أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة مقنطفات 39















المزيد.....

هواجس في الثقافة مقنطفات 39


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 7869 - 2024 / 1 / 27 - 19:17
المحور: الادب والفن
    


أطفال ستينيات القرن العشرين
استملكت دولة البعث الكثير من الأراضي الزراعية الخصبة في محافظة الحسكة وأعطتها لمؤسسة اسمها مزارع الدولة.
تحولت الأرض إلى مزارع جديد، فلاح كبير جدًا اسمه الدولة، برعاية موظفيها الجدد.
هذه الدولة، تفلح الأرض وتبذرها وتزرع الأرض بالقمح وتحصده وتجني القطن. ولهذه الدولة الهجينة, جمعيات تعاونية وإرشاد زراعي وإتحاد للفلاحين ومصرف زراعي.
ومن أملاك تلك الدولة أو مزارع أراضيها، أو مزارع الدولة، كان هناك قصر كبير، تحفة فنية لأحد المزارعين أو ملاك الأراضي, عائلة تتآلف من ستة أخوة وأخت، اسم العائلة اصفر ونجار، وما يحيط به من مساحات شاسعة.
وبما أنني كنت مغرمًا بالسينما قال لي أبي:
ـ هذه الليلة هناك فيلم في القرية القريبة من نبع عين قطينة بالقرب من نبع عين كبريت عن الزراعة والإرشاد الزراعي. هل تأتي معنا؟
لم أكن أحب الزراعة أو الفلاحة أو الحديث عنهما. قلت في نفسي:
ـ أذهب إلى آرام مع والدك. أنت تحب ركوب السيارات والدراجات النارية والعادية. هناك, في القرية ستمارس هوايات كثيرة ربما لا تتوفر في المدينة لقلة ذات اليد. قلت له على الفور:
ـ اتمنى أن تأخذني معك.
في الحقيقة, كنت ألح عليه مرات كثيرة أن يأخذني معه في رحلاته الكثيرة في أراضي الجزيرة السورية. وفي داخلي رغبة كبيرة أن نسافر من مكان لمكان دون توقف.
ركبنا اللاندروفر, المهندسين الزراعيين في الأمام, والمراقبين الزراعيين في الخلف، وأنا إلى جوارهم.
انطلقت السيارة، عبرنا تل حلف الفارغة من الناس تقريبًا في نهاية ستينتات القرن العشرين, كان القصر على يسارنا.
تل حلف، أرض تقع على تلة تاريخية عريقة سكنها الأموريين والآراميين قبل آلاف السنين.
وسرنا بضعة مئات من الأمتار والتففنا إلى اليسار بضعة كيلومترات. لا أذكر اسم القرية التي وصلنا إليها.
ما أن نزلنا, حتى اتجهنا إلى تجمع كبير من الفلاحين. رأيت دراجة عادية دون قفل أو فرامل أو رفاريف. باختصار دراجة عادية بدولابين. مسكتها وركبتها, وقدتها حول القرية مثل الحمام. ثم رميتها جانبًا. رأيت دراجة نارية نوع سمسم زرقاء اللون ركبتها وقدتها مسافة طويلة ثم عدت ادراجي إلى المكان.
وأطفال القرية ينظرون إلي باستغراب دون ان يتكلموا.
الفلاحين الذين تجمعوا جاؤوا من عدة قرى ليسمعوا المحاضرة عن الزراعة.
احضرت الدولة سيارة, بيك ـ آب خضراء وبيضاء محملة بجهاز السينما. وجلس الفلاحون البسطاء على الأرض العارية على شكل حلقة دائرية كبيرة. وضعوا سطل كبير من الماء في وسط الحلقة. مضى أحد المهندسين يشرح الدرس, والفلاحين الطلاب يسمعون. كنت جالسًا بجانب أبي بعد أن انتهيت من قيادة الدراجة العادية والنارية، رحت أسمع ما يدور حولي. اصابني الملل والقرف من الحديث عن الزراعة والأسمدة والأدوية واللقاحات التي تعطى للمزروعات. وبقيت منتظرًا بفارغ الصبر مثل غيري لرؤية مشاهد السينما. لم يكن يهمني نوعية الفيلم أو عن ماذا يتكلم. اهتمامي كان منصبًا على رؤية افلام السينما، لأن التلفزيون لم يكن قد وصل بثه لمحافظنما النائية. قلت لوالدي:
ـ أنا عطشان جدًا. أريد أن أشرب. قال لي:
ـ هناك الماء. وأشار إليه، إلى سطل مملوء بالماء.
وقفت, ثم تجهت إلى الماء. ما أن ارتويت حتى سمعت أحدهم يقول لي:
ـ ابن أخوي. اسقنِ كأسًا من فضلك.
