أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 15 ـ















المزيد.....

هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 15 ـ


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 7855 - 2024 / 1 / 13 - 14:35
المحور: الادب والفن
    


الطفولة
عندما كنت في الحادية عشرة من العمر، كنت جالسًا بحضور الكثير من الرجال عندما قال ابو ليفون:
ـ إحدى المرات كنت على سفر بالجيب الويلس في براري الجزيرة العذبة. والدنيا برد ومطر. والغيم الاسود يغطي السماء والأرض. والعتمة المدلهمة تغلف الأرض من كل حدب وصوب. والعاصفة الهوجاء المعوجة تمد عنقها وتزرعه في لبي وعنقي, تعصرني وتنتشلني من مكاني لترميني في مكان آخر. ضيعت الابعاد, الشرق والغرب. صقيع العالم كله حط رحاله علي في ذلك اليوم البائس. رأيت شيئًا لم يكن في الحسبان!
رأيت احدهم فاغر الفم واللسان والعينين, ينظر بهوس صوب أبو ليفون قبل أن يقول:
ـ ماذا رأيت عمي ابو ليفون.
في الحقيقة كانت جميع العيون فاغرة, والأجساد مرتخية والعقول متجهة صوب الكلمات القادمة من عتالين وسائقين وخياطين وبقية الدراويش والبسطاء. وابو ليفون منتشي وسعيد بهذه الجمعة اللذين يمدون ألسنتهم ويسمعون لكلماته, الدرر الفارغة التي يلفظها. بينما الآلة, الحصادة بعيدة تقص السنابل وتملأ الأكياس بالحبوب. قال ابو ليفون:
ـ رأيت ثلاث قطط سوداء اللون!
ـ قطط في الليل؟ في البراري؟
ـ ثلاث قطط في البراري. يرقصون أمامي ويلوحون لي. كلما ادعس على نابض البنزين وأدفع السيارة نحو المزيد من السرعة أرى القطط تزداد سرعة. لم يتبللوا بماء المطر. كان وبرهم جافًا. المطر لا يقترب منهم على الاطلاق.
ـ هل خفت يا عمي ابو ليفون؟
ـ عمك ابو ليفون لا يخاف ابدًا, هكذا رد كارو, ابو ليفون
ـ هل قلت بسم الله الرحمن الرحيم.
ـ لم أقل أي شيء. كما تعرف أنا مسيحي. لم ارسم علامة الصليب, كما لم اتلوا ترنيمة أبانا الذي في السماوات. ثم ضرب يده على صدره بقوة شديدة حتى كاد يمزقه, واضاف:
ـ القلب حديد, لا يخاف من الغيوم السود والقطط السود. أنهم عبارة عن حيوانات صغيرة. كانوا يرقصون. ولما الخوف؟
ـ وماذا فعلت بعد ذلك. ألم تغرس السيارة في الطين والوحل.
ـ قلت لك معي الجيب الويلس. إنه حصاني الاسود. إنه يتحدى الجبال والوديان والوحل. وضعت الدبل كير, ولم اتركه يقف. ابقيت على السرعة ذاتها. دهست القطط. وسرت بعون الله تعالى, بيد أنهم قفزوا وخرجوا من تحت الدواليب وعادوا للجلوس في منتصف الطريق الموحل.
فاغر فم آخر قال:
ـ الله يوفقك يا ابو ليفون اكمل حديثك الشيق والرائع.
ـ كلما ادهسم أراهم أمامي. كانوا جن. أرسلهم الله لي في تلك الليلة الليلاء ليمتحن أيماني. لقد نجحت. الله يعرف أنني اعبده واقدسه. لهذا تابعت سيري على بركة الله.
ـ يقولون يا عمي ابو ليفون ان الجن يخاف من الحديد. هل هذا الكلام صحيح؟
ـ هذا الكلام صحيح بيد أن الدواليب تبعد قوة الحديد لهذا يخرج الجان للإنس.
ـ وماذا بعد؟
ـ وعندما وصلت إلى طريق شبه جاف اوقفت الجيب ونزلت منه, والتفت نحو اليمين واليسار لم أر أي شيء. كان المطر يتساقط الهوينة. والعاصفة تبددت, والحياة عادت للاسترخاء والتمدد. اخرجت علبة السجائر وعمرت لفافة واحدة, ودخنت على مهل. استنشقت المزيد من الهواء النظيف ثم عدت للمقود, وما أن أدرت المحرك حتى عادت القطط مرة ثانية بيد أني لم ابال بهم. تعاملت مع الموضوع كشيء عادي تمامًا.
