أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 9 ـ















المزيد.....

هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 9 ـ


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 7851 - 2024 / 1 / 9 - 02:47
المحور: الادب والفن
    


قرية تل كيفجي
ركبت حمارًا كان واقفًا برفقة بقية الأطفال. وعدنا معًا. نضحك ونركض. كانوا يتقنون اللغة الكردية، يتحدثون بها، بيد أني لم أكن أفهم عليهم.
ففي مدينة الحسكة في تلك الفترة كانت اللغة العربية هي السائدة. ونتحدث الأرمنية مع بعضنا أنا وأخواتي, وفي المدرسة مع بقية التلاميذ. أما في الشارع فكان هناك لغات أخرى لم أكن أفهمها أو لا أعرف التحدث بها كالأشورية والسريانية.
ولم أكن أحب اللغات منذ كنت طفلًا.
أمواج من الصور تأتي إلى ذاكرتي, تلعب بحواسي. صور وراء صور, كبيرة وصغيرة لا تنفك تستيقظ من غفوتها, بيد أنها تبقى مستقرة في جوف ذاكرتي. هناك طفل لا يكبر, يحبي في داخلي, يلعب بي. لا يتركني ارتاح للحظات. له حياته, ألعابه, عالمه, فرحه وجنونه. هوسه في اكتشاف الأماكن والأشكال والألوان والأبعاد حسب تصوراته ومعرفته.
كان في الرابعة من العمر. أذكر وشوشاته ينقر ذرات كياني وعقلي. نهر الخابور, الإله, يمر على سرير قرية تل كيفجي كامرأة حسناء جميلة. خصرها الأملس يتمايل، تمشي بكامل زينتها وهياجها ووهجها. إنه وجود ما بعد وجود. هناك, على الطرف الأيسر يستيقظ فحل, وحش جارف ينتظرها على الطرف الآخر, محركات الكاتربيلار, التي لا ترحم الأرض والماء والطبيعة. كل عنفة, قضيب, فحل, بقطر خمسين سنتمتر وطوله مئات الأمتار يستجر ابن الخابور ورحمه.
وقفت بجانب أختّي أنجيل ولوسين, معي لوح صابون غار يرقص بين أصابع يدي الصغيرتين. كنت أحاول أن امرر ذلك الصابون اللعين الذي ينزلق من يدي. وافقًا بجانب بيارة لمنع الأعشاب من الدخول إلى جوف العنفات. هناك شبك معدني مسنود بألواح خشبية طولانية يمرر المكان ويحافظ على قوة وسطوة نقاء المحرك.
شعرت بالدوار, ودون شعور مني سقطت في الماء, في الطرف الجانبي من النهر العظيم, بينما المحركات الثقيلة تدور وتملأ الفضاء ضجيجًا وألم.
كنت سجينًا بين أربعة جهات من الماء. وكل طرف يريد ان يأخذني ليدفعني إلى جوف المضحات التي تستجر الماء. استغاثت أختي أنجيل وبكت, وتبعتها أختي لوسين, بيد أن الماء والوجع لم يسمعا. وذهب صراخهما في اللاشيء. رفعت يداي في الهواء وصرخت وبكيت. كان أبي نائمًا تحت ظلال الأشجار والرطوبة وصوت المحركات. وإلى جواره إلى مسافة أمي تغط هي الأخرى في النوم تحت سقف السماء وبكاء الخابور.
جاءت طفلة بعمري اسمها زكية, بكل ثقة استندت على القضبان الخشبية ومسكت يدي وبهدوء سحبتني إلى جوار الضفة. استيقظ والدي مذعورًا وركض عبر الكيش وحملني وأخذني. كنت أبكي. وهو يزجرني ويقول:
ـ لماذا تذهب إلى هذا المكان. لقد قلت لك مرات كثيرة انتبه, الخابور بقدر ما هو رحوم هو قاسٍ
كان بيتنا في تلك القرية الأشورية على شكل مخروط اسطواني. في الأسفل دائري له نافذتان مزروعتان في الجدار. وهما عبارة عن بلور مغروس في الجدار لا يتحرك, وضع من أجل إدخال الضوء. ثم يمتد ليصبح بشكل مخروط في الأعلى. في تلك القرية الجميلة كان يأتينا العنب في سلال والتين. يقول لنا أحدهم بلغة عربية مكسرة:
ـ خذ هذه السلة من العنب يا أخي. حقول الكروم يملأ المكان. نريد من يأكل.
كانت المواسم فائضة. جلبوا لأنفسهم محرك للكهرباء مثل جميع قرى الخابور في المكان الذي استوطنه الاشوريون.
الأخضرار يملأ كل مكان في ضيعهم. يعملون بهمة ونشاط ولديهم خبرة كبيرة وجلد على العمل والانتاج. أكاد أقول أنهم لا يعرفون الا العمل في الأرض في تلك الفترة.
كنت امر مع والدي في السيارة في فترة الستينات من الحسكة إلى المناجير أو رأس العين أو بالعكس ونرى أضواء المصابيح تشع وتنثر الضوء في الليل الجميل على طول الشريط الذي ينام على حضن الخابور ويمتد إلى عشرات الكيلومترات.
لم تكن قبضة السلطة قد ترسخت واستوت على المكان. كان وضع الناس مرحرحًا. المياه وفيرة. والكهرباء دائمة الخضرة. ولا تنقطع صيفًا أو في الشتاء. سلال العنب أذكرها جيدًا. رائحة الفاكهة عندما تخرج من الحقيقة وتتلقفها اليد الحنونة. طيب المذاق, طري مثل الأرض والنهر والإنسان في بلدنا. وكان مجدًا, عرشًا في بساطته. في حميمية الناس وهيبتهم وفي طهارة أرواحهم ونقاء قلوبهم. مملوءين رأفة وقناعة, وحب دون تسويق او تزييف.
كنت مفتتنًا بذلك المكان. عيني تمتلئ حنانًا بصدى صوت الخابور وروحه الوديعة.
عشقت الجزيرة السورية حتى الثمالة. عشبها, رائحة النعناع البري. هذه الأرض الطافحة بالحميمية والأمل والفرح. وكان أهل الخابور يزرعون أشجار المشمش والتفاح والدراق والعنب والتين. والخوف والإجاص. ويصدرون القمح والشعير بمئات الأطنان والقطن والنفط.
في تلك القرية الوديعة تعلمت اللغة الاشورية بشكل كامل، بسبب البعد عن الحسكة نسيت العربية والأرمنية.
عشنا هناك تسعة اشهر. ارتويت من الخضرة والرطوبة والفرح والجمال.
وما أن عدنا إلى الحسكة نسيت هذه اللغة الجميلة، اللغة الأشورية.

