أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - الشاعر أ. د. عادل الحنظل بين الغربة والجراح















المزيد.....

الشاعر أ. د. عادل الحنظل بين الغربة والجراح


عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم

(Abdulsattar Noorali)


الحوار المتمدن-العدد: 7531 - 2023 / 2 / 23 - 16:11
المحور: الادب والفن
    


في ديوانه (رجاء على شفاه العدم) الصادر عن دار الدراويش 2023 تولَدُ عند الشاعر أ. د. عادل الحنظل القصائدُ موشّحةً بألم الغربة، وجراح وطنٍ خلّفه وراءه، لكنّه ما انفكّ مغروساً في نفسه. لذا يتناوب هذان الجرحان (الغربة والوطن) معظمَ قصائده، ليُصوّرَ معاناته في غربته المكانية، ومعاناة غربة الوطن؛ لما ابتلي به من نكباتٍ وقادةٍ ينهشونه، لذا نجده يستلهم قصة قابيل وهابيل؛ ليضفي عليهما صورةَ الحاضر بين الأخوين في وطنٍ واحد: أحدهما يريد أنْ يُغيّر نحو الأفضل، والآخر لا يشاركه هذا الأمل والرغبة والهمَّ، فنجد هذا الإسقاط الفنيّ في تناصٍّ مع قصة ابني آدم قابيل وهابيل كما وردت في (العهد القديم)، وكيف قتل قابيل أخاه هابيل والسبب، وهي القصة التي ورد ذكرها في القرآن أيضاً دون ذكر اسميهما: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ) المائدة 27 . وقد ورد التناصّ في قصيدة الشاعر "قابيل":
هابيلُ
هل أنتَ الذي ضحَى
لكي نأتي الى الدنيا
بثوبِ ملائكةْ
أم كنْتَ مقتولاً
لأنَّ أخاكَ أعرضَ أنْ تكونَ مشاركّهْ
وهنا تورية (ترميز) الى ما يحدثُ في الوطنِ منْ قتل قابيلَ (الحاكم/السلطة) لأخيه هابيلَ (المحكوم/الشعب) كي لا يشاركُهُ في الحكم. وهو تضمين بين صورتين تلتقيان في دلالتهما واشاراتهما. إنّ عدم قبول قابيل لأخيه هابيل هو صراعٌ على السلطة والكرسيّ مثلما يحدثُ في العراق، وهذا في إشارة الشاعر من القصة واستلهامها. هاتان الصورتان المتضادتان والملتقيتان في مضمونهما الإنساني بوجهيه السلبي: الشرّ المستحكِم، والقتل المتعمّد من أجل مصالح ذاتية زائلة. والوجه الإيجابي: الخير الهادف والمناضل منْ أجل صالح الإنسان. هذا الصراع يخلق شرخاً اجتماعياً أخلاقياً في نسيج الوطن وشعبه، فيؤدي الى صراعٍ يقتل فيه الأخُ أخاه (قابيل وهابيل).
هذا التقابل وتصوير حالتين هو سمّةٌ من سمات قصائد الديوان، وقصيدة "غربتان" مثال آخر لهذه المقارنة بين الذاتي/الشاعر، والجمعي/الوطن، فهو يعاني الغربة بعيداً عن أرضهِ وبلاده، والوطن يعاني الغربة بمَنْ يتسلطون عليه، منَ الغرباء، ومِنْ أهله ومِنْ خارج أهله فيما وراء الحدود، وهو ماكان وراء رحيل وهجرة الشاعر:
كلانا غريبان
رمَتْها سُدىً بذرةٌ في العراءْ
وأنكرَني موطنٌ لا يصونُ الوفاءْ
الوطنُ رمته بذرةٌ منه في العراءِ؛ ليُمسيَ غريباً متجرّداً من ثوبهِ وقيمه السامية. أمّا هو الشاعر فقد أنكره الوطنُ الذي لا يصون الوفاء، أي وطن عاقّ، وهو هنا يستخدم المجاز، فيرمز بالوطن الى البذرة الناكرة، أي الذين يتحكّمون بمصيره فيطاردون الأوفياء من أبنائه، فيضطرون للرحيل، ليلقوا بأنفسهم في أحضان بلاد غريبةٍ علّهم يعثرون على الأمان والطمأنينة والحياة الكريم. لكنّهم يقعون فريسةَ الغربةومعاناتها، تماماً مثل وطنهم الغريب اليوم بسبب معاناته من حكامه. فمعاناته إذن مزدوجة بين وطنٍ عاقّ (المتحكّمون برقابه)، وغربةٍ أعقّ:
وطني كامرأةٍ تدورُ بضرعِها
تسقي بهِ نذلّاً يُباركُ ذُلَّها
كالنخلةِ العَيطاءِ والعَوجاءِ
ترمي تمرَها
في صحنِ جيرانٍ
وتحرمُ أهلَها
(من قصيدة لولا ثراك)
ويستمر الشاعرُ في القصيدة بذكرَ علّةَ غربته ورحيله عن؛ محاولاً إفهام المتلقي مسببات نظرته السلبية الى أوضاع بلاده والتي دفعته ليلقي بنفسه في أحضانِ ديار الغربة:
والمجدُ مجدي
لو وجدْتُ العزَّ في عليائهِ
ما ينفعُ الذِكرُ الجميلُ
وملءُ كفيَّ الحصى
أأُسامُ ذُلاً
كي يُقالَ يموتُ حتفَ وفائِهِ
وطني يُفرّقُنا الرحيلُ
وكأنّهُ هنا يُبرّرُ غضبه من وطنه، وهو ما يدفعُه الى التعبير عمّا في داخلهِ والتبرير للقارئ عن هذا الإحجام عن تمجيد الوطن الذي لاقى فيه الإجحافَ والظلمَ واللاعدالة. لكنّه في ثنايا قصائده يفتح لنا نافذة العِلّة الكامنة وراء ذلك. هي ليست الأرضُ التي سقتْه ماءَ النكران، إنمّا المتسلطون عتاةُ الجور والعسفِ والإضطهاد. الشاعر د. عادل الحنظل تمتدُّ محبتُه وجذور مشاعره في عمق الوطن. وهذا ما نقرأه بجلاء في قصيدة "ما بعد أسوار النفاق":
ابنُ النخيلِ أنا ومربعيَ الشجرْ
مرأى السماءِ لديَّ ما بينَ السَعَفْ
وأعدُّ بينَ الخُوصِ أنجمَها
فتأتي دونها عِشتارُ تدعوني إذا الليلُ انتصفْ
معها يغني الكَرْمُ أغنيتي
ويثملُ فوق مائدتي الرُطَبْ
يهتزُّ مِنْ حولي الوجودُ
فينثني حيناً وأخرى ينتصبْ
يختالُ حسّي حينَ تعزفُ لحنها
نرى هنا، بوضوحٍ لا لبسَ فيه، أنّ ارتباطه بأرضهِ وثيقٌ، محبةً لا انفصام عنها، وبذا فإنّ كلَّ ما نقرأ من غضبٍ دفين، إنّما هو حالةٌ من معاناةِ الغربةِ والاضطرار للرحيل، وهي سويعاتٌ وتمضي.

