أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة مقتطفات 13















المزيد.....

هواجس في الثقافة مقتطفات 13


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 7854 - 2024 / 1 / 12 - 10:26
المحور: الادب والفن
    


الحصاد
بعد أن توقفت الحصادة عن العمل جمعنا كل ما بعثرناه ووضعناها فوق هذه الآلة السوداء وجلسنا فوقها كالقطط الحائرة. كنت الحلقة الصغيرة, الضعيفة في المعادلة, كل دقيقة وأخرى:
ـ آرام, أنا عطشان, أجلب لي كأس ماء، أذهب ونظف ذلك المكان، أحمل هذا الكيس وضعه هناك. ابتعد، أذهب من هون وأجلس بعيدًا عنا. أسباب عطل الحصادة أنت. لولا مجيئك معنا لما تعطلت الحصادة. منذ أن ركبتَ هذه الآلة ولم نر منها الخير. اللعنة على الساعة التي رأيناك فيها. أنت ملعون الوالدين, لعنتهم حلت علينا وجلبت لنا سوء الطالع. صورتك, شكلك, كسمك القبيح خرب الحصادة ومنع المحرك من الدوران.
كان أنترانيك ابن مالك الحصادة الأسوأ في السلوك, كيف لا وقد خرج من أسرة مريضة, الأب مستبد, ظالم. يضرب أولاده وزوجته بسبب أو دونه. يشتمهم, يسبهم, ويحقرهم بين الفينة والأخرى. ولم يتجرأ أي واحد منهم أن يعترض على قراراته مهما كان, بالرغم من أن طول والدهم لم يكن يتجاوز المئة والخمسين سنتمتر, الا أن أولاده الشباب كانوا يرجفون أمامه. في حضوره كانوا يتحولون إلى فئران صغيرة ترتعد فرائصها من الخوف والخضوع.
يتكلم معي بطارف أنفه, بفوقية واحتقار. لم أكن أفهم في ذلك الوقت سبب تصرفه الغريب معي. ربما كان عمره في ذلك الوقت يقارب العشرين سنة. متكبر, قليل الكلام, جلف وخشن ولم يكمل دراساته. ربما وصل للصف الثاني أو الثالث الابتدائي. وربما لأن التعليم كان محتقرًا بينهم لهذا لم يكمل أي واحد في العائلة دراسته ولم يصل أي واحد منهم في الدراسة إلى الصف الخامس الأبتدائي.
كان أنترانيك عاشقًا للأفلام والأغاني الهندية. في بيته عشرات إن لم يكن مئات الأسطوانات السوداء الدائرية المغلفة والمنظمة. وعندما يريد أن يسمع يضع الاسطوانة فوق تلك الآلة الموسيقية القديمة التي تسمى الغرامافون. كنا نراه يجلس وحيدًا في البيت, يغلق الباب على نفسه ويسمع أغاني الفنان الهندي شامي كابور أو راجي كابور. وأحيانًا كثيرة كان يغني معهم. ولم يترك فيلمًا هنديًا لم يذهب إليه. ويعشق جميع الممثلين الهنود, بسواجيت, راجندر كابور, سيرابانوا, راجي كابور وشامي كابور. وافتتن بفيلم جينكلي إلى حد الجنون.
وكنت اسمع كثيرًا عن هذا الفيلم واتحين الفرصة لحضوره, بيد أني لم أره إلى اليوم.
كانت الأهرام السينما الوحيدة في رأس العين التابعة لمحافظة الحسكة في سوريا. صاحبها هرم بذاته. لم يكن يضحك للرغيف السخن كما يقول المثل. قليل الكلام. يقف أمام باب السينما, ولا يسمح لنا بالاقتراب من الباب أو التلصلص على أي فيلم.
هناك أفلام كثيرة بقيت حسرة في قلبي وروحي لأنني لم أستطع أن أراها. أبكي مرات كثيرة ان يعطيني أبي نصف ليرة من أجل قطع التذكرة والذهاب إلى السينما. لم يكن لديه المال. يقول لي:
ـ يا ابني, ليس في جيبي فرنك واحد لاعطيك حتى تذهب.
أبكي, أتعرش بالباب, بشجرة الكينا العملاقة, بدلو البئر. اضرب الأرض برجلي. اصرخ, أقول له:
ـ أريد أن أرى الفيلم. أريد أن اذهب إلى السينما. الفيلم جميل جدًا. أرجوك. أصدقائي عند باب الحوش ينتظروني لأذهب معهم.
ـ والله العظيم يا ابني ليس في جيبي قرش واحد. أذهب وفتش ان رأيت أي شيء خذه.
وتموت الحسرة في قليي كما ولدت. لا اتصالح مع الحرمان ولا اطفي الرغبة. أذهب إلى عند باب السينما. اصطدم بوجه ابو الياس صاحب السينما. احيانا يشدني من أذني ويبعدني عن الباب.
