هواجس في الثقافية مقتطفات 50

آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 7881 - 2024 / 2 / 8 - 13:06
المحور: الادب والفن
    

جلجامش
ملحمة جلجامش كانت الحاضنة الثقافية لأغلب آداب وفلسفات وثقافات العالم شرقًا وغربًا.
لقد خلقت هذه الحاضنة البيئة أو البذرة التي مهدت لبروز رائعة هوميروس، الأوديسة والألياذة، وفسحت المجال لبناء واقع ثقافي جديد وأرض فلسفية في أرض الأغريق.
ومن هذه الملحمة أخذ اليهود ثقافة دينهم وساهم عيسى ابن مريم ومحمد ابن عبد الله في نشره وتكريسه كواقع على مدى آلاف السنين.
ما زلنا نتنفس الثقافة السومرية الأكادية إلى يومنا هذا ولم يخرج شعب من شعوب العالم من ثنائية جلجامش انكيدو أو الصراع بين الثقافة والطبيعة.
في داخل الملحمة القصيرة عبر كثيرة وأفكار كثيرة مثيرة جدًا، كقصة الخلق من الطين مجبول بدم الإله، الطوفان، جنة عدن، وجرى تطوير لأفكار الملحمة في بقية الثقافات العالمية.
وفيها صراع المدينة والمدنية ضد الطبيعة، الحياة السياسية والتنظيم ضد الحياة الطبيعية. اتصور أن الملحمة تشير إلى انتقال الإنسان من البدائية الطبيعية إلى الحضارة الحالية.
وفي الملحمة ذاتها انقلاب الأدوار بين جلجامش المدني وانتقاله إلى الطبيعة للبحث عن الخلود، ومحاولة انكيدو ابن الطبيعة الاستقرار في المدينة.
ودائمًا كان انكيدو في المقدمة للتضحية به على مذبح المدينة.
وما زلنا في أدوار البطولة.
بالنسبة لي ملحمة جلجامش إنجاز إنساني رائع، وما زلنا نعيش في حقبة ثقافته.
أما الدين فليس اكثر من خرافة وتخدير للعقول، وتمت سرقة الكثير من نصوص جلجامش ونسبها لنفسه.
لقد تأثر اليهود بثقافة بابل أثناء وجودهم في هذه المدينة العظيمة في فترة نبوخذ نصر.

الإنسانية
الإنسانية لا تتجزأ هذه هي الحقيقة. السياسة، السلطة هما ما لوثا حياتنا.
الزلزال، المصيبة التي حدثت في تركيا وبلدي سوريا في السادس من شباط العام 2023 كشفت لنا جميعًا أننا ضعاف أمام الأزمات الوجودية، كما كشفت أن الناس هم الناس، والحزن كان عامًا، وأغلبنا وقف أمام هذا الحدث عاجزًا إلا بالتضامن والحب والخوف على بعضنا.
لماذا انتظر الناس وقوع مثل هذه الفاجعة حتى يكشفوا عن معادنهم الثمينة، لماذا لا نكون هكذا دائمًا،
نخاف على الأطفال والعجائز والقصر والنساء، ورأينا خوف الجميع على الأطفال الصغار الذين كانوا تحت الأنقاض.
لقد نسي أغلبنا في هذه الاوقات، دين الأخر أو قوميته وانتماءه، وعاش لحظات آسرة إنسانًا بعيدًا عن الانتماء الكانتوني.
اتمنى الشفاء لجميع الناس، والوصول إلى شاطئ الأمان، وأن يتم مساعدة جميع الناس في هذه الأوقات الصعبة وأولهم الأطفال الصغار.

