ! الأكثر حكمة في بلاد سومر !
هل يوجد سحر قادر على اعادة
هذا الراحل لحظة واحدة
بقدر سؤال واجابة ؟
ماذا لمح بصره حين ارتقى نحو الظلام ؟
أعطني جواباً ، وكل ما تملك أوروك
من الأرجوان والذهب والأحجار الكريمة
ستنثر بين قدميك .
ماذا ؟ أتبتسم أيها الكاهن ! لعنة و موت !
الى النار بك ! مشاعل ! نار ! دمار !
"خدم يسرعون داخلين بمشاعل حالما سمعوا صرخته ، يقفون في تساؤل ، عندها أجاب الحكيم بهدوء ."

الحكيم:
ـ سيدي الملك ، أنا لا ابتسم من سؤالك وليد الألم . و لكن فيما إذا كان بامكان الذهب والأحجار الكريمة أن تشتري ما تطلبه مني .

جلجامش:
ـ إذن ، هل توجد وسيلة بثمن آخر؟ خذْ سلطتي .... حياتي ... ومباركتي كذلك !

الحكيم:
ـ أنا لا أقول أن ذلك موجود، ولا أنه غير موجود .... لكن الذي اعرفه أنك تبحث عنه دون جدوى، بالسلطة أم بالتضحية بها، في ألواح أم في معبد، وسط الآلهة أم البشر .

جلجامش:
ـ أين إذن ؟

الحكيم:
ـ في صحراء الوحدة ... هناك تذهب حين يسقط عنك كل ما تملكه مثل رداء .

جلجامش:
ـ كل ما أملك ....
ماذا يملك الأنسان
حين تأتي الساعة سوى نفس قصير ؟
كل ما أملك ...
ماذا أملك أنا ،
حين غاب انكيدو ؟

الحكيم:
ـ ألستَ ملك أوروك ؟

جلجامش:
"ينزع تاجه وعباءته ممزقاً، ويرميهما على الآرض ."
ـ ملك على الأشباح وفضلات الخيل
وعلى البريق الخادع القصير للحظات المساء .
إنها رمال و أغصان يابسة .
إني أقدم هذا الى من يقتدر .

الحكيم:
ـ ألستَ بطل العالم ؟

جلجامش:
"يدع السيف والحُلي تسقط ، يمزق ثيابه ."
ـ كان لي صديق وحيد
وقد سقط يوماً
من حشرة في هبة ريح
وهكذا أصبحت يائساً وضعيفاً ،
لأني لم استطعْ أن أمد يد المساعدة .
أعطِ اسماً للغبار والرمل ،
أعطِ اسماً للحافة الهشة ،
اعطِ اسماً للذي هو أصغر من العدم ،
وستكون لك انتصاراتي !

هذه الخواتم أصغر من العدم !
هذه الحُلي أصغر من العدم !
ماذا أفعل بالسلطة ، التي هي أصغر من العدم ؟
الظلام هو الأكبر فحسب !

الحكيم:
"يناوله عصا تجوال متعرج ، يضع يده على كتفه ."
ـ إذن اذهبْ ... اذهبْ الحين !
لستَ ملكاً أو بطلاً بعد الآن .
لست ثرياً ولا سيداً لأوروك بعد الآن !
اذهب في طريقك ، اذهب !
إنساناً ، ممزقاً من الألم ،
فقيراً بقلب باحث ،
ياجلجامش ، اذهبْ !
"الى النساء والناس الذين دخلوا ووقفوا حول جثة انكيدو ."
ارفعوه عالياً ! ـــ لا تنظروا الى هذا الرجل ! ــــ
لم يعدْ ملك أوروك ، إنه حاجٌّ فحسب .
بضربة من عشتار ،و باشارة من شمش
أكثر بريقاً من قبل في خرق بالية .
باحث بأسئلة ، أية أجوبة
سيحصل عليها ، لا أحد يعلم .

ارفعوه عالياً ! ـــ وامشوا الهوينى في قافلة حزينة !
لقد كان ملكنا ، لقد كان لأوروك ملكان .
لم يبق شئ من سلطتهما
التي بنت المملكة وقهرت خمبابا .
الأنسانية نفخة تطير في الهواء .
الطواف لن ينتهي أبداً .

" يرفع الموكب انكيدو على الأكتاف ويسير الى الخارج ، حملة الأكاليل في أثرهم . جلجامش ويداه أمام وجهه وهو في رداء شحاذ يركع على ركبتيه ، فريسة لألم الوداع. رجل البلاط قد جمع الشارات الملكية وخرج بها ."

الحكيم:
"آخر من يبقى ليسير خلف الموكب "
ـ ربما سنلتقي ، بعد أن تمضي السنون ،
وتكون أنت قد عثرت ..... أو احترقت .
وداعاً !

جلجامش:
ـ وداعاً .

الحكيم:
ـ يا للنفس البشرية !

"يخرج . جلجامش وحده فوق المسرح ، يمسح جبينه بيديه ."

ســــتار







الفصل الثالث


"رمال ــ وصحراء صخرية . جلجامش في ملابس رثة ، يضطجع مغشياً عليه أو نائماً . مخلوقان شبحان يدخلان راقصين ، شبح الرمل وشبح الريح . لايرقصان رقصة باليه طويلة ، لكنهما يدوران فقط على المسرح ، ويكملان أغنيتهما الأوبرالية ـــ التي تُغنى خلف الكواليس ـــ يختفيان ثانية في نفس الطريق الذي دخلا منه ."

شبح الهواء:
ـ انهضْ الى الرقص ، ياأخي شبح الرمل !
تعال في حلقة ، درْ فيها ، أعطني يدك !
أنا سأقودك ،
أنا سأمنحك
أجنحة سريعة ، تهتز بسهولة ،
الى الأمام والى الأعلى وفي دائرة ضيقة جميلة ،
دوران و احساس ملتهب ،
ليس نفس الشئ أبداً ،
مبتعدة بثبات نحو أراض أخرى !

