أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي فضيل العربي - ترحيل تمثال الحريّة إلى غزّة















المزيد.....

ترحيل تمثال الحريّة إلى غزّة


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7913 - 2024 / 3 / 11 - 22:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تمثال الحريّة - الموجود في جزيرة الحريّة بمدخل ميناء مدينة نيويورك ( يورك الجديدة ) - الذي صمّمه المهندس الفرنسي فريدريك بارتولدي ، عمل فنّي قدّمه الشعب الفرنسي هديّة إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة يوم 28 أكتوبر / تشرين الأول عام 1886 م كتذكار لتوثيق الصداقة بين البلدين بمناسبة الذكرى المئويّة للثورة الأمريكيّة ( 1775 – 1783 ) . و الغريب في الأمر ، أنّ هذا التمثال الفرنسي المولد و الأمريكي المنشأ ، الذي رُحّل و شُحن عبر سفينة إلى مدينة نيويوك يوم 17 يونيو / حزيران عام 1885 م ، و افتتحه الرئيس الأمريكي غروفر كليفلاند يوم 28 أكتوبر / تشرين الأول 1886 م ، قد عبّر من خلال ملامحه الخارجيّة عن التحرّر من العبوديّة و القهر و استبداد الحكّام . كما جسّد سيّدة بالروب الروماني الأخضر ، و هي تمسك شعلة الحريّة بيدها اليمنى ، و كتابا بيدها اليسرى نُقش عليه بأحرف لاتينية ( رابع يوليو 1776 م ) تاريخ إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكيّة ، بينما تضع على رأسها تاجا يرمز إلى البحار السبعة أو القارات السبع في العالم . و قد نصبت دول غربية على منواله تماثيل للحريّة من نسل التمثال الأم في نيويورك ، من بينها : فرنسا و ألمانيا و إيطاليا و النمسا و اليابان و غيرها . ألا ما أغرب فلسفة الغرب ، و ما أغبى ساسته و عساكره . لقد صدق قاشد ملحمة ديان بيان فو، الجنرال الفيتناميي جياب ، حين وصف الاستعمار ( الاستدمار ) بأنّه ( تلميذ غبيّ ) . هل كان المهندس الفرنسي فريدريك بارتولدي الذي صمّم تمثال الحريّة ، يدرك أنّ عمله الفنّي – الذي رمز به إلى ( الحريّة تضيء العالم ) – سيفقد معناه بمرور الزمن ، في بلد تمارس الظلم و الاضطهاد و تفرض سياستها بقوّة الحديد و النار على الشعوب المستضعفة ، و تعطّل بحق ( الفيتو ) قرارات مجلس الأمن لوقف الإبادة الجماعيّة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزّة أمام أعين العالم ، و تسفّه أحكام محكمة العدل الدوليّة ، التي أدانت تلك الجرائم البشعة في قطاعي غزّة و الضفة الغربيّة ؟ هل كان السيّد المهندس الفرنسي ، على علم بأنّ نصب تمثاله كان في المكان الخطأ كما كان في الزمان الخطأ ؟ ماذا سيكون موقفه و ردّ فعله و هو يشاهد تحفته الفنيّة في قبضة دولة مارقة ، بينها و بين الحريّة بضع سنين ضوئيّة ؟ إنّ الحريّة لا تُخلّد في ألفاظ بديعة و عبارات رومانسيّة و تماثيل من رخام أو مرمر أو فضّة أو ذهب ، تُوهَب لشعب دون آخر أو أمّة دون أمّة أخرى ، بل هي حقّ فطريّ و إنسانيّ . متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) .
لقد أهدت فرنسا الاستعماريّة تمثال الحريّة في الوقت الذي كانت فيه قواتها المتوحّشة تبيد الشعب الجزائري في عقر داره ، و ترتكب أبشع الجرائم في الجزائر ، و تدكّ مدافعها مئات القرى الآهلة بالسكان ، و لم ينج من وحشيتها الحيوان و الشجرو الحجر . أجل ، لقد كانت فرنسا الاستعماريّة تعلم أنّ ( الولايات المتحدة الأمريكيّة ) ، قامت على دماء الهنود الحمر و العبوديّة و التمييز العنصري ضد الأفارقة المهجّرين في سفن العبيد عنوة و قهرا .
و ها هو التاريخ الدموي الأمريكي و الفرنسي و النازي و الفاشستي يتجدّد – اليوم - في فلسطين ، و يتّبع الأخلاف دروب الأسلاف . و تنفّذ الصهيونية العالميّة ما جاء في بروتوكولاتها المجنونة ، القائمة على العنف و الإرهاب و المكر و الحرب ، الهادفة لغزو العالم و القضاء على النصرانيّة و الإسلام و كلّ القيّم الإنسانيّة .متى يستيقظ العالم و يدرك أنّ الفلسفة الصهيونيّة خطر داهم ، ما بعد خطر ، على اليهود و النصارى و المسلمين .
كنت ، فيما مضى ، أعتقد ، إلى حدّ اليقين ، بأنّ المدنيّة الغربيّة ستنقذ البشريّة و تحميها من الكوارث و الجوائح المدمّرة و الحروب الفتّاكة و النزاعات الرعناء ، في ظلّ الفتوحات العلميّة الباهرة ، و التطوّر التكنولوجي العارم . لكنّ ظنّي خاب ، و سقطت أمنياتي في وحل الواقع المرّ . و كنت أظنّ ، أن مأساة البشريّة في القرون المنصرمة ، بل و منذ فجر التاريخ ، سببها المباشر غلبة الجهل على العلم ، غير أنّ مأساة غزّة أبانت لنا عن حقيقة ، كنّا من قبل نشكّ في مصداقيتها ، ألا و هي أن العلم وحده ، و دون القيّم الأخلاقيّة ، لا يمكن أن يحلّ الأزمات و يحقّق الأمن و الرفاهيّة للإنسان المعاصر . لقد أباد الغرب المتصهين عشرات الآلاف من الفلسطينيين ، مستخدما أبشع الوسائل الحريّة التي توصّلت إليها مخابره العلميّة المتطوّرة . و ها هو الغرب ينفق على البحوث العلميّة المميتة أضعاف ما ينفقه على المشاريع السلميّة . إنّ ما ألقته الولايات المتحدة الأمريكيّة و و ما ألقاه الكيان الصهيوني المصطنع من قنابل مدمّرة على أهل غزّة ،