في رواية آخرى، قال جلجامش:
بينما كنت حاملًا فيثارتي على ظهري متجهًا نحو المعبد، لأعزف مقطوعة موسيقية بحضور الملك والفرقة الموسيقية لمدينة أوروك على شاطئ دجلة.
كان الوقت مساءً، والإنارة تلقي بظلالها على جدران المدينة المملوءة بالنقوش والزخارف الجميلة، بأبعادها الفنية.
شاهدت المركبات الجميلة المحملة بالناس من علية القوم، ذات العجلتين التي يجرها الحصان أو الثور تسير في الشوارع والحارات والأسواق، تأخذ الناس إلى شأنهم، وتعيدهم إلى أعمالهم، والذهاب إلى الاحتفال العظيم باليوم العظيم لإله أوروك، إلى مقر الإله أنو إله السماء وكبير آلهة سومر.
في وسط المدينة بالقرب من مقر الملك، رأيت رجلًا ضخمًا، رث الثياب، حافي القدمين، يشحذ المال ليأكل.
اقتربت منه، دققت في ملامحه جيدًا، رأيته خجولًا، أناخ بوجهه بعيدًا، بعد أن عرفني،
قلت له:
ـ أنكيدو، يا سيد البراري والغابات، ويا صديق الطبيعة والوحوش البرية، من فعل بك هذا؟
قال لي:
ـ الزمن يا صديق. الزمن دوار، متقلب، يتقلب مثل دوار الأنهار المتقلبة، رماني في غربته. كنت إنسانًا متصالحًا مع نفسي، سعيدًا. أكل ما تجود به الأرض، وأشرب وأنام على فراش الأرض والسماء إلى أن جئت يا جلجامش ومعك تلك المرأة الجميلة.
ـ أعرف ما حدث لك. كانت القشور والحراشف الغليظة والسميكة تسكن جسدك وعقلك وروحك، وأن تلك المرأة حررتك من قسوتك وغلظة حياتك وحولتك إلى إنسان.
ـ بيد أني كنت سعيدًا بنفسي. صحيح أنني لم أر المرأة سابقًا، ولكن الأمر أختلف الأن بعد أن عرفتها وعاشرتها.
جئت بها أيها النصف إله، الذي كنت أظنه صديقًا. أنت أيها الجلجامش، طلبت من تلك الغانية، مغنية المعبد أن تغيرني، وبعد أن غيرتني تركتني في حرماني.
كانت خدعة تلك اللعبة، جئت بالغانية، عاهرة المعبد، غنت لي الأغاني العذبة، ورقصت أمامي تحت ظلال القمر بصحبة الغانيات الآخريات، بيد أنها وحدها تعرت لي ودخلت معبدي وعورتي وكشفت جمالي، وكشفت ما كان مستورًا. عشت في صحبتها سبعة أيام بلياليها، أشرب العسل وأكل العسل وأنام في العسل. ظننت أن السعادة تكمن هنا فقط، هنا حيث يتساوى الوجود بذات الإنسان وجماله.
أخذتني إلى أوروك بصحبة الناس المرتدية أجود أنواع الثياب، وعلى أجسادهم أجود أنواع العطور، دخلتها كالأبطال أو الفاتحين، ثم تركوني لقدري وذهب كل واحد إلى شانه، حتى هذه المراة، العاهرة القديسة لم تبق. رحلت مع رحيلهم.
جلست وحيدًا في وحدتي، ليس في حوزتي صنعة أو حرفة اقتاد منها طعامي، ولا مالًا لأبني لنفسي بيتًا ويكون لي زوجة وأطفال.
جاؤوا بي إلى أوروك، سرقوني من عذوبة البراري إلى غربة المدينة دون تحضير مسبق. أنا اليوم لا أعرف ماذا أفعل، وبعد أن أبتز جلجامش، أنت يا جلجامش، قوتي تركني لقدري وحيدًا شحادًا أجول في الشوارع ألتقط بقايا الطعام، والقليل من النقود لأشتري لنفسي القليل من الخمر أدفئ فيه ما تبقى من الحرارة في عظامي.
رفع أنكيدو يديه إلى السماء، قال:
أحن إلى البراري يا شمش، إلى حيث الخلاء والنسيم والصمت الجميل. سئمت من هذه الحضارة الثقيلة، من الجدران والحدود والحواجز.
أحن إلى تلك الينابيع العذبة والأنهار الخالدة والأراضي المفروشة بالعشب وشقائق النعمان والنعناع البري.
ثم صرخ أنكيدو تلك الصرخة العظيمة، رأيت جدران أوروك تتشقق وتنشق، وتتفتت، ثم أنهار كل شيء، البيوت والمعابد والسوق، وخرج الرجال والنساء عرايا من عريهم، من الثياب يصرخون ويولولون، ويبكون على أطفالهم وشيوخهم.
بدأ نهر دجلة في الارتفاع إلى أن وصل إلى سبعة أقدام زيادة عن معدله. وتدفق إلى كل مكان مكتسحًا ما تبقى من دمار.
هربت إلى أعلى التلال والماء يركض ورائي إلى أن وصلت إلى مكان آمن، نظرت خلفي إلى الحضارة الممزقة الغارقة في موتها باكيًا، حزينًا، قلت:
هذا حنين أنكيدو إلى أنكيدو الأول، صوته هو الانفجار الأول والأنفلاق الكوني الغاضب الذي أطاح بجلجامش ومن معه.
خُلد أنكيدو، ومات جلجامش. وجاء الماء علي وأخذني إلى جلجامش.

