أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - التناص ووظائف العنوان في قصائد عبد الستار نورعلي (كتاب)















المزيد.....



التناص ووظائف العنوان في قصائد عبد الستار نورعلي (كتاب)


عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم

(Abdulsattar Noorali)


الحوار المتمدن-العدد: 7795 - 2023 / 11 / 14 - 22:11
المحور: الادب والفن
    


د. نوزاد شكر اسماعيل
سرهد حسن نجم




وظائف العنوان في قصائد عبدالستار نورعلي
دراسة سيميائية ¤

م.م. سرهد حسن نجم أ.م.د. نوزاد شكر اسماعيل
وزارة التربية جامعة صلاح الدين / أربيل
كلية اللغات – قسم اللغة العربية

ملخص البحث
تتناول هذه الدراسة وظائف العنوان في شعر عبدالستار نور علي، ذلك الشاعر العراقي الكوردي، الذي كتب باللغة العربية، حسب علمنا أن شعره لم يدرس ضمن دراسة أكاديمة، فكانت هذه الدراسة الأولى عن شعره، وقد درس الباحثان وظائف العنوان في شعره في مبحثين مسبوقين بتمهيد ومنتهيين بخاتمة لخصت أبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة، تناول التمهيد: مفهوم العنوان وأهميته، وتناول المبحث الأول: الوظائف الإحالية(الوظيفة التعيينية، الوظيفة الوصفية، الوظيفة القصدية)،ودرس المبحثالثاني: الوظائف التواصلية وتضمنت (الوظيفة الإغرائية، الوظيفة الإيحائية، الوظيفة التأويلية)، وقد تبين للباحثين؛ أن الشاعر عبدالستار نور علي قد اعتنى عناية بالغة بعنوانات قصائده، وحملها دلالات وايحاءات مكثفة، عبرت أحيانا عن آيديولوجيته الفكرية، وعن أفكاره الثورية وانفعالاته العاطفية إزاء بلده العراق، كما استطاع الشاعر من خلال عنوانات قصائده تحقيق أهداف فنية وجمالية وسياسية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
¤بحث مستل من رسالة ماجسير بعنوان
(بنية العنوان في قصائد عبدالستار نور علي- دراسة سيميائية).

المقدّمة

الحمدُ للّه ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياءِ والمرسلين محمدٍ)صلى الله عليه وسلم( وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
يحاولُ النقادُ اليومَ قراءةَ النصوصِ الأدبية بَدءاً من الغلافِ وما عليهِ مِن صورٍ وألوان مروراً بالإهداءِ والمقدَمةِ والتصديرِ والتذييلِ والعنوانِ بوصفِها العتباتِ الأولى التي تُرشدهم إلى متنِ النصِ،وبهذا فقدْ شَهِدَتْ هذهِ العتباتُ النصيةُ اهتماماً كبيراً مِن لَدنِ النقادِ والدارسينَ، وقدْ نالَ العنوانُ الحظَّ الأكبرَ بينَ هذه العتباتِ لموقعهِ الاستراتيجي ولأهميةِ دورهِ وتعددِ وظائفهِ، وقدْ استمرَ هذا الاهتمام حتى وصلَ الأمرُ إلى تأسيسِ علمٍ مستقلٍ يهتمُ بهذا المجالِ وهو علمُ العنونة.
وانطلاقاً مِن هذهِ المعطياتِ فقدْ جاءَتْ فكرةُ اختيارِ العنوانِ موضوعاً للدراسة، وقد وقعَ الاختيارُ على الشاعرِ عبدِالستار نورعليمجالا للتطبيق، وذلك لثراء نصوصه الشعرية وخصوبتها، وعدم دراسة شعرية في دراسة أكاديمية، ومن هنا فقد استقرَ العنوانُ على (وظائف العنوان في قصائد عبدالستار نورعلي-دراسة سيميائية).
واقتضتْ طبيعةُ الدراسةِ أن تكونَ في مبحثين مسبوقين بتمهيدٍ ومنتهيين بخاتمةٍ لخَّصتْ أبرزَ النتائجِ التي توصلتْ إليها الدراسة،تناول التمهيد: مفهومَ العنوان وأهميته، وتناول المبحثُ الأولالوظائفَ الإحاليةَ (الوظيفةَ التعيينيةَ، الوظيفةَ الوصفيةَ، الوظيفةَ القصديةَ)،ودرسَ المبحثُ الثاني الوظائفَ التواصليةَ وتضمَّنَتْ (الوظيفةَ الإغرائيةَ، الوظيفةَ الإيحائيةَ، الوظيفةَ التأويليةَ).
أما بخصوصِ المصادرِ التي أفادَ منها الباحثان فهي كثيرةٌ ومتنوعة، إذ كان في مقدَمتِها ديوانا الشاعر (على أثير الجليد)، و(في جوف الليل)، وما نُشِرَ له من قصائد في المجلاتِ والدورياتِ فضلاً عن القصائد المتوفرة على صفحاتِ شبكةِ الانترنت،بالاضافة الى الكتب التي تناولَتْ المنهجَ السيميائي وعلم العنونةِ بالدراسة.
وكما هو الحالُ في أيِّ عملٍ معرفي لابدَ من وجودِ صعوباتٍ وعقباتٍ تعترضُ البحثَ فكانَ من ابرزِها قلةُ الدراساتِ التي تناولتْ شعرَ الشاعرِ عبدالستار نورعلي، فضلاً عن حداثةِ السيميائيةِ وعلمِ العنونةِ وكثرةِ الإشكاليات حولَهُما كونهما مازالا قيدَ التطورِ والتوسعِ.
وفي الختام يتمنى الباحثان أن تكون هذه الدراسة إضافة جديدة الى الدراسات التي تناولت شعر عبدالستار نور علي وابداعه، وآخر دعوانا أنِ الحمدلله ربِّ العالمين.
التمهيد
مفهوم العنوان
يعد العنوان نصاً مركزاً ووسيلة كاشفة عن أعماق النص الدفينة ودواخله ومكنوناته،وإنّه ركيزة أساس في بناء القصيدة المعاصرة، إذ يحتل مكاناً مميزاً وإستراتيجياً وهو رأس القصيدة،ولهعلاقة بكل المكونات الأخرى، وربما لايمكننا اليوم اجتياز عالم القصيدة المعاصرة اجتيازاً موفقاً من دون الوقوف على العنوان والعبور من خلاله،إنه " أول لقاء بين القاريء والنص،وهو رأس العتبات وعليه مدار التحليل،إذ لاولوج إلى النص إلّا من خلاله"( ) لذا يمكنعدّ العنوان خطاباً تمهيدياً أولياً، يمتاز بكثافة شعرية نصية رمزية لاتنتهي عند حد معين، فضلا عن امتلاكه تعلقات تكمن في محاولة الشاعر جعل العنوان نصاً شمولياً له قدرة الانفتاح على عالم النص التالي والسابق( )
وقد عرّفليو هوك((Leo Hookالعنوان بأنّه: "مجموعةالعلامات اللسانية، من كلمات وجمل،وحتى نصوص، قد تظهر على رأس النص لتدل عليه وتعينه، تشير لمحتواه الكلي، ولتجذب جمهوره المستهدف"( )، وأما رولان بارت (Roland Barthes) فيذهب إلى أبعد من هذا فالعناوين عنده أنظمة دلالية سيميولوجية تتضمن قيماً أخلاقية وإجتماعية وأيدلوجية كثيرة، تتطلب الاحاطة بها تفكيراً منظماً، هذا التفكير هو مايدعوه سيميولوجيا( )
والعنوان عند الدكتور جميل الحمداوي هو: "أول مفتاح إجرائي به تفتح مغالق النص سيميائياً، وهو بمثابة الموجه الرئيس للنص الشعري، وهو الذي يؤسس غواية القصيدة والسلطة في التعيين والتسمية"( )، وتعرفه الدكتورة بشرى البستاني، بأنّه "رسالة لغوية تحدد مضمون النص وتجذب القاريء إليه، وهو الظاهر الذي يدل على باطن النص ومحتواه"( )مما سلف نستخلص بأنّ العنوان علامة سيميائية شديدة التكثيف،محملة بدلالات ورموز،ونقطة إلتقاء بينالكاتِب والقارِئ.
ولو تتبعنا المراحل التأريخية للقصيدة العربية فإننا لانجد العنوان في القصيدة القديمة،وقد ذكر النقاد جملة من الأسباب منها الاعتماد على المشافهة،وتعدد الموضوعات في القصيدة الواحدة، والذي يؤدي إلى صعوبة اختيار عنوان واحد لها،وميل الشعر الى الإنزياح والعدول،وارتباط حياة العربي بالبيئة التي تتسم بالتحرر والانطلاق،والعنوان يعدّ قيداً للقصيدة( ) .
وإذا استثنينا السبب الأول،فإنّ الأسباب الأخرى ليست مبرراً لغياب العنوان في القصيدة،لأنّه مهما تعددت موضاعات القصيدة الواحدة، يمكن أن يوضع لها عنوان يشمل جميع موضوعاتها، أما اليوم فقد أصبح العنوان أمراً ضرورياً لايمكن الاستغناء عنه،ومن هنا يمكننا أنْ نقول: بأنّ العنوان ضرورة كتابية فهو بديل عن غياب سياق الموقف،والموقف الحواري،والإيماءات والإشارات المصاحبة للإلقاء والإنشاد،بين طرفي الإتصال( ) .
والعنوان في قصائد عبدالستار نورعلي*¤ موضوع دراستنا هذه ينظر إليه بوصفه مكوناً رئيساً يؤدي حالة استثنائية في تهيئة نفس القاريء لاستقبال المضمون، وذلك بالكشف عن نوايا الشاعر الإستراتيجية وغاياته الأيديولوجية.

وظائف العنوان
للعنوان أهمية كبيرة في الدراسات السيميائية، وله وظائف يؤديها،"والوظيفة (Fonction) مصطلح شائع في السيميائيات ومستخدم في معانٍ عديدة، منها:المعنى النفعي كوظائف الاتصال و المعنى التنظيمي كالوظائف النحوية أو وظائف اللغة عند جاكبسون، ووظائف الحكاية عند بروب"( )، والعنوان بوصفه نقطة الالتقاء والاتصال بين القاريء والنص يمكن أن يفسر بوظائفه بإعتبار غاياته وأهدافه منها: نقل المعلومات والأفكار، التأثير في الغير، التعبير عن الإنفعالات،... ( )، وقد أصبحت هذه الوظائف مجال اهتمام الباحثين ومحط أنظار المشتغلين في مجال علم العنونة، ولكن الدارسين اختلفوا في تحديد وظائف العنوان وضبطها، ويمكن ملاحظة هذه الاختلافات من خلال الجدول الآتي:
ليو هوك وشارل غريفل 1-التحديد. 2-الدلالة على المحتوى. 3-الإغراء.
هنري ميتيرون 1-التعيينية/التسموية. 2-الإغرائية/التحريضية. 3-الإيديولوجية.
جيرار جينيت 1-التعنينية أوالتعينية.2-الوصفية.3-الإغرائية. 4- الإيحائية.
ترانس هوكس 1-تعينية. 2-تحريضية. 3-إيديولوجية. 4-البصرية. 5-الأيقونية.
كولدنشتين 1-فتح الشهية. 2-تلخيص. 3-تمييز.
رولان بارت 1-الوَسم. 2-فتح الشهية. 3- الإيديولوجية.
س.آجور ريزوج 1-التعبئة. 2-التذكر. 3- الإزاحة. 4-القطيعة. 5-الإستهلال. ( )

وبما أن علم العنونة(Titrologie) علم مستعار من الغرب فإنّ وظائف العنوان ومنابعها عند نقاد العرب تكاد تكون مطابقة لما عند نقادهم، متأثرين برواد علم العنونة ليوهوك وجيرار جينيت واللغوي رومان ياكبسون، كما يحدده الجدول الآتي:
د.خالد حسين حسين 1-القصدية. 2-التأثيرية. 3-التفكيكية. 4-الأنطولوجية. 5-الإحالية. 6-الشعرية.
شعيب حليفي، د.بشرى البستاني 1-التعيين. 2-الوصفية. 3-الإغراء.
عبدالقادر رحيم 1-التعيين. 2-الوصف. 3-الوظيفة الدلالية الضمنية المصاحبة.4-الإغرائية.
د.حسين علي الدخيلي 1-الإخبارية. 2-الدلالية. 3-التأويلية.
د.شادية شقروش 1-الانفعالية.2-الانتباهية.3-الجمالية 4-المرجعية.5-الميتالغوية.6-الافهامية 7-التعيينية أو التسموية 8-التحريضية 7-البراغماتية 8-التأثيرية( )

و بما أننا أمام كم هائل من الوظائف، فيمكننا أنْ ندرس هذه الوظائف في مبحثين:
الأول: يقوم على علاقة العنوان بمضمون النص (الوظائف الإحالية)
الثاني: يقوم على علاقة العنوان بالمتلقي (الوظائف التواصلية).