شبح الأرض:
ـ دوران هائم بلا هدف ، نسمة راحلة ،
قريباً ستتوقف ، قريباً ستنطفئ .
كيف تديرينني أنت ،
كيف تجبرينني أنتِ ،
سأغوص الى الخلف سريعاً في النوم واليقظة .
ساق الناقة الأسرع تهزل في الرمال.
سير الرمل
سيغدو وحيداً .
أنتِ لي ، ياأختي شبح الرياح !

الاثنان معاً في نفس الوقت:

شبح الهواء شبح الأرض
سأقودك أنا ، كيف تقودينني أنت ،
سأعطيك أجنحة سريعة كيف تعطينني دوراناً خفيفاً
سوف أدور بك ، كيف تدورين بي ،
سأجبرك الى الأمام والى الأعلى كيف تجبرينني
وفي دائرة ضيقة جميلة
انما في النوم واليقظة سريعاً في النوم واليقظة
ستغوص الى الخلف سأغوص الى الخلف
دوران وشعور ملتهب سيرالرمال
ليست نفس الشئ أبداً سيغدو وحيداً ،
اللعبة تستمر!

شبح الهواء:
ـ كنت بعيداً ألف ميل عن المناطق المأهولة ، قلْ لي ، اخي شبح الرمل ،
من لديك هنا ممدداً عند طريق الصخور ؟ يبدو كأنه رحَّال ، في أردية
من جلود مهترئة ـــ لم أرَ مطلقاً انساناً على الطريق . من هو ، وكم مضى عليه هائماً في صحراء الوحدة ؟

شبح الأرض:
ـ سبع سنين، ياأختي شبح الرياح. لقد كان مرة ملكاً على مدينة، اسمها أوروك ، هي الكبرى بين الأنهار. أما الآن فهو يهيم خلال البحار والبراري، يبدو شحاذاً بل أقل قيمة من ثعلب. لن ينتبه الا حين نعصف بالرمال في عينيه ونشدُّه من شعره . لقد استطاع الآن أن يصل إلى تخوم الصحراء ليقف قرب الجبل الشاهق .

شبح الهواء:
ـ أوه، أخي شبح الرمال، هل ينوي التوجه الى هناك ؟ هناك تعيش مخلوقات غريبة ؟

شبح الأرض:
ـ عقربان هائلان يحرسان النفق الذي يفضي الى الجهة الآخرى. السماء تستريح فوق قمة رأسيهما، وباطن الأرض يبلغ صدريهما . منظرهما قمة الرعب، وأنفاسهما هلاك. لكنه من سلالة الآلهة و في مطاردة خلف الخلاص من الموت، ويجب أن يمرَّ.

صدى:
............ يجب أن يمر .

شبح الهواء:
ـ سننفخ فيه الصحو، أخي شبح الأرض ! ها إنه يستيقظ ! ابتعدوا !

"الأشباح تختفي ."
"جلجامش يصحو و ينهض مدهوشاً . يخطو عدة خطوات عند عصاه. حين يستدير ينبثق فجأة طريق جبلي مظلم في المرتفع خلفه وعند كل جانب من مدخله الضيق يقف العقربان البشريان، رجل وامرأة، بأيدٍ ملتفة مثل مخالب العقرب ."

الرجل العقرب:
"متحدثاً بصوت هادر بانفاس غنائية ."
ـ من أنت أيها المخلوق من اللحم والعظم ؟

جلجامش:
ـ جوال من الرماد الى الحجارة .

الرجل العقرب:
ـ الىأين وجهتك ؟

جلجامش:
ــــ الى الأمام .

الرجل العقرب:
ــ هذه نهاية العالم .
ماذا تبغي هنا ؟

جلجامش
ــ المرور والخروج .
" يتوجه الى المدخل . لكن أيادي العقرب تبدأ بالالتفاف و تسد عليه الطريق . يستدير جلجامش ."

الرجل العقرب:
ـ قف، عزيزي، لايزال هناك شئ آخر !
إذن، عم تبحث ؟

جلجامش:
ــ إني أروم الجانب الآخر .

الرجل العقرب:
ـ اي جانب آخر ؟ أعطني جواباً !

جلجامش:
الجانب الذي يخلو من الهلاك .
الجانب حيث الأزهار لا تذبل ،
العذب لا يستحيل سماً ، الرهافة لا تتحول حِملاً ثقيلاً،
هناك الأغنية لا تصمت ابد الدهر،
هناك المشاعر دائماً شابة .
هناك أنت تعرف ماتعرف وتملك ماتملك ،
هناك يوجد شئ حقيقي وخالد الى الأبد .
هناك المحب كما هو دائماً
والذي تحبه بين أحضانك دائماً ،
هناك الذي كان، كائن دائماً .

الرجل العقرب:
ـ هل لديك جواز مرور للرحلة ؟ أي جواز ؟

جلجامش:
ـ الألم، الذي يخز مثل نصل جليد بارد .
ألم فحسب لأن الأزهار تذبل،
لأن العذب يستحيل سماً والرهافة حِملاً ثقيلاً .
لأن الأغنية تصمت الى الأبد
والمشاعر لن تكون شابةً بعد مرور العمر.
لأني لا أعرف شيئاً ، لا أملك ما أملك ،
لأن لا شئ حقيقي و خالد ابداً.
لأن المحب لا يبقى محباً،
لأن الذي تحب ليس بين يديك دائماً ،
لأن الذي كان، لن يبقى.

الرجل العقرب:
ـ لم اسمع مطلقاً عن ميت،
مرَّ من هذا الطريق ــــ
الطريق إلى باطن الأرض، الطريق الى بحر الأعماق،
الى القيثارة الشاكية في الشجرة المتهرئة،
إلى أوتنابيشتم البعيد وماء الموت ـــ
فقط شمش يمر من هنا في رحلاته الليلية .
الأنوناكي السود ينتسبون الى هذا العالم .
أما أنا فلا أعرف إن كان يوجد هناك ما تبحث عنه .
لكن جوازك يبدو صالحاً . ـــ تستطيع المرور!
"مخالب العقرب تبتعد عن البوابة التي تنفتح في هذه اللحظة. يندفع جلجامش عبرها. في الوقت نفسه تغرق خشبة المسرح كلها في الظلام والموسيقى تصور رتابته في سيره الكئيب خلال المدخل الضيق . الأضاءة الآن مسلطة فقط على الغريب الذي يظهر في مقدمة المسرح قرب الستارة ويقرأ مع الموسيقى كلمات القصيدة القديمة."

