أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - أبحث عن تونس في تونس!














المزيد.....

أبحث عن تونس في تونس!


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 7830 - 2023 / 12 / 19 - 02:49
المحور: الادب والفن
    


كان بائع الغلال في نهج ابن خلدون وسط العاصمة تونس يتبادل الود والمزاح قبل أن يبيع زبائنه فاكهته من الكرموس والعنب وثمرة تين الشوك الهندي والإجاص… ومع أنه في عقده السبعيني لكنه كان يضيف نكهة إلى طعم بضاعته في هذا الود في تسعينات القرن الماضي. بينما اليوم يقف بائع الكرموس في الطريق ما بين تونس والحمامات أشبه بشرطي يحرس بضاعته بوجه متجهم يرفض أن يكون الود واسطة بينه وبين الزبائن الذين يوقفون مركباتهم جواره للتبضع.
قلت له مازحا “لو اشتريت منك كل ما في هذه السلة، هل ستبتسم؟” لم يجد ما يبعث على الابتسام في كلامي! فناولي الكيس من دون أن يغير قسمات وجهه!
ثمة معادل لا موضوعي ما بين ذاك البائع العجوز في تسعينات القرن الماضي وبائع اليوم، يمكن أن نقيس فيه الطمأنينة المفتقدة في تونس، وهذا لا يقتصر عليهما فحسب، يمكن أن يكون الحال نفسه مع سائق التاكسي الناقم على كل ما يحيط به في الشارع، وموظف البنك ونادل المقهى وحتى بائع الفل والياسمين في شارع الحرية.
كنت أرى في تونس إبان عقد التسعينات نافذة شاسعة مفتوحة نحو العالم، وعشت لسنوات فيها مطمئنا آنذاك، لكنني أفتقد كل ذلك اليوم وأبحث عنه في مقاهيها الذاوية وفنادقها التي افتقدت نجومها الخمس، يا للحسرة! قال لي نادل مقهى الفندق في ياسمين الحمامات وهو يبتهج بي مثل أي تونسي عند لقاء عراقي “الأمور تغيرت ولم تعد كما كانت”.
ذلك ما كنت أبحث عنه وأنا أقف قبال مقهى باريس وسط تونس التي أرخت لحقبات سياسية وثقافية، بحثا عما علق في نفسي من طمأنينة. كانت المقهى تضج في كل صيف من تسعينات القرن الماضي بجدل أبوزيان السعدي ومصطفى الفارسي والحبيب بوعبانة ومحمد الخالدي وآدم فتحي ومحمد الصغير أولاد أحمد… بينما تبدو المقهى نفسها اليوم ذاوية وكأن مقاعدها هرمت ولم تجد من يبث فيها الحيوية.
حدث في صيف عام 1996 أن التقت مجموعة من العراقيين في تونس قادمين إليها من شتى بقاع العالم، وكانت المفاجأة أن يلتقوا معا تحت أشجار شارع الحبيب بورقيبة وكأن تغريد العصافير فوقها شاهد على ذلك اللقاء النادر بين المخرج المسرحي سعدي يونس بحري والمخرج حسن الجنابي والروائيين فؤاد التكرلي وعبدالرحمن مجيد الربيعي والفنان الدكتور فاضل عواد والفنان جواد الشكرجي والمخرج مقداد مسلم والموسيقار نصير شمة وعازف البيانو سلطان الخطيب والفنانين التشكيليين حسن عبدعلوان وسعدي الكعبي وسميرة عبدالوهاب وعلي رضا والصحافي أياد البكري وأستاذ الإعلام كريم الفراجي وصانع الأعواد يعرب محمد فاضل، فأي دائرة عراقية ستكون عندما يقفون وسط طريق يعشقه كل التونسيين في مساء صيفي على ضفاف المتوسط. كان مثيرا أن نقف جميعا أمام فندق أفريقيا الشاهق بشكل لافت أثار رجال الأمن بملابسهم المدنية! فكيف اجتمع كل هؤلاء العراقيين ذلك المساء. حتى رجل الأمن كان ذكيا وهو يدخل بيننا لتفريق هذا التجمع التلقائي في أهم مركز وسط المدينة. نعم كان رجال الأمن يراقبون كل ما يحدث آنذاك، لكنهم لا يشبهون رجال الأمن اليوم مثلما لا يشبه بائع غلال الأمس البائع اليوم!
فرجل الأمن اليوم أوقف سيارة الأجرة في منتصف الطريق طالبا مني الهبوط بذريعة لماذا أجلس في المقعد الخلفي وليس جوار السائق في محاولة لابتزازي!
ما زلت أدور في تونس بحثا عما أفتقده بين الأمس واليوم، ولأنها جزء من تاريخي الشخصي أهيم بها، فقد تركت في أمسيات مقاهيها ومطاعمها ومفردات أهلها وأغانيها ما يلذع القلب بنكهة لا يمكن أن تتلاشى، تماما مثل أغاني الهادي الجويني الملتاعة!



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قفازات إيران البيضاء بوجه إسرائيل
- علي جودة يكسر قلب الأغنية العراقية
- بوتين في بيتنا، أي أمل سيتركه؟
- متى يلحن كاظم الساهر لنانسي؟
- عن أخلاقية الحرب مرة أخرى!
- واشنطن تخسر وإسرائيل لن تربح
- حرية التعبير ضحية أيضا
- امرأة تعلمنا أن نكون على قيد الحياة
- لا نحتاج حلا لمعادلة الحلبوسي
- كم عبدالحليم في مصر اليوم؟
- لابد من درويش عندما يُفقد الأمل
- يفكرون نيابة عنا!
- العراق المزيف لا يشكل خطرا على إسرائيل
- قطيعة فائزة أحمد مع عراقيتها!
- نادي كبار الكذابين بصلافة
- غاستون باشلار في بيتنا
- إسرائيل تعيش تحت وطأة الحطام الوجودي
- همايون ناظم الغزالي
- انكسار “الغطرسة الإسرائيلية”
- معادلة شاذة لعدد الصحافيين في العراق


المزيد.....




- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - أبحث عن تونس في تونس!