المبحث الأول
الوظائف الإحالية

ويقصد بالوظائف الإحالية تلك الوظائف التي تنتج بفعل علاقة العنوان بما وراءه من مضمون، علاوة على وجود التقاطع والتلاقي بينهما، إذ ليست الوظيفة حكراً على قطب من أقطاب الاتصال وأنّ الفصل بينهما إجرائي فقط وتندرج تحتها الوظائف الآتية:
1-التعيينية. 2-الوصفية. 3-القصدية 4-التعبئة. 5-القطيعة. 6-الإزاحة. 7-الإشهار. 8-الشرح...، الا انّنا سنكتفي بالوظائف الثلاثة الأولى:
أولاً-الوظيفة التعيينية:
يتكفل العنوان بتسمية العمل تماماً مثل أسماء الأعلام وأسماء المواضع في علاقتها بالأشخاص والمواضع التي تعينها، يهدف إلى التعرف على العمل بكل دقة"( ) وهي أكثر الوظائف شيوعاً وانتشاراً، إنّها تحديد لهوية النص وتبعاً لهذه الوظيفة يمثل العنوان إعلاناً عن محتوى النص ومضمونه، وذلك تبعاً للعلاقتين الامتدادية-بانتشار العنوان نصاً-والارتدادية-بارتداد النص عنواناً"( )، فقد تناول الدارسون المشتغلون في مجال علم العنونة هذه الوظيفة تحت مسميات عدة منها: التلخيصية، التمييزية، المرجعية، الإخبارية، التسموية( )،وعلى المستوى الدلالي فإننا أمام نوعين من العناوين وهما العناوين الموضوعاتية والعناوين الخبرية.
أ-العنوانات الموضوعاتية: عبارة عن العناوين التي تعتمد على تعيين مضمون النص بطريقة مباشرة أو غير مباشرة( )، ومن قصائد الشاعر التي اتصفت عناوينها بالوظيفة

التعيينية قصيدة "الأضداد"( ) التي يقول فيها:
ويلي !
أتراهم ناموا ؟!
داموا ظلاً !
رضيَ اللهُ عنهم!
أرضاهم!
فالمنصورونَ على التيجانْ.
سقفُ الخيمةِ أرصدةٌ
في بنك الأضدادْ.
داموا ظلاً
في ظلِّ
في ظلٍّ
من حجر الأضدادْ!
فالعنوان بصيغة الجمع محددة بالتعريف يعطي فكرة عامة عن القصيدة، ولاينتقل إلى التفاصيل ولايصرح بشيء عن الأطراف الضدية، وتعريفه بـ(الـ) التعريف لايعني أنّ الكلمة معرفة عند المعنوَن له، بل يوهم بمعرفته، وهذا كفيل بخلق قلق سيميائي عند المتلقي، ومن هنا نؤكد على ماذهب إليه الدكتور حسين علي الدخيلي بأن هذه الوظيفة ماهي إلّا وظيفة جذب ناجحة للمتلقي( )، وماقاله رولان بارت: أنّ العنوان أفضل بضاعة للنص، لذلك وضع على الواجهة، فمن الطبيعي أنْ يحيل العنوان تبعاً لذلك النص( )، وعند الدخول في المتن نرى أنّ الاستهلال وظيفته مكملة لوظيفة العنوان، إذ يقوم باستدراج القاريء إلى قراءة المتن من خلال جمل استفهامية تعجبية يدعو بالخير ساخراً لأطراف مجهولة، ولكن بعد هذا ومن خلال دال التيجان يكشف لنا مقصديته من العنوان، وأنّ زعماء العرب هم أضداد كلّ واحد ضد الآخر، لكن تجمعهم جامعة صامتة جامدة مثل الحجر لا يغني ولا يأمن من خوف.
ب-العنوانات الخبرية: وهي تتجاوز النوع السابق إذ تحمل مبدءاً خبرياً ثم تستمر في تعيين موضوعها( ) وللتوضيح أكثر نتناول قصيدته المعنونة بـ"مكابدات الشاعر"( )، فالعنوان مركب من علامتين العلامة الأولى تحدد حال العلامة الثانية، مما يعانيه من صعوبات ومشقات ومعاناة وبهذا يصبح من النوع الثاني أي العنوان الخبري لأنه يخبر ويعين الموضوع وهذا ما يتضح أكثر من خلال الدخول إلى النص:
منذ ثمانية وثلاثين تداوم في الظلِّ
تصارع رايات النوم
تختلُ في ثوب الليلِ
تساومهُ
وتعاشرهُ
كي تنحت في الريح
لكنَّ كوابيس الظلِّ تلاحقك
تعرش في النايات
وسميرك بسطاء الناس
أحلام الناس
أصوات الناس
صخب شوارعهم
ومقاهيهم
بارات الليل
سوالفهم
وأنين الداخل في حبِّ الناس
كأس الناس
ولكن لو أقصينا أي جزء منهما لأصبح عنواناً موضوعاتياً لأنّ إقصاْءَه يؤدي إلى إقصاء مبدأ من مبادئه، وتتجلى الوظيفة التعيينية في قصائد عبدالستار نورعلي في العناوين الآتية: (الغريب، القفز، الأمان، الدفء، الرحيل، الويل، الأسر، المدن، القطار، احتراق، الميناء...).
ثانياً-الوظيفة الوصفية:
وقد تناول الدارسون هذه الوظيفة تحت مسميات متعددة منها: اللغوية الواصفة، التلفظية، الدلالية، التلخيصية، ويفصل بين هذه الوظيفة والوظيفة التعيينية خيط هلامي يجعل التمييز بينهما شيئاً صعباً ولايمكن للقاريء الفصل بينهما إلّا باتكائه على النص( )، وهذا النمط يهدف إلى ضبط النص ووسم موضوعه أكثر دقة، فإذا كان في الوظيفة التعيينية الموقف إجمالي، فإنّ الوظيفة الوصفية تتجاوز هذه الحالة إلى الكشف عن تفصيلات معينة أي إنّها تصلح لوصف النص بوساطة ملمح من ملامحه الذي قد يكون متعلقاً بالمحتوى، أوموضوعاتياً(الثيمية)، أوبالشكل، أوبمزيج منهما( )، وبفضل هذه الوظيفة يتحدث العنوان عن النص بشكل يتوحد مع النص ليس عن طريق دليل معادل بل عن طريق سهم استدلال وتشظية بين أسطر النص( )، وبهذا " فإن العنوان يمدّنا بزاد ثمين لتفكيك النص ودراسته، ونقول هنا:إنه يقدم لنا معونة كبرى لضبط انسجام النص، وفهم ما غمض منه، إذ هو المحور الذي يتوالد ويتنامي ويعيد إنتاج نفسه، وهو الذي يحدد هوية القصيدة، فهو- إن صحت المشابهة بمثابة الرأس للجسد والأساس الذي تبنى عليه"( )، فيسعى العنوان من خلال هذه الوظيفة إلى تحقيق أكبر مردودية ممكنة، ويؤكد جيرار جينيت أنّها وظيفة مهمة جداً في العملية التواصلية، ولايمكن الاستغناء عنها( ).
وتظهر هذه الوظيفة في قصيدة الشاعر المعنونة بــ" تجريب: كشف حساب غير متأخر"( ) المتكونة من ثلاثة أجزاء، جزءان لسانيان يتوسطهما دال بصري(:)، الجزء الأول (تجريب) مزدوج الدلالة يمكن عده جزءاً من العنوان الرئيس، أو يمكن عده المؤشر النوعي الذي يقوم بإخبار القاريء وإعلامه بنوع النص الذي يقرؤه، فالتجريب مصطلح مستعار من الحقل المسرحي، ونمط من الإبداع يتضمن الصلة بما قبله وبما حوله للبدأ من نقطة الصفر، إذ يتجاوز النمط الشعري المألوف وتحكمها عوامل شتى مثل الغاية والقصد( ) ومن جهة أخرى التجريب مصدر فعل (جرَّب)، الصيغة الدالة على الكثرة والمبالغة، ومن ثم وجود الدال البصري (:)دليل على التتابع والتعيين والإضافة، كما يدل على حوارية الخطاب، وهذا مايتضح من خلال المتن الذي يقوم على الحوار الداخلى (المونولوج)، أي أن كثرة التجارب الشخصية أدت إلى كشف حساب قبل فوات الأوان:
أربعون + خمسة =
كتب ، أقلام ، أوراق ، أنامل =
عينان ، صدر ، أضلاع ، قلب =
الكرة الأرضية + كلمات حارقة/ محترقة + صداع + آلام + غربة + احديداب =
كيفَ احتملتَ كلَّ هذا الدُوارْ
والتعبَ المُرَّ وضيقَ الحصارْ ؟
صخرة بحجم الكون ، صعود نزول =
سفح ، غابة ، أشجار متشابكة ، أشواك
طرق ملتوية ، وحل ، جليد ، فيضانات ، انفجارات
عند الالتقاء بالمتن نجد أنفسنا أمام مايشبه بمعادلات حسابية وهذا ما أوحى به العنوان مسبقاً، إذ حدد فيه نمط القصيدة ألا وهي قصيدة تجريبية، ومن حيث الدلالة فإن الشاعر يحكي لنا تجارب حياته مع فعل الكتابة والنتائج المترتبة إثر ممارسته لها:
ومن ثم ينتقل الشاعر إلى نتيجة أخرى التي كشفها خلال تجاربه من خلال قوله:
هل تجيد الجودو والكاراتيه؟
جودو وكاراتيه=
بلطجة ، كرسي ، تاج مزيَّف، لسان ذلاق صحف يومية ، فضائيات عربية
هو =
عينان صافيتان ، قلب ينبض بالدم ، أقلام رصاص صوت نقيّ ، يد متعبة =
الطيبة سلاح الضعفاء
نزع فلان ثوبهُ =
تصفيق حادّ ، فضائيات ، مسارح ، دولارات
هل تستطيع أن تنزع ثوبك؟
عيب !!!
عيب =
إعراض، كواليس ، رغيف يابس ، صمت مطبق ، موت في رداء حياة
هل جرّبتَ الفاليوم ؟
الفاليوم =
إنذار:
هل ستتوقف العربة عند الخامسة والأربعين؟
إنْ كان لا يدري =
مصيبة
وإنْ كانَ يدري =
المصيبة العظمى
دمٌ يجري + قلب ينبض + سطور بيض + كون مضطرب =
تجليات ، حياة ، كشوف ، تحديات ، استمرار
فوق التلة ثلج يلمع تحت الشمس
أناس يتزحلقون في عزّ الظهيرة
هو لايجيد التزحلق
نرى أن الشاعر يستمر في اكتشافاته من خلال الإتيان بالطرف المناشد لحرية الرأي والآخر البلطجي القامع اللاهث وراء كرسي السطلة، وبهذا عن طريق الصور المتباينة للطرفين يبين لنا حال الطرفين الأول المعذِّب في ظل الآخر ومن ثم ينتقل إلى الشعراء التابعين للسلطة وأحوالهم في ظلها والذين اختاروا الصمت والسكوت عن الظلم والقمع، ومن ثم في الأخير يستثني الشاعر نفسه منهم إذ هو لايجيد التزحلق، كناية عن النفاق الذي سرى بين شعراء السلطة.
وتتجلى أيضاً الوظيفة الوصفية في قصائد عبدالستار نورعلي في العناوين الآتية: (محمود من حلبجة، ثرثرة غير فارغة، نصّ على حافة النصّ...)

ثالثاً-الوظيفة القصدية:
العنوان لايخلو من القصدية والإرادة لأنّ العنوان يعمل في القصيدة الشيء الكثير على اعتبار أنّه لا اعتباطية في العنوان، بل أنّ الكاتب يجهد نفسه في اختيار العنوان الملائم لمضمون كتابه لاعتبارات فنية وجمالية ونفسية وحتى إغرائية، تجعل القاريء يسير تبعاً لمقصدية أو إرادة العنوان سبراً لأغوار النص، ومن هنا تؤكد المقصدية على الذات كمركز وسبب للمعنى، وهي توجه المتلقي( )، وبما أن العنوان حدث كتابي لذا لايمكن أن نتحدث عن قصد معين، بل هناك مقاصد من خلال سيرورة التأويلية (Semiosis)، في ظل غياب المعنوِن وهيمنة المعنوَن له.
كما نجده في عنوان قصيدته "سجِّل أنا كردي"( )، فالعنوان مكون من صيغة طلبية أمرية، والأمر دال على طلب الفعل على جهة الاستعلاء مع الإلزام، ولكن هنا خرج الأمر عن معناه الأصلى إلى معنى آخر وهو الالتماس أي الطلب بين رتبتين متساويتين( ) وهذا مايظهر من خلال عتبة الهامش، إذ جاء فيهما بأن العنوان والقصيدة ولدا نتيجة رد فعل حين اتهم بالخيانة،لأنّه من الكتابَ الكورد الذين يكتبون بلغة أخرى غير لغتهم( )، ومن ثم جاء بجملة إسمية أكد فيها هويته الكوردية (أنا كردي)، إذ ياء النسب تعينه بصفة معينة،فضلاً عن هذا فالعنوان منصص من استهلال قصيدة (بطاقة هوية) لمحمود درويش( ) وهذا مايحمل بين طياته بعداً إنسانياً يدعو فيه الشاعر إلى المساواة، إذا كانت القصيدة عند درويش مستهل بـ(سجل أنا عربي)، فعند شاعرنا تتحول إلى (سجل أنا كردي)، أي يدعو فيه المساواة في الواجبات والحقوق، وهذا ما أكده الناقد حيدر الحيدر في عتبة التعليق، إذ علل سبب التناص بالتشابه في صور المعاناة والمأساة عند الشعبين الكوردي والفلسطيني( ) ولو دخلنا في المتن نرى هذا بوضوح:
ذاك سفينُ النارِ يحكي قصةَ الأوراس،
وهناك …..
تلك صحراؤكمو الكبرى تناغي ضلعيَ المكسورَ
في القدسِ وفي صبرا وشاتيلا
وحلبجه.
هذا أنا ،
افتحْ ضلوعي تجدِ التاريخَ لوناً واحداً
منْ وهجِ الشمسِ ، ومن آدمَ يومَ انكشفتْ عورتهُ
حينَ استباح حرمة البستانِ والأمرِ
فتاهَ في عراء هذا الكونِ ،
قابيلُ وهابيلُ توالى نسلهُمْ في الأرضِ ،
هذي الأرضُ
خذْها بصراخ الصوتِ !!!!
ماكان صراخُ الصوتِ ارثاً ،
قالها الروحُ:
يمكن القول بأنّ (سجّل أنا كردي)، عنوان مقصود، قائم بوظيفة مقصدية، تحته غايات ومقاصد، من التّحدي والثبات والمقاومة والوطنية وغيرها فهو لايقف عند دلالته المعجمية الأولية البسيطة، لإعلام الآخر بأنّه انسان كردي، وإنما ينزل إلى مسارب الفكر السياسي بعشرات المعاني والدلالات والمقاصد، وهذا مايتضح من خلال عدة علامات منها:
سجل أنا كردي = صيغة طلبية أمرية، الغرض منها إثبات الهوية وتحدي الآخر
سفين = علامة رمزية حججية تمثل الثورة في كوردستان.
حلبجة = علامة رمزية حججية تمثل الظلم والإبادة الجماعية في حق الشعب الكوردي..
إنّ أغلب عناوين الشاعر تتصف بهذه الوظيفة(الوظيفة القصدية)، لأنّه ما من عنوان يوضع عبثاً ومن دون قصد، خاصة عند الشاعر المعاصر. لكن من باب الإنتقاء والتمثيل نكتفي بهذه المجموعة من العناوين للدلالة على الوظيفة القصدية.



المبحث الثاني
الوظائف التواصلية
إذا كان الجزء الأول من الوظائف ناتجاً عن جدلية العلاقة بين ثنائية العنوان/المتن، فإنّ الوظائف التواصلية تتمحور حول علاقة العنوان بالقاريء، أي الوظائف التي تنتج عن احتكاك القاريء بالعنوان، لأنّ العنوان أول نقطة التقاء القاريء بالنص وتندرج تحته الوظائف الآتية:
1-الاغرائية. 2- الإيحائية. 3- التأويلية 4-الشرح. 5-التذكر. 6-التحريض. 7-الأيديولوجية. 8 -الأيقونية. 9- التأثيرية. 10-التفكيكية( )، إلّا إنّنا سنكتفي بالوظائف الثلاثة الأولى.
أولاً-الوظيفة الإغرائية:
يحمل العنوان وظيفة التسمية للعمل الأدبي/الفني، وهذه التسمية هي التي تمنح "القاريء الفكرة الأولى عنه، وهذا الإحساس الأول على قدر مايكون جذاباً مغرياً أو مبهراً للذهن والعينين، يترك فيه أثراً لمدة قد تطول أو تقصر"( ) هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعد العنوان محمولاً بوظيفة إغرائية/إشهارية، يشتهر العمل به، فيسهم في تحفيز فعل القراءة( )، لذلك قيل: "العنوان للكتاب كالإسم للشيء، به يعرف وبفضله يتداول"( ) ويشتهر، وبذلك يشكل العنوان مع صفحة الغلاف اغراءً شكلياً باعتبارهما طعماً من نوع خاص يستعمله المبدع/المرسِل والناشر للايقاع بالقاريء واستدراجه لاقتناء المدونة( )، فالوظيفة الإغرائية تكاد تكون سمة عامة في معظم دواوين شعر الشعراء، ومن هنا فقد اتخذ الشاعر وسائل عديدة لاستدراج القاريء وإثارة فضوله وفتح شهيته للقراءة ومنها:


أ‌- الاسلوب المفارق(Irony)
تنحو القصيدة الحديثة والمعاصرة منحى الغموض واللامباشرة، لذا فالعنوان بوصفه جزءاً منها لم يخل من هذه الظاهرة، وكثيراً مايلجأ الشاعر إليها لإيصال رسالته المشفرة، ولذا نالت المفارقة اهتماماً كبيراً من قبل الدارسين والنقاد المحدثين، والمفارقة "صيغة بلاغية تعبر عن القصد باستخدام كلمات تحمل المعنى المضاد "( )، وعند مارك فينلي : علامة منتجة لعدد غير محدود من العلامات. وبسبب الاهتمام البالغ بها فقد عرفت المفارقة بعدة تعريفات وكثيرٌ منها يشترط فيها وجود التناقض والتضاد( )، ويمكن رصد المفارقة في عناوين قصائد الشاعر عبدالستار نور علي في قصيدة "هلهولة للكرسي الصامد"( ) للشاعر الموصوف بــ"الشاعر الذي يبكي ضاحكاً"( )، فما يميز العنوان هو لغته وقاموسه الشعري إذ ابتدأ بلفظ شعبي شائع في الأوساط الشعبية في العراق متعلق بالأفراح ومن هنا تكمن براعة الشاعر في الاختيار لأنّ "اللغة التي تتداولها كل الطبقات هي التي تعبر أصدق تعبير عن الانفعال والوجدان وقد تكون أحياناً أقوى من لغة القاموس، لأنّها عندما تندرج في سياق القصيدة تتصفى فتصير رمزاً"( ) ومن ثم ربطه بالكرسي العلامة الرمزية الدالة على ممارسة السلطة، يصبح العنوان قائماً على التقابل الثنائي بين الشعب والسلطة:
ذكرت الأنباء أمس الأحد أنّ المطر حلّ نزيلاً على مدينة البصرةِ، بشكل غير مسبوق في هذا الفصل من السنةِ.
* * * * *
هنا في الشمال الغربي للكرة الأرضية يتساقط المطرُ اليوم رشيقاً رشاقة مشية الراحلة مارلين مونرو، والرياح باردة برودة أعصاب كونداليسا رايس،
فإذا كان العنوان قائماً على ثنائية الشعب/السلطة فإن المتن تمديد وتمطيط للعنوان، إذ ينتقل فيه إلى ثنائية أخرى الشرق/الغرب، ويشير فيه إلى عدم وجود الخير في الأول خلافاً للثاني من خلال دال المطر، وحتى عند إسقاط السواد على البياض يصور الشاعر الفرق الشاسع بين الإثنين إذ فصل بينهما بالنجيمات، ومن ثم يلتفت الشاعر إلى الصورة الأولى(الشرق):
قصدتكِ يا بصرةُ الفيحاءُ في الحلم الذي مرّ مرّورَ السحاب العقيم،
قيلَ أمسِ: مطرْ .... مطرْ ... في حاضرة السياب وبن يوسف الأخضرْ!!!
"وتنشج المزاريب اذا انهمر"
وتصبحُ العيون خضراءَ مع السَحَرْ
ويرقصُ الشجرْ
مطرْ ... مطرْ....!
اللهُ أكبرْ جاءنا المطرْ !
والنفطُ منهوبٌ لدى الخَفَرْ !
والكهرباءُ صارَ في خبرْ !
السماء ملبدة بالغبار، غبار الرمل والتراب لا غبار طَلْع الأشجار،
شطّ العرب اليومَ أعيدُهُ أم أنه يتجرع النار ذات اللهبْ وقودها الناسُ والحجارةُ والغضبْ؟
هل تمثال السياب قابع في مكانهِ يتغزل بشُبّاك وفيقة؟
أم نهبوا نحاسه كي يباع في سوق الهرج والمرج ؟
عن طريق التشاكل يكرر ماقاله في الاستهلال من خلال دال (السحاب العقيم)، ومن خلال تناصه مع قصيدة (انشودة المطر) للسياب وتحويلها إلى صور ساخرة للسلطة السارقة لأموال الشعب، ثم يخصص القول ببقعة جغرافية معينة من خلال دال (شط العرب).
ومن ثم يواصل تكرار الصور الساخرة إلى أن تنتهي بتكرار العنوان، إذ تتمظهر القصيدة في شكل دائري ليصور فيها تشبث السلطان بكرسيه بطرق متنوعة، ومن هنا يمكن القول: بأنّ القصيدة من العنوان إلى الخاتمة تهكم بالكرسي أي مس ما يضر السلطانَ وهذا مايسمى في الكوميديا"بنظرية التشامخ والترفع أي البحث عن مسارات نستطيع من خلالها التنفيس عن شعورنا بالنقص وذلك عن طريق اكتشاف عيوب الذين يتشامخون علينا"( ):
ائتلاف الكرسي العراقي ملكنا أباً عن جد
ائتلاف الكرسي الوطني لبنك الزوية والبنك الوطني
تيار الكرسي وحدهْ يكفّينا
تيار اصلاح الكرسي من أجل الكرسي
جبهة الحوار بالكراسي
حزب الكرسي/فرع الكرسي
وشوباش ياحبايب!
دقي يا مزيكا للكرسي وامريكا!
هلهوله للكرسي الصامد!
هلهوله للكرسي الصامد!
يبدو أنّ الكرسي هو بؤرة الاشعاع الذي يؤكد عليه النص، فجاء مطابقاً مع العنوان الذي جاء بصيغة ملفتة للنظر، ومن العناوين التي وردت في شعر عبدالستار نور علي على هذه الشاكلة: إنّا شعوبيون، بياع الفلافل والرقاص والقاتل.
ب-غرابة العنوان:
أسلوب اغرائي يتخذه الشاعر لاستدراج القاريء إلى داخل النص عن طريق الإتيان بما هو غير معهود "وهذه الوسيلة الفنية تُمَكِّنُه من خلخلة العلائق المنطقية الثابتة التي تحكم أشياء العالم من حوله، وفضح تناقضاته الداخلية، وإجلاء السكون الخادع الذي يحيط به"( ).
في هذا النمط من العناوين يلجأ الشاعر إلى اسناد صفة أو فعل إلى اللامعقول ظاهرياً للفت انتباه القاريء واستدراجه للبحث عن سر الربط بين ماهو متباعد ومتناف مع الواقع والمنطق كما جاء في قصيدته المعنونة بـ" قالت الشمس"( )، فالقول فعل نطقي إنساني، خاص بالعنصر البشري واسناده إلى ما هو الجامد البارز والمتميّز والمسيطر والكوني يثير نوعا من الاغراء واندفاع البحث عن السبب، وعند الدخول في الاستهلال يستمر الشاعر باستدراج القاريء وإغرائه، من خلال محاورة عميقة بين الذات النائم والشمس المرموز إلى التيقظ والبداية الجديدة بالمقابلة مع النوم والظلام:
قالتِ الشمسُ:" استفِقْ!
ما العمرُ قد طالَ معَ النومِ
وما قصّرَ طولُ السهرِ الساهرِ فيهِ،
فاستفِقْ!"
ولو انتقلنا إلى عنوان آخر "إنّا شعوبيون"( )، نجد أنه أسند صفة الشعوبية إلى جماعته، وهذه الصفة السلبية توحي بالتنقيص والانتقاد والتجريح، والغرابة أو المفارقة تأتيان من إسناد ما هو سلبي إلى الذات والجماعة الذاتية تهكماً وسخريةً وتضاداً، إذ تتولَّد مفاجأة القاريءمنذ البداية بلافتة لا تقتصر على إثارة الانتباه فحسب؛ وإنّما أيضاً تثير فضول التساؤل لديه، إنّها لا تتركه يطمئن إلى جمالية العنوان أو مفارقة الدلالة فيه، لكنها تستدرجه إلى الدخول في الحدثية النصيَّة، عبر مفتاحية العنوان الذي يُلتقَط من قلب المشهد الشعري، وبهذا يقدّم العنوان إلى القارئ خيطاً من نصٍّ يغريه باستدعاء سائره( )، فإذا نظرنا إلى قصيدته المعنونة بـ(إنّا شعوبيون) نجد الربط العميق بين العنوان وجملة الاستهلال، إذ كرر الشاعر جملة العنوان لاستدراج القاريء، ولكن بعدها يفاجيء القاريء بسطور متضادة مع صفة الشعوبية:
إنّا شعوبيونَ
إنْ كانَ الذي نريده العدلَ
وإنْ كان الذي نقولهُ الحقَّ
وما يجري على الأرض هو الباطلُ والفسقُ
وريحُ الجاهليّهْ،
ومن هنا يبرز التعزيز، إذ يكرر نفس الفكرة في المقاطع المتتالية للمقطع الأول، إذ كرر العنوان ثم جاء بضده ليجعل القاريء في تأرجح دائم بين العنوان والنص أو بين المعني السلبي والإيجابي:
إنّا شعوبيونَ
إنْ قلنا بأنَّ الفقراءَ الضعفاءَ
والمساكينَ اليتامى يرثونَ الأرضَ والجنةَ
حكمَ الأغلبيّهْ،
إنّا شعوبيونَ
إنْ قلنا بأنَّ الزنجَ قد ثاروا على الإقطاعِ
أنَّ القرمطي كان اشتراكياً
يقودُ الناسَ ضد السادة الطغاةِ والسرّاق ،
ماكانوا رعاعاً
بل رعاةً لقضيّهْ،
تكمن جمالية هذا العنوان وشعريته في دهشة المعنى الذي يحمله، والاحساس الصادم الذي يبثه إلى القاريء بكل ماتحمله لفظة (الشعوبيون)، إذ شكل إعلاناً إغرائياً، محفزاً للقراءة ومتابعة النص عبر مفارقة عقدها الشاعر.
وقد يتخذ الشاعر اساليب أخرى لإثارة فضول القاريء ومنها:
1- اختيار عناوين استفزازية : (اقطع لسانك عن فمك!، القصور الرئاسية تتداعى، فأصبحت راياتهم نعالهم والقندرة، ...).
2- اختيار أسماء أماكن مشتركة، أو مفاهيم مقبولة، وقيم معترف بها من طرف الرأي العام والتي تستدعي شعوراً بالانتماء وبالتماهي وبهذا تتلقى موافقة القاريء: ( مشاهد من حلبجة: صور من المعركة، سيدتي بغداد، محمود من حلبجة، مرثية في ليلى البغداداية، السبي).
3- صور بيانية إخبارية مثل الإلماع، تستثار فكرة ويترك تطويرها، أي تعطي خيطاً أولياً ثم يترك الباقي للقاريء: (والشعراء......، لوركا...إنهض!، قال الحكيم بيدبا، كتابة في محراب البياتي، ليلى والذئب، والشمس وضحاها، رفقاً بالعظام، بيغماليون، هو الذي لم ير كل شيء...).
4- فنيات تهدف إلى فرض حضور العنوان مثل التناقض، والمقابلة،التقديم والتأخير، الأمر( ): ( للصمت صوت أعلى، ثرثرة غير فارغة، بياع الفلافل والرقاص والقاتل...).
ثانياً-الوظيفة الإيحائية:
إنّ أهم مايميز هذه الوظيفة عن غيرها هو إيحاؤها غير المباشر على متن النص، إذ يصبح العنوان نافذة فسيحة يطل من خلالها القاريء على عالم القصيدة، ويثير فيه حتى قبل قراءة المحتوى جملة من المعاني وسيلاً من التساؤلات التي تقوده إلى رحلة بحث لاتنتهي إلا بقراءة القصيدة( )، إذاً يتجه العنوان بهذه الوظيفة نحو الغموض واللامباشرة. والإيحائية سمة أساسية في الاستعمال الأدبي والجمالي للغة وتتم الإيحائية عندما تصبح العلامة المتكونة من العلاقة بين الدال والمدلول السابق دالاً لمدلول أبعد، إذ يشكل النظام الأول صعيد التقرير ويشكل النظام الثاني (وهو توسع للأول) صعيد الإيحاء،ومن العناوين التي تؤدي هذه الوظيفة في قصائد عبدالستار نور علي عنوان قصيدته "الخروج"( ) إذ نجد أنّه عنوان محدد بالتعريف، ولفظة (الخروج) تمتاز بالإيحائية والدينامية، لأنها مرتبط بالتأريخ والدين، فالأنبياء أكثرهم خرجوا عن قومهم عند رفض سلوك قومهم، وبهذا توحي اللفظة، بالرفض والتمرد والثورة، ومن جهة أخرى الخروج في القرآن يوحي بالنشر والبعث والتجدد، وبهذا فالعنوان يوحي بالدعوة إلى الثورة والنهوض والتجدد، ولو قرأنا القصيدة قاعمياً لاتضحت صحة ماقلناه إذ يتعدى العنوان الدلالة المعجمية ليصبح دالاً لمدلول أبعد:








ومن ثم يعلن عن المخاوف التي تجابه الإنسان الثائر من قبل الآخر بين مخاذل ومناصر من خلال ثنائية الصمت/الصداح، إلا أنّ القصيدة تنتهي بانتصار الطرف الثاني من الثنائية (الصداح) ومن هنا تبرز الدلالة الثانية للخروج وهي الثورة والتمرد ورفض الواقع والسخط عليه.
منطلقاً في الشارعِ المحفوفِ بالرماحْ
بالصمتِ،
بالصداحْ،
ما بين أزهارِ الصباحْ
وجذوةِ العطور في الأقاحْ
وهمسةِ الضياءِ في المصباحْ
التقطَ المفتاحْ
وتتجلى أيضاً الوظيفة الإيحائية في قصائد عبدالستار نور علي في العناوين التالية: (الشجرة، الصور، اللغات، الجو رمادي، المسرح، الأفعى، الأضداد...).
ثالثاً-الوظيفة التأويلية:
عندما يحمل العنوان كثيراً من الدلالات حينها يصبح مختالاً ومراوغاً يحتوي على سره وسر النص معه، مما يجعله غير كافٍ ليدل على محتوى القصيدة مستقلاً، وبهذا يكون ذا وظيفة تأويلية يجبر القاريء على التأويل، للوصول إلى الرابط الذي يربط العنوان بالنص، لأن العنوان رسالة وهذه الرسالة يتبادلها المرسل والمرسل إليه، وهما يساهمان في التواصل المعرفي والجمالي، وهذه الرسالة مسننة بشفرة لغوية يفككها المرسل إليه حسب فهمه لها، ففي حالة حضور العنوان وغياب المتن يكون التأويل حراً مستعصياً على التحديد والضبط، وبحضور المتن يضيق دائرة التأويل ويسير نحو الكشف عن مضامينه وكوامنه( )، ومن العناوين ذي الوظيفة التأويلية عنوان قصيدته التجريبية "ثرثرة غير فارغة"( ) والذي يقوم على ثنائية ضدية بين (الثرثرة/الكلام) وبين (الفارغ/غير الفارغ)، فهناك (كلام فارغ) مع إنّها كلام موجب ومحترم لكنه فارغ، وفي الوقت نفسه هناك (ثرثرة غير فارغة)، نعم إنّها ثرثرة، صفة سلبية غير رزينة لكنها لها معنى ومدلول ومقاصد، فهي ليست ثرثرة جوفاء وشعواء وإنّما ثرثرة هادفة وموجبة، وهذا مايجعل القاريء يتأرجح بين شقي الثنائية، ولكي ينجو من الدوران في الفراغ يلجأ القاريء للدخول إلى المتن لكي يؤول النص المجمل (العنوان) بالنص المفصل(المتن):
واحد + واحد = واحد =
توحُّد، اتقاد، ذوبان، انفتاح، انشراح، سياحة
سياحة روحية على عربة أبوللو
عربة أبوللو لا المركبة الفضائية
واحد + واحد = اختراق
أحببْتُ فيهِ الحبَّ والسهاما
سهمٌ اخترقَ الفؤاد، سهمٌ اخترقَ الكلمات، سهمٌ اخترقَ النوايا
"إنما الأعمالُ بالنيات"، وليس للانسانِ إلا ما نوى
ماذا نويْتَ؟
اشراق، احتراق، انطلاق، آفاق
فقد استهل الشاعر قصيدته بمعادلة بسيطة خاطئة رياضياً وصحيحة أدبياً، لأنّ مثل هذه المعادلة منطقية في منطق الحب والفن، كما يتضح في السطر التالي للاستهلال من خلال دالي (توحّد، ذوبان)، ومن هنا يكون السطر الأول والثاني تكرار للعنوان، إذ يقدم في البداية معادلة خاطئة ثم يتبعها عدة قرائن لكي يلغي النصف الأول من العنوان ويبرهن النصف الثاني منه، ومن ثم يُضَيِّقُ دائرة التأويل من خلال عدة دوال (عربة أبوللو(التناص الأسطوري فأبوللو هو إله الشعر والموسيقى...)( )، الفؤاد، الكلمات، النوايا) والتي توحي بعلاقة الحب بين ذات الشاعر وقصيدته.
وتتجلى الوظيفة التأويلية في قصائد عبدالستار نور علي في العناوين التالية: (غضب، أنا ابن الصباح، سقوط الكلمات المسروقة، المتطرف!، صحوة في الوقت الضائع: 1_الوطن.2-المغفلون.3-وأخيراً، ...).

نتائج الدراسة
لقدتوصل البحث الى جملة من النتائج، نلخصها في الآتي:
- لقد أبدى الشاعر عبدالستار نور علي عناية بالغة بعنواناته على صعيدي اللساني والبصري إذ حملها بدلالات وإيحاءات مكثفة مما جعلها مفتاحاً مهماً محملاً بأفكار استباقية يتسلح بها القاريء لفهم المتن.
- الشاعر تعمّد الغموض وعدم المباشرة في البعض الآخر من عنوانات قصائده وذلك لغرض اعطاء القاريء فرصة المشاركة من خلال القراءة والتأويل.
- استطاع الشاعر عبدالستار نور علي أن يتلاعب بعناوين قصائده الشعرية، ويقدمها بأشكال مختلفة، ملبياً من خلالها أغراضها الأدبية، ومعبراً عن أيديولوجيته التى يؤمن بها.
- لقد تناصت بعض عناوين قصائد الشاعر بمرجعيات دينية وتاريخية وأسطورية وثقافية، فتحقق من خلالها تمازجاً بين الحاضر والماضى استطاع من خلالها رفض الواقع ونقد السلطة.
- استطاعت عناوين قصائد الشاعر من خلال تعدد وظائفها تحقيق أهداف فنية وجمالية ونفسية.


ثبت المصادر والمراجع
أولاً: الكتب
- أثر التراث الشعبي في تشكيل القصيدة العربية المعاصرة، قراءة في المكونات والأصول، د.كاملي بلحاج، اتحاد الكتاب العرب، دمشق-سوريا، 2004.
- أسرار كتابة الكوميديا، ملفن هيلترز، ترجمة وتقديم: صبري محمد حسن، المركز القومي للترجمة،ط1، 2010.
- التحليل السيميائي للمسرح سيميائية العنوان-سيميائيات الشخصيات-سيميائية المكان، منير زامل، دار رسلان، دمشق-سوريا، 2014.
- تداعيات الذات بين عتبة النص ونص المكان، د.فارس عبدالله الرحاوي، منشورات البراق، الموصل-العراق، 2009.
- جماليات التلقي في السرد القرآني، د.يادكَار لطيف الشهرزوري، دار الزمان، دمشق-سوريا، ط1، 2010.
- حداثة النص الشعري في المملكة العربية السعودية، د.عبدالله أحمد الفيفي، النادي الأدبي بالرياض، الرياض- المملكة العربية السعودية، ط1، 2005.
- دينامية النص، تنظير وإنجاز، محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، بيروت – لبنان، ط1، 1987.
- ديوان محمود درويش، دار العودة، بيروت، ط1، 1994.
- السيميائيات السردية نمذجة سردية-الأشكال السردية-وظائف العنوان، ج.لينتفيلت-ج.كورتيس-ج.كامبروني، ترجمة: أ.د.عبدالحميد بورايو، دارالتنوير، الجزائر، ط1، 2013.
- عتبات جيرار جينيت من النص إلى المناص، عبدالحق بلعابد، تقديم: د.سعيد يقطين، منشورات الإختلاف، الجزائر-الجزائر، ط1، 2008.
- العتبات النصية في شعر سميح القاسم العنونة إنموذجاً، الدكتور: حسين علي الدّخيليّ، دار البصائر، بيروت-لبنان، ط1، 2014.
- علم العنونة، عبدالقادر رحيم، دار التكوين، دمشق-سوريا، ط1، 2010.
- العنوان في الثقافة العربية، محمد بازي، التشكيل ومسائل التأويل، منشورات الاختلاف- جزائر، والدار العربية للعلوم ناشرون- بيروت،،ط1، 2012.
- العنوان وسميوطيقا الإتصال الأدبي، محمد فكري الجزار، الهيئة المصرية العامة، مصر، 1998.
- في جوف الليل، عبدالستار نور علي، مركز أنشطة الكومبيوتر، اسكلستونا-السويد، ط1، 2003.
- في نظرية العنوان مغامرة التأويلية في شؤون العتبة النصية،د. خالد حسين حسين، دار التكوين، دمشق-سوريا، 2007.
- قراءات في الشعر العربي الحديث ، بشرى البستاني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 2002.
- الكورد وكوردستان في الشعر العربي المعاصر، حيدر الحيدر، وزارة الثقافة، دار الثقافة والنشر الكوردية، بغداد-العراق، 2013.
- معجم البلاغة العربية، د.بدوي طبانة، دار إبن حزم، بيروت، لبنان، ط4، 1997.
- معجم تحليل الخطاب، باتريك شارودو، دومنيك منغو، ترجمة: عبدالقادر المهيري، حمادي صمود، دار سيناترا، تونس، 2008.
- معجم اللغة العربية المعاصرة، د.أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة-، ط1، 2008.
- معجم المصطلحات الأدبية، إبراهيم فتحي، المؤسسة العربية، تونس، 1986.
- معجم مصطلحات نقد الرواية، د.لطيف زيتوني، مكتبة لبنان، بيروت-لبنان، ط1، 2002.
- المغامرة السيميولوجية، رولان بارت، ترجمة عبدالرحيم حزل، دار تينمل للطباعة والنشر، مراكش، المغرب، ط1، 1993.
- موسوعة المصطلح النقدي، الترميز، جون ماكوين، ترجمة: د.عبدالواحد لؤلؤة، دار مأمون، بغداد-العراق، 1990.
- هوية العلامات في العتبات وبناء التأويل، شعيب حليفي، النايا ومحاكاة ، دمشق-سوريا، والشركة الجزائيرية السورية-جزائر، ط1، 2013.
ثانياً:الدوريات
- سجل أنا كردي، عبدالستار نور علي، ريكَاى كوردستان، العدد(190) ايار/ 2000، أربيل-كوردستان.
- السيميوطيقا والعنونة، الدكتور جميل الحمداوي، مجلة عالم الفكر العدد: (3)، المجلد(25) 1997، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
- عبدالستار نور علي: الشاعر الذي يبكي ضاحكاً، جودي كناني، ريكَاى كوردستان، العدد(180)السنة(55)، تموز/ 1999، أربيل-كوردستان.
- العنوان في النص الإبداعي أهميته وأنواعه، عبدالقادر رحيم، مجلة كليةالآداب والعلوم الإنسانية والإجتماعية، جامعة محمد خضير بسكرة، العددان(3، 4)، 2008، الجزائر.
- وظائف العنوان في شعر مصطفى محمد الغماري، أ.رحيم عبدالقادر، مجلة المَخْبَر جامعة محمد خيضر بسكرة العدد (الرابع)2008، الجزائر.
-وظائف العنوان، د.بلقاسم حمام، مجلة الآداب جامعة الورقلة، العدد(12)أكتوبر2007، الجزائر.
رابعاً: الندوات والمؤتمرات
- ندوة آفاق التجريب في القصيدة العربية المعاصرة في الربع الأخير من القرن العشرين، مجموعة من الباحثين، مؤسسة البابطين، الكويت، 2001.
خامساً: الإنترنت
- سجل أنا كردي، عبدالستار نور علي، موقع دروب، 16/يناير/2008،
24924 http://www.doroob.com/archives/?p=





Abstract
This study tagged (-function-s of Title in poems Abdul Sattar Noor Ali-Semiotic study) attempts to reveal the titles, -function-s and relations structure in poems Abdul Sattar Noor Ali، taken from his poems and means to achieve this purpose.
Promote the study plan based on an Introduction, a preface and two chapters followed by conclusions and the results of the study.
This study is divided into two sections of the deals in the first section compositional structure of the title، and the second section tackles the conveyance -function-s. At the end a summary of the main important results are provided followed by the list of references.


(1) العنوان في النص الإبداعي أهميته وأنواعه، مجلة كليةالآداب والعلوم الإنسانية والإجتماعية، جامعة محمد
(2) خضير بسكرة، العددان(3و4)، 2008: 7.
(3) تداعيات الذات بين عتبة النص ونص المكان، د.فارس عبدالله الرحاوي: 47.
(4) عتبات، جيرار جينيت من النص إلى المناص، عبدالحق بلعابد: 67.
(5) ينظر: المغامرة السيميولوجية، رولان بارت، ترجمة عبدالرحيم حزل: 25.
(5)السيميوطيقا والعنونة، الدكتور جميل الحمداوي،مجلة عالم الفكر العدد (3)،المجلد(25)1997م: 107-108.
(6)قراءات في الشعر العربي الحديث، د.بشرى البستاني: 34.
(7)ينظر:علم العنونة، عبدالقادر رحيم: 70-72، وفي نظرية العنوان مغامرة التأويلية في شؤون العتبة النصية، د.خالد حسين حسين: 84.
(8)ينظر: العنوان وسميوطيقا الإتصال الأدبي، محمد فكري الجزار: 15-45 .
¤الشاعر عبدالستار نورعلي هو شاعر كوردي ولد في بغداد سنة 1942م، درسالأدب العربي في كلية الآداب بجامعة بغداد قسم اللغة العربية التي تخرج منها عام 1964م، وخلال سبعينات القرن الماضي بدأ ينشر في مختلف الصحف والمجلات العراقية والعربية، وقبل ذلك أذيعت له أول قصيدة عام 1965 ضمن برنامج "براعم على الطريق" من إذاعة بغدادثم باشر في نشر نتاجاته الأدبية وغير الأدبية من الشعر والمقالة النقدية والسياسية والترجمة في الصحف والمجلات العراقية والعربية وعلى مواقع الانترنيت الى يومنا هذا، صدر له في السويد: على أثير الجليد: مجموعة شعرية بالعربية والسويدية.2. في جوف الليل: مجموعة شعرية.3. باب الشيخ : مقالات .4. شعراء سويديون ـ دراسات ونصوص.5. جلجامش: مسرحية شعرية للشاعر السويدي أبه لينده ـ ترجمة.(رسالة خاصة من الشاعر الى الباحثين بتاريخ، )15/12/2013 ([email protected]
( )معجم مصطلحات نقد الرواية، د.لطيف زيتوني: 174.
( )معجم تحليل الخطاب، باتريك شارودو، دومنيك منغو، ترجمة: عبدالقادر المهيري، حمادي صمود: 257.
( ) ينظر: العنوان في الثقافة العربية، محمد بازي: 19-21، وظائف العنوان، د.بلقاسم حمام، مجلة الآداب جامعة الورقلة، العدد(12) أكتوبر2007: 10.
( ) ينظر: في نظرية العنوان مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصية: 98، وهوية العلامات في العتبات وبناء التأويل، شعيب حليفي: 38، وعلم العنونة: 50 -57، والعتبات النصية في شعر سميح القاسم، العنونة إنموذجاً، د. حسين علي الدخيلي: 79-116، وقراءات في شعر العربي الحديث: 34.
( ) السيميائيات السردية، نمذجة سردية-الأشكال السردية- وظائف العنوان، ج.لينتفيلت-ج.كورتيس-ج.كامبروني، ترجمة: عبدالحميد بورايو: 226-227.
( ) في نظرية العنوان مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصية: 107.
( ) ينظر: السيميائيات السردية نمذجة سردية-الأشكال السردية- وظائف العنوان: 227، و العتبات النصية في شعر سميح القاسم، العنونة إنموذجاً:80.
( ) عتبات جيرار جينيت من النص إلى المناص: 79.
( ) في جوف الليل: 97.
( )ينظر: العتبات النصية في شعر سميح القاسم، العنونة إنموذجاً:80، و السيميائيات السردية: 248.
( )التحليل السيميائي للمسرح سيميائية العنوان-سيميائيات الشخصيات-سيميائية المكان، منير الزامل: 81.
( ) عتبات جيرار جينيت من النص إلى المناص: 79.
( ) في جوف الليل: 109.
( ) ينظر: وظائف العنوان في شعر مصطفى محمد الغماري، أ.رحيم عبدالقادر، مجلة المَخْبَر جامعة محمد خيضر بسكرة العدد (الرابع)2008: 100-105.
( )ينظر: العتبات النصية في شعر سميح القاسم، العنونة إنموذجاً:94-95، والسيميائيات السردية نمذجة سردية-الأشكال السردية- وظائف العنوان: 233.
( ) ينظر: السيميائيات السردية نمذجة سردية-الأشكال السردية- وظائف العنوان: 256.
( ) دينامية النص تنظير وانجاز، محمد مفتاح: 72.
( ) علم العنونة: 56-57.
( )تجريب: كشف حساب غير متأخر، عبدالستار نور علي،موقع الحوار المتمدن، العدد(2999)، 8/5/2010،214553http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=.
( ) ينظر: ندوة آفاق التجريب في القصيدة العربية المعاصرة في الربع الأخير من القرن العشرين، مجموعة من الباحثين: 13-65.
( ) ينظر: علم العنونة: 36، ومعجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، ابراهيم فتحي: 178.
( )ريكَاى كوردستان، العدد(190) ايار 2000: 5.
( )ينظر: معجم البلاغة العربية، د.بدوي طبانة: 50، 633.
( )موقع دروب، 16/يناير/2008، 24924http://www.doroob.com/archives/?p=.
( ) ديوان محمود درويش: 1/80.
( )الكورد وكوردستان في الشعر العربي المعاصر، حيدر الحيدر: 75.
( ) وظائف العنوان، د.بلقاسم حمام، مجلة الآداب جامعة الورقلة، العدد12/أكتوبر2007: 11.
( )علم العنونة: 58.
( )التحليل السيميائي للمسرح سيميائية العنوان-سيميائيات الشخصيات-سيميائية المكان: 80.
( ) العنوان وسميوطيقيا الاتصال الأدبي: 15.
( )علم العنونة: 59.
( ) موسوعة المصطلح النقدي، الترميز، جون ماكوين، ترجمة: د.عبدالواحد لؤلؤة: 95.
( ) ينظر: جماليات التلقي في السرد القرآني، د.يادكَار لطيف الشهرزوري: 276-277.
( ) صحيفة المثقف، العدد(1507)5/9/2010، 2009/18279htmlhttp://almothaqaf.com/index.php/nesos.
( ) عبدالستار نور علي: الشاعر الذي يبكي ضاحكاً، جودي كناني، ريكاى كوردستان، العدد(180)السنة(55)، تموز 1999.
( )أثر التراث الشعبي في تشكيل القصيدة العربية المعاصرة، قراءة في المكونات والأصول، د.كاملي بلحاج:55-56.
( ) ينظر: أسرار كتابة الكوميديا، ملفن هيلترز، ترجمة صبري محمد حسن: 36-39 .
( 46) العنوان في الرواية العربية: 149.(
.html?Itemid=(47) صحيفة المثقف، العدد:3137، 8/4/2015،2015/891944http://almothaqaf.com/index.php/nesos.
(48)ريكَاى كوردستان، العدد(185)كانون الأول، 1999 :12.
(49)ينظر معجم اللغة العربية المعاصرة، د. أحمد مختار عمر: 1204، وحداثة النص الشعري في المملكة العربية السعودية، د.عبدالله أحمد الفيفي: 18.
(50)السيميائيات السردية نمذجة سردية-الأشكال السردية- وظائف العنوان:246-248، وعلم العنونة:243.
(51) وظائف العنوان، د.بلقاسم حمام، مجلة الآداب جامعة الورقلة، العدد12/أكتوبر2007: 11.
( ) على أثير الجليد: 101.
(53 )ينظر: في نظرية العنوان مغامرة التأويلية في شؤون العتبة النصية: 106، والعتبات النصية في شعر سميح القاسم، العنونة إنموذجاً: 105، والسيميوطيقا والعنونة، الدكتور جميل الحمداوي،مجلة عالم الفكر العدد: 3،المجلد25/1997: 101
(54 ) صحيفة المثقف، العدد(1825)، 22/7/2011،2009.
(55)معجم الأعلام في الأساطير اليونانية والرومانية، أمين سلامة: 2.



مجلة جامعة كركوك / للدراسات الإنسانية المجلد: 12 العدد: 4 لسنة 2017

https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=147251



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت



التناص في شعر عبدالستار نورعلي
أ.م.د. نوزاد شكر اسماعيل
جامعة صلاح الدين / أربيل
كلية اللغات – قسم اللغة العربية

الملخص
يهدف هذاالبحث الى استشراف ظاهرة التناص ودلالاتها في شعرعبدالستار نور علي وتأثيرذلك في إنتاج الدلالة الشعرية، لما تشكله هذه الظاهرة من أبعاد فنية وإجراءات أسلوبية والمتفحص لصور التناص في شعره يجد أن مرجعياته متنوعة، منها: الدينية والأدبية وغيرها، وإن هذا التناص لم يكن خاليا من الوظيفة، وإنما تتجلى فاعليته في إعادة قراءة التراث والإفادة منه، ونقله الى سياق جديد يخدم غرض الشاعر ورؤيته وحتى آيديولوجيته التي يؤمن بها.
وقداقتضت طبيعة البحث أن يكون في تمهيد ومبحثين وخاتمة بأبرز النتائج التي توصل إليها البحث، تناول التمهيد مفهوم التناص وتعريفه وأهميته، أما المبحث الأول: فقد درس التناص الديني في شعره، في حين تناول المبحث الثاني: التناص الأدبي، وقد أضهر البحث فاعلية التناص في إثراء نصوص الشاعر، ومدّ فضاءاته بثروة تأويلية هائلة، إذ انسجمت التناصات المقتبسة وتعالقت مع سياقاته الشعرية مجسدة رؤيته وتجربته الشعرية، وكان التناص القرآني بقصصه ومعانيه أكثر المصادر التراثية ترددا وأوسعها تأثيرا في مضامين قصائده الشعرية، لقناعته بالأثر الذي يتركه في نفس السامع، ولكونه نصّا ثريا قويا يلبي الطموح ويثري نصوصه الشعرية بدرجة عالية.