الغريب:
ـ سار ساعة مضاعفة، سار ساعتين مضاعفتين
ــــ كان الظلام دامساً ، لا ضياء ينير .
سار ثلاث ساعات مضاعفة، سار اربع ساعات مضاعفة،
ــــ كان الظلام دامساً، لا ضياء ينير .
سار خمس ساعات مضاعفة، سار ست ساعات مضاعفة،
ــــ كان الظلام دامساً ، لا ضياء ينير .
سارسبع ساعات مضاعفة ، كان الظلام دامساً .
سار ثماني ساعات مضاعفة، عندها صرخ عالياً ! ـــ
ـــ وهكذا غرق في كثافة الظلام الرهيب .
سار تسع ساعات مضاعفة ،
عندها عصفت ريح من الشمال في وجهه .
سار عشر ساعات مضاعفة،
حينها فكر، لا بد ان المخرج قريب .
سار احدى عشرة ساعة مضاعفة،
عندها رأى ضوءاً، كما لو كان ضباباً رمادياً .
سار اثنتي عشرة ساعة مضاعفة، عندها انتشر الضياء :
وقف عند الشجرة المهترئة مع القيثارة الشاكية،
عند بحر الاعماق المترامي .
"ضياء ، البحر يتمدد في الأفق السديمي فوق الرمال الصخرية التي بلغها جلجامش ، شجرة وحيدة دون أغصان بفروع ملتفة . فيها قيثارة ، ليست من النوع الكلاسيكي القيصري الشكل المستدير ، لكن على شكل شرقي بدائي . تنطلق منها أغنية نائحة من الشكوى والألم ."

القيثارة:
"صوت آيله"
ـ آي آي ! آي آي !

جلجامش:
ـ من الذي يشكو هنا؟ ــــ وهذا البحر !

القيثارة:
"آيله"
ـــــ ــــ آي آي !

جلجامش:
ـ وهذا الصوت ! ـــ علامَ هذه الشكوى ؟

القيثارة:
"آيله"
ـ معاناة التخوم .
عذاب الاجتياز .
فزع غيرالمخلوق في أن يُخلق ،
عذاب الحي في أن يفنى .

جلجامش:
ـ هذا الصوت قد سمعته من قبلُ! لقد بلغني
في الحياة، من الأعز، الذي نلته ،
من ذلك الذي كان الأقرب الى قلبي .
غني ، أيتها اللعبة الوترية ، عن النصر ،
عن الأبدية و المنبت !
"يمسك القيثارة بيده ، فتنطلق منها أغنية يايقاع حاد ."


القيثارة:
"آيله"
ـ هل تبحث عن الأشباح المجهولة
أم أنك تبحث عن الخلود :
في أعماق البحر نبتة
لها طريق واحد معلوم.
واذا كنت تبغي الحياة والجسر الموصل اليها ،
فأصغِ الى صرختي ، و تنهدي وأغنيتي ،
إن أغنيتي هي أغنية الأحياء !

جلجامش:
"بينما يشدُّ القيثارة اليه ، تلتصق هي بالشجرة نائحة ، ومع القيثارة في حضنه يرمي بنفسه في البحر ."
ـ الأشباح ما أبحث عنه، والخلود !
والحياة ايضاً ! تعالي !

"من خلال مؤثرات من حجب غازية وإضاءة زرقاء اضافة الى صور سينمائية تخلق الانطباع بأن مياه البحر تندفع لتملأ خشبة المسرح ، حيث يشاهد جلجامش وهو يهبط الىالقاع بين الكواليس المرتفعة . اسماك مسرعة تدور وتسبح في الطريق . طحالب ، زنابق بحرية ، وبين نباتات أعماق البحر الواسعة هذه تبرز نبتة مضيئة شاحبة . يتمدد جلجامش مثل مصلوب على حافة مرتفع بقربها . إلهة البحر سيدوري تومض مع حاشيتها . مخلوقات بحرية بحواف متذبذبة ، يتفحصون جلجامش اللاواعي ."

الأسماك:
"كورس نسائي باصوات حماسية في همسات صغيرة سريعة ."
ـ سيدوري ، مضيفة البحر ! ـــ سيدوري ! ـــ سيدوري ! ـــ
لقد جاء غريب ، سيدوري ! ـــ غريب هنا !
يجر جسده بلا حياة ـــ في ملابس رثة ،
لكن روحه فقط نائمة :
إنه يحمل قيثارة الحياة في حضنه .

سيدوري:
"ننسون "
ـ يا أطفالي ، إن هذا جلجامش ،
السائل أسئلة عقيمة .
ألقوه برفق فوق سريري البحري البني .
اسقوه من شرابي نبيذ المحار .
دعوني امسح جبهته . ـــ ها إنه يصحو .

القيثارة:
"آيله"
ـ إنه يصحو !

جلجامش:
ـ اين أنا ؟

الأسماك:
ـ عند مضيفة البحر، سيدوري . ـــ سيدوري . ـــ
في صالتها البحرية الرمادية .

سيدوري:
"ننسون"
ـ البحر يعرف كل شئ، يا ولدي .
ما أقل ما بقي لتعرفه.
العاصفة والسكون يأتيان ، يذهبان ،
السواحل ترتفع و تنخفض ،
البحر باق وحيداً .
الحياة و الموت مثل الموجة بعدالموجة
تتعاقب في موكب أبدي ــــ
نفس الماء في كل شئ ،
نفس الشمس و نفس الملح .
تغيير قليل يحدث فحسب .
البحر ، هذا الكبير ، خالد كما هو .