القلق الوجودي :
نقرأ في الديوان صوراً مُعبّرةً في قصائد عن إحساس الشاعر بالقلق (الوجوديّ)؛ وهو بين فكَي الغربة، وما تجرُّه من أحاسيسَ واخزة لروح الإنسان الذي يصعبً عليهِ التآلفُ مع مجتمع جديد غريبٍ روحاً وثقافةً، وهو ما يوقعُه في حيرةٍ، واضطرابٍ وألمٍ يحدثان جرحاً غائراً في روحه الشاعرة الحساسة، وهو ما يدفعه الى أنْ ينفّسَ عبر القصيدة عن هذا الجرح والألم. فالقصيدة هي وسيلته في التعبير عن أحاسيسه، يقول في قصيدة (حائر):
أنا حائرٌ
يقسو عليّ العمرُ في رغباتهِ
ويزيدُ رشّ الماءِ فوقَ الطينِ قلبي
كي يمرّغَني
إذا أفلتُّ منْ نزواتهِ
...
يا جامعَ المتناقضَينْ
هل ذاكَ منْ نكدِ الزمانْ
أم تلكَ منْ حسناتهِ
أيصحُّ أنْ تضعَ الجحيمَ على مشارفِ جنّةٍ
أم أنَّ سعدَكَ في لظى جنّاتهِ

الغزل:
يشتملُ الديوان أيضاً على مجموعة من القصائد الغزلية، وهي ليست غزلية تقليدية تصفُ المحاسن والجمال، وتتغزّلُ بمفاتن الحبيب، وتعبّر عن الشوق الحارَ واللهفة والغرام الحرّاق، إنّما هي أقرب إلى الأحاسيس التي تراود الشاعر وهو يحبّ، فيعبّر عنها بصور ولغة تصفها وتقدّمها على طبقٍ شعريّ جماليّ، وتصوغُ ما تبثه في نفسه من لواعج ومشاعر. يقول في قصيدة "كرّ الشوق":
أبصرُ في عينيكِ ضياعَ الصبرْ
ونزوعَ غريقٍ أفلَتْهُ الطوف
فيمورُ على شفتيكِ نداء
فمُكِ الفاغرُ كالموقدِ يلتمسُ الجَمْر
يدعوني أنْ أنحرَ ذاتي بعناق
وأنا أعشقُ بينَ يديكِ النحرْ
وكما نقرأ له في قصيدة "تراتيل":
امنحيني ليلةً
أو بعضَ ليلْ
واشرحي صدراً
يغذُّ السيرَ غذّا
.....
أُشعِلُ ذكراكِ قناديلاً
تخيفُ الصمتَ حولي
وتراتيلاً

22 فبراير 2023



#عبد_الستار_نورعلي (هاشتاغ)       Abdulsattar_Noorali#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات من الأرشيف 1
- قلْ لِمَنْ يبكي...
- السيفُ أصدقُ أنباءً
- الوَردُ يسحرُ مثلَهُ الوَردا
- قصيدتان
- سلاماً...
- الأسطورة بين الاستلهام والواقع في ديوان -فراديس إينانا- ليحي ...
- نوفمبر للشاعر توماس ترانسترومر
- أوكراينا...
- قطار الشرق السريع...
- الستارُ الحديديُّ
- سنية عبد عون والقصة القصيرة، (براكيتة) مثالاً
- السِتارُ الحديديُّ...
- في حضرة الگيلاني...
- الجندول الحزين رقم 2 للشاعر السويدي توماس ترانسترومر
- وبالوالدينِ...
- مزاميرُ آلِ الملا نزار
- المرقدُ العالي
- إيروتوكيا: هاتي الشفاه
- كان أبي...


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - الشاعر أ. د. عادل الحنظل بين الغربة والجراح