المقدمة
الحمدلله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين، وبعد:
يُعد عبدالستار نور علي( )أحد شعراء الحداثة المغتربين عن الوطن، نستشف من شعره أصالة ثقافته، وغوصه في التراث العربي والاسلامي والأخذ منهما، ومن يتصفح دواوينه الشعرية وما نشره على صفحات الدوريات والأنترنيت يجد ومضات دينية ووطنية وتراثية تضيء جوانب كثيرة من شعره، استثمرها لإثراء نصّه الشعري على صعيد البلاغة ودلالة الحدث، لذلك يشكل التناص ملمحاً أسلوبياَ بارزاً في شعره وقد أخذ التناص في شعره أشكالا متعددة، ومرجعيات متنوعة ارتكنتإليه نصوصه الشعرية، منها الدينية والأدبية وغيرها، تحاول هذه القراءة الوقوف عند التناص الديني والأدبي في شعره، وذلك لكثرتهما وثراء دلالاتهما في شعره.
وقداقتضت طبيعة البحث أن يكون في تمهيد ومبحثين وخاتمة بأبرز النتائج التي توصل اليها البحث، تناول التمهيد مفهوم التناص وتعريفه وأهميته، أما المبحث الأول: فقد درس التناص الديني في شعره، في حين تناول المبحث الثاني: التناص الأدبي.
وقد اعتمدت الدراسة منهج استقصاء النصوص التي ورد التناص فيها، أي الكشف عن موطن التناص ثم بيان وظيفته التي يؤديها، إذ لم يكن التناص خاليا من الوظيفة، وإنماتجلت فاعليتهفيإعادةقراءةالتراثوالإفادةمنه،ونقلهالىسياقجديديخدمغرضالشاعرورؤيتهوحتىآيديولوجيتهالتييؤمنبها.
وفي الختام أتمنى أن تكون هذه الدراسة اضافة جديدة الى الدراسات التى تناولت شعر الشاعر عبدالستار نور علي وابداعه، والله ولي التوفيق.





التمهيد
مفهوم التناص وأهميته
لقد ظهر مفهوم التناص في أعمال الناقد الروسي ميخائيل باختين، إلا إنه لم يذكر مصطلح التناص مباشرة وإنما ذكر مصطلح الحوارية الذي كان يعني لديه " فعلان لفظيان، تعبيران اثنان متجاوران في نوع خاص من العلاقة الدلالية ندعوها نحن علاقة حوارية، والعلاقات الحوارية هي علاقات دلالية بين جميع التعبيرات التي تقع ضمن دائرة التواصل اللفظي... وإنّ سمة الحوارية أو تعددية الأصوات سمة ملازمة للخطاب مهما كان نوعه، وإن آدم الوحيد الذي استطاع أن يتخلص من هذه السمة"( ) وتعد الناقدة الفرنسية جوليا كرستيفا أول من أشارت الى مصطلح التناص، بقولها: "إنّ كلّ نصّ هو عبارة عن لوحة فسيفسائية من الاقتباسات، وإنّ كلّ نصّ هو تشرب وتحويل لنصوص أخرى"( )، فهو مظهر من مظاهر تفاعل النصوص وتعالق بعضها ببعض، وهو أحد مميزات النصّ الأساسية التي تحيل على نصوص أخرى سابقة عنها أو معاصرة لها، فكل خطاب بإمكانه أن يصبح هدفا لخطاب نقدي آخر( )، والنص الجديد هو إعادة انتاج لنصوص وأشلاء نصوص معروفة سابقة أو معاصرة له قابعة في الوعي واللاوعي الفردي والجماعي( )، ويرى رولان بارت" :أن كل نصّ هو نسيج من الاقتباسات والمرجعيات السابقة"( )، وبهذا يكون النصّ عبارة عن مجموع العلاقات التي تربط نصّاً بمجموعة من النصوص الأخرى وتتجلى من خلاله، أي أن كل نصّ فني يردد صدى نصوص سابقة.
أما تودوروف: (فيعتبر أن جميع العلاقات التي تربط تعبيرا بآخر هي علاقات تناص، فيكون التناص بهذا الوصف دراسة كلية في علاقاته مع كلية النصوص الأخرى) ( ).
ويعرفه د.محمد مفتاح بأنه:"تعالق مع نصّ حدث بكيفيات مختلفة"( )، وقيل التناص هو:" تداخل نص مع نص آخر أو مجموعة نصوص ينشأ من هذا الاجتماع نص جديد يحمل معظم سمات النصوص المنضوية تحت لوائه، ومن هنا فإن النص الجديد يمتد زمانيا مع النصوص السابقة له ومكانيا مع النصوص المعاصرة له ويدخل معها في تحاور وانسجام فيكتسب صفات جديدة غير موجودة في النصوص التي تداخلت فيه وتكونت منه"( )، فالنص لايمكن إيجاده من لا شيء، وتبدو أهمية التناص في قول الناقد عبدالنبي اصطيف، إذ يقول" والقضية الأكثر حيوية وأهمية وخطورة في مسألة تفاعل النصوص هي أن النصوص لا تتفاعل بوصفها مجرد نصوص ولو كانت كذلك لصح النظر الى تفاعلها بأنها مجرد اقتباس أو تضمين أو تأثير بمصادر معينة، ولكنها تتفاعل بوصفها ممارسات دلالالية متماسكة، إنها تتجاور وتتصارع وتتزاوج وينفي بعضها البعض الآخر، أو بإختصار عندما تتفاعل بوصفها أنظمة علامات متماسكة لكل منه دلالته الخاصة به، وهذه الأنظمة عندما تلتقي في النص الجديد تسهم متضافرة في خلق نظام ترميزي جديد يحمل على عاتقه عبء انتاج المعنى أو الدلالة في هذا النص"( )، فالتناص وسيلة لإثراء النصّ بفتحه على نصوص أخرى، فهو مهارة يقوم بها الشاعر في أثنائها باستغلال الثروة الفكرية التي وصلت إليه وصياغتها شعرا جديدا.