جلجامش:
ـ إني أسمع صوتك مثل موكب من الضباب ،
يملأ مزاجي بشئ ما جميل،
لكنه لا يشبع سؤالي .
إنني لا أفتش عن الجوهر ، يا امي !
إني أفتش عن أنكيدو ، أخي !

جلجامش والقيثارة:
"آيله"
ـ أنكيدو !

سيدوري:
" ننسون"
ـ الأنسان ، الأنسان. ــــ نعم ، نعم .
زمن صغير ، وموجة صغيرة .
يجب بالتأكيد أن يكون له موكبه القصير .
احتسِ نبيذي من الكريستال، يا ولدي .
خذْ نبتة جذري كاستعارة .
إنها تمنح الصور حياة .
تحيل الحجر الى روح ،
والماضي يصبح حاضراً .
وداعاً !

سيدوري والقيثارة:
ـ الوداع !

جلجامش:
"في نداء من الشوق ."
ـ أمي !
"تنزلق سيدوري مختفية ، كواليس البحر تغور في العمق :بالقيثارة والنبتة العجيبة مشدودة الى صدرها ، يُشاهد جلجامش و رأسه مرمية الى الخلف كأنه يطفو خلال الماء المتحرك فينتصب واقفاً كما لو كان من خلال لعبة سحرية فوق مرتفع داخل غيضة منيرة بديعة ، يتفحص داخلها بحماس . بين الأشجار اللامعة والزهور تنتصب أصنام من الصخر ، بعيون حجرية ميتة . احدها يظهر بشكل جلجامش نفسه ، وهو أكبرها: أوتنابيشتم ."

صوت جلجامش والقيثارة:
"آيله ، في أغنية متبادلة ."
ـ أشجار من العقيق ،
فاكهة من الذهب والفضة واللازورد ،
عنب متدلي من أحجار كريمة براقة ،
حتى أشواك الأزهار والنباتات من الجواهر .

القيثارة:
"آيله"
ـ الغيضة كلها كأنها محيط من الشعاع .

جلجامش:
ـ جميعها لا تشبع جوعي ،
إنها لا تطفئ ظمأ حلقي الجاف .
هل هذا حلٌّ للغز ، هل هي خرساء !
ماذا تريد هذه الاصنام في فضائها ؟
صامتة تقف في أبديتها ،
تتحدث لغة لم أسمع بها ولا اعرفها .
ماذا أفتش فيك ، ايتها الأصنام .
إني أبحث عن أنكيدو ...

القيثارة و جلجامش:
.... انكيدو ! ـــ

جلجامش:
.... أخي !
"يتلاشى صوته دون اجابة . يمسك يائساً بالأوتار."
ـ أنت أيتها القيثارة ، انسحبي من الحضن المنهك ،
غني لي اسماء الطريق والأصنام !
"ينطلق غناء حاشد عن القيثارة ."

القيثارة:
"آيله"
ـ ستراهم هنا في رداء الخلود ،
انهم آباء لسلالات البشرية الكثيرة المتشابهة .
و هو، الذي عند قدميه تستريح الآن،
أب لكل الذين يحيون الآن .
إن عينيه عمياوان عن كل شئ يمكن أن يُرى ،
واسمه هو المكان السحيق ــــ هذا المكان السحيق ...

صوت:
"بنغمة ممتلئة ، عالية قوية و صراخ شديد ."
ـ أوتنابيشتم .

القيثارة:
"آيله"
ـ نعم ، أوتنابيشتم .
وحيد بين أنسابه يعي همسة أنكي ،
في المرة الأخيرة التي اجتاح الطوفان فيها بلاد الأنهار .
لقد استلَّ فأسه النحاسية ، وأنشأ سفينة ،
جمع كل ما يملك وأدخله فيها .
جاء الطوفان ، أغرق كل شئ .
نركال اطلق أحصنة السماء جميعها ،
حوافرها انفلقت من نار نينورتا الملتهبة .
الآلهة نفسها اصيبت بالرعب من النار والطوفان الهائج ،
لقد فرت، ارتفعت الى السماء الى آنو ،
تكومت عند آنو مثل كلاب نابحة فوق سور .


جلجامش:
ـ وكان هو وحيداً ؟

القيثارة:
"آيله"
ـ نعم ، كان وحيداً. ثم على جبل نيتسير
حطت السفينة أخيراً ، عندما انخفض الماء وغار .
عندها ترجل عن السفينة و قدم اضحية .
لقد وقف وأصبح بذرة للطين في أرض الآلهة .

جلجامش:
ـ وبعد ذلك ؟

القيثارة:
"آيله"
ـ و منذ ذلك الوقت فهم همس أنكي :
السلالة تتصل بالسلالة مثلما الأغصان تتجمع في الخريف .
هكذا يتجمع الناس، حتى أن كل انسان، مع أن شرارة واحدة
تبعث الحياة في شكل جديد، نبتة لأرض الخالدين .

الصوت القوي:
"أوتنابيشتم ، يسترجع شدته ."
ـ تبعث الحياة في شكل جديد، نبتة لأرض الخالدين .

جلجامش:
متى أراك، أوتنابيشتم ، إن مقاييسك مثلي،
لك جبهة مثلي و قامة مثلي
ولا تختلف ملامحنا النبيلة المجيدة .
كيف تجلس هنا في طمأنينة،
دون قلق و ايمان،
دون صنيع أبد الدهر ،
في حين أن طبيعتي التوق والشوق والصراع ؟

القيثارة:
"تغني معه في مناشدته ."
ـ شجر يخرج من صخرتك ، يتغير و يصير !
استمع الى صوت الألم !
شدَّ نبتة الخلق الى صدرك !
أرني الطريق الى الموت والحياة !
"يضع أمام الصنم القيثارة و نبتة الحياة قرباناً . من داخل الصنم يبرز رجل ، يشبه جلجامش وأوتنابيشتم بملامحه وهيكل جسده ، لكنه يضع قلنسوة طويلة عالية رقيقة على شكل حلزوني. مثل بابا نويل ينسلُّ خارجاً ويغلق الباب وراءه ."

