أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة ــ 63 ــ















المزيد.....

هواجس في الثقافة ــ 63 ــ


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 7892 - 2024 / 2 / 19 - 18:13
المحور: الادب والفن
    


في بئر جهنم
قالت امرأة ناجية من الإبادة الذي تعرض لها الأرمن في العام 1915:
أخذونا إلى الشدادة على بعد ستين كيلو متر عن مدينة الحسكة في سوريا، إلى بئر جهنم، جلبونا مشيًا على الأقدام من الأناضول وغرب السلطنة العثمانية.
جهنم هذه، كان لها فتحة بحجم طاولة، ولكنها في الأسفل كانت بحجم غرفة إلى غرفتين. كانوا يمسكون بالنساء كالأكياس، يشعلون النار بأطراف ثيابهن ويرموهن إلى الأسفل.
الكل كان يصرخ، يستغيث. عندما صرت في الداخل، قفزت لأجد نفسي جريحة مرتجفة في إحدى زوايا جهنم.
وغبت عن الوعي.
في اليوم التالي أتى الرجال إلى جهنم، لم يكونوا هذه المرة أتراكاً وإنما من جنس آخر.
هؤلاء الرجال كانوا يبحثون عن الذهب.
لقد رأيت بأم عيني كيف كانوا يتصرفون, لاعتقادهم بأن النساء ربما يكن قد بلعن بعض القروش الذهبية. يبقرون بطونهن.
قذفوني من زاوية إلى أخرى، صرخوا في وجهي، تعري تعري.
توسلت لهم مراراً وتكراراً، بأنني لا أملك شيئا. ولم أكل أو أشرب منذ أيام. دخلت الرحمة إلى قلب أحد الرجال. تدلى أحدهم إلى الأسفل بحبل، ليخرجني من جهنم. في الخارج كانت تنتشر جثث النساء والأطفال المبقورة بطونهم.
وعندما أصبحت بينهم, لهم. أخذوني خفية عن عيون الجندرمة الأتراك.
في المنزل حضنتني أمهم باكية، وقبلتني.
لقد كنت الناجية الوحيدة من جهنم.
في هذا البئر على مسافة من نهر الخابور السوري تم حرق آلاف الضحايا الأحياء، على يد الأتراك الهمج، ولا زالوا كبنية نفسية غزاة همج، في الشكل تحضروا ولكن في المضمون يحتاجون إلى اجيال ليتطهروا من هذا التاريخ القميء لهم.
تم قتل العنصر الأرمني بالكامل، تم تصفية شعب كامل، وانهوا القومية السريانية والأشورية واليونانية في تركيا لمصلحة قومية تركية همجية.
هذه المرأة تحدث عما حدث عندما كانت طفلة، لهذا لا يمكننا أن نرجم سلوك الناس العاديين سواء كانوا عربا او اكراد أو غيرهم، الجريمة سياسية، وتدان سياسيا، وتتحمل الدولة التركية المسؤولية.
قال أحد الشهود المعاصرين عن هذا البئر وهو صديق لي، أديب غزال من سكان الحسكة:
ذهبت الى بئر جهنم كما وصفتها المرأة الأرمنية، بتاريخ 24 نيسان 1983 في ذكرى هذه المناسبة الحزينة لكي اشاهد ذلك البئر، الخفسة، كما يسمونها أهل منطقة الشدادي.
فهي تقع ضمن حقول النفط في الجبسة، وكما وصفتها أخي آرام هي عبارة عن فتحة في أول المغارة، صغيرة عندما تدخل فيها، ثم تصبح أكبر، يمتد قطرها إلى حدود 10 امتار وعمقها حوالي 5 امتار وتمتد الى نهر الخابور على شكل نفق مظلم للغاية، وتنبعث منها رائحة كرائحة المعدن الذي تعرض للرطوبة الطويلة والصدئ، لقد فسرت تلك الرائحة برائحة دماء الأرمن. في هذه اللحظة انتابني نوع من التوحش وعدم السيطرة على نفسي من ذالك المنظر المرعب و المعزول عن العالم، ولا يخلو من الحيوانات المفترسة.
تابعت السير مسافة طويلة داخل ذلك النفق المظلم حتى تعذر علي أن اتابع، لوجود الطين والحجارة وأنعدام الرؤية.

الجندي القاتل سمع كلماتها:
لا زلت ممددة على الأرض تحت رحمة ذراعيك الخشنتين، وسيفك البتار الذي يتحرك بحرية في كل أنحاء جسدي.
لا أعرف إحساس أيها القاتل المأجور في هذه اللحظة, بيد أني أراك متفانياً في قسوتك.
بقرت بطني، أخرجت طفلتي الصغيرة من أحشائي ورميتها على الأرض. رأيتها, كانت حية, نبضها وصراخها في أذني.
في اللحظة التي كنت تهم في غرز نصلك في عنقي, كانت عيني تتوسلك أن تشفق على صغيرتي.
لم يبق في قلبي نبض يخفق أو خوف ينهض من غفوته. تساوت الأشياء لدي في هذه اللحظات.
أعيش الغيبوبة الدائمة التي أرادتها أيها القاتل, أن أنزاح من طريقك لتتابع حياتك الطبيعية برفقة الكثير من زملائك الجند والضباط.
أنت المزهوين بالنياشين والأوسمة النحاسية التي منحتها لكم الحكومة لإخلاصكم لها وتفانيكم في خدمتها.
سمعها تهجس في سرها:
شورابهم السوداء كالليل الفاحم, مشذبة ومتقنة الصنع, تتناسب مع ملامحهم ونظرات عيونهم الذئبية القاسية.
بعد أن خمد صوتي, وسكتت أنفاسي لم يعد لي القدرة على متابعة الحديث معكم.
انتهت مسؤوليتي كامرأة وإنسان وأم بعد أن قتلني ومثل بجسدي.
إنها مسؤوليتكم يا بشر. فأنا إنسانة مثلكم, ولدت لأعيش وأبقى. ليس مهمًا إن كنت امرأة أو رجل. أنا كائن من هذه الأرض التي شكلتني مثلكم عبر مئات آلاف السنين. سيبقى أنيني ووجعي بينكم.
سيبقى وجعي بينكم, على أسرتكم, فوق فراش نومكم, وفي جلساتكم. وغرف احتساء شايكم, وفنجان قهوتكم. وفي عيون ضحكات أولادكم. وفي لحظات خوفكم عليهم.
أنا بينكم, لا أبارح أنفاسكم

الريح ابنة الخلود
أغلب الذين وقفوا في وجه الريح كانوا مبدعين.
والإبداع لا قرار له ولا شاطئ.
إنه سباحة ضد المجهول. والإبداع والمجهول يرقصان في ثنايا الكون.

القراءة لديها القدرة على المراوغة
عندما تحاول قراءة عقل الأخر، فإنك بهذا المراوغة تحاول امتحان قدرات عقلك على معرفة ما يدور في دهاليز نفسك.
من النادر أن ترى إنسانًا ما، لا يريد الذهاب إلى المجهول لمعرفة نفسه، ليدخل في أبجديتها عندما يتأمل الأخر.
الأخر أداة استنباط، كاشف، نوع من اللهفة والفضول للوصول إلى المعرفة، للاكتشاف، لتحقيق المزيد من الثقة بالذات.

أنا موجود كأني غير موجود
أنا أتعامل مع الوجود كأني غير موجود.
الوجود وعدمه يُحدسان ولا يُعرفان

الحزب الشيوعي الصيني انتهى به المطاف أن يصبح مجرد شاهد زور
الحزب الشيوعي الصيني شاهد زور على الفكر الذي يمثله.
هذا الحزب موجود وغير موجود، يتكئ على الصين الرأسمالية الغارقة في جلب الاستثمارات الأوروبية والأمريكية ويعمل دون كلل على تنفيذ شروط الصندوق النقد الدولي والتحولات التي يفرضها قانون السوق الحر الذي لا يرحم الضعيف.
لهذا نقول ونسأل:
ـ ما هو الفكر الذي يحمله الحزب الشيوعي الصيني؟
لا يوجد قيادة في النظام الرأسمالي، كل الدول مجرد صبيان في المكنة ذاتها التي تفرم الأخضر واليابس، وتطرح الجميع على شكل فضلات.
الصراعات التي تتم بين الدول هي صراعات مجانية، شكلانية، من أجل القبض على قيادة النظام، وتحقيق الذات الوطنية التي أصبحت شكلانية من مخلفات الماضي ولا قيمة حقيقية لها.
السلعة التي تشتريها في الصين يمكنك شرائها في الهند والواق واق، في سيريلانكا أو ساحل العاج أو الأرجنتين، المصنع ذاته، والمكنات ذاتهم، كلهم آلات تنتج آلات متشابهة في الكفاءة والقوة، وفي نفس المواصفات الفيزيائية والجمالية والحسابية والتقنية.
الجامعات كلها متشابهة في مجال العلوم التي تقدمها لطلابها، كعلم الاجتماع والاقتصاد والفيزياء والرياضيات والفلسفة والأدب والفن.
وأصبح الشعر والرواية والفن والفكر وأغلب مجالات الثقافة والحروب والممارسة متشابه.
وأضحت الثقافة الوطنية والفولكلور عيبًا وحمولة زائدة، ومات الفلاح القديم والأرض القديمة.
كلنا عراة أمام بعضنا البعض، وكلنا نسير في اتجاه واحد، إلى الأبدية لنصبح طبعة واحدة.

