آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 7858 - 2024 / 1 / 16 - 07:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الوتر الراحل
إن النغم الخارج من الوتر لا يهمه إلى أين يرحل أو مكان انتهاء الرحيل.
لا تخلط
لا تخلط بين السياسة والقضايا الإنسانية، كل واحد له ميدان والربط بينهما خطأ، سواء عن وعي أو غباء.
عندما تقدم نفسك سياسيًا، سواء كان حزبًا أو أفراد، عليك أن تطرح فكرك بشكل واضح لا لبس فيه.
سأعطي مثلًا، هؤلاء الذين يجبرون المرأة على ارتداء الحجاب كرمز سياسي، ويقدمون الأمر على أنه يمس العقيدة، هذا الخلط بين المعتقد والسياسة فعل مبتذل ورخيص، فيه ضرر شديد للمعتقد وضرر شديد للسياسة، انه الاختباء وراء المعتقد لتسويق السياسي، هذا من أحط الأعمال التي يقوم بها السياسيون.
وبعد أن يخلطون بين الاثنين، المعتقد والسياسة، تراهم يبكون ويندبون، وأنهم مظلومين ومساكين، وبعد هذا الابتذال، يقرعون الكؤوس في السر لأنهم سخروا منّا ومن عقولنا، وعقول متابعيهم وانصارهم.
تحت هذه الراية تسلل الأخوان إلى كل المنصات العالمية، وما زالوا، وأنهم أصحاب قيم ومبادئ وأخلاق حميدة، وأن المشكلة في الأخر الذي يضطهدهم ويسرق حريتهم.
مع الأسف الشديد أن جمهور الأخوان، أغلبه من الجهلاء، يعتقدون أنهم يدافعون عن المعتقد، لا يعرفون ان ما يفعلونه هو دفاع عن السياسة، بأكثر أشكالها ابتذالًا.
هذا النص ينطبق على الكثير من القوميات، التي تطرح مشاريع سياسية في السر، بأسلوب مبطن، وفي الظاهر المسكنة والمظلومية والاضطهاد.
هذا الاستنساخ المرضي أصبح مقرفًا تافهًا، ومكررًا ومتعبًا نفسيًا لمن يزاوله ولمن يتابعه، ويتركنا في حيرة من أمرنا.
هل ينجح هؤلاء في بناء فكر او نظام سياسي منفتح على المجتمع، بالتأكيد لا، فما بني على خلل في البناء، سيثمر الخراب.
والعيب في الاساسات.
مجتمعنا
لقد تعاملنا مع مجتمعنا على أنه مسكين، ضال، لا يقوى على هضم الواقع ومقاومته أو محاولة تغييره.
هذا استعلاء وفوقية وابتذال. لقد مارسنا عليه وصايا من خارجه، على أننا أنبياء أو رسل لتخليصه من واقعه المؤلم.
وقلنا لأنفسنا، لقد تم تضليله، وتم تغييبه، فهو مسكين، لا يعرف شيئًا عن واقعه السياسي والاجتماعي.
بالمقابل كان هذا المجتمع ينظر إلينا، كمثقفين، باحتقار وفوقية، بنرجسية منقطع النظير، على أننا فئة اجتماعية انتهازية وصولية تريد الوصول إلى المكانة والسلطة والمناصب العالية من خلاله.
من أكبر الأخطاء الذي وقعنا فيها، أننا فرضنا أنفسنا على المجتمع من خارجه، ومارسنا عليه سادية ومازوخية، وتحملنا الغربة الذاتية وعذاباتها والآمها من أجل مجتمع لا نعرفه ولا نعرف كيف يفكر.
الإنسان العادي في هذا العصر ليس مغيبًا أو جاهلًا، كما نظن، في ظل وسائل الإعلام الكثيرة ووجود الكم الهائل من الكتب والجرائد والمجلات، والكثير من خريجي الجامعات والمدارس العليا.
إنه يعرف ماذا يريد من نفسه وواقعه.
ليس الخوف هو السبب الذي جعله يغيب الشأن العام من حياته وتفكيره، أنما هناك ذاتية عالية، ومصلحته نرجسية، تدفعه أن لا يغامر بحياته من أجل تغيير واقعه.