أوبارتوتو:
"الراوي ، يتحدث ."
ـ تعال، جلجامش ، أنا أوبارتوتو، ابو سلالتك .
أنا أوتنابيشتم ، أنت مثلي .
أتقدمك في طريقك. أنت تتبعني .

جلجامش:
ـ نعم ، تقدمْ في طريقي ، وأنا أتبعك !
"يذهبان . تنزل ستارة سوداء ، يدق أحدهم .."

كورس من أصوات نسائية:
"الشخصيات غير مرئية"
ـ اذهبْ أيها الهائم ، واصلْ طريقك !
ابحثْ أيها الأنسان ، ابحثْ عن أرضك !
ابحث عن السلوان في المعاناة ،
الحياة عند ساحل الموت !
الألم قطب لكل الأشياء .
الموت شمس الحياة .
يمكن للفناء فقط أن ينير الحياة .

"ترتفع الستارة ثانية . .ساحل خال من الأشجار عند ظلال كثيفة لماء . يدخل جلجامش وأوبارتوتو ."

جلجامش:
ـ أوه ، ماء الموت ـــ أيها التيار الرمادي ،
هناك ترحل جميع سواقي الحياة الفضية !
هل يوجد لنا حلم واحد
في الجانب الآخر من سطحك الثقيل ؟
هل يعيش هناك ماضي حياتي لحد الآن ؟
هل سألتقي هناك بصديقي ؟
ــ أوه ، قريباً سأحصل على جواب .
نعم ، أعطني جواباً !
أوه ، بسرعة أبغي جواباً .
هل تحمل قدمي ؟ ـــ انهضْ في الهدير !
ابتلعني مثل رغوة صوب بيت أريشكيجال !

أوبارتوتو:
"يتحدث"
ـ جلجامش ، تماسكْ !
ليس هكذا يا صديقي ، ليس هكذا نمر !
لا يجوز لأي كائن حي أن يمس مياه الموت ،
لا يسمح لأحد أن يلمس سطحاً ، مثل كيان ماء الموت .
امسك بثبات يدك ! ـــ
لا عجلة ولا يأس لدينا نحو أرض الأموات .
ستون ألناراً عمق الماء ، ستون ألناراً عرضه .
انظر هنا داخل الغابة، ستون عموداً، ستون ألناراً طول كل واحد،
سنحملها فوق قارب من الصخر ، سيحملنا فوق نهرالموت .

جلجامش:
ـ و هكذا سيحدث ولهذا !
"يعتليان ظهر القارب ."

أوبارتوتو:
ـ ادفعْ ! ـــ خذْ مردياً جديداً ! ادفعْ !
اتركْ هذا الذي يخص الموت ! ـــ خذْ واحداً جديداً ! ادفعْ !
"الكواليس والضباب يعمان المسرح ."

جلجامش:
ـ و هكذا سيحدث ولهذا !

أوبارتوتو:
ـ مردي جديد ، يا صديقي !
لا حي سافر فوق هذه المياه .
فقط شمش يسير هنا كل ليلة ،
لأن الضوء يولد من جديد من داخل الظلمة .
خذْ مردياً جديداً ، يا صديقي ، و ادفعْ!

جلجامش:
ـ وهكذا سيحدث ولهذا !

أوبارتوتو:
ـ ماذا ترى ياجلجامش ؟

جلجامش:
ـ أرى حافات والتواءات .
أراها تنحلُّ عند المؤخرة ،
تتناثر و تستحيل عدماً.

أوبارتوتو:
ـ إنها أيام البشر .
إنها جيل في أعقاب جيل .
خذْ مردياً جديداً ، ياجلجامش ! جديداً !

جلجامش:
ـ أرى شرارات تتوهج
و تنطفئ ثانية في الدوامات .
ثم لا أراها .

أوبارتوتو:
ـ هو الألم نحو الموت ، وصيحات الفرح .
إنها تومض ثم تختفي .
خذْ مردياً جديداً ، ياجلجامش ! جديداً !

جلجامش:
ـ وهكذا سيحدث ولهذا !

أوبارتوتو:
ـ الآن يدنو ساحل الموت ومسكن أريشكيجال ،
حدائق ماميتم ، حيث يقيم سكان العالم السفلي .
"تنحدر أرض الى الأمام ، الى الأمام ، في الجانب المواجه . طيور سود تحلق عالياً . كورس النساء غير المرئي يكرر كلمة أوبارتوتو ."

كورس النساء:
ـ ساحل الموت، مسكن أريشكيجال،
حدائق ماميتم ، حيث يقيم سكان العالم السفلي .

أريشكيجال:
"إلهة الموت عشتار تنهض فجأة بعباءة سوداء في السماء فوق ساحل الموت بحدة ."
ـ من القادم الى هنا ؟ من يقلق راحتنا ؟
من يقلق راحتنا ؟
من الذي تدنيه أريشكيجال، المتسلطة دون رحمة ؟
من يتجرأ على أن يشق جسر ماميتم ؟

"يبلغ القارب البر . أوبارتوتو يقفز الى الأمام و يخط دائرة سحرية ويشعل بخوراً . الطيور تحلق مبتعدة ، بينما تنهض أياد متأرجحة من صخور وصدوع ، شخصيات في عباءات رمادية ووجوه رمادية .تنطلق متشمشمة نحو الدائرة السحرية التي يقف بداخلها أوبارتوتو مع جلجامش ، يمدون أيدي نحيلة ، ثم ينسحبون الى الخلف عاجزين عن مواجهة قوة السحر المنبعث من أوبارتوتو . يمتزج هذا ويتقاطع مع أغنية النصر المتهكمة الحاقدة لعشتار ، حيث تقف فوق حشد الموتى ، مثل ساحرة ، باسطة ذراعيها ، وحواشي العباءة تهتز مثل أجنحة الخفاش ."