المعارضة العاجزة
المعارضة منفصلة عن الواقع، لا تملك القدرة على إدارة الصراع.
ما فعلته انها وضعت الثقل الذي حملته الثورة في سلة الغرب دون أية ضمانات أو شيء ملموس.
كانت ثورة شعب على الاستبداد، ثورة على هزيمة 1967 والنظام الامني العربي الذي خرب البلاد.
المشكلة، أننا من فرط بمكاسب الثورة، عملت المعارضة دون مرجعية سياسية أو وطنية. فبدلا من أن يركض الغرب وراءنا يلبي شروطنا ومنجزات ثورتنا، صرنا نركض وراءه ليحل مشاكلنا.
دائما هناك حلول لاي مشكلة سياسية بدها من يعرف كيف يحملها بأمانة في قلبه وعقله وروحه.

عن الدولة ونقيضها
هذا الموضوع، الدولة، السلطة المجتمع يشغل بالي كثيرًا.
أعرف أن الإنسانية لم تنتج معرفة تنتشلها من المستنقع الذي وضعت فيه من قبل النخبة المالية والسلطة.
كتبت إحدى المرات إذا لم يصل الناس إلى منظومة فكرية، منظومة مفهومية نقيضة للمنظومة القائمة، منظومة في مواجهة سلطة النخب، وند لها، على نقيضها، لا يمكن أن ننهي الاستبداد المالي والسياسي والاقتصادي.
مع الأسف أن رأس المال سيطر على شيء بدءًا من الجامعات التي لم تعد تخرج الا المدجنين والخنوعين، وفككوا مؤسسات المجتمع المدني، ودجنوا كل شيء.

وهناك تصحر عالمي في الفكر والفلسفة والمعرفة.
الإنسانية أصبحت مجرد زبد لا طعم له ولا حياة خاضعة، لقانون المال والسوق ورأس المال.
منذ أن وجدت الدولة وإلى اليوم، هي في حالة قلق وتوتر، تنتقل، وتنقل معها المجتمع من أزمة إلى أزمة، ومن حرب إلى حرب ومن دمار إلى دمار.
ولدت الدولة، كمفهوم عام، مأزومة، غير مستقرة، لا تستقر لا في المكان أو الزمان، ولا تتوقف الدولة الكبيرة عن ابتلاع الدولة الصغيرة.
وكل دولة تبلع مصائر الناس وأحلامهم وأمالهم. وتحول طموحهم إلى مجرد رغبات مكبوتة، وتدفعهم مرغمين ليعيشوا حالة ضياع وقلق وخوف وعدم الاستقرار.

المراكز
المراكز تملك العقل، ومصادر القوة والعمل، ولديها المدينة بتنوع مصادر حركتها، والتخطيط، وتوزيع السلطة، والتراتيبية العامودية والأفقية.
الأطراف فوضى، السلطة عامودية بالمطلق، والتراتيبية العامودية فيها بالمطلق، ولا يمكن للطرف أن يتقدم دون تراتيبية أفقية.
الهند والصين سيبقيان أطرافًا ما دام الحقل الاجتماعي مهمشًا، مفككًا، مقادًا من التراتيبية العمودية، من السلطة العمودية مباشرة.
الموضوع طويل ويحتاج إلى البحث العميق


صراع الحضارات
الحرب على الإرهاب, الإسلام, لن تنتهي, سواء كان المسلمون معتدلين أو متطرفين. إنها حرب ظالمة وعنصرية, وغير عادلة, وتوازن القوى مختل لصالح من شن الحرب علينا باسم صراع الحضارات.
لا يمكنني إلا أن أقف مع الضحية مهما كانت عيوبه. وما سيقع على المسلمين سيقع علي. إننا شركاء في الهزيمة سواء كنا في أوروبا أو اميركا أو الشرق الأوسط. نحن ضحايا لعبة السلط على مستوى العالم
الميديا استطاعت أن تقلب الحقائق رأسًا على عقب, فجعلت من الضحية جلادًا ومن الجلاد ضحية.
لماذا لا تلجأ السلط إلى الثقافة, المعرفة للتغيير. ولماذا زرعت الخوف في قلوب الناس على مستوى الكرة الارضية. لماذا لم يلجأوا إلى العقل بدلا عن العنف

اليقظة
يجب أن ننظر إلى الممارسات السياسية التي تقوم بها الدول, وما يخططون له بتيقظ, بعقل مفتوح, وفكر نير, بعيدًا عن التعصب بكل أشكاله وألوانه حتى نرى اللوحة بوضوح.
يجب أن نتذكر أن السياسة حامل مصالح القوى القابضة على جميع مفاصل الحياة. وان لا نكون وقودا لهم, وضد مصالحنا ووجودنا, عبر فهم غلط, لما يقومون به, ضدنا.

أمراضنا
أغلب الأمراض النفسية, هو نتاج فعل السلطة, ممارساتها العنفية عبر التاريخ. فهي تمزق الإنسان وتحطمه وتغربنه وتفككه من الداخل
جرت محاولات وهمية كثيرة لمعالجة مشكلاته عبر تغييبه أكثر, وتمييع الحقيقة, بيد أن قسوة الواقع كشفت مقدار الزيف.

حافظ الأسد
دعم النظام الدولي لحافظ الأسد, لهذا البدوي القادم من الجبل جعلته يكشر عن أنيابه الخفية وينفرد بنا. هذا الدعم كان جزءاً مهماً وراء إحجامنا ونكوصنا وقبولنا بالأمرالواقع, لأننا عزل والزمن ليس معنا, إنه علينا, بوعورته وقسوته.


نحصن أنفسنا من الخارج، نحميها من الانزلاق أو السقوط في الهاوية.
ونضفي عليها المهابة والمكانة والجلال. ونسوق أنفسنا للآخرين على أننا عند حسن ظنهم.
هل نحن هكذا؟
هل نحن محصنون من الداخل؟ هل نحن متصالحون مع أنفسنا؟ هل نقبل أنفسنا بأنفسنا؟
لماذ نعمل على إرضاء الخارج ولا نستطيع إرضاء الداخل؟ لماذا هذه الازدواجية في ذات كل واحد منّا؟
كما هو معلوم أن التيارات الهوائية تلعب بنا وتدخل حياتنا من كل الجهات.
وفي داخل كل واحد منّا الاستعداد النفسي للقبول والتجاوب، للخضوع وركوب الآخرين علينا.
وليس لدينا الآليات اللأزمة والوافية للوقوف في وجه الموج العالي القادم إلينا.
لماذا داخلنا مهزوم ومكسور ونصوره على عكس ما هو عليه؟
لمن يجب أن نرضي أولًا؟



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس في الثقافة مقتطفات 8
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 7 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 6
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 5 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 4 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 3
- هواجس في الثقافة مقتطفات 2
- هواجس في الثقافة ـ مقتطفات ـ 1 ـ
- عيد رأس السنة الجديدة في السجن
- فرانكشتاين
- قراءة متأنية في رواية الرحيل إلى المجهول للكاتب آرام کرب ...
- الهيمنة
- البشموري
- والدي العاقر
- المثقف العضوي
- مشكلة سبينوزا
- الكبت في رواية عندما بكى نيتشه
- عندما بكى نيتشه
- الوعي المغيب
- نيتشه في رواية


المزيد.....




- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...
- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 9 ـ