ملأت الكأس وذهبت صوب المتكلم وقدمته له. ثم جهزت نفسي لأعود ادراجي إلى مكاني. سمعت صوتًا أخر, يقول:
ـ ابن أخوي. اسقن كأسًا من فضلك.
ملئت الكأس وذهبت صوب المتكلم وقدمته له.
وهكذا. ما أن انتهي من أحدهم حتى اسمع غيره يطلب مني الماء. تركت المكان ولم أبال بأصوات الناس الذين يطالبون الماء. واتجهت ناحية والدي لاجلس. زجرني والدي, قال:
ـ عيب أن تفعل هكذا. الناس عطشانة. من المعيب أن تتركهم وتأتي لتجلس. قلت له:
ـ جميع الجالسين يريدون يريدون شرب الماء. هل ابقى طوال الوقت واقفًا أقدم الماء؟ قال:
ـ يقول المثل:
صغير القوم خادمهم. ليس عيبًا أن تخدم الأخوة. عد من حيث أتيت.
رحت اسقي كل من طلب مني أن اسقيه إلى ان فرغ الجرن الكبير. واستعانوا بغيره. واكملت مهمتي إلى النهاية.
حضرنا فيلمًا عن القطن, كيف يقطف ويوضع في الشاحنات. عن الجمعيات التعاونية في الاتحاد السوفييتي. عن البروبغندا الفارغة والنجاحات الخلبية. من اللقطات الأولى أصابني الملل. بصعوبة اشتغلت آلة السينما الموضوعة داخل السيارة من الخلف, صور دون صوت. مجرد صور, والمهندس بالقرب من الجدار بيده عصا يشرح الخطوات التي يسقط عليها الفيلم. قلت في نفسي:
ـ أنه فيلم سخيف. لم استفد من مجيئي إلى هنا أي شيء باستثناء أنني ركبت الدراجات. ومن وقتها كرهت السيارات الحاملة الآلات، التي لم أرغب ان أحضرها منذ ذلك اليوم.
في خريف ذلك العام قال لنا مدير مدرسة الشهداء للأرمن الارتذوكس في رأس العين شدهان عطفة:
ـ بعد قليل ستأتي شاحنة وتقف بالقرب من باب المدرسة. على الجميع أن يستعدوا للذهاب إلى الريف من أجل قطاف القطن.
كنت في الصف الخامس الأبتدائي.
جاءت الشاحنة وصعدنا إلى مؤخرتها. طلاب الصف الرابع والخامس والسادس. مثل الصيصان الصغيرة بقينا معلقين باوتادها بانتظار السفر إلى المكان المطلوب. لم نكن نعرف أي شيء عن القطن والقطاف والأرض. كنا طلابًا في المدرسة. ومن عادة الكثير أن لا يفطر عندما يخرج من البيت. كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحًا. بقينا مدة ساعة في صندوقها الخلفي, يقررون بالنيابة عنا ماذا سيفعلون. ولا نعرف ماذا يحدث. سارت الشاحنة عبر الشارع, تجاوزنا مدرسة السريان, الفرن, مقهى أبو كوكو, انحدرت الشاحنة عبر نزلة قوية, ونحن نتمايل مع حركة وإيقاع الشاحنة. لاح لنا الملعب البلدي العاري تمامًا من العشب والمقاعد. باستثناء العوارض المعدنية كالمشانق.
التففنا إلى اليسار, سرنا بشارع مدير المنطقة, ثم مصلحة الزراعة والإصلاح الزراعي. رأيت والدي يغسل سيارته, اللاندروفر, كالعادة. اقتربنا من ثانوية ابن خلدون. توقفنا للحظات. وقف طلاب المرحلة الاعدادية والثانوية ينظرون إلينا باستغراب. سألوننا:
ـ إلى أين أنتم ذاهبون؟ لماذا أنتم في الشاحنة.
ـ لا نعرف. يقولون, علينا ان نذهب إلى حقول القطن ونقطفه.
ـ أنتم صغار السن, لا تعرفون كيف تقطفونه. يا للجنون.
سرنا باتجاه طريق قرية السفح ـ مدينة الحسكة بضعة كيلومترات على الطريق الريفي من الدرجة الخامسة, مالت الشاحنة باتجاه اليمين. وسارت عبر طريق ترابي. الشاحنة تتمايل, ونحن نتمايل مع تمايلها. لا أعرف اسم المكان. بيد أننا قطعنا مسافة طويلة عبر الأراضي الزراعية. عندما وصلنا رأينا مدير مزارعة الدولة حسن نحاس ينتظرنا.
نزلنا من السيارة متعبين, منهكين من الهز, بصدرياتنا المدرسية. وقفوننا صفاً واحدًا. قالوا لنا:
ـ لا يوجد عمال في المنطقة القريبة والمجاورة لحقول القطن لهذا استعنا بكم. نأمل أن تساعدوننا في قطافه, قلت لهم:
ـ نحن جياع, لم نفطر إلى الأن. الساعة قاربت أن تصل إلى الحادية عشرة ظهرًا. رد حسن نحاس:
ـ ستذهب السيارة بعد قليل إلى مدينة رأس العين وتشتري لكم خبزًا ومعلبات, ساردين وتون ومرتديلا ولحم معلب. المهم يا شباب نريد همتكم. ان تعملوا بهمة ونشاط وبعد ساعة ستأكلون اطيب أنواع الطعام.
وضعونا بجانب بعضنا البعض على انساق, أن يستلم كل واحد خط وينظف جوزات القطن الأبيض بالكامل. أن يضعه في كيس معلق برقبته. وعندما يمتلئ الكيس ننقله ونضعه في كيس كبير. هناك, يقف رجل قصير القامة بالقرب منه اسمه كلش. يبدو أنه يزيدي. له شوارب عريضة وكبيرة. لكنه بمنتهى اللطف واللباقة بيد أنه لا يعرف العربية بشكل جيد. وطلبوا منا أن نبعد الأوراق العالقة بالجوزات. وأن لا نخلطهم مع عرائس القطن المجني.
الشمس ساطعة كما هو معروف في فصل الخريف. والهواء لطيف والطبيعة الجميلة, تنعش الروح والجسد. احسست بجمال الحياة والحرية بوجود الناس ووجوههم اللطيفة. وجوه الموظفين ضاحكة, يهرعون لخدمتنا. وعند حلول الساعة الواحدة جاء البيك ـ آب شيفروليه بالطعام. كنا في منتهى الجوع والعطش.
طلاب مدرستنا على طرف, والمدارس الأخرى في الجهة القريبة منا. كنّا نسمع أصوات الأطفال القريبين من أعمارنا يغنون بصوت عذب. غنوا الكثير من المواويل والعتابا والميجنا. بينما كنا نقطف بصمت, دون غناء. لغتنا أرمنية في المدرسة, ولا يمكن لنا أن نغني مثلهم. بهذه الرقة والقدرة.
بقينا على هذا المنوال أكثر من ثلاثة أسابيع. نخرج صباحا ونعود ليلا. وعندما حان وقت الرحيل النهائي لهذا العام جمعونا, جميع المدارس. لعبنا معًا. ثم جلسنا على الأرض. غنوا لناظم الغزالي وصباح فخري, وأغاني بدوية. أحسست تلك اللحظات بالغربة, بأننا معزولين. بأن المدرسة الخاصة, النوع الواحد قاتل لحيوية الإنسان وروحه. لم نكن نعرف الغناء العربي, اشبه بالخرس. نتفرج على المدارس الحكومية المختلطة. صحيح أن ثيابنا أميز, وشكلنا أقرب للنعومة بيد أن الطرف الأخر يتمتع بالحيوية والنشاط والانفتاح والحرية.
كان هناك طفل يغني كالعندليب. وقفت أنظر إليه مسحورًا خجلًا من نفسي لأنني لا أعرف الغناء مثله. كنّا نصفق لهم وبقية التلاميذ يصفقون معنا، وبقينا نقلدهم فرحين، بيد أننا اكتشفنا أنفسنا أننا أقل منهم حيوية وحركة.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 38 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 37
- هواجس في الثقافة مقتطفات 36
- هواجس في الثقافة مقتطفات 35
- هواجس في الثقافة مقتطفات 34
- هواجس في الثقافة مقتطفات 33
- هواجس في الثقافة مقتطفات ــ 32 ــ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 31
- هواجس في الثقافة مقتطفات ــ 30 ــ
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 29 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 28
- هواحس في الثقافة مقتطفات ــ 27 ــ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 26
- هواجس ثقافية مقتطفات ــ 25 ــ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 24
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 23 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 22
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 21 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 20
- هواجس في الثقافة مقتطفات 19


المزيد.....




- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- ليبيا.. إطلاق فعاليات بنغازي -عاصمة الثقافة الإسلامية- عام 2 ...
- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة مقنطفات 39