أوبارتوتو:
"بتعاويذ رتيبة ."
ـ آرورو ، إيا ، أنليل ، أنكي ، ايجيجي ،
صبوا قوة في الكلمة ، قوة .
أريشكيجال ، ماميتم ، أنوناكي ،
أيقظوا الذي نبحث عنه ، أيقظوه .
بطل النهار شمش ، حارس الليل سن ،
ابعثا أدد ، ابعثا نينورتا ، ابعثا شولات و كانيش .
ابعدوا ايركالا ، نينازو ، نمتارو ، ابعدوا نركال والموت !

أريشكيجال:
"عشتار"
ـ ها ، عبثاً تحكم أنت هناك !
كل شئ لي، ولا شئ ينجو مني !
من يبني مساكن الى أبد الدهر ؟
من يتناوب الأرث الى أبد الدهر ؟
الخلود ليس سلاماً ولا صراعاً .
لا ابتهاج ، لا حسرة ، لا فرح ، لا كراهية .
النهر لا يستمر دائماً في الأرتفاع .
الطائر لا يستمر دائماً في الدوران .
السؤال لا يستمر دائماً في أن يسأل .
كل شئ لي ، الفناء يخصني .
"تعاويذ أوبارتوتو تصمت للحظة ، وتستمر هي وحدها بشكل أهدأ و بشعور بالأنتصار ."
ألا يحملْ الوليد الجديد علامتي ؟
قبل أن تنهض الروح من تحت الأرض
تجتمع آلهة العالم السفلي ،
و ماميتم تقرر لكل واحد مصيره .
الحياة والموت تضعهما آلهة القدر أمام البشر ،
الحياة في جانب ،
الموت في الجانب الثاني .
بينما ايام الحياة محسوبة ،
فأيام الموت دون حساب .

أوبارتوتو:
"يعيد تعاويذه في دورة موسيقية جديدة حاشدة ، لكنه لايتمكن من اكمالها فيقطعها."

جلجامش
"عالياً ، نداء مقطوع ."
ـ انكيدو !
"انكيدو يقف حقيقياً بين الأرواح ، التي تتلمس حوافي لباس جلجامش . عند نداء جلجامش تسقط عباءته الرمادية ، الأرواح الأخرى تستدير وتغوص جزئياً الى الأسفل في مخابئها . بينما أوبارتوتو يستمر أكثر صرامة في تعاويذه السحرية وأريشكيجال تخفي وجهها بخجل في عباءتها ، يجيب انكيدو حراً وفرحاً مثل الأيام الماضية ."

أنكيدو:
ـ جلجامش ، أخي !
أين كنت خلال الأيام الكثيرة الماضية ؟
منذ زمن بعيد لم أرك يا صديقي الحبيب ؟
ما هذا الذي ترتدي ؟

جلجامش:
ـ لقد همت طويلاً ، أنكيدو .
خلال صحراء الوحدة ، أروقة البحر ،
جبل العقارب ونفق الظلام ،
الى أوتنابيشتم البعيد ونهر الموت .

أنكيدو:
ـ وبدوني ؟
ألم تكن معتاداً علي ؟

جلجامش:
ـ لكنك، يا أنكيدو ، كنت مريضاً بالحمى .
ألا تتذكر ..... ؟

أنكيدو:
"يحاول التذكر بصعوبة ."
...... أظن أني أتذكر .

جلجامش:
ـ أوه ، أنكيدو ، هناك الكثير من الأسئلة ...
بماذا أبدأ ؟ .....
"يحاول جاهداً بكل مالديه من كرب ."
ماذا رأيت يا أنكيدو ؟ ....

أنكيدو:
"مضطرب نوعاً ما ، لكنه لحد الآن لايتذكر تماماً ."
ـ رأيتُ ... متى ؟

جلجامش:
... حين وقعت مريضاً صريع الحمى ...

أنكيدو:
ـ تذكرت ....

جلجامش:
.... وعند بوابة الأرز رأيت مخلوقاً ضخماً .....

أنكيدو:
"مضطرباً"
..... إني اتذكر .

جلجامش:
ـ لقد وبخت المرأة ، التي تسبب الدمار ...
لكن شمش تكلم ... حينها انفتح ممر ...
ماذا رأيت، انكيدو ، ماذا رأيت في مملكة الأموات ؟

أنكيدو:
"بجدية عميقة وببطء."
ـ لقد رأيت الكثير، يا جلجامش .

جلجامش:
ـ هل رأيت أمراء ما قبل التاريخ ، الذين دفنوا بين خزائنهم ؟

أنكيدو:
ـ لقد رايتهم ، جلجامش ، جالسين بين ملاحي الطوافات وأحذية شحاذي الموانئ ، أما ذهبهم فقد استحال رماداً .

جلجامش:
ـ هل رأيت الرجل الحكيم الذي عاش للدراسة وحساب النجوم .

أنكيدو:
ـ لقد رأيته .كان يلعب اللبان مع الأطفال ، وبالتأكيد لا يعي أكثر منهم .

جلجامش:
ـ هل رأيت الذي ارتقى من عامل يومي الى زعيم قبيلة ؟ هل رأيت العاشق الذي قفز في اللهب وتلاشى؟ هل رأيت الذين استلوا سيوفهم من أجل معتقداتهم و سقطوا صرعى بلا دفن في ميدان المعركة ؟

أنكيدو:
ـ لقد رأيتهم جميعاً . مثل أشباح يجلسون محدقين ، جامدين في أحلامهم ، في الليل يحومون مثل الكلاب حول مزارعهم القديمة ويأكلون من فتات المزاريب .

جلجامش:
ـ ولكن ألم تر أيضاً القنطرة المخفية ؟
هل رأيت الطريق السري
و شروط الخلود ؟

أريشكيجال:
"عشتار ، تقتحم المناقشة بسخرية لاذعة ."
ـ لقد رأى حتى أولئك !
أن تخضع الحياة في الحياة ، هو الذي يمنح حياة خالدة .
لا تستل سيفاً ــــ حتى لا تستل الأرواح سيفاً في وجهك .
لا تكشفْ علامة ــــ حتى لا تكشف الأرواح اسمك .
لا تكسُ نفسك بما يضئ ــــ حتى لا يتبعوا أثرك فيمزقونك .
لا تستعمل الزيت ــــ حتى لا تغويهم رائحته .
لا تضحكْ ــــ حتى لا يسمعوك فيثور غضبهم .
زوجتك التي تعشق ، عليك ألا تعشقها .
زوجتك التي تحنق عليها ، عليك أن لا تضربها .
طفلك الذي تحب ، عليك ألا تداعبه .
عدوك يجب أن لا تقاتله، وقضيتك يجب ألا تؤمن بها !

جلجامش:
ـ هل هذا هو الثمن ؟

أنكيدو:
"يؤكد بأسى "
ـ نعم هذا هو الثمن
لحياة خالدة .

اريشكيجال:
"بانتصار"
ـ ليست الآلهة واضعة الشريعة ، إنها مصلحة المجمع ،
الآلهة نفسها تقف تحت طائلة شريعة المجمع .

جلجامش:
لكن ، أنكيدو ، أين إذن كل ما رأيته ...
نظرتك أمست واضحة حيث استلقيت !
وهذا ــــ هل كان هذا كل شئ ؟

اريشكيجال:
ـ نعم ، كل شئ .

أنكيدو:
ـ لا ، ليس كل شئ .
في اللحظة التي خلالها اجتزت البوابة،
فكرت بصعوبة في الموت .
اتسعت الحياة في نظرتي
والأبدية أصبحت قدرها.
للحظة قمرية و ثانية سريعة،
بلغت غير واعٍ قاع جوهري،
عند هذا الممر والحدود،
تناثرت زهور ليست بالكثيرة .
رأيت ذلك الصباح حين ضممت فيه آيله الى حضني .
تذكرت حيواناتي وأسماءها .
رأيت كلينا نتوجه صوب العملاق يداً بيد .
ودخان من نيران مخيم ، الأرض القصية .
أحسست بحدة قرقرة الجعة اللذيذة في حلقي .
قرع صناجات ليلة الاحتفال سمعتها .
رأيت عدداً من الزقورات باتجاه السماء الحمراء
ورأيت يوماً صيفياً عادياً ....
عند جدار القصر صورة تخطيطية لقطة في شعاع الشمس ...
نداء لبائع سمك، وفراشة ملونة فوق كأس زهرة قُرَّاص ...
هل يحتاج الأمر الى أكثر لإصلاح كل الذي
أصبحنا فيه خاضعين بقسوة وازدراء ؟
ومع ذلك فإني أتذكر أكثر بكثير ، أتذكر الذي كان ...

أريشكيجال:
"عشتار"
ـ اصمتْ ! أنت مُـلكي !

جلجامش:
.... أوه ، أنكيدو ، ابقَ !

أنكيدو:
ـ وحتى الآن هنا عند النهر الرمادي
هذه الرؤية هي الرؤية، التي تتحمل مزاجنا
وتكون سلوان الموتى وثروتهم .
إن فراغنا ليس خاوياً !
هكذا هي أغنية الموتى :
كنا معاً مرة !
دع الظلال تدور، ودع الرماد يتساقط ،
كنا مشتركين جميعاً تحت الشمس !
موت، سيطرة،
احتفظْ بكل ما حصلت عليه!
إننا نحن حقاً
كنا معاً يوماً ،
ساعة واحدة تحت الشمس ....

أريشكيجال:
"عشتار"
ـ عدْ ! اختفِ !

أنكيدو:
"يتلاشى صوته بعيداً ، لكن مصحوباً بصوت خافت من كورس."
.... ثروة فعلاً ساعة في الشمس ....

جلجامش:
"في نداء حاد"
ـ إنه يختفي مبتعداً !
"أريشكيجال ترمي عباءة رمادية على أنكيدو الذي ينسحب الى الخلف بين حشد الموتى العائدين . وميض من ضوء . يخيم ظلام في الوقت الذي يعود فيه أوبارتوتو الى محاولاته في التعاويذ السحرية ."

أوبارتوتو:
"صوت في الظلام ، متلفظاً بحدة ."
ـ آرورو ، إيا ، أنكي ، إيجيجي ،
"يضبط نفسه "
لقد اختفوا جميعاً ....

جلجامش:
ـ لقد اختفى !

أوبارتوتو:
ـ الآن ستفشل كل التعاويذ .

كورس في الظلام:
"مع صوت عشتار الغنائي المنفرد ."
ـ لا تمسك به مخالب الموت النحاسية ـــ الأرض تمسك به .
لا تتمكن نركال منه بجناح النسر ــــ الأرض تتمكن منه .
ليست له الرئاسة المئوية لنينورتا و سن ــــ له رئاسة الأرض .
لم ينطلق ولم يعقد لواء جبينه تحت قبة آنوس ــــ
لقد انطلق وعقد في الأرض .

" يلمح المرء في الظلام كيف تبرز الشخصيات وتختفي . ضياء خافت خلال ما يعقب حيث يعمل أوبارتوتو مع جلجامش والزورق ، ثم يختفون . وهكذا يخيم الظلام ثانية ، بينما أوبارتوتو وحيداً يتقدم الى الأمام باتجاه مقدمة المسرح خارجاً من المنظر المظلم ، أثناء ذلك أصوات الأرواح وهي تغني جملها الأخيرة ."

أوبارتوتو:
ـ في القارب ، جلجامش ، ادفعْ الى الخارج !
إنه يحملك تلقائياً الى الوراء خارجاً .
لقد سمعت ما تريد .
يجب عليك أن تعود ، أنت تنتسب الى الحياة .

صوت أنكيدو:
"في إيقاع خلفي "
ـ هكذا هي أغنية الموتى :

أنكيدو وكورس النساء:
لقد كنا سوية مرة !

كورس كبير:
ـ مرة ....
يوماً في الشمس .
"تنزل الستارة في دمدمة خلف أوبارتوتو ، الذي يقف في مقدمة المسرح تحت الضوء."

أوبارتوتو
"يتحدث ، بينما تصمت الموسيقى"
ـ وهكذا نكون قد صاحبنا ليلاً ونهاراً
بطلنا، الملك جلجامش، في رحلته .
لقد بحث في العمق ، وصل الى شريعة المجمع ،
بحث عن الآلهة فوجد عالم البشر .
من تيار العالم السفلي الرمادي وصل
عائداً الى شعبه . كل شئ كان كالسابق،
و مع ذلك ليس كالسابق، نظراً لأن الذي عايش الموت،
يرى كل شئ من جديد جلياً في الضوء .
الدرس الذي علمه للمجاميع
لم يعدْ أثراً باقياً أو مأثرة فذة،
لا خدمة إنجيلية لصالح العبيد ،
لا تنظيم من أجل القضية .
نظراً لأن الزمن يفتت كل أثر باقٍ بقسوة ،
ومأثرة البطل تنسى في المساء، في صباح اليوم التالي ،
وما فائدة الخدمة ، حينما سيحترق كل نظام كوكبي
خلال زمن قصير مثل النار، ثم ينطفئ .
ومع ذلك، مع ذلك تسيرنا قوة
للخلق، للحب، للوجود لكي نعمل،
إنها لا تبحث عن السبب والنتيجة ،
هذا هو شمسها الخاصة ، طريقنا و مسيرنا ،
هذا ما علينا أن نؤمن به و نترك الباقي في هدوء
لما في داخلنا ، الذي يزدري بأن يتعلم .
هذه المعرفة أدركها مليكنا جلجامش
من أنكيدو ، نظيره وأخيه .
هكذا ـــ تقول الأسطورة ـــ قد بلغت صلوات الناس
ايتها الأم و حامية كل شئ ، آرورو .

"يخلع قلنسوة الساحر ، الباروكة ، العباءة ، يقف بعدها بملابس عادية . فيرى الناس أنه الراوي والغريب ."

حتى نحن في هذا الزمن المتأخر ،
ستة الاف سنة منذ أوروك وخمبابا ،
مع الراديو ، ومدراء المكاتب ، موسيقى الأوبرا ،
ربما ليس هناك الكثير لكي نضيفه .
لايقاس العمل بوزنه ونوعه ، إنما بأن نعمل،
لا مخلوق خالد، إنما الخالد أن نخلق،
الحياة مقدسة، الموت ظل،
وكل لحظة هي خلود .

هكذا ترجمنا الأسطورة ومعناها .
لقد كانت الفضائل التي هي ربما تحمل
ما يماثل مهماتنا وأعمالنا،
مثلما هي مهمة لنا نحن الممثلين
أن نسليكم ، أيها الجمهور الكريم المبجل !

"يقوم بانحناءة عميقة ، ويجر نفسه و البدلة فوق ذراعه منطلقاً الى الوراء منحنياً على أرضية المسرح ، عندها ترتفع الستارة حالاً . تابلوه نهائي وكورس نهائي : جلجامش فوق العرش مثل معلم كبير هرم وحكيم ، في العباءة الملكية مرة أخرى ، الناس حوله وعند قدميه . ديكور المسرح يمكن أن يتحول الى ساحة أوروك ، أو إذا لم يكن يالأمكان ذلك ، ففسحة حيادية خالية من الزمن و أي شئ آخر ."

"الكورس الأخير"

جلجامش والكورس
"في نفس الوقت"

جلجامش: الكورس:
الليل و النهار ، انبثق من خلال النهار والليل
طوفان الساعات : وطوفان الساعات الصامتة ،
شمس فوق الماء! مع ان بصره كان شمساً فوق الماء
مزاج غنائي ! و حمل هو مزاجاً غنائياً .
قفْ بجانب رايتك ، لقد وصل ثانية الى رايته ،
في موجة المعاناة ـــــ مطمئناً انتصب في موجة المعاناة
سرْ بهدوء في طريقك حتى الظلام سار في طريقه
إنْ نسي الناس أم تذكروا واسمه لن يتذكره أحد .



"ســـتار"


النهــــايـة



#عبد_الستار_نورعلي (هاشتاغ)       Abdulsattar_Noorali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعراء سويديون - دراسات ونصوص
- ديوان ثلاث روايات
- سعدي عبد الكريم و-الملائكة تهبط في بغداد-
- لا أنام...
- الخارطة...
- خَبوْنا، أيُّها النائي...
- ديوان (ثلاث روايات)
- ديوان (مزامير آل الملا نزار)
- (موتُ رفيقةٍ) للشاعر السويدي أبَهْ ليندَهْ
- الشاعر أ. د. عادل الحنظل بين الغربة والجراح
- شذرات من الأرشيف 1
- قلْ لِمَنْ يبكي...
- السيفُ أصدقُ أنباءً
- الوَردُ يسحرُ مثلَهُ الوَردا
- قصيدتان
- سلاماً...
- الأسطورة بين الاستلهام والواقع في ديوان -فراديس إينانا- ليحي ...
- نوفمبر للشاعر توماس ترانسترومر
- أوكراينا...
- قطار الشرق السريع...


المزيد.....




- “عيد الرّعاة” بجبل سمامة: الثقافة آليّة فعّالة في مواجهة الإ ...
- مراكش.. المدينة الحمراء تجمع شعراء العالم وتعبر بهم إلى عالم ...
- حرمان مغني الراب الإيراني المحكوم عليه بالإعدام من الهاتف
- فيلم -العار- يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي ...
- محكمة استئناف تؤيد أمرا للكشف عن نفقات مشاهدة الأفلام وتناول ...
- مصر.. الفنانة دينا الشربيني تحسم الجدل حول ارتباطها بالإعلام ...
- -مرّوكِية حارة-لهشام العسري في القاعات السينمائية المغربية ب ...
- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - مسرحية (جلجامش) للشاعر السويدي أبه لينده