الكوارث هي صوت الطبيعة لإيقاظ المبدع من خموله
إن الكوارث هي الأماكن التي تتيح للفنان والكاتب أن يغوصا في أعماق الحياة، وفي النفس الإنسانية، وأن يدخلا إلى الأماكن السرية والخفية، يأخذا منهما، ثم يغوصا في وديان الجحيم والبحث عن ميثولوجية الخلاص. عند الغوص سنعرف صوت الإنسان الخائف، القلق من الأزمنة القادمة، والحياة القادمة.
إن الكوارث هو صوت الطبيعة القاسي والمرعب الذي يذكرنا بأنفسنا، أننا نعوم فوق أرض المجهول، وأن حياتنا على كف عفريت كما يقال.

الزمن قلق دائم، متمرد على وجوده لأنه راحل
اشعر أن البارحة زمن أخر، أنه بعيد بعيد.
إذا مرت الدقيقة الواحدة، أشعر أننا في زمن جديد، زمن قاتل، قتل الزمن السابق، وأن لا علاقة بينهما، وأننا نسير بسرعة الضوء إلى قدر أخر، حامل معه أشياءه ورغباته
هكذا هي الحياة، ونحن في داخلها كالإله سيزيف:
ما زال مستمرًا في الصعود إلى الجبل أو الجلجلة، محملًا بالصخرة الثقيلة على كتفيه ورأسه، ولا أثر للعودة إلى النقطة القديمة أو البدء.
إنها لعنة الآلهة عليه، عاقبته لأنه ماكر، ومخادع وخالف مشيئتها وقوانينها وإرادتها.
إرادتها هي إرادة الطبيعة

البحث عن المرأة في خلودها
كنت أبحث عن المرأة في الورد والأعشاب والنباتات, أن يبقوا متناغمين في الجسد الإنساني كتناغم الطبيعة مع ذاتها. الألوان شحنات عاطفية يلتصقون بذاكرتي كما يلتصق الأفق بين الأرض والسماء، قلت:
لا تشيخ المرأة في ذاكرة الرجل وعقله ما دائم في قلبه نبض.
ولا يشيخ الرجل في ذاكرة المرأة وعقلها ما دائم في قلبها نبض.
كل خلية في كل واحد منهما، ذاكرة أبدية، ترفعهما، تدفعهما للرقص في محافل الآلهة.
الطبيعة خضراء والنفس خضراء.
الانبياء عاشوا ظروفهم ثم انسحبوا
لو أن الانبياء ولدوا في هذا العصر، ورأوا ما نرى, سيارات فارهة, يخوت في وسط اليم, صبايا وشمبانيا وبحر, شوارع نظيفة وأرصفة وطرق معبدة.
يا هل ترى هل كان سيبقى نبيًا, يركب الحمار ويأكل بيده ويتغوط تحت ظل شجرة في مكان مهجور أم سيركب الروز رايس أو الفولفو أو المرسيدس ويتحمم تحت الدش ويشرب بالكأس من البراد؟
ماذا كان سيختار؟ وهل سيبقى نبيًا أم سيركض وراء شهوات العصر؟
في الحقيقة أنا أنبل من كل هؤلاء الانبياء، السعادين، التافهين.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس في الثقافة مقتطفات 62
- هواجس في الثقافة مقتطفات ــ 61 ــ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 60
- هواجس في الثقاف مقتطفات 59
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 58 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 57
- هواجس في الثقافة مقتطفات 56
- هواجس في الثقافة مقتطفات 55
- هواجس في الثقافة مقتطفات 54
- هواجس في الثقافة مقتطفات 53
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 52 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 51
- هواجس في الثقافية مقتطفات 50
- هواجس في الثقافة مقتطفات 49
- هواجس ثقافية مقتطفات ـ 48 ـ
- هواجس ثقافية مقتطفات 47
- هواجس ثقافية مقتطفات 46
- هواجس في الثقافة مقتطفات 45
- هواجس في الثقافة مقتطفات 44
- هواجس في الثقافة مقتطفات 43


المزيد.....




- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...
- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...
- أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال ...
- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...
- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...
- مصر.. نسرين طافش تصالح بـ-4 ملايين جنيه-
- الفنان عبد الجليل الرازم يسكن القدس وتسكنه
- أسعدى وضحكي أطفالك على القط والفار..تردد قناة توم وجيري 2024 ...
- منصة إلكترونية أردنية لدحض الرواية الإسرائيلية في الغرب.. تع ...
- “نزلها الان” تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 2024 لمشاه ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة ــ 63 ــ