و كان أملي ، و نحن في القرن الواحد و العشرين ، و قد بلغ الإنسان المعاصر سنّ الرشد القانوني ، و استطاع أن يُوجِد لنفسه منابر سياسيّة راشدة ، و يؤسّس مجالس أمميّة لفضّ النزاعات بين الدوّل و الأمم ، و يطوي الصحائف السود من تاريخ البشريّة إلى الأبد ، و يعيش هذا الإنسان المعاصر في كنف السلم و التعاون و التكافل و حماية الضعفاء من غطرسة الأقوياء و حماقاتهم . لكنّ ، شتّان بين الآمال المعسولة و سواد الواقع الذي نعيشه ، و الذي فرضته أمم رفعت شعارات ، الحريّة و الأخوّة و المساواة ، ادّعت أنّها حارسة حقوق الإنسان و الحيوان .
ما يجري في غزّة ، من إبادة جماعيّة ممنهجة و مقصودة عن سبق إصرار و ترصّد ، تعجز الألسنة الحرّة عن توصيفه و تصنيفه و تبريره . جرائم هوجاء ، بشعة ، برعاية الولايات المتحدة الأمريكيّة و بطانتها من العجم المتصهينين و ثلّة من الأعراب المطبّعين . لقد جمعوا لأهل غزّة الأبرياء ، المسالمين ، من النساء و الأطفال و الصبيان الخدّج و المرضى ، كلّ وسائل القتل و الإبادة ، و أوقدوا لهم محرقة صهيونيّة ، نازيّة ، فاقت محارق التاريخ كلّها . يبدو أنّ الصهاينة هم خير خلف للنازيين . هم تلاميذتهم المجدّون ، منهم تعلّموا فنون حرق الأبرياء وإبادتهم بشتى الوسائل الجهنّميّة ، البربريّة .
كلّما أطلقت العنان للبصر ناحيّة الغرب ، و عبرت نظراتي أهوال المحيط الأطلنطي ، و أبصرت تمثال الحريّة هناك ، منتصب القامة ، مرفوع الهامة ، يده ممدودة بشعلة الحريّة ، انتابني إحساس بالأسى ، و غمرني شعور مرارتها علقم ، و رددت في همس ممزوج بطعم المرارة : أليس من الغباء و القرف و النفاق و العبثيّة و السخريّة و الخديعة ، أن يكون موضع هذا التمثال البريء هنا ؟
من العار و الشنار أن يُنصب تمثال الحريّة على أرض مغتصبة بقوّة الحديد و النار، أرض ارتوت بدماء أهلها و أبنائها الحقيقيين . أولئك الهنود الحمر ، الذين نُفّذت فيهم أبشع إبادة جماعيّة عبر التاريخ المنصرم و الحقب المظلمة . من الزور و المخادعة أن تدّعي الولايات المتحدة الأمريكيّة بأنّها حارسة الحريّة و حقوق الإنسان ، و يمنحها العالم المخدوع شرف احتضان تمثال الحريّة و مقرّات المجالس الأمميّة ، كمجلس الأمن ، الذي لم يعد راعيا للأمن العالمي ، بقدر رعايته لمنطق الظلم و الحرب و الدمار .
أليس من أولى الأولويات أن يرّحل تمثال الحريّة من المكان الخطأ ، إلى المكان المناسب . و لا أرى ، اليوم ، مكانا أفضل له من غزّة الأبيّة . إنّ غزّة – التي تجري هذه الأيام دماء أبنائها و دموعهم أنهارا – تستحقّ احتضان تمثال للحريّة الحمراء ، تشعّ منه أنوار الصبر السلام . تمثال يذكّر الأجيال القادمة بهمجيّة الصهاينة العنصريين ، الدمويين ، الذين داسوا على كلّ القيّم الإنسانيّة و الدينيّة و الشرائع السماويّة التي بشّر بها أنبياء الله و سله ؛ إبراهيم و موسى و عيسى و محمد عليهم الصلاة و السلام أجمعين .
إنّ بقاءه في الولايات المتحدة الأمريكيّة عار ما بعده عار . فلو نطق ، و استُمِع لرأيه ، لرحّل اليوم قبل الغد . إنّه يشعر بأنّه سجين و أسير و غريب الوجه و اليد و اللسان . إنّه يقول : إنّ وجودي هنا غربة أبشع من غربة المسيح بين اليهود .
ما معنى أن يُنصّب تمثال الحريّة في بلد يعادي حريّة الشعوب ، جهارا ، نهارا ، سرّا و علنا ، و يدعم الاحتلال الصهيوني لفلسطين ، و يتاجر ، سياسيا و اقتصاديا ، بالقيّم الإنسانيّة ؟ أليس من المفارقات العجيبة أن تحتضن الولايات المتحدة الأمريكيّة مجلس الأمن ، و تُمنح حقّ النقض ( الفيتو ) إلى جانب الدول الأربعة الأخرى ، و هي التي أبادت شعوبا و قبائل و دمّرت مدنا و قرى عن بكرة أبيها ؛ في اليابان و فيتنام و أفغانستان و العراق ، و هاهي اليوم تبيد غزّة العزّة ؟ فعلا ، إنّها لمفارقة عجيبة ، أن يُلبس المجرم جبّة القاضي ، و يُنتظر منه تحقيق العدل بين الجاني و المجني عليه .
لقد آن الأوان أن ينتفض العالم الحرّ انتفاضة عنقائيّة ، قبل أن يدمّر المجانين كوكب الأرض ، و يبيدوا البشريّة ، و ينقذ تمثال الحريّة من أسره ، و ينصف المؤمنين بالحريّة قولا و فعلا . و ينهي مسرحيّة الزيف و النفاق و الكيل بمكيالين و يسمّي الأشياء بأسمائها الحقيقيّة ، و يضع الأمور في نصابها ، فمن الحكمة وضع الأشياء في مواضعها . إنّ أحرار العالم ينتظرون – بشغف - ترحيل تمثال الحريّة من خليج نيويورك إلى مدينة غزّة ، لتفنيد الأكذوبة الأمريكيّة حول الحريّة .