كانت انفاس الرجال مشدودة, يسمعون لكل كلمة بدقة شديدة. وبين الفينة والآخرى اسمع شهقة وجع أو أناة أو كلمة آه. هناك شيء ما يدغدغ هؤلاء في حديث ابو ليفون الذي ملك لبهم وعقلهم.
كنت اسمع هذا الحديث والرعب يملأ كياني وقلبي. دقات قلبي كانت تزداد مع كل كلمة يخطها فم ابو ليفون. كنت أقول:
ـ قطط سوداء في الليل؟ إنه رجل قوي, جبار هذا الرجل القصير صاحب العينين الواسعتين ان يدهسهم ولا يخاف.
عندما عدنا إلى رأس العين قلت لوالدي حديث ابو ليفون. قال لي:
ـ إنه كذاب. هذه أحاديث فارغة. لم ير قط قط. إنه جبان وكذاب. لا تسمع لمثل هذه الأحاديث, الأشياء الخرافية. لا يوجد جن أو أشياء لا مرئية. لقد عملت في البراري في الصيف والشتاء وسمعت مثل هذه الاحاديث الفارغة من الكثير من الناس بيد أني لم أر أي شيء. كنت اقود الجرار في أماكن بعيدة عن المدينة. في البراري الغير مأهولة. وتحت ضربات البرد والليل الثقيل والعتمة المدلهمة, وحدي, افلح الأرض, وورائي سكة متعددة الرؤوس تشق الأرض. العتمة وحدها كافية أن تجعل أقوى رجل في العالم يخر من الخوف. لم أر ما هو غريب أو خارج المالوف. رأيت الكثير من الذئاب أو الضباع والثعالب والافاعي لكنهم بمجرد أن يروا الجرار حتى يولوا الادبار. فلحت في جنوب الرد, على حدود تركيا والعراق والرقة, بجوار الخابور وفي عمق مبروكة ما بين الجزيرة والرقة. خفت مرات كثيرة. الخوف من المجهول شيء طبيعي, هذا الخوف هو الذي يدفع الإنسان إلى التخيل واختراع كائنات غير حقيقة كالجن أو غيرها. ثم مج سيجارته وأخذ مصاصة المتة وشربها وقال:
ـ أنت رجل قوي. وابقى كما اعرفك. ابو ليفون رجل جبان يضرب زوجته وأولاده ويهرب من واجباته الأسرية ويشرب العرق. إنه لا يستطيع النوم, يبقى سهرانًا طوال الليل يشرب حتى يتعب كي ينام.
في المصلحة كنت اغسل الصحون والكاسات. وأدخل في الجملونات, في مؤخرة الحصادة بيدي مفك البراغي, ولاوية كبيرة. وهذه الجملاونات مثل الشفرات الحادة مسنونة الرؤوس تمتلأ بالقش والسنابل التي لم تستطع الحصادة هرسها. أبدأ بالمفك واتبعها باللاوية ثم ادفع القش للخروج من الجملونات, كومة وراء أخرى.
إحدى المرات كنت أنظف الجملون, وإذ أحدهم شغل المحرك. صرخت بملء صوت وتعربشت بالشفرات قبل أن يدور المحرك دورته الكاملة. ورميت نفسي من مؤخرة الحصادة بينما أقدامي بقيت عالقة ورأسي في الاسفل. كنت اصرخ وأبكي. وما توقف المحرك حتى حملني أحدهم وأخرجني, قلت لهم:
ـ الا تعلمون أنني انظف, اقشط السنابل العالقة في المؤخرة. لماذا فعلتم بي هكذا.
بلا مبالاة قال أنترانيك:
ـ كنا نمزح معك. لم نكن نريد ان نشغل المحرك. لقد أدرناه دورة صغيرة حتى نرى ردة فعلك. قلت له:
ـ أنظر كيف تمزق فخذي. هل هذا مزاح؟ اصعد إلى المكان الذي كنت فيه مدة عشرة دقائق. سأراك كيف تتصبب من العرق. وستبول على نفسك من الخوف.
ـ اخرس. سد فمك ولا تطول لساني. هل فهمت!
ـ لا لم افهم.
ـ أنت واحد منحوس.
ـ المنحوس هو أنت وأبوك. هل فهمت؟ مصلحتكم فاشلة. وانتم فاشلون يا أهل السخنة.
كان العم عزو والخياط ابراهيم واقفان لا يتكلمان.
وخيمت قبل بضعة أيام بالقرب منا حصادة حمراء, عنتر/ انترناشيول/. الجميع تحدث بصوت واحد. قال أحدهم:
ـ أنت مخطأ. خوفك المبالغ به كان الدافع وراء رميك لنفسك من مؤخرة الحصادة. قلت لهم:
ـ من الان وصاعداً لن اصعد لإلى مؤخرة الحصادة الا المفتاح في جيبي. والا لن اصعد. هل فهمتم. قال أحدهم:
ـ صاير بطل يا آرام.
قلت له:
ـ تركت البطولة لك. لأبوك. شرف, اصعد بدلا عني إن كنت رجلًا.