كان متصالحًا مع الواقع الفاسد، الذي هو جزء من واقع اجتماعي سياسي تاريخي ثقافي ديني في مجتمعاتنا الشرقية.
وعندما استدعى الأمر أن يرمي نفسه في البحر من أجل الوصول إلى أوروبا، من أجل المكاسب والمستقبل الأمن، غامر بحياته وماله وأطفاله وذاته ودينه.
وإذا تطلب الأمر التخلي عن دينه، فلن يتوانئ.
وفي بلاد الغربة لا يزال يمارس الذاتوية ذاتها، من خلال الالتفاف على الواقع واللعب عليه، ومحاولة تطويعه لمصلحته النرجسية المقرفة، والعمل على نشر ذاته المريضه فيه.
المجتمع المتصالح مع الفساد، مكانه مع حافظ الأسد وأبنه بشار، والأيام السابقة أثبتت أن أغلب المثقفين كانوا أكثر فسادًا من المجتمع والسلطة، لما لا، فقد عاش أغلبهم في كنف هذه السلطة، تحت إدعاءات كثيرة، يشربون من ماءها وماخورها وخراءها.
إيفرين يالوم عن نيتشه
عندما بكى نيشته، رواية رائعة، كتبت مقالين عنها، وأحاول كتابة أكثر من منهما.
وهكذا أعمال لا تستطيع السينما تجسيد هكذا رواية وشخصياتها.
جوزيف بريوير، الدكتور الذي كان يعالج نيتشه، من خلال السرد الروائي نكتشف أن بريوير كان بحاجة للعلاج النفسي.
وكان يريد اسقاط تجربته على نيتشه، أن يعالج هذا الأخير، ليمنح نفسه قيمة عظيمة من خارجه، على أنه يعالج واحد عبقري.
نستطيع القول أن النفس الإنسانية مخلخلة ، غير مترابطة، هناك فجوات هائلة فيها، ومهما حاولوا علاجها ستجد هناك فراغات هائلة في تكوين الإنسان.
المنسجم الوحيد مع نفسه هو الحيوان.
ورواية العطر لزوسكيند، تحولت إلى فيلم، كذلك رواية الفراشة لهنري شارير، فشتان بين الرواية والفيلم.
القراءة متعة لهكذا أعمال روائية عظيمة أكثر من السينما.
السينما صورة، والصورة تختلف عن الكلمة في العمق والسطح.
أراد الروائي يالوم رفع مقام نيتشه من أجل تكسيره، بيد أنه رفع مقام جوزيف بريوير.
لا أدري إذا كان يريد رفع شأن اليهود من خلال تكبير صورة الظلم الذي وقع عليهم في القرن التاسع عشر.
طفولتنا
الطفولة التي عشناها كانت جافة ثقافيًا، بل صحراء مشوشة الأبعاد، والأمجاد الخلبية التي تعلمناها لم تصنع منّا سوى شخصيات كركوزية سطحية، شخصيات متعالية في الفراغ، لا تثمر ولا تغني عن جوع.
لقد تركنا كل فلسفات العالم والتصقنا بعقليتنا، بناس عاشوا في زمن غابر.
اليوم نعيش عالم قاس جدًا، هذا التلقين التاريخي الفارغ لم يحمنا من الفقر، بله علمنا الاتكال على الأخرين، إلى أن أصبحنا لاجئين، مساكين، فقراء، شحاذين على أبواب الأمم المتحدة ودول العالم الغني.
ما فائدة التاريخ وأحلامه الذي لم يمدنا بأي فلسفة لمتابعة حياتنا. الفلسفة تبني دوافع، ونحن دون فلسفة واقعية متجذرة بالواقع وقسوته.
التاريخ كان وما زال يسير وفق دوافع، مصلحة.
أسمع إلى أي رجل دين، سترى أنه يتكلم عن الفضائل في الدين، ينسى أن الدين ليس خارج التاريخ، وهذا الأخير، أي التاريخ، صراع لا رحمة فيه، والفضائل هي مجرد أوهام كاذبة. الواقع قاس جدًا، ولا يعالج بالقبل في الهواء الطلق.