المبحث الأول
التناص الديني
ويقصد به تداخل نصوص دينية مختارة من القرآنالكريم والحديث النبوي الشريف والكتب السماوية الأخرى مع شعر الشاعر، بحيث تنسجم هذه النصوص مع السياق الشعري، وتؤدي غرضا فكريا وفنيا( )، وقد أطلق القدامى على هذا النوع الاقتباس والتضمين( )، إذ يعد القرآن والحديث النبوي مصدرين مهمينمن مصادر اللغة الشعرية التي زخرت بها قصائد عبدالستار نور علي، فقد اقتبس منهما ما يلائم في توضيح فكرته مستفيدا من هذه التقنية في اثراء قصائده الشعرية، وقد جرى ذلك بطرق مختلفة وأنماط متنوعة، منه ما اعتمدت على كلمة واحدة في البيت استعارها الشاعر من القران الكريم وتناص معها ليزيد من كثافة معانيه وليدعم فكرته، ومنه ما ضمّن النص القرآني بشكل مباشر، ومن ذلك، قوله في قصيدة (مكابدات شاعر):
منذُ ثمانيةٍ وثلاثينَ ...
لم تخطُ قمةَ أحدٍ أو تلمسْ جدران القومِ
بلسانٍ من سوء
مع أنَّ النَّفسَ لأمَّارةُ سوء! ( )
إنّه توظيف لقوله تعالى في سورة يوسف على لسان امرأة العزيز: ٍِِ [وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ] يؤطر فيه الشاعر الى منطوق الآية وفكرتها، إلا إنه يعمد الى تدمير هذه الرؤية وتحريفها ونفيها عن قادة اليوم الذين لم يتجرؤا حتى في نفوسهم الاشارة الى الاستعمار وظلمه، أو إدانته في مؤتمر من مؤتمراتهم التي تكرر انعقادها ثمانٍ وثلاثين مرة أو أكثر.
لقد استلهم الشاعر في تجربته الشعرية لغة القرآن الكريم وآياته وأدخاها في بناء النص لإغناء الدلالة المعنوية التي أرادها، ومن ذلك قوله في قصيدة( الرواية الثالثة):
كانَ ريحاً صرصراً
مِنْ رجعِ ذاكَ القادمِ الموعودِ
فثمود
نحرتْ ناقَتَها عندَ رمال البيدِ
والصالحُ في الوادي غريبٌ
وأنا في يدهِ قنديلُهُ نارٌ ونور( )
يحاول الشاعر بكل ما توافر لديه من امكانيات فنية أن يوظف الآية القرآنية[فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ] وظفها توظيفا فنيا وفق رؤيته الشعرية، التي ترى ظلم الظالمين قد انتشر وطغى، وأن ثمود اليوم - السلطة الحاكمة - قد لايختلفون عن ثمود أمس، فالمواطن المحروم المقهور على حاله لايستطيع أن يقف لهم بالمرصاد ويردهم عن غيهم ، فالطيبون لا حول لهم ولا قوة، ومستدعيا في الوقت نفسه قصة سيدنا صالح عليه السلام في قوله تعالى:[وَيَاقَوْمِهَذِهِنَاقَةُاللَّهِلَكُمْآَيَةًفَذَرُوهَاتَأْكُلْفِيأَرْضِاللَّهِوَلَاتَمَسُّوهَابِسُوءٍفَيَأْخُذَكُمْعَذَابٌقَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَافَقَالَتَمَتَّعُوافِيدَارِكُمْثَلَاثَةَأَيَّامٍذَلِكَوَعْدٌغَيْرُمَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّاجَاءَأَمْرُنَانَجَّيْنَاصَالِحًاوَالَّذِينَآَمَنُوامَعَهُبِرَحْمَةٍمِنَّاوَمِنْخِزْيِيَوْمِئِذٍإِنَّرَبَّكَهُوَالْقَوِيُّالْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَالَّذِينَظَلَمُواالصَّيْحَةُفَأَصْبَحُوافِيدِيَارِهِمْجَاثِمِينَ (67) كَأَنْلَمْيَغْنَوْافِيهَاأَلَاإِنَّثَمُودَكَفَرُوارَبَّهُمْأَلَابُعْدًالِثَمُودَ (68)] ( )، إذ وظفها في نصه الشعري فتحولت الى دلالة رمزية ذات اتصال وثيق بالواقع الذي يعيشه الشاعر، إذ لم يبق شىء مقدس لم تطاله يد الطغاة الظالمين، إنها إشارة الى الواقع المتردي الذي يعيشه الشاعر، ومن التناص التضميني بكلمات من القرآن الكريم قوله في قصيدة (الانهيار):
نامَ طويلاً....طويلاً
علىضفافِ النخيلِ
والتينِ والزيتونِ والأعنابْ
ساقيةً من رياضِ الفؤادْ
دوامَ الحصادْ
اجتني التمرَ
رحيل....
رحيل....( )
يسترفد الشاعر الآية الكريمة [وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ] في محاولة للتعبير عن تجربته الشعرية مع التحوير في سياق الآية ليتسق مع رؤيته الخاصة، إذ العراق فيه النخيل والتين والزيتون والأعناب، فكل عام والعراق أرض الثمار والحصاد، إلا أن العراقي محروم من هذه النعم ولا يستفيد منها، ومن هنا يأتي الرحيل والذي أكده الشاعر عبر تكراره مرتين، لقد استطاع الشاعر أن يوظف التناص لينسجم مع رؤيته للنص، وأن يضفي شعرية خاصة على النص، شعرية مغلفة بحنينه وغربته عن وطنه العراق،إنّ " استحضار النص القرآني في النص الشعري يعطي مصداقية تميزاً لدلالات النصوص الشعرية، انطلاقاً من مصداقية الخطاب القرآني وقداسته وإعجازه" ، ومن التناص القرأني قوله في قصيدة( كاترينا):
هذه القريةُ غرقتْ في الدجى
أغلقتْ بابها لملمتْ وجهها في غياب الخجل
ثم نادتْ دون أنْ تذرف دمعةً
إنَّهُ ثمنُ المارقينَ الجناة
أطيعوا أولي الأمر منكم !
نم نامتْ على هدهدة الليل في سكون الكلام( )
يمتص هذاالمقطع الآية القرآنية[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ...]( )حاول الشاعر من خلال التناص معها أن يعيد تشكيل فكرته ورؤيته على وفق تصوراته، فإذا كانت الآية تدعو الى إطاعة أولي الأمروعدم الخروج عليهم، فإن الشاعر عبدالستار نور علي أراد من خلال هذا التناص أن يبين سخريته من ولاة أمر اليوم، الذين أصبحوا لاحول لهم ولا قوة، إنهم دمى تحركهم أصابع أجنبية خفية، لقد مثل التناص محاكاة ساخرة لما فيه من عمل التضاد الذي تقصده الشاعر من جهة وحملها بعدا دلاليا جديدا قائما على الاستلاب والخضوع من جهة أخرى.
إنّ مجال توظيفه للتناص يحضر بأشكال مختلفة فهو حاضر على مستوى الآية كما أشرنا، وقد ورد على مستوى الكلمة المفردة أيضا مثلما يبدو في قصيدته (طفولة أشواق الطير) التي يسخر فيها من الحكام ويصور جرمهم واستغلالهم لخيرات الشعب، فيقول:
كانَ الليلُ رفيقاً
والأصواتُ تردِّدُ باسم الله
مآذن عبدالقادر صلَّتْ
كانَ الدفءُ رفيقاً
والحبُّ سميراً
والخوفُ
يخفقُ في أضلعِ أطفالِ الوسواسِ
الخناسِ
السادر في أسمال الناسِ
وبقايا عظام الأجساد المحروقةِ في الرملْ
هدي أسوارَ العشق تدّكُّ جدارَ النيرانْ
تروي وجهَ الطفلِ اليتلوى في دمهِ
يصرخُ
يصطفُ بأقدام الخوفِ
صفاً
صفاً
في دائرة الدم والنارْ
وبخور الألغازْ ؟( )
لقد ظهر التناص واضحا في استعمال صيغة ( باسم الله) ومفردتي ( الوسواس، الخناس)، إذ يغير الشاعر في نص الآية ويأتي بما يعادلها في الوزن والجرس والنغم، فالنص يحاور سورة الناس في قوله تعالى:[ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) ] .
فالشاعر يتعوذ من ظلم الحكام الذين لا يكتفون بنهب خيرات البلاد، وإنما يمارسون كل أشكال الإجرام بحق الشعب وأبنائه من دون تمييز بين صغير أو كبير، كما ورد في النص معلم ديني، إذ يشير الى( مآذن) ويخصصها بـ(مآذن عبدالقادر)، في إشارة الى جامع الشيخ عبدالقادر الكيلاني، إذ كان الشاعر من أهالي باب الشيخ في بغداد، ووردت عبارة ( صفاً صفاً)، متناصاً بها مع قوله تعالى:[كَلَّاإِذَادُكَّتِالْأَرْضُدَكًّادَكًّا (21) وَجَاءَرَبُّكَوَالْمَلَكُصَفًّاصَفًّا (22) وَجِيءَيَوْمَئِذٍبِجَهَنَّمَيَوْمَئِذٍيَتَذَكَّرُالْإِنْسَانُوَأَنَّىلَهُالذِّكْرَى (23) يَقُولُيَالَيْتَنِيقَدَّمْتُلِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍلَايُعَذِّبُعَذَابَهُأَحَدٌ (25) ] ، إن ما يجمع بين النص والآية المباركة هو مقام الخوف الذي بات يعيشه أغلب أفراد شعبه.
ويبدو هذا النوع من التناص أيضا في قصيدة( أحمد زينل)* في قوله:
إقرأْ باسم الأملِ القادمِ
باسم الحبِّ
باسم الأمِّ
باسم الأبِ( )
يقوم التناص في هذا النص على مستوى الأصوات والكلمات والصيغ، إذ تتكرر الأصوات ( الباء، الهمزة، السين، الميم) أما الكلمة المكررة فهي لفظة( باسم) المكررة ثلاث مرات، أما الصيغة المكررة فهي ( حرف جر+ اسم مجرور+ مضاف اليه) وإن هذا التكرار ساعد على انسجام النص ايقاعا ودلالة، وعمل على زيادة النص وتمطيطه مكانيا وبث روح الأمل والحب في ثنايا النص ومفاصله، وبذلك يقوم التناص بوظيفتين، الأولى: التأكيد على العمل الجاد والسعي الحثيث نحو المجد، والثاني: الإعتماد على الأمل والحب في تحقيق الغاية، لقد استمد الشاعر هذه الدلالات والإيحاءات من القرآن الكريم ووظفها في انزياحات جديدة تتوافق وتجربته الشعرية من جهة ولإغناء الدلالة المعنوية للنص من جهة ثانية، من خلال ما سبق تبين لنا أن التناص الذي أجراه الشاعر عبدالستار نور علي لآيات القران الكريم جاء من ناحيتين تناصا نصيا وتناصا تضمينيا، وهذا يرجع الى الفكرة التي يروم توصيلها وما تتطلبه من دعم وتأييد قرآني.
كما وردت للشاعر أبيات شعرية فيها تناص مع الأحاديث النبوية الشريفة في مواضع عدّة، ومن ذلك قوله في قصيدة ( الانهيار ):
جثةُ تهبطُ من علياءِ، تابوتها
جثةٌ لم تعاشرْ كفناً
لم تصاحبِ الفئة الباغية
تُدفنُ تحت بلاط الأمم المشرئبةِ الراقية
ثمةَ وجهٌ، طفلٌ، رقصةٌ، غانية.( )
لقد ظهر التناص واضحا لاسيما في استعمال عبارة( الفئة الباغية) مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حق سيدنا عمّار( ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعو الى الجنة ويدعونه الى النّار) ( )لقد افاد الشاعر من هذه القصة لإدراكه قيمتها الدلاليةولتوضيح فكرته وتأييدها، يظهر الشاعر من خلال هذا التناص سخريته من الحكام الذين يقتلون الناس لأتفه الأسباب، فكم من بريء قتل دون سبب إلا لموقف رفض لقرار ظالم أو من موقف جبان متخاذل، فإذا كانت مصاحبة الأشرار والباغين تستحق العقوبة والجزاء فهذه شريعة لابأس بها، أما أن يقتل المواطن بلا سبب فهذه جريمة لا تغتفر، إنها ديدن الطغاة في كل مكان لاسيما عند الحكام العرب، ويؤكد الشاعر هذه الفكرة في قصيدته( الويل ) التي يقول فيها:
الويلُ إنْ كانَ الذي تقولُهُ
ليس كما يريدُهُ الاخوانْ،
الويلُ إنْ أفلتَ من عِقالهِ الثعبانْ
لاتِنوي
فإنّما الأعمال بالنياتْ
وأنت تنوي الشرّ بالسلطانْ
وركبهِ الزاحفِ نحو النورِ
والسرورِ
والأمانْ،
فالويلُ لكْ ...!( )
لقد ورد التناص في هذا النص مع قول الرسول صلى الله عليه وسم( إنّما الأعمالُ بالنياتِ، وإنّما لكل امرىء ما نوى...) ( ) مستلهما من مضامينه وموظفا ألفاظه،ليبين أن الانسان محاسب على نيته وإن هذه النية لايعلمها إلا الله، إلا أن الطغاة عندما يريدون الإيقاع بالمناضلين يتخذون هذه النية المخفية مبررا لاعتقالهم وتصفيتهم، إنه يتهكم من السلطة تهكما شديدا متخذا من استدعاء الحديث النبوي الشريف مدخلا لهذه السخرية، وقد كرر الشاعر لفظة الويل أكثر من مرة، التي كانت في الأصل عنوانا للقصيدة ليظهر مدى قسوة الحكام الطغاة اليوم مع مواطنيهم، وفي قصيدة ( قال الحكيم بيدبا) يشير الى واقعه المتردي والمزري وموقع المواطن فيه، فيرسم صورة المواطن في البلاد العربية بقوله:
لايرتقي السُّلمَ من لاينحني
ويمسحُ الجِزَمْ
لا يرتقي السُّلمَ غيرُ منْ
يكفرُ بالأممْ،
ويرتدي عباءةَ الشيوخِ والملوكِ
والأقزامِ والحَشَمْ
وكلُ منْ زلتْ بهِ قدمْ
عاقٌ وذميٌّ
ومشهودٌ له بالإثمِ والنِقَمْ
رِمَمْ
رِمَمْ
فكلُ مَنْ دارَ في أفلاكهمْ
رِمَمْ
ذقْتُ المراراتِ جميعاً
لم أذقْ
أمرَّ منْ
لقمةِ سلطانٍ مزيجٍ بألاعيبِ الحِكَمْ
تنبعُ منْ أفواههِ
كأنّها العلقمُ ممزوجاً بدَمْ
صَنَمْ...
صَنَمْ...
منْ فوقِ عرشٍ زائلٍ
صَنَمْ ( )
لقد وظف الشاعر المعنى التراثي المستكره والمرفوض دينياً(الغاية تبرر الوسيلة) توظيفا أثرى به مضمون قصيدته، والذي يوحي بزمن التملق والتزلف وانتشار الظلم والمحسوبية على حساب أهل الحق، عبر الشاعر من خلال هذا التناص عن واقعه المتردي الذي لاتجد فيه الشخص المناسب في المكان المناسب، فمهما كانت مؤهلات المواطن الشريف العلمية والثقافية لايستطيع أن يحقق أهدافه من دون الدوران في فلكهم والتسبيح بحمدهم، من دون الانحناء ومسح الجزم في دلالة على الاستكانة والعبودية للسلطة التي استغلت أبناء الشعب وعودوتهم على الذل والقهر.
كما ورد التناص مع نص في الانجيل في قصيدته( الأحجار):
فوقَ صدرِ الضامِر حجرٌ
ما أثقلهُ!
ما أوهنَهُ!
تصغي ...
مَنْ كانَ بلا إثمٍ
فليرمِ الأحجارْ!( )
إنه تناص مع قول سيدنا عيسى عليه السلام عندما قال: ( من كان بلا خطيئة فليرمها أولا بحجر ) لقد جعل نصب عينيه نصا مركزيا مقدسا مُستمدا من الكتاب المقدس ليستمد منه ويجعله مرجعيته الفكرية.





