أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - ديكور فيلم هندي في بغداد














المزيد.....

ديكور فيلم هندي في بغداد


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 7857 - 2024 / 1 / 15 - 18:42
المحور: الادب والفن
    


لو تسنى للمعماريين العراقيين الكبار الذين بقوا يحرصون على ترك لمساتهم على مباني وبيوت العراقيين، أن يسنح لهم التاريخ الذي “لا يكرر نفسه” مشاهدة الرثاثة التصميمية السائدة في البلاد اليوم، ماذا بوسعهم أن يفعلوا؟
هل يكفي ذرف الدموع كردة فعل على فساد الذائقة البصرية، مثلما نسد أنوفنا من الرائحة الكريهة؟
أشك بذلك، فالتصاميم المنتشرة حالياً في المدن العراقية للمنازل والمباني أشبه بديكور فيلم هندي تتقاطع فيه الألوان الصارخة، فيما تنعدم الوظيفة لواجهات جمالية في بيوت لا تعبر إلا عن ذائقة أصحابها من الطبقة الأوليغارشية المختطفة للبلاد، بعد أن تريّفت بغداد وتراجعت مدَنيّتها.
التصاميم المعمارية الجديدة، تعبر بامتياز عن الانهيار الثقافي والاجتماعي السائد وتراجع الذائقة البصرية في البلاد كمعادل للانهيار السياسي.
فقد تشتت المعمارية في البناء العراقي، وفقدت خصوصيتها ويمكن أن نجد ذلك في التصميم المتطفل على خصوصية المعمار الموصلي، بتواطؤ من اليونسكو عندما اختارت تصميماً لجامع النوري يفتقد إلى الخصوصية المعمارية العراقية.
أما تصاميم البيوت العراقية المشيدة حديثاً، فتكفل بها “جيل معماري” هو نتاج الرثاثة السائدة، فتراجع مفهوم البيت الذي ينحى لعوامل المفاجأة ويخلق الاستمرارية، ولهذا فدون البيت يصبح الإنسان مفتتاً حسب تعريف غاستون باشلار، إنه -البيت- يحفظه عبر عواصف السماء وأهوال الأرض، يمكن أن نجد ذلك مجسداً في مئات الأحياء العشوائية وبيوت الصفيح والطين المنتشرة في المدن العراقية. بينما التصاميم الشاذة للبيوت الجديدة، أشبه بموسيقى صاخبة مزعجة تنتشر في الطرقات، فمثلما لا يكفي سد الآذان لتجنب سماعها، لا يكفي إغلاق العيون للمحافظة على الذائقة البصرية للمواطن العراقي.
البيت المسروق من أهله هنا هو التعبير المصغر للوطن المختطف، عندما لا يكون لك بيت صغير فبالضرورة لا يمكن أن تنتمي للوطن، مقابل ذلك تجد من يشوهون البيت في محاولة لإضفاء مشروعية ملفقة لوجودهم في بيوت ضخمة، لكنها جوفاء في شكلها الخارجي وألوانها الفاقعة الخارجة من رحم لا يمت بصلة لما يحيط بها في البيئة.
تسنى لي أن أتابع على مضض منذ اطلاعي على التصميم المقترح لجامع النوري المحطم في الموصل من قبل فريق تصميم مصري بتواطؤ مخزي من اليونسكو، المعمارية المحدثة في العراق، فثمة الكثير من العروض وثمة الكثير من المجموعات الهندسية الشابة التي تدافع عن الذائقة البصرية وتعرض لمجزرة التشويه في صور لبيوت جديدة تصيب العين الإنسانية بالتوتر.
فالمعمار المشوه هو أحد امتدادات التشويه المتعمد لما يجري في العراق منذ عقدين، انهارت لغة الحكي العراقي وتحولت إلى لهجة محطمة بذيئة بلا جذور، سقطت القيم، ساد الفساد وأصبح ميزة لدى الأشخاص، انكسر الفن وتحولت الموسيقى إلى نغمة واحدة مكررة لدى الجميع مستمدة من التخلف والهيجان العشائري والطائفي، وهكذا غابت الذائقة البصرية لمن يصممون واجهات البيوت ومداخلها في العراق.
رسم صورة مبالغ فيها حد الفجاجة اللونية للبيت يفقده الألفة والوظيفة التاريخية التي وجدت له منذ أول بيت في التاريخ، لكنه بالمقابل يكشف أبهة المال الفجة وغرور الاستعراض المتغطرس، وهذا أمر قد يميز أصحابه من وضيعي المعرفة وأثرياء المال المسروق. بيد أن سقوط المصمم المعماري في فخ تلك الفجاجة يصنف كجريمة بصرية، ولسوء حظ عيوننا لا يحاسب عليها القانون، قبلها علينا أن نسأل إذا كان ثمة قانون ثقافي أصلا في العراق الحالي!
هؤلاء كمن يرتدي الملابس المفرطة في بريقها اللامع للتعبير عن أنفسهم. ومهما غلا ثمن هذه الملابس فهي لا تخفي دواخلهم الخاوية، تماماً كبيوتهم الجديدة الطارئة على تاريخ الذائقة العراقية.
فالبيوت فاسدة الوظيفة ومشوهة التصميم كالأغاني الفجة والمراثي الوضيعة وكالسياسيين الأميين وكالفضائيات بخطابها الرث وحثالتها الطائفية. بيوت اليوم في الكرادة والمنصور… أشبه بديكور فيلم هندي مقحم على بغداد!



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا لسعادة العراقيين بمقتل السعيدي
- عودة إلى مجزرة أنشودة المطر اللحنية
- أرقد بسلام أيها المدافع الشرس عن الحقيقة
- عرض السوداني الأخرق على ضفة الكاظمية
- بلاد العصابات
- أبحث عن تونس في تونس!
- قفازات إيران البيضاء بوجه إسرائيل
- علي جودة يكسر قلب الأغنية العراقية
- بوتين في بيتنا، أي أمل سيتركه؟
- متى يلحن كاظم الساهر لنانسي؟
- عن أخلاقية الحرب مرة أخرى!
- واشنطن تخسر وإسرائيل لن تربح
- حرية التعبير ضحية أيضا
- امرأة تعلمنا أن نكون على قيد الحياة
- لا نحتاج حلا لمعادلة الحلبوسي
- كم عبدالحليم في مصر اليوم؟
- لابد من درويش عندما يُفقد الأمل
- يفكرون نيابة عنا!
- العراق المزيف لا يشكل خطرا على إسرائيل
- قطيعة فائزة أحمد مع عراقيتها!


المزيد.....




- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...
- مصر.. نسرين طافش تصالح بـ-4 ملايين جنيه-
- الفنان عبد الجليل الرازم يسكن القدس وتسكنه
- أسعدى وضحكي أطفالك على القط والفار..تردد قناة توم وجيري 2024 ...
- منصة إلكترونية أردنية لدحض الرواية الإسرائيلية في الغرب.. تع ...
- “نزلها الان” تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 2024 لمشاه ...
- مشاهير الموضة والموسيقى والسينما.. في مهرجان ميت غالا حمل عن ...
- متحف -للنساء فقط- يتحول إلى مرحاض لـ-إبعاد الرجال-
- إيران تقيم مهرجان -أسبوع اللغة الروسية-
- مِنَ الخَاصِرَة -


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - ديكور فيلم هندي في بغداد