لقد عمل الدين على تقديم الناس كقرابين مجانية على مذبح القوة والخضوع لها.
منذ طفولتي وإلى اليوم، كنت ولا زلت أرى العلاقات الإنسانية معقدة، بيد أننا يمكن تسهيلها بالثقافة والوعي والمعرفة.
الإنسان كائن مركب ومعقد التفكير، يتداخل فيه حب السيطرة وحب المال والجنس والحسد والغيرة والكره والحقد والحب والجشع والقتل.
في المحصلة نستطيع القول أن الإنسان كائن وسخ.
مرحلة الشباب
عندما تكون زهرة أو وردة في الربيع الأول، تتمايل الحياة في عينك على الجانبين، ترقص الفراشات حولك وبالقرب من قلبك.
وكل الانظار تتجه نحوك، نحو الصبا والشباب، والجمال المتناثر منك.
هناك من يريد أن يشمك وأخر يضمك، وأخر يلمس خصلات شعرك أو خدودك.
وأنت، أنت المرغوب، الوهج، وكل ما فيك ينضح بالرغبة للذين يتناثرون على جانبيك.
الغرائز المجنونة تدفعهم للاستلقاء على طريقك، طريق رغباتهم المستيقظة للتو، لأن ما فيك يريدون، مفيد، تثير فيهم ما يريدونه.
الفضول ينبع من الشبق، كما الرغبة تنبع من الرغبة، والشبق والرغبة صنوان يكملان بعضهما.
وعدا ذلك لا شيء.
مجرد تكرار في تكرار
أمي ودجلة
ألم نتفق البارحة أن ننطلق إلى نهر دجلة قبل الفجر، قبل أن تشرق الشمس أو تلقي بنفسها في سراج الضوء؟
ـ أنا نعسان يا أمي، خيوط النوم مربوطة بي بعقدة شديدة التماسك، لا يبارحني.
ـ قم. سنسلم على الفجر قبل قطافه، عندما يكون بكرًا، ملفوفًا بالحبال والأحجية والأسرار.
علينا أن نصل إليه قبل أن تمتد إليه يد الإنسان، أي عندما يكون نائمًا، يتنفس الهوينا ضفاف الزمن.
قم يا ولدي، لا تتكاسل. لقد وعدتني البارحة أن تأتي معي.
جلست في فراشي نصف نائم، نصف مستيقظ. فركت عيني بيدي الصغيرة. مددت بصري إلى امتداد المكان، محاولا أن أبدد العتمة السارحة حولي.
شعرت برغبة جارفة أن أعود للنوم وأغيب في دهاليزه العميقة.
عاد صوت أمي يغني فوق رأسي:
ـ ما أجمله الفجر، ما أجمل زفراته، إنه يرسل لنا السكاكر والألعاب والحلويات وباقات من شعر البنات.
ما أن سمعت هذه الكلمات الأخيرة حتى جلست مقرفصاً
ـ ماذا تعنين بشعر البنات؟ من أين سنحصل عليه؟
ـ على ضفاف دجلة وأطرافه يسترخي المزار القديم، وعلى المرتفع القريب منه يوجد كنيسة مهجورة نائمة، تستجدي الناس الذين رحلوا عنها وتركوها للغربان والبوم أن يعودوا.
ـ وماذا أيضًا؟
سنشعل فيها شمعة للذكرى الخالدة وننثر البخور على الجمر المنطفئ. وعندما تتصاعد رائحة الاحتراق سيأتي الباعة، نأخذ منهم هذا الشعر الملون ونعطيهم البيض وخبز التنور.
صرخت بصوت مسموع:
ـ لننطلق قبل أن يهرب النهار من نفسه، ونصل إلى مبتغانا.
ـ هل ستزور الكنيسة؟
ـ لا. ولماذا أزرها. سألعب على ضفاف دجلة وأمتع نظري بماءه وجماله وتنفسه.
ـ آه منك! بالرغم من أنك صغير يا ولدي، بيد أن ملامح الكفر يجري الهوينا في خلاياك.