مرات كثيرة كنت أقول في نفسي:
ـ لو أن والدي يملك هذا البناء لكنت شاهدت جميع الأفلام التي تعرض السينما.
كنت اعشق السينما. والممثليين العالميين مثل عشقي لكرة القدم. اجمع صور اللاعبين والممثلين من هنا وهناك. ولا اترك أي شيء للقدر. عقلي يعمل مثل الكومبيوتر. يبحث عن الرغبات الدفينة التي يحرضها عقلي وروحي.
الرغبات التي تتولد في داخلي كانت المحرك لي. أما الوعي فلم أكن اسيطر عليه أو أعرف له مكانًا. اللاوعي, الرغبات الحقيقة التي تتشكل في داخلي تقودني. وأنا اطيعها واسير وراءها. وتصطدم بقسوة الواقع الصادم الذي يصطدمني ويفتت اشياء جميلة نابتة في أعماقي. تتحول الرغبات إلى مكبوتات, تنمو وتكبر في شراييني. وتبدأ النفس تبحث عن مخارج للتصالح والكذب. ترسم نوع من التوافق الكاذب بين الرغبة والحرمان. ففي روح وعقل الطفل, خط سير في اتجاه واحد, ان يحقق أكبر قدر ممكن من النزوع نحو تحقيق ما يريده بأقصى درجات الوصول إلى الحاجة
في الصيف. من على سطح البيت أرى تقافز الصور القادمة من السينما. لا شيء واضح على الاطلاق. ابقى معلقًا مدة طويلة في مكاني علني أرى مشهدًا ما. لكن هيات. أمّل واتعب. أشياء جميلة بقيت في ذاكرتي لم تمت بعد. ذاك الطفل, العاشق للحياة يرغب ويرغب ولا يرتوي من الحاجات والرغبات المجنونة النائمة في اعماقه. لم استطع أن أدفن الجمال والعشق لكرة القدم والسينما الا بعد الضغط المتواصل والحرمان المتواصل.
كان والدي يشاركني في مسؤولية البيت منذ كنت صغيرًا. وكلمة ليس في جيبي قرش واحد خالدة في ذاكرتي. ودائمًا أحسه يرمي المسؤولية على الآخرين. الله, القدر, الحمل الثقيل الذي يرزح تحته. يقول لي مرات كثيرة:
ـ لدي ثمانية أطفال. والراتب لا يكفي للإجار والأكل والشرب والمدرسة.
في ذلك الزمن لم يكن يسمح للموظف العمل في وظيفتين. القوانين كانت صارمة. ومن المعيب جدًا أن يرتشي المرء. عندما يسرح امرء ما من الوظيفة لاسباب تتعلق بالنزاهة أو العمل كالرشوة أو الاختلاس كان يعتبر محتقرًا من قبل الناس, منبوذًا. ولم تكن الدولة تسمح بالتسيب أو السرقة من المال العام. كان الإنسان في بلدي لديه معايير أخلاقية مختلفة عما ساد في زمن حافظ الاسد. ولم يكن هناك تلك السلطة الجائرة. ولم نكن نعرف رجل الأمن من المخابرات/ المباحث/. وممنوع منعًا باتًا أن يصرح رجل الأمن عن نفسه. ولم تكن الدولة عدوة المجتمع أو تمارس سلطتها على الإنسان في الشاردة والواردة.
اشار مرة والدي إلى رجل يمشي في الشارع مطأطأ الرأس, قال لي:
ـ أنظر إلى هذا الرجل. لقد خرج من السجن بسبب الرشوة. إنه محتقر بين الناس. أصبح مكروهًا. وسيتحول إلى منبوذ بين الناس لسابع جد. وضعه سيء. الله يكون بعونه.
وقال لي مرة في إشارة لرجل واقف بجانب سيارة:
ـ هذا رجل حزبي. القلائل من الناس يحملون هذا الصفة. الحزبي عليه واجبات أكثر من الحقوق. ولا يسمح للعشائري أو الاقطاعي/ كما كان يسمون في ذلك الوقت/ او الغني بالدخول إليه.
لم نكن نسمع عن مختلس أو شرطي يرتشي أو موظف يسرق. لم تتلوث الذمم ولم تتوسخ النفوس. ولم تتغير المعايير الأخلاقية لمجتمعتنا.
كان لنا عدو واحد اسمه اسرائيل. وكل إنسان يتكلم بالعشائرية أو القبلية يسجن. ولم نكن نعرف شيء اسمه طائفة أو كلمة مسلم أو مسيحي أو يهودي. لم تتغول الدولة, وتتحول إلى وحش يفتك بنا الا بعد دخول جيش حافظ الاسد إلى لبنان. قبل ذلك, كان الجيش السوري منضبطاً إلى حد كبير. لا رشوة أو تسيب أو اختلاس كما هو عليه فيما بعد.