المبحث الثاني
التناص الأدبي
يعني" تداخل نصوص أدبية مختارة قديمة وحديثة شعرا ونثرا مع النص الأصلي بحيث تكون منسجمة وموظفة ودالة قدر الامكان على الفكرة التي يطرقها المؤلف أو الحالة التي يجسدها ويقدمها)( )، أي توظيف نص أدبي في جسد نص أدبيآخر ، لغرض زيادة جمالية النص، ويعد التناص مع الموروث الأدبي دليلا مهما على ثقافة الشاعر ومنطلقا لاستشفاف القيم الاجتماعية والمهارات الجمالية، وليبدو خطابه الشعري مفعما بالعمق والرؤية الفلسفية( )
وقد ورد هذا النوع من التناص في شعره بشكل لافت للنظر، ومنه ما تناص به مع قول امريء القيس في قصيدة (أغاني الأغاني)، إذ يقول:
زنبقاتُ الكلامِ تسقطُ في الكلامِ
اليومَ خمرٌ،
وغداً في رفيفِ النوارسِ أمرٌ( )
من يقرأ هذا النص يقفز الى ذهنه قول امريء القيس (اليوم خمر وغدا أمر) ، في
دعوة الى الأخذ بثأر أبيه، إلا أن حكامنا عندهم اليوم خمر وغدا موعد مع الغانيات، كشف التناص عن الحالة المزرية التي تمر بها الأمة من جراء تخاذل الحكام و جبنهم .
كما يبدو التناص الأدبي في قوله:
حزنٌ شفافٌ يغمرُ ساقيةَ الشوقِ
حزنٌ وغناءٌ
من روحِ العاشقِ والمعشوقةِ
عشقهما
وَجْدهما
والحرمانْ
في أهوار جنوبِ الحبِّ
مِنْ قدمِ شقّقها شَقاءُ الأيامِ
وأسى السَّنواتِ وظُلم ذوي القُربى، ( )
إنّ القراءة السطحية لهذا النص تظهر تفتت المعنى وتشظيه عبر إسناد الشفافية للحزن، والذي لايمكن الجمع بينهما إلا لأمر يستبطنه الشاعر، وإنّ إمكانية هذا الحزن الشفاف أن يفجر ساقية الشوق، يزيد من ابهام المعنى الذي يجسده الشاعر في نصه، ومن ثمّ الجمع بين الحزن والغناء في ثنائية ضدية يزيد الطين بلة، إلا أنّ القراءة المتأنية الفاحصة تكشف أسى الشاعر وحزنه الذي يؤول الى الحرمان الذي يعيشه وهو بعيد عن وطنه وعن أحبابه، إذ يبدو الشاعر محروماً من العشق والوجد والحب بسبب أسى السنين التي ربّما تؤول الى الغربة، إلا أن التناصّ مع قول الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد:
وظلمُ ذوي القُربى أشَدُ مضاضةً على المرءِ منْ وقعِ الحسامِ المهندِ
يكشف عن رؤيته التى ترى أنّ ظلم الأقارب - في إشارة الى سلطة الظلم في بلده العراق- أشد تأثيرا عليه في تهييج نار الحزن من وقع السيف القاطع.
ومن النماذج الأخرى للتناص الأدبي، قوله في قصيدة الانهيار:
تنتعِلُ البراءةُ خلفَ ورقةِ التوتِ
في العوراتِ
في جيوبِ مقاهي الدخانِ، الحشيش، الرقيق.
إذا رأيتَ نيوبَ الذئبةِ الجائعةِ
عيون الضبعةِ الجامحهْ؟
افتراس
افتراس( )
يبدو التناص واضحا مع بيت المتنبي:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظننّ أنّ الليثَ مبتسمُ( ).
ويبدو التناص في قوله في قصيدة( الحقوق) التي ألقاها بمناسبة عيد المرأة:
الى التضحيةِ الدائمة
الى رفيقةِ الدربِ أم جوان...
وجورُ العالمِ المليءِ بالشرورِ
والحروبِ والأهواءُ
تحكي عن القهرِ الذي يلاحقُ المرأةَ،
يمحو دورَها وحقَّها.
تحكي عن العالمِ في الدوامةِ السوداءْ.
(( الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتَها))( )
إذ جاء التناص من دون تغيير أو تحوير مع قول الشاعر حافظ ابراهيم، ليؤكد من خلاله المعنى الذي يريده وهو أهمية المرأة في التربية وبناء المجتمع، إنه انتقاء ذكي مكنه من توصيل رؤيته عن زوجته التي كان يعتز بها ويمجدها، إذ القصيدة طويلة يشير فيها الشاعر الى وفائها وصدقها ونجاحها في تربية أبنائها.
ويبدو التناص الأدبي مع قول الشاعر سعدي يوسف، إذ يضمن الشاعر عبدالستار نور علي ثلاثة أشطر من قصيدة( السبب) لسعدي يوسف من قصيدته (رسالة الى الأخضر بن يوسف)، في قوله:
يا الأخضرُ أنت َتُعانقُ قريتكَ بعيداً،
من دون صيارفةٍ
وجلاوزةٍ
وأزقة بغدادَ، وباب الشيخِ
يا الأخضرُ،
ما كنتَ نديمَ صيارفةٍ
وجلاوزةٍ
بل همسةَ نخلِ ضفافِ الشطِّ
وقلوبٍ أرَّقها الطوفانُ
يا الأخضرُ
(( لم ترحلْ خوفاً...
فبلادكَ تفتحُ فيها الأعمى عينيهِ
ويموتُ الشعراء ))( )
وبعد قراءة قصيدة سعدي يوسف تبين لي أن هموم الشاعرين متشابهة الى حد بعيد، إذ يجمعهما وحدة الفكر والتصور، والغربة، وحب الوطن الذي تركوه من دون إرادتهم، وطن الخيرات والنعم، إلا أن المثقفين من أمثال الشاعرين لا يفيدون من هذه الخيرات، وله تناص مع شعر محمود درويش على صعيد الأسلوب والطرح الشعري في قصيدته سجل أنا كردي، إذ يقول:
هذا أنا،
افتح عيوني!
أشرع الأبوابَ تحتَ الجلدِ،
وانظرْ !
.............
سجِّلْ
أنا كردي...
لاقيتُ صلاحَ الدينِ في القدسِ
وفي تكريتَ
في دمشقَ
في القاهرةِ الظافرةِ المنتصره !
سجِّلْ....
فإني ما ارتديتُ علبةً زخرفتُها
زيَّنتُها
لتصبحَ الوجهَ والقناعْ..!( )
يشير النص الى وجود تناص وإلتقاء بين قول الشاعرين، إذ استعار منه أسلوب التحدي في قوله المشهور: ( سجّل أنا عربي )، وعلى الرغم من هذا الإلتقاء تبقى لكل شاعر خصوصيته التي تميزه عن غيره، فالأول مناضل وشاعر عربي، والآخر مناضل وشاعر كوردي، قد جمعتهما رؤية وقضية مشتركة، إذ الاحتلال والاضطهاد وغياب الهوية والدولة، فضلا عن الثبات على المبدأ والوفاء للقضية التي آمنا بها.
وله تناص مع شعر الجواهري في قصيدته( أأبا فراتٍ والجراحُ فمُ)إذ يقول الجواهري :
أأبا مهند والجراحُ فمُ
وعلى الشفاهِ من الجراحِ دمُ ( )
فيعارضه الشاعر عبدالستار نورعلي، بقوله:
أأبا فراتٍ، والجراحُ فمُ
وعلى السيوفِ من الجراحِ دمُ
إنّا على حالينِ، تجمعُنا
لغةٌ تُحَلِّقُ، ثُمَّ تضطرمُ( )
إنّ تضمين النص في هذه القصيدة يسهم في رفد النص بأبعاد نفسية وجمالية ملحوظة، مستمدة من رؤية الجواهري لواقعه المتردي، فالشاعران تجمعهما هموم مشتركة، إذ الغربة، والمعارضة، والسياسة، وحبُّ الوطن، وربما هناك شيء آخر وهو اعجاب الشاعر عبدالستار نور علي بالجواهري* الذين يجمعهما وطن واحد ومذهب واحد، وهو مذهب المعارضة والوقوف في وجه المستبدين.
ويوظف الشاعر قصة الف ليلة وليلة ويختار منها حكاية السندباد ليشير بها الى ظلم السلطة، والذي يبدو في قوله:
شهرزادْ،
هل تُرى تروينَ يوماً من حكايا سندباد العصرِ
ألفاً بعدَ ألفِ؟
شهريارٌ ذبحَ النسوانَ إلاكِ، لتروي،
شهريارُ الآنَ سيفٌ جائعٌ فوقَ رقابِ الخلقِ
مِنْ غيرِ حسابْ،
ذبحَ النسوانَ
والغلمانَ
والنخلَ
وماءَ اللهِ
كلَّ الطيباتْ( )
تتداخل هذه النصوص مع شخصية شهرزاد راوية الملك شهريار في قصة ألف ليلة وليلة، فعلى الرغم من وجود علاقة وإلتقاء بين النص القديم( القصة) والنص الحاضر إلا أن الشاعر حاول في سخرية واضحة أن يصور جرم حكام اليوم واستبدادهم واستغلالهم لخيرات الشعبوأن حكام اليوم أكثر ظلما وجورا من الحكام السابقين.




الخاتمة:
- أظهر البحث فاعلية التناص في إثراء النصوص الجديدة، ومدّ فضاءاته بإيحاءات مثيرة، إذ انسجمت التناصات المقتبسة وتعالقت مع سياقاته الشعرية مجسدة رؤيته وتجربته الشعرية.
- كان النص القرآني بقصصه ومعانيه أكثر المصادر التراثية تردداً وأوسعها تأثيراً في مضامين قصائده الشعرية، لقناعته بالأثر الذي يتركه في نفس السامع، ولكونه نصاً ثرياً قوياً يلبي الطموح ويثري نصوصه الشعرية بدرجة عالية.
- غالبا ما شكل التناص بعدا من أبعاد تجربته الشعرية ورؤيته الفنية تجاه القضية المطروحة تأييدا أو تفنيدا.
- شكل التناص ظاهرة فنية مؤثرة في النشاط التخييلي، والذي أفضى بدوره الى التشكيل الجمالي للخطاب الشعري عنده.
- عرف الشاعر تأثير الحديث النبوي الشريف وقدرته على تكثيف المعنى وتوضيحه فضمنه في قصائده الشعرية.
- كان للتناص الأدبي أثر في صياغة تجربة الشاعر عبد الستار نور علي، حيث استوعب تجارب الشعراء السابقين ومضامينهم وأعاد تمثيلها في تجربته الشعرية فأثرت قصائده فنيا وفكرياً
- لقد عابالقدامى التضمين ونظروا إليه نظرة سلبية، أما اليوم فقد أصبح ذلك المنظور السلبي منظورا ايجابيا يدل على ثقافة الشاعر وحسن اطلاعه على أعمال غيره من الشعراء.


الصادر والمراجع
- تحليل الخطاب الشعري- ستراتيجية التناص، محمد مفتاح، التنوير للطباعة والنشر، مصر، 1985م.
- التناصنظرياًوتطبيقياً، أحمدالزعبي، مكتبة الكتاني، إربد، ط1، 1999م: 9.
- درس السيوسيولوجيا، ترجمة عبدالسلام بن عبدالعالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط2، 1986م.
- ديوان الجواهري، محمد مهدي الجواهري، تحقيق د. ابراهيم السامرائي وآخرون، دار الرشيد ، بغداد، 1980م.
- شرح ديوان المتنبي، عبدالرحمن البرقوقي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1978م.
- شرح المعلقات السبع ، الزوزني،مكتبة النهضة، بغداد، ط1، 1986م.
- الشعر والشعراء، ابن قتيبة، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف، مصر، 1982م.
- صحيح البخاري، أبو عبدالله محمد بن اسماعيل البخاري، دار الفكر، بيروت، 1419هـ/ 1998م.
- على أثير الجليد، عبدالستار نور علي، مركز أنشطة الكومبيوتر، السويد،ط1، 2000م.
- علم النص، جوليا كريسطيفا، ترجمة فريد الزاهي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1، 1999م.
- في أصول الخطاب النقدي، تودوروف وآخرون، ترجمة د. أحمد المدني، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط2، 1989م.
- في جوف الليل، عبدالستار نور علي، مركز أنشطة الكومبيوتر، السويد،ط1، 2003م.
-ميخائيل باختين المبدأ الحواري، تودوروف وآخرون، ترجمة: فخري الصالح، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 1992م.
-النص الغائب، تجليات التناص في الشعر العربي، محمد عزام، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، 2001م.

الدوريات
- أأبا فراتٍ والجراحُ فمُ، عبدالستار نور علي، الثقافة الجديدة، العدد(332) 2009م.
- تداخلالنصوص،هانزروبريشت،ترجمةالطاهرالشيخاويورجاءبنسلامة،مجلةالحياةالثقافية،تونس،العدد(5) لسنة 1985م.
- التناص، عبدالنبي اصطيف، مجلة مؤية، العدد(2) السنة 1993م.
- التناصفيشعرالغزلالأموي،دلالهاشمكريم،أبحاثسامراء،المجلد(9)،العدد(33)،السنةالتاسعة،نيسان، 2013م.
- الرواية الثالثة، عبدالستار نور علي، الثقافة الجديدة، العدد( 349) 2012م.
- رسالة الى الأخضر بن يوسف، عبدالستار نور علي، صحيفة ريكاي كوردستان، أربيل، العدد( 213) اذار 2002م.
- سجل أنا كوردي، عبدالستار نور علي، صحيفة ريكاي كوردستان، أربيل العدد (190) أيار 2000م.
- مفهوم التناص في اللغة، د. ناصر علي، مجلة الثقافة، العدد (61) كانون الثاني، 2004م: 47.
الرسائل الجامعية
ظاهرة التناص في الشوقيات، مهند عباس حسين( رسالة ماجستير) مقدمة الى الجامعة العراقية، كلية الآداب، قسم اللغة العربية، آب، 2011م: 53.


مجلة الآداب العدد 122 (أيلول) 2017 م / 1438 هجرية

https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=133280



#عبد_الستار_نورعلي (هاشتاغ)       Abdulsattar_Noorali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صمت للشاعر السويدي توماس ترانسترومر
- حرب المسافات
- عندما يُحبُّ الشاعرُ...
- الشاعر المستهام
- ماذا فعلتِ بشاعرٍ يهواكِ؟
- مسرحية (جلجامش) للشاعر السويدي أبه لينده
- شعراء سويديون - دراسات ونصوص
- ديوان ثلاث روايات
- سعدي عبد الكريم و-الملائكة تهبط في بغداد-
- لا أنام...
- الخارطة...
- خَبوْنا، أيُّها النائي...
- ديوان (ثلاث روايات)
- ديوان (مزامير آل الملا نزار)
- (موتُ رفيقةٍ) للشاعر السويدي أبَهْ ليندَهْ
- الشاعر أ. د. عادل الحنظل بين الغربة والجراح
- شذرات من الأرشيف 1
- قلْ لِمَنْ يبكي...
- السيفُ أصدقُ أنباءً
- الوَردُ يسحرُ مثلَهُ الوَردا


المزيد.....




- “عيد الرّعاة” بجبل سمامة: الثقافة آليّة فعّالة في مواجهة الإ ...
- مراكش.. المدينة الحمراء تجمع شعراء العالم وتعبر بهم إلى عالم ...
- حرمان مغني الراب الإيراني المحكوم عليه بالإعدام من الهاتف
- فيلم -العار- يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي ...
- محكمة استئناف تؤيد أمرا للكشف عن نفقات مشاهدة الأفلام وتناول ...
- مصر.. الفنانة دينا الشربيني تحسم الجدل حول ارتباطها بالإعلام ...
- -مرّوكِية حارة-لهشام العسري في القاعات السينمائية المغربية ب ...
- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - التناص ووظائف العنوان في قصائد عبد الستار نورعلي (كتاب)