بعض إفرازات الحضارة الأبوية:
الغش, الخداع, الجشع, الكذب, الحسد, القتل, الغيرة, النميمة, الاستغلال, السيطرة, الهيمنة, العيب, الحلال والحرام, الخوف, القلق, الوسواس بكل أنواع, الشك, الكره, الحيازة, الملكية, الاحتكار, السوق, الربا, البيع والشراء, شهادة الزور, الدين, الايمان.
هناك سلوكيات أسوأ من الشتائم وأقسى من الضرب. يكفي إنه يتصرف معك باستعلاء وفوقية دون أن يوجه لك كلمة نابية أو شتيمة.
يكفي إنه يحقرك بممارساته من بعيد لبعيد. وممكن أن يتكلم معك بمنتهى اللطف واللباقة, لكن كل كلمة من كلماته أقسى من قاموس من الشتائم.
الشتائم مرذولة من الجميع, لكن الكلمات الجميلة المعبأة بالرموز السامة مقبولة اجتماعيا.
النص الديني
قراءة النص الديني مرتبط بالمرحلة السياسية لكل دولة. وشروط وجودها.
لقد افرزت السلط العسكرية دينًا هجينًا, مريضًا, على مقاسها, تكفيري, استبدادي, احتكاري للزمان والمكان والناس, الجنة وجهنم, ورفض مطلق للأخر المختلف.
إن النص الديني مرن, متعدد القراءات, يتكيف مع الظرف السياسي والاجتماعي. لهذا فأن مسيحية السلطة في القرون الوسطى مختلف جدًا عما هو عليه الأن. وإسلام الفترة السابقة على الانقلابات العسكرية مختلف جدًا عما هو عليه الأن.
لتكف السلط عن تشجيع رجال دينها على بث الكراهية والحقد والعنصرية, وقتها سيعود إلى مكانته الطبيعية بعيدًا عن تدخلها القذر.
لا يوجد دين حاقد خارج كينونة السلطة والسياسة.
في النظام الأبوي, الحقد والكراهية صناعة, تسهر السلط عليهما, منذ مجيئها إلى الواقع وإلى الأن.
الجذر الطائفي
في أعماق كل واحد منا جذر طائفي، لأن سيكولوجيتنا بنيت على هذا الاساس منذ الخطوات الأولى لنا في الحياة. نحتاج إلى أن نفكك هذا الفكر المريض القابع في عقولنا.
العراق عم يتمزق طائفيًا وسوريا واليمن ولبنان سابقا وليبيا على هذه الاساس، وتريدنا نسكت دون تعرية الطائفية والعشائرية والمذهبية؟ متى يمكننا أن نعري هذا المرض ونعرضه للجميع؟ وهل هذا النص الذي تريد أن لا نعلن الخراب الذي فتك بنا ودمر بلادنا؟ هل نسكت على تأجيج الطائفية والحقد الطائفي الذي يمارس على أرض الواقع الأن؟ متى وقته يا صديقي؟ بلادنا مرتع وأرض رخو للانبعاث الطائفي ويجب أن نكشفه وندين أنفسنا حتى لا تقع فيه الأجيال القادمة.
من فضائل الأدب وفوائده، أن النص، يدخل الممرات الصعبة، يعري ويتعرى، يكشف وينكشف على المجهول، والنائم تحت الركام. يدخل تلك العتمة، الأماكن الأكثر قسوة في حياة الإنسان، والطبيعة، وبقية الكائنات. في داخله، داخل النص، مخزون هائل، ومتراكم من الألم الإنساني، وجعه، حاجاته الوجدانية والعاطفية، كتلة القيم والمعارف والمواقف.
وهو ميدان ثقافي مستقل بذاته، ومرتبط بالقارئ، في هذه اللعبة المقدسة، حالة متأثرة ومؤثرة في الأن ذاته. إن المقدار الذي يبقي النص الروائي في حالة انتشار مفتوح، هو مقدار تعدد أوجه حضوره في المجاز الذي يمنحه حيوات متنوعة، مؤتلفة، ومختلفة، تحتمل المسألة القرائية متعددة الوجوه والتوجهات.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