التلذذ بالقتل
أماه:
ـ لماذا يتلذذ الرجل في القتل؟ متى تنضج هذه الرغبة لديه؟
ـ آه منك؟
ـ لماذا؟
ـ لديك أسئلة غريبة يا ولدي، لقد عجز التاريخ عن تفسير هذه الظاهرة المرضية.
ـ لماذا؟
ـ عندما تكبر ستتحول إلى قاتل، وستتلذذ بهذا الفعل. هذا هو الرجل.
ـ لا أحب أن أكون قاتلا. أحب البحر والنهر والفراشات والضوء والسماء الصافية والشمس.
ـ تحب الجمال والحرية لإنك ما زلت صغيرًا. طفلًا. وعندما يموت قلبك الصغير ستنتصر لذاتك وتتحول إلى قاتل.
ـ لا أريد هذا يا أمي، دعيني معلقًا بثوبك. إن لا أكبر.
ـ لكنك ستكبر

يقول الغجري:
لا يموت الغجري على فراشه، فهذه فعلة لا تليق به.
وعندما يموت يوضع معه كمانه أو قيثارته التي بالإمكان الاستفادة منها في الرحلة التي سيقطعها إلى العالم الآخر.
والأهم أنه لا يدون تاريخه ولا بطولاته، يعتبر الأرض وخيرات الأرض ملك الله والبشر.
هذا هو تاريخ الغجر، لا ملكية له، لهذا لا تاريخ له.
الغجر كانوا احرارًا لا وطن لهم، العبيد وحدهم يؤمنون بالملكية، بالسلطة، بالوطن والحرب.

الإنسان الذي يفتقد للردع الذاتي ربما يكون مدمرا

الحداثة
لقد ألغت الحداثة الرأسمالية الروابط الاجتماعية التي كانت سائدة في السابق، وحلت محلها روابط أخرى، زمالة عمل أو سفر أو رحلة استجمام، انتظمت داخل إطار التقسيم المحلي للعمل أو الذي فرضته الآلة.
وتم، تأسيس جديد للعلاقات الاجتماعية، قائم على هذا التقسيم، أو المهنة.
حتى الشوارع والبيوت والعمارات والأرصفة هو عمل مركب، جرى انشاءه وفق ذلك، فرضته ضرورة السوق وحركة السوق وتم فرض على الجميع.
لم يعد هناك علاقات اجتماعية حميمية أو بريئة. بل، أضحت جميع هذه العلاقات موظفة.
ويجب، بل بالضرورة، أن تكون داخل اطار النقابات، أو النوادي، أو الجمعيات، أو المجتمع المدني، له وظائف سياسية، كمصدر أساسي للتضامن، كبديل عن وحدة المجتمع.
حتى بناء المدينة جرى تشييدها وتنظيمها وفق حاجة العمل وسوق العمل، بمعنى مات الخيال والبرءاة والجمال والطبيعة الحرة للطبيعة والإنسان.
أذكر البيان الشيوعي لماركس وأنجلس يقول، البرجوازية انهت كل العلاقات السابقة عليها واستبدلتها بالمال.
أصبحت كل العلاقات موظفة، خدمة ـ مال.

النظام الدولي
النظام الدولي الذي تأسس في العام 1945 انتهى بزوال الاتحاد السوفييتي. اليوم الوضع الدولي كارثي بعد انحسار دور الولايات المتحدة على الصعيد الدولي نتيجة ضعفها الداخلي.
في غياب دولة مهيمنة على النظام الدولي، كالولايات المتحدة الأمريكية، سيفلت الثعالب الصغار والكبار على قن الدجاجات، وسيأكلونهم بخشونة، من الرقبة والأطراف.
ولن يكون هناك ضوابط سياسية وعسكرية في الصراعات الدولية، وستتفرغ الساحة للدول الأقليمية كروسيا وتركيا وايران والصين والهند والباكستان، وربما اليابان.
على الأرجح سيدخلون في حروب مفتوحة، وسيصبح البشر مجرد جنود مجهولين لهذا الوضع، يقاتلون كما كان يقاتل أجدادهم تحت رايات أيديولولجية مصنعة وتسميات متعددة.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس في الثقافة مقتطفات 12
- هواجس في الثقافة مقتطفات 11
- هواجس في الثقافة مقتطفات 10
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 9 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 8
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 7 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 6
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 5 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 4 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 3
- هواجس في الثقافة مقتطفات 2
- هواجس في الثقافة ـ مقتطفات ـ 1 ـ
- عيد رأس السنة الجديدة في السجن
- فرانكشتاين
- قراءة متأنية في رواية الرحيل إلى المجهول للكاتب آرام کرب ...
- الهيمنة
- البشموري
- والدي العاقر
- المثقف العضوي
- مشكلة سبينوزا


المزيد.....




- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- ليبيا.. إطلاق فعاليات بنغازي -عاصمة الثقافة الإسلامية- عام 2 ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة مقتطفات 13