النفيسي والملا عمر وطالبان
د. عبد الله النفيسي، سياسي وأكاديمي كويتي وعضو مجلس الأمة المنتخب في العام 1985.
النفيسي زار قندهار لمقابلة المجاهد الملا عمر، وهذا الأخير قاتل السوفييت عندما كان عمره تسعة عشرة عامًا إلى أن انهار.
يقول النفيسي أن الملا عمر استقبله في بيته البسيط، لا مكان للترف أو الغنى أو البذخ. بيت طيني فيه مساند. وأنه وسيم وطويل القامة وله هيبة. قال، تكلم معنا باللغة البتشونية والمترجم موريتاني، وأنهم سيمسحون الشيوعيين مسح. ويضف النفيسي أن الملا عمر فيه طهارة في التفكير، ونبالة.
قال سألته للملا عمر، لماذا لا تعيش في كابول، هناك مركز المدينة وعاصمة البلاد. قال:
كابول منطقة سياحية، والسياح إذا رأوني سيأتون ليسلموا علي وأنا لا أقبل لأن سورة التوبة تقول أن المشركين نجس.
طبعًا النفيسي كان سعيدًا بالملا عمر ومعجبًا به وبسلوك وتصرفه وشهامته، وتكلم عنه أيضًا بحب وتقدير.
يعلق النفسي ويقول أن المفسرين اختلفوا حول السورة، البعض منهم قال أن النجاسة معنوية أكثر مما هي نجاسة مادية، أما الملا عمر، قال أن هناك تفسير أخر:
النجاسة مادية ومعنوية، للاحتياط، أنا لا اصافحهم.
يعقب النفيسي على سؤال المذيع:
ـ كل واحد غير مسلم يعتبر كافر لهذا فإن مصافحتهم نجاسة.
اعتقد أن النفيسي خريج جامعة لندن كان موافقًا على هذا التفسير، ومستمتعًا بحديث ذاك الملا عمر
الملا عمر كان رئيس الوزراء دولة طالبان، لنتصور بهذا العقل المقيد يستطيع قيادة دولة أو مجتمع ويفرض أراءه عليهما، في عالم مفتوح على آلاف الاحتمالات المدمرة لكل مكان في عالمنا المريض.
مشكلتنا مع هذا الفهم للدين، في هذا الحضور، في هذا التكفير، في هذا النبذ والرفض للآخر المختلف.
ليبق كل إنسان على دينه ليس لدي مشكلة، بل أحبذه، لكن أن يزاود علينا فلان لأنه مؤمن، وأنا كافر فهذا يدخلني معه في معركة فكرية سياسية.

عن الشيخوخة
أجمل هدية تقدمها لنا الحياة في فترة الشيخوخة هو الموت.
إن يموت الإنسان واقفا على قدميه خير من العجز أو المرض.
وأفضل مكان للراحة الأبدية هو في المحرقة دون صلاة كاذبة أو قراءة ربانية سخيفة لا معنى لها.
هذه هي أمنيتي، فأنا إنسان حر واتمنى أن أموت حرًا دون طقوس دينية سخيفة وبايخة



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس في الثقافة مقتطفات 14
- هواجس في الثقافة مقتطفات 13
- هواجس في الثقافة مقتطفات 12
- هواجس في الثقافة مقتطفات 11
- هواجس في الثقافة مقتطفات 10
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 9 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 8
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 7 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 6
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 5 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 4 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 3
- هواجس في الثقافة مقتطفات 2
- هواجس في الثقافة ـ مقتطفات ـ 1 ـ
- عيد رأس السنة الجديدة في السجن
- فرانكشتاين
- قراءة متأنية في رواية الرحيل إلى المجهول للكاتب آرام کرب ...
- الهيمنة
- البشموري
- والدي العاقر


المزيد.....




- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- ليبيا.. إطلاق فعاليات بنغازي -عاصمة الثقافة الإسلامية- عام 2 ...
- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...
- بالكوفية.. مغن سويدي يتحدى قوانين أشهر مسابقة غناء
- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 15 ـ