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدليّة الثقافة و السياسة في المجتمع الشرقي المعاصر . قراءة ...
- المقامة الغزّاوية ( 2 )
- المقامة الغزّاوية ( 1 )
- أمريكا و أخواتها والمسلمون و مأساة غزة
- مكانة المرأة الريفيّة و دورها في ثورة التحرير الجزائريّة
- تحية إلى أبناء نيلسون مانديلا
- انقلاب النيجر : إصرار في نيامي و هلع في باريس .
- إفريقيا للأفارقة
- ما زلت تلميذا
- سلام على هيروشيما و نكازاكي
- مليونا ين يابانيّ من أجل التحوّل إلى كلب
- أقدام على منصّات التتويج
- المنظور الصوفي في رواية بياض اليقين . قراءة نقديّة في رواية ...
- جناية الصوفيّة على الحضارة الإسلاميّة
- يُخرّبون بيوتهم بأيديهم
- سيميائية العلاقة بين الرجل و المرأة في رواية غابات الإسمنت * ...
- قراءة سيميائية و تفكيكيّة لرواية غابات الإسمنت . لذكرى لعيبي ...
- صورة المرأة المنتميّة في المجموعة القصصية ( إيلا ) * للقاصة ...
- تحرير الحريّة
- تأمّلات في التقشف و الزهد


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية ترفض دعوى نيكاراغوا لاتخاذ تدابير ضد تصد ...
- نتنياهو لعائلات الرهائن: قواتنا ستدخل رفح بـ-صفقة أو دونها- ...
- -دون إعلان رسمي-.. هل غيّرت قيادة -حماس- مكان إقامتها من قطر ...
- تعليق الشرطة الإسرائيلية على تصفية السائح التركي الذي طعن عن ...
- محامون يوجهون رسالة إلى بايدن لحثه على وقف توريد الأسلحة لإس ...
- -هل تؤمن بالله-.. مشاهد من عملية الطعن في لندن واستبعاد علاق ...
- مدرعة M88A1 الأمريكية ??في معرض غنائم الجيش الروسي في موسكو ...
- كمائن القسام المفخخة تثير إعجاب المغردين
- شاهد.. شرطة لندن تعتقل رجلا نفذ هجوما بسيف
- انتقادات أممية لتوعد جامعة كولومبيا بفصل طلابها المناصرين لف ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي فضيل العربي - ترحيل تمثال الحريّة إلى غزّة