قال المهابيل:
سبب الزلازل والبراكين هي كثرة المعاصي والذنوب، كالتدخين وشرب الشاي والاختلاط بين الجنسين وشرب القهوة والمتة والضحك دون سبب.
ثم أكملوا:
جهزوا أنفسكم، لأن يوم القيامة على الأبواب.
هاهاهاها
خلينا نضحك شوي على هؤلاء المساطيل، وأقولهم اللي بتهز البدن.
أردناأن نضحك، لكننا كدنا ننفجر من الحزن والقهر، ثم اتجهنا نحو الثلوج والمياه الجامدة لنروض أبداننا وشفايفنا ونرطبهما من كثرة الحرارة في برودة السويد، عسى نبعد عن أنفسنا الهم والغم والقرف.

الحنين إلى الجنون
كنت أحن إلى الجنون والخروج من الحياة إلى الحياة، إلى أن قبضت على الكتابة، فهي المدخل إلى الجنون، إلى الحرية من الذات، إلى الانفلات من القيد بقيود الجسد والأرض.
من لا يملك حاسة الجنون هو ميت، من يتمسك بالقيد مكانه في المستنقعات الآسنة، في العبودية أو السجن.
إذا لا نعود إلى أنكيدو الأول، لن نعود إلى الجنون، إلى الحرية.

الحملة السياسية الظالمة على السويد
كتبت قبل شهر هناك حملة سياسية منظمة ضد السويد، وسأعيد الموضوع.
في السياسة تموت الموضوعية، يموت الحق والوضوح.
من قاد هذه الحملة السياسية هو الإسلام السياسي الذي لا يعرف على أي... يجلس.
في الحملة السياسية هناك أهداف وغايات، فرضتها جهات معينة داخلية وخارجية،
لا اعاتب الإسلام السياسي المخرب، الذي خرب سوريا ومصر واليمن والعراق وغيرهم، وما زال معوله يطال جميع الدول العربية والإسلامية بالتواطأ مع دول تدفع له بسخاء.
عتبي على العلمانيين العرب المقيمين في السويد، الذين لم يلتقطوا اللعبة القذرة إلى اليوم ويشاركون هؤلاء المخربين حملتهم.
ما دام هناك قناة الجزيرة موجودة، وتبث سمومها، فهناك مغطس خراء ينتظرنا.
في السويد الطفل مقدس، ممنوع منعًا باتًا ضربه أو اهانته، سواء من المدرسة أو البيت.
يسحب الطفل من والديه عندما تكتشف الدولة أن الوالدين غير مؤهلين لتربية أطفالهم.
أنهم يتابعون حياة الطفل في كل شيء.
وعلى الوالدين ملاحقة موعد طبيب الأسنان بدقة، الطبيب العادي، بشكل دوري عبر موعد مسبق يحدد الطبيب والمدرسة.
إن يرتدي ثياب نظيفة، أن يكون بحالة صحية ونفسية طبيعية.
عندما يكتشفون أن هناك مشكلة لدى الطفل، يتم استدعاء الوالدين مع التنبيه ويستمر هذا الأمر أربعة أشهر مع النصائح.
وعندما يتعذر إيقاف عنف الطفل أو إهماله أو عدم الاهتمام بصحة النفسية والجسدية، يحال الملف الى إلقضاء ليحكم.
طبعًا القاضي ليس مثل قاضي أمن الدول السوري، فايز النوري
اما إذا كان الضرب مبرحًا فهذا لن يتأخروا ساعة عن أخذه.
وإذا أخذوا أحد الأطفال بسبب الضرب، فإن جميع أطفال الاسرة سيأخذونهم، سيعتبرون الأهل غير مؤهلين.
الدولة تطلب منك أن لا تضرب طفلك، لكنك مصمم أن تضربه وتقدم نفسك عنيفًا.
أغلب العائلات الذين سحبت الدولة أطفالهم منهم، مشوهين نفسيا وعقليًا وأخلاقيًا.
خليهم يتعلموا الصبر والانضباط، قبل الأقدام على ضرب الزوجة أو الطفل.
خليه ينسى التعاليم الدينية التي شجعته على الرجولة الفارغة والحماقة، وعلى العنف والهمجية.
ربا ضارة نافعة.
في المدينة كالسويد، المطلوب منك أيها الجاهل قصقصة حراشفك السميكة الملتصقة في عقلك. عليك أن تتهذب.
من النادر أن ترى سويديا يصرخ في الشارع أو يبصق، أو يتصرف اتجاهك بشكل غير لأئق.
إنهم بشر مثلنا، يغلطون ويصيبون، لكن هناك ثقافة تقليل العنف في الحلقات الأضعف في المجتمع، الطفل، الحيوان، المرأة، الشيخ والأشجار.
الفيصل بين الناس هو القانون، فيه عيوب ونواقص، نعم، فيه، لا توجد مثاليات في الحياة.

#آرام_كربيت (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات